اقتباس
ولكنّ المشهد المبكي المطبق عليه ممارسات رفع ضغط الدّم اليوميّ واللّحظيّ السّكوت الدّوليّ والتّآمر الباطنيّ والعنصريّ على ما يجري على المضطهدين والمشرّدين والمظلومين والمنكوبين في سوريا وبورما، حتى إنّ الرّصد العدديّ الإخباريّ ملّ فلا يجرؤ على الإفصاح؛ فأنهار الدّماء الجارية أبكت العيون وأدمت الجفون، وما زال الصّمت العالميّ والدّوليّ مطبّقًا قاعدة رفع ضغط الدّم، وكأنّ أرخص الدّماء دم الإنسان.
(القاتل الصّامت) ضغط الدّم ليس هو مجال حرفيّ هنا، والذي تعدّدت أسبابه في عصرنا المائج والهائج بالتّوتّر على جميع أصعدته، والذي يقيسه الأطبّاء عادة عن طريق تحديد كميّة الدّم التي يقوم القلب بضخّها وكميّة تدفّق الدّم في الشّرايين، ولكن حول نمط وسلوك الواقع والحياة من حولنا، والتي هي مليئة ربّما بالمشاهدات المسموعة والمقروءة التي ما زالت تساهم في رفع ضغط الدّم للإنسان السّويّ، ولو أنّ مجتمعاتنا العربيّة تحظى بنشطاء ومؤهّلين بشهادات في تخصّص اسمه: كيف ترفع الضغط؟!.
ولن أنسى قصّة أحد الأشخاص الذي دخل مع صديقه المستشفى لإجراء بعض الفحوصات، فسألته الممرّضة: هل تشكو من ارتفاع في ضغط الدّم؟ فردّ صديقه قائلاً "صديقي هذا متخصّص في رفع الضّغط!"..
فعلى المستوى الاجتماعيّ الضيّق مثلاً: ما زالت محاكمنا تكشف عن الاضطرابات والصّدامات الزّوجيّة، والتي هي عامل مباشر في رفع ضغط أحدهما، ولقد أظهرت دراسة أمريكيّة حديثة أنّ الزّواج السّعيد مفيد جدًّا للحفاظ على مستوى جيّد لضغط الدّم، وحذّرت من أنّ الزّواج المضطرب قد يكون أسوأ بكثير من البقاء عازبًا، والباحثة (جولياني هوستلاند) بيّنت أنّ نتائج هذه الدّراسة جاءت مفاجِئة؛ إذ كانت هناك دراسات لاحقة بيّنت أنّ المتزوّجين أكثر صحّة من العزّاب، لكنّ الواقع ربّما يبرهن العكس.
لذا وجد الباحثون في دراسة على (204) أزواج، و(99) عازبًا أنّ الأزواج الذين يعيشون حياة هانئة، ولديهم القدرة على التّكيّف مع شركائهم، يتمتّعون بضغط دم طبيعيّ طوال اليوم وفي اللّيل، في حين أنّ الأزواج التّعساء يعانون من ارتفاع ضغط الدّم أكثر من العزّاب، قد يصل إلى حدّ الخطورة، كما أظهرت دراسة أخرى أنّ الشّعور بعدم الرّضا والرّاحة في الحياة الزوجيّة يعود لما يُسمّى بـ(انعدام التّوافق الجنسيّ)، والسّكوت عن علاجه ربّما ساهم في زيارة (القاتل الصّامت) لدى أحدهما.
والنّاظر لمجتمعنا يلحظ أنّ حالات ارتفاع الضّغط المبدئيّ يذكيها الشّعور بالظّلم أو مصادقة الفقر، أو الذين يمارسون تصدير الضّجيج بكلّ أشكاله؛ فالتّلوّث الصّوتيّ الممارَس في حياتنا اليوميّة وعبر قنواتنا الإعلاميّة أو التّعليميّة له دور مباشر في زيادة ضغط الدّم حتى لو تمّ تجاهل الأصوات المفعمة بالضّجيج لمواصلة الحركة أو النّوم، وزيارة واحدة لأيّ عيادة أو صيدليّة يكشف عددًا ليس باليسير ممّن يدخلهم الضّغط في ناديه المشؤوم.
ولعلّ أصدقاءنا الناشطين في مجال رفع الضّغط يتمتّعون في الغالب بالبرود والسّلبيّة في جانب، وفي المقابل هم من يتفنّنون في سرقة ووأد الفرحة والابتسامة والسّعادة من الآخرين.
والمراقب لصراعاتنا الدّينيّة والطّائفيّة والقبليّة وحتى الإقليميّة يجد أن مجالات النّشاط في جمعيّات رفع الضّغط في ظهور مستمرّ ومتسارع ما دام الصّراع الماديّ الهادم للقيم والمصالح العليا في تسارع طرديّ.
فشعوبنا العربيّة من السّهل أن تكون ضحيّة لاستفزاز الآخرين، واللّعب على وتر ثائرتهم؛ إذ الحقيقة أنّنا في مجتمع يتحكّم فيه هؤلاء النّاشطون بمشاعرنا وتصرّفاتنا ويجدون من خلاله سوقًا لسرقة ما تبقّى من العمر.
ولعلّ أكبر تجمّع يضمّ كيانًا للنّشطاء الحقيقيّين هو المكان الذي تُمارس فيه البيروقراطيّة فيه باسم تطبيق النّظام مرّة، وباسم المثاليّة المزيّفة مرّة أخرى، أو الممارسون لحقّ السّلطة الإداريّة على مَن دونهم بتعسّف أو تعنّت.
ولكنّ المشهد المبكي المطبق عليه ممارسات رفع ضغط الدّم اليوميّ واللّحظيّ السّكوت الدّوليّ والتّآمر الباطنيّ والعنصريّ على ما يجري على المضطهدين والمشرّدين والمظلومين والمنكوبين في سوريا وبورما، حتى إنّ الرّصد العدديّ الإخباريّ ملّ فلا يجرؤ على الإفصاح؛ فأنهار الدّماء الجارية أبكت العيون وأدمت الجفون، وما زال الصّمت العالميّ والدّوليّ مطبّقًا قاعدة رفع ضغط الدّم، وكأنّ أرخص الدّماء دم الإنسان.
وأعتقد أنّ هؤلاء النّشطاء خاصّة في رفع ضغط الدّم لن يعيدوا الشّعوب للطّبيعة أو السّكينة، وسيركّزون على إقحامنا في أنانيّة المدنيّة الصارخة التي نحن من قرابينها.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم