نزول عيسى ابن مريم: بشارات وإنذارات

الشيخ محمد سليم محمد علي

2022-12-30 - 1444/06/06 2023-01-01 - 1444/06/08
عناصر الخطبة
1/فوائد وعظات وعبر من نزل عيسى ابن مريم عليه السلام 2/تصحيح أغاليط الكافرين عن عيسى عليه السلام 3/وصايا للمرابطين للثبات والاحتساب 4/البشرى بالخلافة والإصلاح في الأرض 5/رفع الشحناء والتحاسد في زمن عيسى عليه السلام 6/الوصية بالعودة للدين لتعود البركة والخيرات

اقتباس

على أرضنا المبارَكة سيقوم عيسى -عليه السلام- بقتل الدجَّال عند مدينة اللِّدِّ، وسينتهي دجَلُ الأمم، ودجَلُ هيئاتها المضلِّلة للناس، وستنتهي العلمانيةُ، وستنتهي "سِيدَاوْ" وخزنتُها من أهل النار، وسينتهي مسرِّبُو العقارات، والمتهافتون على الولاء للكفار...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي قال: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ)[الزُّخْرُفِ: 59]، هذا العبد هو عيسى ابن مريم، أنعم الله عليه بالنبوة، وأشهد ألا إله إلا اله، وحده لا شريك له، قال وهو أصدق القائلين: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بها وَاتَّبِعُونِ)[الزُّخْرُفِ: 61]؛ فعيسى -عليه السلام- من أهم علامات الساعة الكبرى، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، كان رسولًا ونبيا وحاكما، ولا تنتهي الدنيا إلا بحكم على منهاج النبوة، يكون فيه عيسى ابن مريم آخر الخلفاء المسلمين في الأرض، ففي الحديث الشريف: "‌لَيَنْزِلَنَّ ‌ابْنُ ‌مَرْيَمَ ‌حَكَمًا عَادِلًا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ".

 

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِكَ ورسولِكَ، وصلِّ اللهم على آلِه وأصحابِه، وعلى التابعينَ وعلى مَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ.

 

أمَّا بعدُ، أيها المسلمون: ينزل عيسى ابن مريم من السماء ليقوم بأعمال جليلة، جدير أن تعرفوها، وحريٌّ أن تقتدوا بها؛ فإن المسلم يتحرك في الناس، عاملًا بالدين وعاملًا له.

 

يا مسلمون: ينزل عيسى -عليه السلام- إلى الأرض لإقامة حكم إسلاميّ، فهو آخِر خليفة، قبيل انتهاء الدنيا، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، بالشريعة التي أنزلها الله على رسولنا -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّها آخر الشرائع السماوية إلى الناس، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟ قال أبو هريرة راوي الحديث: فأمَّكم بكتاب ربكم -سبحانه وتعالى- وسنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-"، فعيسى ينزل مُجدِّدًا للذي اندرس من ديننا، ولا يأتي بشرع جديد مبتدَع، فيعمل بالقرآن الكريم وأحكامه، وبسُنَّة نبينا محمد وهديه، ويكون حاكمًا من حكام هذه الأمة، فأين أنتم يا مسلمون من هذا العمل الجليل، والهدف الأصيل؟ الذي من أجله ينزل عيسى، والذي من أجله خلقتُم؛ وهو إقامة حُكم الله في الناس، ألا تعلمون أن يومًا تعيشونه في ظل حكم إسلاميّ خيرٌ لكم من أن تُمطَروا أربعينَ ليلةً؟

 

يا عبادَ اللهِ، يا مسلمون: ينزل عيسى ابن مريم من السماء لأنَّه لم يُصلَب فداءً للبشرية، ولأنَّه لم يقتل تكفيرًا لخطيئة آدم، بل رفعه الله إليه في مكان ما، من ملكوته -سبحانه-، وهو حي لا يزال يتمتع بحياته التي أحياه الله بها؛ حيث كان في الأرض رسولًا ونبيا، قال الله -سبحانه-: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)[النِّسَاءِ: 157]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)[النِّسَاءِ: 157-158].

 

نعم يا مسلمون، ينزل عيسى ويكسر الصليب؛ لأن الصليب إشارة إلى التحريف في عقيدة التوحيد بالله -تعالى-، فمتى يا مؤمنون تكسرون صليب العقائد، والمناهج الفاسدة؟ متى يا مؤمنون تحطمون أصنام أفكار الجمعيات النسوية المرتزقة التي تحرق أسركم، وتقتل الحمية فيكم لدينكم ولأعراضكم؟ متى يوحد البشر ربهم حق التوحيد فلا يشركون به شيئًا؟

 

يا مؤمنون: هذا عيسى ابن مريم -عليه السلام- لا يخاف في الله لومة لائم، يقوم ويقتل الخنزير؛ لأن الخنزير فيه إشارة إلى التبديل في الشريعة؛ حيث أحلوا الحرام، ولحم الخنزير محرَّم في الشرائع السماوية، فلا تكونوا كأهل الكتاب تستحِلُّون ما حرَّم اللهُ، فموالاة الكفار وأهل النفاق والربا، ومنه الربا المُسمَّى بالْمِيمُونْ، والذي يروج له بعض تجارُ السيارات ذوي النفوس المريضة، وتسريب العقارات المقدِسِيَّة وغير المقدِسِيَّة مِنْ قِبَل محامين عبرَ وكالات دولية، كل ذلك ممَّا حرَّمَه اللهُ -تعالى-؛ فلماذا يستحله فريقٌ منكم؟ ألا يتقون الله ويخشونه؟ أنسي مَنْ يُسرِّب عقارًا أنَّه لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وأنَّه كلبٌ من كلاب جهنم، وأن عليه اللعنة إلى يوم القيامة؟ ألَا يعلم الذي يتعامل بالربا أنَّه يحارب الله؟ وأنَّ مَنْ يُحارِب اللهَ يهلك؟ ألَا يتذكر هؤلاء جميعًا (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)[عَبَسَ: 34-37].

 

يا مؤمنون: يضع عيسى ابن مريم الجزية، فلا يقبلها من أحد، فعيسى يقضي على جميع الأديان؛ لأن الشرائع التي من صنع العقل والهوى ينبغي أن يبين زيفها، وينهى الناس عن اتباعها؛ ولأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يجب أن يحكم البشر، قال صلى الله عليه وسلم: "‌لَيُوشِكَنَّ ‌أَنْ ‌يَنْزِلَ ‌فِيكُمُ ‌ابْنُ ‌مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، وَإِمَامًا مُقْسِطًا، يَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ".

 

فيا أيها مرابطون: ثقوا بأنفسكم، وثقوا بمكانتكم عند الله -تعالى-، فأنتم في القدس وأكنافها تصنعون تاريخ أمتكم المجيد، وأنتم وحدكم الذين يشار إليهم بالبَنان، وأنتم الذين تقودون سفينةَ الأمة كما قادَها أسلافُكم، كنتم مع الفاروق عمرَ في زمن خلافته في القُدس، حيث فتَح أقصاكم، وكنتُم مع الناصر لدين الله في زمنِ فَتحِه للقدسِ؛ حيث استردَّ قِبلتكم الأولى من الغزاة، وسوف تكونون مع الرجل الصالح والخليفة على منهاج النبوة، حين يكون مركز الخلافة في القدس وفي الأقصى، وستكونون مع عيسى ابن مريم خليفة المسلمين في آخر الزمان؛ فعيسى -عليه السلام- ينزل من السماء بدمشق، وفي رواية: "ينزل هنا في بيت المقدس، وقد أقيمت صلاة العصر"، وفي رواية: "وقد أقيمت صلاة الصبح، فيقدمه إمام الصلاة؛ ليؤم المسلمينَ، فيقول له عيسى -عليه السلام-: لا، إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمة الله هذه الأمة"، فيصلي عيسى خلفه، وفي هذا يا عباد الله إشارة إلى أن بيت المقدس وبلاد الشام ستحكم بخلافة على منهاج النبوة، مرة إثر مرة، فأهلا وسهلًا ومرحبا بالرجل الصالح في بيت المقدس، وأهلًا وسهلًا ومرحبا بخليفة الله عيسى ابن مريم في المسجد الأقصى المبارك، في بيت المقدس التي اشتاق المرابطون فيها إلى من يرفع الظلم عنهم، وإلى من يحكمهم بشريعة الإسلام؛ شريعة العدل والأمن والسلام.

 

أيها المؤمنون: أبشِروا بالفتوحات القريبة؛ فإن بلاد الشام وبيت المقدس ستكون دارًا لحكم إسلامي بعد هذا الحكم الجبري الذي اقترب زواله والذي يُظلَم فيه الناس ويهانون، وقد بشر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابي الجليل ابن حوالة -رضي الله عنه- أن الخلافة ستكون في بيت المقدس، قبل ظهور علامات الساعة المهمة والكبرى، فقال له: "يا بن حوالي إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدَّسة فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه إلى رأسك"، فاصبروا يا مسلمون وصابروا، وأملوا وأبشروا، فما تحيونه اليوم من ظلم وابتلاء في بيت المقدس وأكنافها هي فترة عابرة، وهي من المبشرات والإرهاصات، بين يدي الفرج العاجل القريب، والفتح والنصر المبين.

 

أيها المسلمون: وعلى أرضنا المبارَكة سيقوم عيسى -عليه السلام- بقتل الدجَّال عند مدينة اللِّدِّ، وسينتهي دجل الأمم، ودجل هيئاتها المضللة للناس، وستنتهي العلمانية، وستنتهي "سيداو" وخزنتها من أهل النار، وسينتهي مسربو العقارات، والمتهافتون على الولاء للكفار، وسينتهي الظلم واستعباد الشعوب، وستنتهي اقتحامات المستوطنين للأقصى، وسينتهي تخاذل العرب والمسلمين إزاءه، وسينتهي التطبيع، وسيظل الأقصى عزيزًا كما كان، يصنع بكم وبرباطكم أحداث التاريخ، وبه سيكون تاريخ الأمة المسلمة مجيدا، وسيكون الفاتح الجديد القريب على منهاج النبوة، وعلى طريقتها إن شاء الله -تعالى-، والإسلام يعلو في الأرض حتى يأتي عيسى -عليه السلام- ولا يقبل من الناس غيره.

 

أيها المؤمنون: وفي خلافة عيسى ابن مريم يعم السلامُ الذي يفقده الناس اليوم، وتعود العزة والكرامة للمسلمين، وهذه هي ميزة الخلافة على مدى الأزمان، فما عز المسلمون إلا في ظلها، وما ذلوا وهانوا إلا في غيابها، ولهذا يشغلكم أعداؤكم عنها، إلا أن إرادة الله غالبة، وغلبة المسلمين لأعدائهم بعد تمحيصهم سنة الله فيهم إلى يوم القيامة، قال ربنا -جل شأنه-: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصَّافَّاتِ: 171-173].

 

أيها المؤمنون الصابرون: والبركة في زمان عيسى ابن مريم تعم الأرضَ، وهي من أهم ثمرات الحكم بالشريعة وعلوها، ومن مظاهر البركة رفع العداوات بين الناس، قال صلى الله عليه وسلم عن زمن عيسى: "ولتذهبنَّ الشحناءُ والبغضاءُ والتحاسدُ".

 

فيا مرابطون: أَزِيلُوا الشحناءَ والبغضاءَ من قلوبكم لإخوانكم، فأنتم تعيشون مرحلةً مصيريَّةً ستواجهون خلالها قريبًا قراراتٍ ظالمةً تعسُّفيَّةً جديدةً رعناءَ، من أعدائكم، لم يَسبِق لها مثيلٌ من قبلُ، فكيف تواجهونها وقلوبكم شتى، فرُصُّوا صفوفكم، وأطيعوا اللهَ ورسولَه، واعملوا بشرائع الدين، فأنتم أهل الحق الذين يسبقون عيسى -عليه السلام- رباطًا وصبرًا وثباتًا.

 

أيها المؤمنون: ومن بركات الخلافة في زمن عيسى ابن مريم أنَّه يقال للأرض: "أنبتي ثمرتَكِ، ورُدِّي بركتَكِ، فتأكل المجموعة من الناس من الرمانة، وتكفي البقرةُ القبيلةَ"؛ لأنَّ الإسلامَ وحدَه هو الذي يحكم، ولأن العدل في الحكم الإسلامي يسود ويعم؛ ألا تشتاقون يا عباد الله إلى مثل هذه البركات؟ إِذَنْ كونوا مع دينكم، ودوروا معه حيث دار، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن عيسى: "وإنه نازلٌ فيُهلك اللهُ في زمانه المسيح الدجال، وتقع الأمنةُ في الأرض".

 

يا عبادَ اللهِ: في زمن عيسى عاد المسلمون إلى دينهم، وعاشوا في كنفه، فأنبتت الأرض خيراتها، وأنتم ترفعون أياديكم إلى السماء، طالبين الغيث، ألا فاعلموا أن سقيا الله لكم بالغيث النافع تكون حين تتوبون؛ حكاما ومحكومين، من كبائر المنكرات، ومن النفاق والولاء للكافرين والظالمين.

 

فاللهم إنا نبرأ إليك من الولاء للكافرين والمنافقين، ونبرأ إليك من الظلم والظالمين، ونبرأ إليك من الإفساد والمفسدين.

 

يا مسلمون: ومن آثار التحاكم إلى شرع الله وسيادته في الأرض في زمن عيسى ابن مريم، إقبال الناس على الآخرة، وإعراضهم عن الدنيا ونعيمها، حتى يفيض المال، ولا يقبله أحد، وحتى يقبل الناس على العبادة وحدها، ولا ينشغلوا عنها بحطام الدنيا الفانية، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- عمَّا يكون من الناس في زمن عيسى -عليه السلام-: "ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها"؛ وذلك لأن الدنيا تكون في آخرها، فأقبوا يا مسلمون على طاعة الله وعبادته، ولا تشغلوا أنفسكم بالحياة الدنيا ومتاعها، فما بين لحظة وأختها تكون آخرة أحدكم، فإن القبر هو أول منازل الآخرة، فهيئوا له صالح الأعمال، والفرار من المنكَرات والمحرمات، فإن الآخرة هي دار القرار، وما عند الله خير وأبقى.

 

جاء في الحديث الشريف قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ ميتٍ يُختَم على عمله إلَّا الذي مات مُرابِطًا في سبيل الله، فإنَّه يُنمَّى له عملُه إلى يوم القيامة، ويأمَن فتنةَ القبرِ"، فاللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وتوفنا وأنتَ راضٍ عنا، ولا تُمِتْنَا إلا وقد قرَّت عيونُنا بحكم إسلامي نرى فيه عزة المسلمين، وعلو الدين.

 

عبادَ اللهِ: استغفِروا الله وتوبوا إليه؛ فإنَّه -سبحانه- غفور تواب رحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ربِّ العالمينَ، ونشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، بلغ رسالة ربه، وأدى أمانته، ونصح أمته، صلى الله عليه، وَصَلَّى الله على آله الطاهرين، وعلى أصحابه الغر الميامين، وعلى سائر المسلمين إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ، أيها المسلمون: ويبتلى عيسى ومَنْ معه من المسلمين بأمة كبيرة من الناس، تنشر الفساد في الأرض، وهي يأجوج ومأجوج، فيحاصرون عيسى والمسلمين معه، فيدعو عيسى ربه، فيهلك الله يأجوج ومأجوج جميعا، والهلاك يا عباد الله هو عاقبة المفسدين، وسُنَّة الله في الطغاة المجرمين مهما بلغوا من قوة؛ فالله أقوى والله أعزُّ والله وحدَه الغالب، والله وحدَه القاهر، والحصار على المحاصَرين لا يدوم وإن طال، فلا تغترُّوا بقوة الظالمينَ، فما بين غمضة عين وانتباهتها يُغيِّر اللهُ من حال إلى حال.

 

أيها المسلمون: في مدة أربعينَ سنةً يُحقِّق عيسى ابن مريم كلَّ تلك الإنجازات، فما أنجزتُم لدينكم في عشرات السنين التي خَلَتْ من أعمالكم؟ هل حققتُم الحكمَ بما أنزل الله؟ هل رفعتُم الذلَّ والهوانَ الذي يجتاحكم؟ هل عز المسجد الأقصى وزال عنه الظلم؟ هل تحرر أسراكم؟ هل وحدتم صفوفكم وأنهيتم الحقد والحسد والبغضاء فيكم؟

 

أيها المؤمنون: هل سألتُم أنفسكم ماذا يجب علينا أن نفعل لنقتدي بعيسى ابن مريم في إنجازاته التي أُنزل من أجل تحقيقها؟ فأيُّ إنجازات قام بها المسلمون في هذا الزمان، وقد خلَقَهم اللهُ لفِعلها؟ أليس من الواجب أن نَكسِرَ صليبَ كلِّ فكرٍ مخالفٍ لعقيدتنا؟ فماذا فعلنا وأنجزنا في هذا المقام؟ أليس من الواجب أن نقتل خنزير الحرام فينا فنتقي الله ولا نعصيه، ألا تريدون أن تقتدوا بإبراهيم والذين معه؟ الذين أعلنوا براءتهم من الكفر والكافرين فقالوا لهم: (إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)[الْمُمْتَحَنَةِ: 4]، فلمن سيكون ولاؤكم بعد الآن؟ ومتى تصححون ولاءكم لله ولرسوله وللمؤمنين؟ ومتى تسيرون على نهج عيسى ابن مريم إذ ينزل من السماء فاضحا ومكذبا أهل الكتاب فيما زعموا؟ متى تلزمون هدي رسولكم -صلى الله عليه وسلم-؟

 

أيها المرابطون: لتكونوا خيار الناس، ولينصر الله بكم الدين، ولتظلوا في بيت المقدس مرابطين، فكونوا لما خلقتم له، -حفظكم الله- ورعاكم وسدد على الخير خطاكم، فالأقصى أقصاكم والمسرى مسراكم، والله ربكم ومولاكم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وهو حسبنا ونعم النصير.

 

اللهم أعل كلمة الدين، وانصر الإسلام والمسلمين، ودمر الشرك والكافرين، وأعز عبادك المؤمنين، اللهم إنا نستودعك رباطنا وثباتنا فاحفظنا اللهم بحفظك، وارعنا برعايتك، واكلأنا برعايتك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، يا ربنا احفظ أقصانا من كيد الكائدين، ورُدَّه إلى الإسلام والمسلمين، عزيزًا كريمًا يا ذا القوة المتين.

 

اللهم إنا نستغفرك إنك كنتَ غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، يا ربنا أطلق سراح الأسرى المسلمين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا، ولمن لهم حق علينا، واغفر لجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، وابعثنا من قبورنا مسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم، وأنت يا مقيم الصلاة أقم الصلاة؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

المرفقات

نزول عيسى ابن مريم بشارات وإنذارات.pdf

نزول عيسى ابن مريم بشارات وإنذارات.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات