نداء لحملة العلم الشريف

أحمد شريف النعسان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ انعدام الرحمة نتيجة الابتعاد عن الله 2/ نداءات مهمة للعلماء وطلبة العلم

اقتباس

اِنعِدَامُ الرَّحمَةِ سَبَبٌ للطَّرْدِ من رَحمَةِ اللهِ، وسَبَبٌ للشَّقَاءِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، وسَبَبٌ لِسُوءِ الخَاتِمَةِ، وسَبَبٌ لِلَّعْنَةِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ. اِنعِدَامُ الرَّحمَةِ دَلِيلٌ على جَهْلِ الإِنسَانِ بِدِينِ اللهِ، وبِهَدْيِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، ودَلِيلٌ على البُعْدِ عن نَهْجِ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فيَا عِبَادَ اللهِ: اِنعِدَامُ الرَّحمَةِ نَتِيجَةٌ طَبِيعِيَّةٌ للابتِعَادِ عن اللهِ -تعالى-، ونَتِيجَةٌ طَبِيعِيَّةٌ لِقَسْوَةِ القَلْبِ، ونَتِيجَةٌ طَبِيعِيَّةٌ لِنِسْيَانِ اللهِ -تعالى- واليَومِ الآخِرِ.

 

اِنعِدَامُ الرَّحمَةِ سَبَبٌ للطَّرْدِ من رَحمَةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، وسَبَبٌ للشَّقَاءِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، وسَبَبٌ لِسُوءِ الخَاتِمَةِ، وسَبَبٌ لِلَّعْنَةِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ.

 

اِنعِدَامُ الرَّحمَةِ دَلِيلٌ على جَهْلِ الإِنسَانِ بِدِينِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، وبِهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، ودَلِيلٌ على البُعْدِ عن نَهْجِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، ودَلِيلٌ على التَّغيِيرِ والتَّبدِيلِ الذي يَمنَعُ العَبدَ من الوُرُودِ على حَوْضِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، ودَلِيلٌ على هَلاكِ هذا العَبدِ، ودَلِيلٌ على وُجُودِ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى فِيهِ.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: من خِلالِ هذهِ الأَزمَةِ القَاسِيَةِ، والظُّرُوفِ الصَّعْبَةِ التي يَمُرُّ بِهَا النَّاسُ في هذا البَلَدِ الحَبِيبِ: أَتَوَجَّهُ إِلَيكُم، وإلى كُلِّ شَرِيحَةٍ في هذا المُجتَمَعِ بِدُونِ استِثْنَاءٍ، أَتَوَجَّهُ إلى الأُمَّةِ بِقَضِّهَا وقَضِيضِهَا، أَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ مُؤَيِّدٍ ومُعَارِضٍ، وإلى كُلِّ زَاعِمٍ أَنَّهُ من أَهلِ الصَّلاحِ والإِصلاحِ، بل أَتَوَجَّهُ إلى حَمَلَةِ العِلْمِ الشَّرِيفِ لأَتَسَاءَلَ مَعَهُم، وليَتَسَاءَلُوا مَعَ أَنفُسِهِم:

 

أولاً: أَينَ نَحنُ من قَولِهِ تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159]؟ أَينَ الرَّحمَةُ واللِّينُ فِينَا؟

 

ثانياً: أَينَ نَحنُ من الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذي رواه الإمام مسلم في صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- تَلَا قَوْلَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي إِبْرَاهِيمَ: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) [إبراهيم: 36] الْآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَام-: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: 118] فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي" وَبَكَى. فَقَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَام-، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ. فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوؤُكَ؟

 

أَينَ الرَّحمَةُ بِأُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-؟ أَينَ الرَّحمَةُ بهذهِ الأُمَّةِ التي بَكَى عَلَيهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-؟ ألا نَستَحْيِي من اللهِ -تعالى- عِندَمَا نَدَّعِي أنَّا من أُمَّتِهِ ومن أَتبَاعِهِ ومن أَحبَابِهِ؟

 

ثالثاً: أَينَ نَحنُ من الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِ: أَنَّ ابْناً لِي قُبِضَ، فَأْتِنَا. فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ وَيَقُولُ: "إِنَّ للهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّىً، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ" فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا. فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرِجَالٌ. فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- الصَّبِيُّ، وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ -تُصْدِرُ أَصوَاتَاً- قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ: "كَأَنَّهَا شَنٌّ" -السِّقَاءُ البَالِي- فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذَا؟ فَقَالَ: "هَذِهِ رَحْمَةٌ، جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ".

 

يَا حَمَلَةَ العِلْمِ الشَّرِيفِ، يَا شَرَائِحَ هذا المُجتَمَعِ، يَا أَيَّتُهَا الأُمَّةُ بِقَضِّهَا وقَضِيضِهَا، بِدُونِ استِثْنَاءِ أَحَدٍ: أَمَا تَرَونَ كَيفَ تُزهَقُ أَروَاحُ الأَطفَالِ والنِّسَاءِ والرِّجَالِ؟ أَمَا تَرَونَ النُّزُوحَ؟ أَمَا تَرَونَ تَهْدِيمَ البُيُوتِ، وسَلْبَ الأَموَالِ؟ هَل صَارَت قُلُوبُكُم أَقسَى من الصَّخْرِ؟ هَل أَنتُم تَشعُرُونَ بِأَنَّكُم بِحَاجَةٍ إلى رَحمَةِ اللهِ -تعالى-؟

 

رابعاً: أَينَ نَحنُ من الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذي رواه أبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُما- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً -طَائِرٌ صَغِيرٌ- مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ -تَبْسُطُ جَنَاحَهَا- فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا" وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: "مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟" قُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: "إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ".

 

يَا هؤلاءِ: نَبِيُّكُمُ الكَرِيمُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- مَلأَتِ الرَّحمَةُ جَوَانِحَهُ، حَتَّى لَم يَقْدِرْ مَعَهَا عَلى رُؤيَةِ هذا الطَّائِرِ المَفْجُوعِ في وَلَدِهِ، حَتَّى أَمَرَ بِرَدِّهِ إِلَيهِ.

 

يَا هؤلاءِ: أَمَا تَرَونَ كَيفَ فُرِّقَ في هذهِ الأَزمَةِ بَينَ الوَالِدِ وَوَلَدِهِ، وبَينَ الزَّوجِ وزَوجَتِهِ، وبَينَ الأَخِ وأُختِهِ؟

 

أَمَا تَرَونَ كَيفَ يَعِيشُ النَّاسُ في المُخَيَّمَاتِ، وفي الشَّوَارِعِ، وفي المَدَارِسِ، وتَحتَ الخِيَمِ، مَعَ شِدَّةِ البَردِ، وقِلَّةِ الطَّعَامِ والشَّرَابِ، وَوَسَائِلِ التَّدْفِئَةِ؟

 

يَا عِبَادَ اللهِ، يَا حَمَلَةَ العِلْمِ الشَّرِيفِ، يَا مَن يُرِيدُ الصَّلاحَ والإِصلاحَ: كَفَانَا وكَفَاكُم بُعْدَاً عن هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، هَل نَسِينَا أم تَنَاسَينَا مَا سَطَّرَتْهُ أُمُّنَا السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ الكُبْرَى -رَضِيَ اللهُ عَنها- عن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، عِندَمَا قَالَت مُخَاطِبَةً الحَبِيبَ الأَعظَمَ صَاحِبَ الخُلُقِ العَظِيمِ، صَاحِبَ الرَّحمَةِ العُظْمَى: "أَبْشِرْ، فواللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَداً، واللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ" [رواه الشيخان].

 

هذهِ هيَ خِلالُ وصِفَاتُ نَبِيِّكُم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَبلَ أن يُوحَى إِلَيهِ، فَلَمَّا جَاءَهُ الوَحْيُ زَادَت هذهِ الصِّفَاتُ نُورَاً وكَمَالاً وتَلألُؤَاً وجَلالاً.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: عُودُوا لِهَدْيِ نَبِيِّكُم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- وأَخلاقِهِ.

 

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيكَ رَدَّاً جَمِيلاً يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ، آمين.

 

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

المرفقات

لحملة العلم الشريف

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات