عناصر الخطبة
1/ الأعمال بالخواتيم 2/ خوف العارفين من سوء الخاتمة 3/ خاتمة العبد ثمرة أعماله 4/ وصية الأنبياء بالحرص على نيل حسن الختام 5/ حكمة إخفاء الخاتمة على العبداقتباس
هذهِ الدّْنيا مَرَاحِل، والنَّاسُ فيها بينَ مُسْتَعِدٍّ وَرَاحِلٍ, وَليسَتْ العِبْرَةُ بِطُولِ العُمُرِ وَقِصَره، فـ (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [العنكبوت:57]، والعِبْرَةُ والكَلامُ، بِحُسْنِ العَمَلِ والخِتَامِ، (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) [آل عمران:185]. نَسْألُ اللهَ أنْ يُحْسِنَ لَنَا العَمَلَ والخِتَامَ.
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الكريمِ الفَتَّاحِ، سُبحانَهُ فَالِق الإصْبَاحِ، وَخَالِق الأَرْواحِ، المُجْزِل لِمَنْ عَامَلَهُ بِالكَرَمِ والجُودِ وَالسَّمَاحِ، نَشهَدُ أن لا اله إلا الله وحده لا شريك لَهُ شَهَادَةً بِها لِلقَلْبِ انْفِسَاحٌ وَانْشِرَاحٌ، وَنَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنا وَسَيِّدَنَا مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ اللهُ بِالهُدى والتُّقى والصَّلاحِ، اللهمَّ صَلِّ وِسَلِّم وَبَارك عليهِ وعلى آله وأصحابه وأتبَاعِهِ بِإحسانٍ مَا بَدا نَجْمٌ ولاح.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
أيُّها المُسلِمُونَ: هذهِ الدّْنيا مَرَاحِل، والنَّاسُ فيها بينَ مُسْتَعِدٍّ وَرَاحِلٍ, وَليسَتْ العِبْرَةُ بِطُولِ العُمُرِ وَقِصَره، فـ (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [العنكبوت:57]، والعِبْرَةُ والكَلامُ، بِحُسْنِ العَمَلِ والخِتَامِ، (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) [آل عمران:185]. نَسْألُ اللهَ أنْ يُحْسِنَ لَنَا العَمَلَ والخِتَامَ.
والكَيِّسُ العَاقِلُ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَه, وَرَجا رَبَّهُ, وَخَافَ مِنْ ذُنُوبِهِ قَبْلَ أنْ تَكُونَ سَبَبَاً فِي هَلاكِهِ. (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].
عِبَادَ اللهِ: حُسْنُ الخِتَامِ مَطْلُوبُ المُؤمِنينَ, وَغَايَةُ العَارِفِينَ الصَّادِقِينَ, وَالخَوفُ مِن سُوءِ الخَاتِمَةِ هُوَ الذي أَرْهَبَ قُلُوبَ الصَّادِقِينَ؛ لأنَّهُمْ يُؤمِنُونَ بِقَولِ اللهِ -تعالى-: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيمَ:27]. قَالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: يُثَبِّتُ اللهُ عِبَادَهُ المُؤمِنينَ الذين قَامُوا بِمَا عَلَيهِم مِنْ إِيمَانِ القَلْبِ التَّامِّ، الذي يَستَلْزِمُ أَعمَالِ الجَوَارِحِ وَيُثْمِرُهَا، فَيُثَبِّتُهُمُ اللهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنيا عِنْدَ وُرُودِ الشُّبُهاتِ بِالهِدَايَةِ إلى اليَقِينِ، وَعِنْدَ عُرُوضِ الشَّهَوَاتِ بِالإرَادَةِ الجَازِمَةِ على تَقْدِيمِ مَا يُحِبُّهُ اللهُ عَلى هَوَى النَّفْسِ وَمُرَادَاتِهَا، وَفِي الآخِرَةِ عِنْدَ المَوتِ بِالثَّبَاتِ على الدِّينِ الإسْلامِيِّ وَالخَاتِمَةِ الحَسَنَةِ. اهـ.
عِبَادَ اللهِ: دَائِمَاً وَأبَدَاً اسْألوا اللهَ حُسْنَ الخِتَامِ؛ لأنَّ رَسُولَنا -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ".
أيُّها المُؤمِنُ: حُسْنُ الخِتَامِ أنْ يُوفِّقَكَ اللهُ في الدُّنيا لِلعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأنْ تَمُوتَ على ذلِكَ، أَخرَجَ الإمُامُ أحمدُ -رَحِمَهُ اللهُ- بِسَنَدِهِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: "يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ". وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا عَسَّلَهُ؟ قَالَ: "يفتح لَهُ عَمَلاً صَالِحًا، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ" صَحَّحَهُما الألبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-. جَعَلَنَا اللهُ جَمِيعَاً مِمَّنْ أَرَادَ بِهِمُ الخَيرَ، واسْتَعْمَلَهُمْ في طَاعَتِهِ, وَأَحَسَنَ لَهُمُ خَاتِمَتَهُمْ.
أيُّها المُؤمِنُونَ: الإسْلامُ ليس بالتَّحَلِّي ولا بالتَّمَنِّي، إنَّمَا صِدْقٌ وَعَمَلٌ، كَمَا قَالَ رَبُّنا -جل وعلا-: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف:110].
نَعَمْ، نَحْتاجُ إلى أخْلَصِ العَمَلِ وَأَصْوَبهُ، وَلْنَعْلَمْ -يا مُؤمِنُينَ- أنَّ اللهَ -تعالى- ليس بظلّامٍ لِلعبيدِ, كَمَا قَالَ اللهُ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: "يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي". إلى أنْ قَالَ: "يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ".
عِبَادَ اللهِ: كُلُّنا يَحْفَظُ حَدِيثَ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ"، وَهَذا مَا يَدْفَعُنا إلى سُؤَالِ اللهِ حُسْنَ القَصْدِ والعَمَلِ.
أيُّها المُؤمِنُونَ باللهِ واليومِ الآخِر: مَنْ كَتَبَ اللهُ لَهُ السَّعَادَةَ وحُسْنَ الخِتَامِ فَسَيَشْرَحُ اللهُ صَدْرَهُ في الدُّنيا, وَيُحَبِّبُ لَهُ الخَيْرَ حيثُمَا كَانَ، وَيَكُونُ لُهُ نُورٌ مِنْ رَبِّهِ؛ وَأَوَّلُ بُشْرَى لَهُ تَكُونُ فِي سَاعَةِ الاحْتِضَارِ حينَ (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت:30]، حِينَهَا نُدْرِكُ مَعْنَى قَوْلَ نَبِيِّنا -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ"، قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ!"، قَالَ: "لَيْسَ ذَاك، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ؛ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ؛ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَه".
لَقَدْ تَذَكَّرَت أُمُّنَا عَائِشَةُ -رضي الله عنها- هَذا الحَدِيثَ حِينَ سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ وَهُوَ فِي سَكَرَاتِ مَوتِهِ يَقُولُ: "بَلِ الرَّفِيق الأَعْلَى"، فَقَالَتْ: "إِذًا -وَاللَّهِ- لاَ يَخْتَارُنَا!"، وَهَذَا مَا جَعَلَ بِلالاَ -رضي الله عنه- يَقُولُ وَهُوَ في سَكَراتِ مَوتِهِ: "وَافَرْحَتَاهُ! غَدَاً نَلْقَى الأَحِبَّةَ مُحَمَّدَاً وَصَحْبَهُ".
اللهمَّ إنَّا نَسْألُكَ حُسْنَ القَولِ والعَمَلِ، وحُسْنَ الخِتَامِ والمُنقَلبِ، وأستغفُرَ اللهَ فاستغفِروهُ؛ إنهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الخطبة الثانيةِ:
الحمْدُ للهِ المُتَفَرِّدِ بِالبَقَاءِ، كَتَبَ عَلى خَلْقِهِ الفَنَاءَ، أَعَزَّ مَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّقَاهُ، وَأَذَلَّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ وَعَصَاهُ، نَشهَدُ ألّا إله إلَّا اللهُ وحدَه لا شريك لَهُ، لا رَبَّ لَنا سِوَاهُ، وَنَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، اللَّهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عليهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوى اللهِ -تعالى- في السِّرِّ والْعَلَنِ، فَالعَبْدُ مَرْهُونٌ بِعَمَلِهِ، إنْ خَيرًا فَخَيرٌ، وإنْ شَرًّا فَشَرٌّ. وَثَمَرَةُ العَمَلِ, فِي حُسْنِ الخَاتِمَةِ والمُنْقَلَبِ.
خَطَبَ مُعَاوِيَةُ -رضي الله عنه-، فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا، كَالْوِعَاءِ إِذَا طَابَ أَعْلاَهُ طَابَ أَسْفَلُهُ، وَإِذَا خَبُثَ أَعْلاَهُ خَبُثَ أَسْفَلُهُ"؛ لِذا كَانَ الأَنْبِياءُ -عَلَيهم السَّلامُ- يُوصُونَ أَقْوَامَهُمْ وَأبْنَاءهُمْ بِالحِرْصِ عَلى نَيْلِ حُسْنِ الخِتَامِ، قال -سبحانه-: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة:132].
عِبَادَ اللهِ: وَفِي إِخْفَاءِ خَاتِمَةِ العَبْدِ حِكَمٌ بَالِغَةٌ، فَإخْفَاؤها مَدْعَاةٌ لِلاجْتِهَادِ في الطَّاعَاتِ, ولِئلا يُصَابَ المَرْءُ بِالتَّوَاكُلِ وَالعُجْبِ أَوْ الكَسَلِ وَالفُتُورِ، وَبالمُقَابِلِ؛ إذَا أيقَنَ بِسُوءِ خَاتِمَتِهِ أَصَابَهُ اليَأْسُ وَالقُنُوطُ، فَاْزْدَادَ عُتوَّاً وَنُفُوراً وَفَسَادَاً فِي الأَرْضِ؛ والمُؤمِنُ الحَقُّ هُوَ مَنْ يَرْجُو رَحْمَةَ اللهِ وَيَخَافُ عَذَابَهُ.
أيُّها الأخُ المُؤمِنُ: بِحَمْدِ اللهِ وَفَضْلِهِ وَعَدْلِهِ, سُوءُ الخَاتِمَةِ لا تَكُونُ لِمَنْ اسْتَقَامَ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، وَإذَا نَظَرْتَ لِحَالِ بَعْضِ المُحْتَضَرِينَ وَجَدتَ أَنَّهُم يُحَالُ بَينَهُم وَبينَ حُسْنِ الخِتَامِ؛ عُقُوبَةً لَهُم عَلى سُوءٍ عَمِلُوهُ، أو فَسَادٍ فِي عَقِيدَتِهِمْ، أَو إصْرَارٍ عَلى كَبِيرَةٍ، أو جُرْأةٍ وَإقْدَامٍ عَلى مَعْصِيَةِ اللهِ -تعالى-، قَالَ ابنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَهَذا مِن أَعْظَمِ الفِقْهِ، أنْ يَخَافَ الرَّجُلُ أنْ تَخْدَعَهُ ذُنُوبهُ عِندَ مَوتِهِ فَتَحُولُ بَينَهُ وَبَينَ حُسْنِ الخَاتِمَةِ". وَقَالَ ابنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَإنَّ خَاتِمَةَ السُّوءِ تَكُونُ بِسَبَبِ دَسِيسَةٍ بَاطِنَةٍ لِلعَبْدِ لا يَطلعُ عَليهَا النَّاسُ، فَهذهِ الدَّسِيسَةُ تُوجِبُ سُوءَ الخَاتِمَةِ عِندَ المَوتِ". وَصَدَقَ نَبِيِّنا -صلى الله عليه وسلم- حينَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".
يا عِبْدَ اللهِ: آخِرُ سَاعَةٍ فِي حَيَاتِكَ هِيَ مُلَخَّصٌ لِمَا كُنْتَ عَلَيهِ فِي دُنياكَ؛ فَليَبْشِرْ مَنْ كانَ مُقِيماً عَلى الطَّاعَةِ، ذِكْرَاً، وَتَسْبِيحَاً، وَتَهْلِيلاً، وَعِبَادَةً، وَطَلَبَاً لِلعِلْمِ, وَفِعْلاً لأنْواعِ البِرِّ والإحْسَانِ وإِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.
فَاسْعَوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- إلى تَحْصِيلِ أَسْبَابِ حُسْنِ الخَاتِمَةِ لِيُوفِّقَكُمُ اللهُ إلى ذَلِكَ، وَاحذَرُوا أَسبَابَ سُوءِ الخَاتِمَةِ؛ فإنَّها المُصِيبَةُ العُظْمَى، وَالدَّاهِيَةُ الكُبْرى، وَالكَسْرُ الذي لا يَنْجَبِرُ، وَلَقَدْ كَانَ السَّلفُ الصَّالحُ يَخَافُونَ ذَلِكَ, فَقَد قَال التَّابِعِيُّ الجَلِيلُ أَبُو مُلَيْكَةَ: "أَدْرَكتُ ثَلاثِينَ مِن الصَّحَابَةِ، كُلُّهم يَخَافُ النِّفاقَ على نَفْسِهِ". وَقَال ابنُ رَجَبٍ: "وَكَان سُفْيَانُ الثَّورِيُّ يَشْتَدّ قَلَقُهُ وَخَوفُهُ مِنْ السَّوابِقِ وَالخَوَاتِمِ؛ وَكَانَ يَبْكِي وَيَقُولُ: أَخَافُ أنْ أَكُونَ فِي أُمِّ الكِتَابِ شَقِيًّا، أَخَافُ أنْ أُسلَبَ الإيمانَ عِندَ مَوتِي". وَقَد قِيلَ: "إنَّ قُلُوبَ الأَبْرَارِ مَعلِّقَةٌ بِالخَوَاتِيمِ". فَلنَكُنْ -إخْوَتِي- مَعَ المُوَفَّقِينَ؛ فَمَن سَلَكَ سَبِيلَهُم حُشِرَ مَعَهُم.
أَيُّها المُسلِمُونَ: إنَّ الشَّارِعَ الحَكِيمَ قَد جَعَلَ لِحُسْنِ الخَاتِمَةِ عَلامَاتٍ يُسْتَدَلُّ بِهَا, وَجَعَلَ هُنَاكَ أسْبَابَاً لِتَحْصِيلها، فَأَيّمَا امْرئٍ أدْرَكَهَا فَهِيَ بِشَارَةٌ لَهُ، وَيَا لَهَا مِنْ بِشَارَةٍ! نَتَطَرَّقُ لَهَا بِعَونِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ في جُمُعَةٍ قَادِمَةٍ بِإذنِ اللهِ -تعالى-.
عبادَ الله: إنَّ الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه فقال -تبارك وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً؛ صلَّى الله عليه بها عشرًا". فاللهم صلِّ على محمَّد وعلى آل محمَّد، كما صلَّيْتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنَّك حميدٌ مجيدٌ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم