نساء يصفن أزواجهن (حديث أم زرع الجزء الأول)

محمد بن عبدالرحمن العريفي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ حديث الزوجات الثمان اللاتي وصفن أزواجهن في الجاهلية

اقتباس

والنساءُ يَجلسُ بعضُهنَّ معَ بعضٍ وربَّما أفضَينَ لبعضِهنَّ البعضِ بعضَ أحاديثِ أزواجِهن، فلا يَليقُ أن تكونَ زوجتُكَ إذا جَلستْ وسَمِعَت بعضَ ما عندَ النساءِ جعلت كلُّ واحدةٍ تُثني على طيبِ زَوجِها والثانيةُ تُثني على رائِحَتهِ، والثالثةُ تُثني على حُسنِ لِباسِهِ، والرابعةُ … وإذا زَوجَتُكَ تَجدُ...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستغفِرُهُ، ونَعوذُ باللهِ تعالى من شُرورِ أنفُسِنا وسَيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه، ومَن يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَه، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ جَلَّ عن الشبيهِ والـمَثيلِ والكُفْءِ والنظير، وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُهُ ورسولُهُ وصَفيُّهُ وخليلُهُ وخيرَتُهُ مِن خَلقِهِ وأمينُهُ على وَحيِهِ أرسلَهُ رَحمةً للعالمينَ وحُجَّةً على العبادِ أجمعينَ، فصلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ ما ذَكَرَهُ الذاكرونَ الأبرار، وصلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ ما تَعاقَبَ الليلُ والنهار، ونَسألُ اللهَ أن يَجعلَنا من صالِحي أمَّتِه، وأن يَحشُرَنا يومَ القيامةِ في زُمرتِهِ.

 

أما بعد:

 

أيها الإخوةُ الكرام: بَعَثَ اللهُ تعالى رُسُلَهُ إلى الناسِ بَشَراً من بَني آدمَ يَعيشونَ كَبَقيةِ الناس لهم أزواجٌ وذُرِّيةٌ، وأمرَنا اللهُ تعالى بالاقتِداءِ بالأنبياءِ (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام:90] (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21].

 

وقد تَنَوَّعَتْ جَوانِبُ الاقتداءِ في حياتِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وسَنَقِفُ اليومَ على مَجلِسٍ بينَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وزَوجِهِ الطاهِرَةِ الصدّيقةِ بنتِ الصدِّيقِ رضيَ اللهُ عنهما، ذكرتْ فيهِ عائشةُ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قِصَّةَ إحدى عَشرةَ امرأةٍ في الجاهليةِ، كانَتْ جلسةَ مُصارَحةٍ بينَ زَوجٍ وزَوجَتِهِ.

 

روى البخاريُّ ومسلمٌ عن عائشةَ رضي الله عنها قالت وهي! تُحدِّثُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بخبرِ إحدى عشرةَ امرأةٍ اجتَمعْنَ في الجاهليةِ يَتَحدَّثْنَ عن أزواجِهِنَّ قالت: يا رسول الله جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا.

 

قَالَتِ الْأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى، وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ.

 

تَعني أنَّ زَوجَها لا يَلتَفِتُ إليها وسَيِّءَ الخُلُقِ مَعَها فلا تَستَطيعُ أنْ تُحادِثهُ فيُؤانِسَها، ولا فيهِ من الصفاتِ الحسنةِ ما يُبرِّرُ تَكبُّرَه عليها، فهو يَتَكبَّـرُ، وغيرَ مُتَواضِعٍ معها كأنَّهُ لَحمٌ غَثٌّ رَديءٌ فوقَ جَبلٍ وَعِرٍ فلا يَستَحِقُّ مَن يَتعبُ لأجلَه.

 

وقَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لاَ أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ.

 

تَعني أنِّي لا أستطيعُ الكلامَ عن زَوجي لِشِدَّتِهِ وعُنفِهِ وسُوءِ أخلاقهِ معي، فلو بَلَغَهُ كلامي عنهُ لَطَلَّقَني.

 

ثم قالت: "إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ" والعُجَر والبُجَر هيَ زوائِدُ اللحم في بَطنِ الإنسانِ السمينِ أو ظَهرِهِ التي يَنطوي بعضُها على بعضٍ، وتَعني أنَّهُ زِيادَةً على سُوءِ خُلُقهِ لا يَعتَني بحُسنِ هِندامهِ وتَناسُقِ جِسمِه.

 

وقَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِيَ العَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ.

 

العَشَنقُ: هو الرَّجُلُ الطويلُ جِدًّا، قالت فإنْ أتَكلَّمْ وأُطالِبُهُ بحقِّي وأنَبِّهُهُ على خَطَئِهِ وتَقصيرِهِ طَلَّقَني، وإنْ أسكُتْ عن المطالَبَةِ بحقوقي معَ تَقصيرِهِ مَعي في فِراشِي ونَفَقَتي ومَسكَني ومُعامَلَتي، وإنْ أسكُتْ أصبِحُ كأنَّي امرَأةً مُعلَّقةً غيرَ ذاتِ زَوجٍ.

 

أيها الأحبة الكرام: إنَّ مثلَ هذا التَّعَامُلِ السيِّءِ بينَ الزوجينِ كانَ النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- يُحَذِّرُ منهُ قائِلاً: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" (رواه أحمد والترمذي).

 

وكانَ في تَعامُلِهِ -عليه الصلاة والسلام- مع زَوجاتِهِ سَمْحًا لَيِّناً بَسَّامًا حَسَنَ العِشْرَةِ.

 

دَخَلَ -عليه الصلاة والسلام- إلى بيتهِ ضُحًى فَسألَهم: عِندَكم طَعامٌ؟ قالوا: ما عِندَنا طَعامٌ، فلم يَصنَعْ مُشكِلَةً ولم يُعنِّفْ إنَّما قال: إنِّي إذًا صَائِمٌ، ثُمَّ صامَ إلى الليلِ ولم يُحدِثْ مُشكلةً لأجلِ ذلك.

 

وكانَ النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- لا يَتَّخِذُ قَراراتٍ سريعَةً معَ أهلِهِ، ولا يَجعلُ الطلاقَ عَصًا يُلَوِّحُ بها في كُلِّ مَوقِفٍ، فهذهِ المرأةُ تَشتَكي بأنَّ زَوجَها سَريعَ الغَضَبِ حتى أنَّها إنْ تَنطِقْ تُطلَّقْ وإنْ تَسكُتْ لَم يَسألْها عن أحوالِها ولم يَهتَمَّ بمشاعِرِها، بَلْ يَتَجاهَلُها كأنَّها لَيستْ زَوجتُه.

 

وقَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ.

 

تِهامةُ -أيُّها المسلمون- هِيَ: الـمَنطِقَةُ الـمُنخَفِضَةُ كالوَادي، قالت: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لاَ حَرٌّ وَلاَ قُرٌّ، وَلاَ مَخَافَةَ وَلاَ سَآمَةَ، وهيَ تُثْني على زَوجِها بأنَّهُ مُعتدِلُ الـمِزاج، هادِئُ الطِّباعِ مُنبسطُ الأساريرِ، لَطيفُ التعامُل، فهيَ لا تَملُّ منهُ أبَداً، فهوَ كَلَيلِ تِهامةَ لا يَملُّ الجالسُ فيه.

 

وهذا التعاملُ الحسنُ هو المطلوبُ بينَ الزوجين، قال -عليه الصلاة والسلام-: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" رواه مسلم، يَعني لو كَرِهَ عدمَ جَمالِها فليَرضَ منها عِنايَتَها بأولادِها، ولو كَرِهَ جَهلَها فَلْيِرضَ صَبرَها، وهكذا يَنظُرُ الرجُلُ في جميعِ الاتجاهاتِ فإذا وَجَدتَ باباً مُغلَقاً فَهناك عشراتُ الأبوابِ الـمَفتوحَة.

 

قال رجلٌ لعمرَ بنِ الخطاب: سَأُطَلِّقُ زَوجَتي، قال: لـِمَ؟ قال: لا أُحِبُّها، فقالَ عمرُ: يا رَجُل لَيسَ جميعُ البُيوتِ تُبنى على الحُبِّ.

 

نعم، ما دَامَتْ امرأةً صالحةً تُربي أولادَك وتُشارِكُكَ حياتَك فأمسِكها فالحبُّ يَذهبُ ويأتي ويَزيدُ ويَنقُصُ فكُنْ مُعتَدِلاً كَلَيلِ تِهامَةَ لا حَرٌّ ولا قَرٌّ ولا مَخافَةَ ولا سَآمَة.

 

وقَالَتِ الخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلاَ يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ، يَعني شَبَّهَتْهُ بالفَهدِ؛ لأنَّ الفهدَ كثيرُ النومِ، تقول: فإذا دَخلَ البيتَ لا يُؤانِسُنا ولا يُضاحِكُنا ولا يُلاعِبُ أولادَه، وإنَّما يَتَوجَّهُ لِفِراشِهِ وينامُ نومًا طويلاً، فإنْ دَخلَ ظُهرًا نامَ وإن ليلًا نامَ لا يَكادُ أولادُهُ يَرونَهُ إلّا نائِماً.

 

قالت: وإذا خَرجَ أسِدَ، أي: صارَ نَشيطًا مُتَحِّدثًا لَطيفًا شُجاعًا كَريمًا في تَعامُلِهِ معَ الناس، تقول: فَيا لَيتَهُ يَكونُ في البيتِ كذلِك.

 

قالت: ولا يَسألُ عمَّا عَهِد، تَعني أنَّهُ رجلٌ مُهمِلٌ في بَيتِه؛ فلو خرجَ وطِفلُهُ مَريضٌ ثمَّ رجعَ لَيلاً فلا يَسألُ عنه.

 

لايَسألُ عمَّا عَهِد ولا يَتَفقَّدُ نَواقِصَ بيتهِ وحاجاتِهم، وهذا بلا شَكَّ خُلُقٌ سَيِّء.

 

وقد كان النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- يَهتَمُّ بأهلِهِ دخلَ يَومًا فإذا عائِشَةُ -رضيَ اللهُ عنها- قد عَصَبَتْ رَأسَها بِعُصابةٍ وتَتَأوَّهُ من الـحُمَّى فلَم يَنَمْ ويَتْرُكَها، وإنَّما شَارَكَها مَشاعِرَها وسألَها عن حالِها.

 

قَالَتْ عائشة: رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْبَقِيعِ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي، وَأَنَا أَقُولُ: وَا رَأْسَاهُ، فَقَالَ: "بَلْ أَنَا يَا عَائِشَةُ وَا رَأْسَاهُ" (رواه البخاري).

 

وإهمالُ الزوجةِ والأولادِ هو مع الأسَفِ حالُ بعضِ الناسِ اليومَ، فيرجِعُ من عَمَلِهِ وينامُ إلى العَصرِ أو المغرِبِ، ثمَّ يَخرُجُ معَ أصحابهِ ويَسهرُ إلى مُنتَصَفِ الليلِ، فلو جَمعتَ الدقائِقَ التي يَجلسُها مع أولادِهِ أو زَوجَتِهِ طُوالَ اليومِ لوَجَدتَها لا تَتَجاوزُ ثلاثينَ دقيقةً و"كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (متفق عليه).

 

وقَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ التَفَّ، وَلاَ يُولِجُ الكَفَّ لِيَعْلَمَ البَثَّ.

زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ تَعني: يَلُفُّ الطعامَ ويَأكُلُهُ بِشَراهَةٍ دُونَ الالتفاتِ إلى غَيرِه، وإن ناولْناهُ الإناءَ لِيشرَبَ من لَبَنٍ ونَحوِه، اشتَفَّهُ كُلَّهُ ولم يَدَعْ لنا شَيئاً، وَإِنِ اضْطَجَعَ التَفَّ، تَعني التَفَّ باللِّحافِ ولم يَترُكْ لي شَيئاً.

 

وَلاَ يُولِجُ الكَفَّ لِيَعْلَمَ البَثَّ، والـمَعنى: أنَّهُ لا يُحِبُّ إلّا نَفسَه، ولا يَبحثُ إلّا عن مَصالِحهِ ولا يَهتَمُّ إلّا بِراحَتِهِ الشَّخصيةِ، من طعامٍ وشرابٍ ومَنام، حتى الـمُشاركةَ الشُعوريةَ لزوجتهِ لا يَفعلُها، فلا يُقرِّبُ كَفَّهُ إليها لِيُواسيها عندَ حُزنِها أو لِتَبُثَّ لَهُ شكواها، إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ التَفَّ، وَلاَ يُولِجُ الكَفَّ لِيَعْلَمَ البَثَّ.

 

أيُّها المسلمون: قد تَتَحملُ المرأةَ فَقرَ زَوجِها، وقُبحَ مَنظَرِه، ودُنُوَّ نَسَبِه، لكنَّها قَلَّ أنْ تَتَحملَ سُوءَ خُلُقِه، فَهُؤلاءِ النساءِ يَذمُمنَ أزواجَهنَّ فكلُّ واحدةٍ تقول: زَوجي لا يَهتمُّ بأحزاني ولا يَلتفِتُ لمشاعري.

 

فو اللهِ لو أسكنتَ زوجتَكَ في قصرٍ مُنيفٍ وأحَطتَها بالخدَمِ والحشمِ وأسبَغتَ عليها الأموالَ والحُليَّ ومعَ ذلكَ تلقاها عابِساً.. وتنامُ يابِساً.. وتخرجُ غاضِباً وتَعيشُ مُتجاهِلاً.. فلن تَستَمتِعَ بحياتِها معكَ، نعم: (خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم:21].

 

قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ -أَوْ عَيَايَاءُ- طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ

 

عَيَايَاءُ: يَعني: رجلٌ عَييٌّ غَبيٌ لا يُفكِّرُ ولا يُطوِّرُ نفسَهُ بِعلمٍ ولا ثَقافَةٍ، فلو استشارَتْهُ في مُشكِلَةٍ لها أو لأولادِها لَمَا وجدَتْ رأياً حاذِقاً.

 

ورُبَّما كانت أكثرُ مُجالَسَتِهِ معَ قَومٍ مِثلِهِ عَياياء، قالت: زوجي عَيَايَاءُ - طَبَاقَاءُ، يَعني مايَعرفُ يَتكلمُ، دائِمًا مُطبِقٌ فَمَهُ قالت: كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، تَعني أنَّ الأدواءَ الـمُتَفَرِّقةِ في الناسِ جُمعتْ في زوجي فهو بَخيلٌ قبيحٌ غَضوبٌ غَبيٌّ جاهِلٌ.

 

قالت المرأةُ: إن حَدَّثْتِهِ شَجَّكِ، أي: ضَرَبَ رَأسَكِ فَجَرَحَهُ، أو فَلَّكِ أي ضربَ يَدَكِ فَكَسَرَها، أو جمَعَ كُلّاً لكِ، أي: شَجَّ رأسكِ وفَلَّ عُضوَكِ.

 

يَدُلُّ أنَّ هذا الزوجَ ليسَ عندَهُ فَنُّ استماعٍ لزوجتهِ ولا يَتَحمّلُها، يَنبغي ألّا تُسمِعَ زوجتَكَ فقط بل يَنبغي أنْ تَستَمِعَ إليها، حتى لو كانَ حديثُها تافِهًا.

 

أسألُ اللهَ أن يَهدِيَنا لأحسنِ الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ لا يَهدي لأحسنِها إلّا هو، وأن يَصرِفَ عنا سَيِّئَها لا يَصرفُ عنا سيئَها إلّا هو، أقولُ ما تَسمعونَ وأستغفرُ اللهَ الجليلَ العظيمَ لي ولكم من كلِّ ذَنْبٍ فاستغفِروهُ وتوبوا إليه؛ إنهُ هو الغفورُ الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ على إحسانِهِ والشُّكرُ لهُ على تَوفيقِهِ وامتِنانِهِ وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعظيماً لِشأنِهِ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعي إلى رِضوانِه، صلى الله وسلم وبارك عليهِ وعلى آلهِ وإخوانهِ وخِلَّانِهِ ومن سارَ على نَـهجِهِ واقْتَفى أثَرَهُ واسْتَـنَّ بِسُنَّتِهِ إلى يومِ الدين.

 

أمَّا بعد:

 

أيُّها الإخوةُ المؤمنون: قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي المَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ تَعني أنَّهُ رجلٌ ليِّنٌ رقيقٌ عاطِفيٌّ في تَعامُلِهِ، إذا مَسَّها فكأنَّهُ أرنبٌ يُلاعِبُها وهو إضافةً إلى ذلك يَعتَني بنظافَةِ جَسَدهِ ورائِحَتِهِ فالريحُ ريحُ زَرْنَب، والزرنبُ نَبْتٌ طَيِّبُ الرائِحَةِ.

 

نعم… كما تُريدُ أنتَ منها أنْ تَتَزيَّنَ لكَ وتَعتَني بِرائِحَتِها كذلكَ عليكَ أن تَفعلَ أنت.

 

رجعَ ابنُ عباسٍ إلى بيتهِ يَوماً ومعَهُ طُلَّابُهُ يَسألونَه فلمَّا أرادَ أنْ يَدخُلَ تَوقَّفَ عندَ بِركَةِ ماءٍ وغَسَلَ وجهَهُ ولِحيَتَه ورأسَهُ وعَدَّلَ عِمامَتَه ثم قال: إنَّها تُريدُ مِنِّي مثلَ ما أريدُ منها.

 

وقال أنسُ بن مالك: "مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلاَ شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" (متفق عليه).

 

وسُئِلَتْ عائشةُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْدَأُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ؟ قَالَتْ: "كَانَ إِذَا دَخَلَ يَبْدَأُ بِالسِّوَاكِ" (رواه أحمد وابن ماجه).

 

كان -عليه الصلاة والسلام- يَتَسَوَّكُ ليُطّيِّبَ رائِحَةَ فَمِهِ قبلَ أن يدخلَ إلى أهله، أما الزوجُ الذي لا يَعتَني برائِحَةِ فمِهِ عندَما يَقتَرِبُ من زَوجَتِه ولا يَستَعمِلُ ما يطيب رائحة فمه، ولا يَعتَني بنظافَتِهِ من العَرَقِ، ولا يُزيلُ الشَّعرَ من المواضِعِ التي يَنبغي أن يُزالَ منها؛ فكيف يُريدُ من زوجته أن تُلاطِفَهُ وتقترب منه وأن تُحبَّه وتَتعلَّقَ به.

 

والنساءُ يَجلسُ بعضُهنَّ معَ بعضٍ وربَّما أفضَينَ لبعضِهنَّ البعضِ بعضَ أحاديثِ أزواجِهن، فلا يَليقُ أن تكونَ زوجتُكَ إذا جَلستْ وسَمِعَت بعضَ ما عندَ النساءِ جعلت كلُّ واحدةٍ تُثني على طيبِ زَوجِها والثانيةُ تُثني على رائِحَتهِ، والثالثةُ تُثني على حُسنِ لِباسِهِ، والرابعةُ ... وإذا زَوجَتُكَ تَجدُ كلَّ داءٍ فيكَ؛ فلا يَنبغي أن يَغفَلَ المرءُ عن مثلِ ذلك.

 

عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه-، أقبلَتْ إليهِ امرأةٌ يوماً تريدُ فِراقَ زوجِها، قال: لـِمَ؟ قالت: لا أريدُهُ أُبغِضُهُ، يا امرأةَ اتقي اللهَ ما السببُ؟ قالت: لا سببَ لكن لا أريدُه، فليُخالِعْني الآن وسأُعطيهِ مَهرَه، فدعا عمرُ الزوجَ فلما جاءَ فإذا رجلٌ ثَائِرُ الرأسِ لا يَعتَني بمظهَرِهِ أبدًا، لا في حَفِّهِ لشارِبهِ ولا في عِنايَتِهِ بنفسهِ أبدًا، فأشارَ عمرُ إلى بعضِ أصحابِهِ أن خُذهُ معكَ، يَعني عَدِّلْ فيه هذهِ الأمورَ، مَضى بهِ ذلكَ الصحابيُّ وحَفَّ شارِبَهُ وحَسَّنَهُ وأصلَحَ من حالِهِ وغيَّرَ ثيابَهُ الـمُتَّسِخَة، وطَيَّبَه ثم عادَ بهِ إلى عمرَ والمرأةُ جالسةٌ تَنتَظِرُ أنْ يَحكُمَ فيهِ عمر -رضي الله عنه-، فلما عادَ الزوجُ جاءَ إلى عمرَ، فقال عمرُ: خُذْ بِيَدِ امرَأتِكَ، فأقبلَ الرجلُ إلى امرأتِهِ وأمسَكَ بيدِها، قالت: أعوذُ باللهِ في مَجلِسِ أميرِ المؤمنين؟ لم تعْرِفْهُ!

 

كانتْ تَراهُ وقد دخلَ شَعرُ شاربِهِ في فَمِه وإذا أكلَ خالَطَ شعرُ شاربِهِ طعامَهُ، والآنَ تَغَيَّرَ الرجلُ، كانت تراهُ بعِمامةٍ مُتَّسِخَةٍ وريحُهُ مُنتِنَةٌ، فلم تَعرِفْهُ ظَنَّتْ أنَّهُ رجُلٌ آخرَ يُراوِدُها عن نَفسِها، قالت: أعوذُ باللهِ ما تَستَحي تَفعَلُ ذلكَ بِكُلِّ جُرْأَةٍ وأنتَ في مَجلِسِ أميرِ المؤمنين؟ قال عمرُ: إنَّهُ زَوجُكِ فَنَظَرَتْ وتَأمَّلَت ثم قامَتْ مَعَه، قامَت معَه ولم تَقل يا أميرَ المؤمنينَ أنا قلتُ لكَ يُطلِّقْني لا أريدُه، لما رَأَتْ مَظهَرَهُ قد تَحَسَّن.

 

فيَنبغي أن تُراعِيَ ذلكَ مَعَ المرأةُ وهيَ بلا شَكٍّ أحقُّ أن تُراعيَ ذلكَ مع زَوجِها.

 

وسنُكملُ بقية الحديث إن شاءَ اللهُ في الخطبةِ القادِمَة.

 

أسألُ اللهَ تعالى أن يَهديَنا لأحسنِ الأخلاقِ والأقوالِ والأعمالِ لا يَهدي لأحسنِها إلّا هو، اللهمَّ واصرِفْ عنا سيِّئَها لايَصرِفُ عنا سيِّئَها إلّا أنتَ يا ذا الجلالِ والإكرام.

 

اللهمَّ إنَّا نسألُكَ! من الخيرِ كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجلِهِ ما علِمنا منهُ وما لم نعلَم ونعوذُ بكَ ربَّنا من الشرِّ كلهِ عاجلهِ وآجلهِ ما علمنا منه وما لم نعلم،

 

اللهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الـمَهْمومين، ونَفِّسْ كَرْبَ الـمَكْروبين واقْضِ الدَّينَ عنِ الـمَدينين، واشْفِ مَرْضَى الـمـُسلِمين.

 

اللهمّ لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا همّاً إلا فرّجْته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحةً رزقته، ولا ولداً عاقّاً إلا هديته وأصلحته يا ربَّ العالمين.

 

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.

 

اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيم، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيم إنَّكَ حَميدٌ مَجيد.

 

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 

سُبحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ للهِ رَبِّ العالمين.

المرفقات

نساء يصفن أزواجهن (حديث أم زرع الجزء الأول)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات