نداء القلوب

الشيخ هلال الهاجري

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ الارتباط الوثيق بين القلب والجوارح 2/ بعض العبادات القلبية 3/ خطر ذنوب الخلواتِ على الأعمال 4/تعاهد القلوب ومحاسبتها 5/ أعمال القلوب المستقيمة

اقتباس

القلبُ المخلصُ لا يرى إلا اللهَ وحدَه -تعالى-؛ فأفعالُه للهِ، وأقوالُه للهِ، وكلامُه للهِ، بل حتى المباحاتِ يجعلُها بنيتِه إلى عباداتٍ عظيمةٍ، فيأكلُ ويشربُ وينامُ ويكونُ له أجرٌ كبيرٌ؛ لأنه نوى بها الاستعانةَ على عبادةِ السميعِ البصيرِ. الإخلاصُ في القلبِ، هو النجاةُ في الدنيا والآخرةِ؛ فهذا عكرمةُ بن أبي جهلٍ - رضيَ اللهُ عنه - لما...

 

 

 

 

 

إنِ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا؛ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد:

 

قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ".

 

إنه واللهِ تشخيصٌ للداءِ من كلامِ خيرِ الأنبياءِ؛ فمن وجد في جوارحِه فساداً؛ كفعلٍ للحرامِ، ونظرٍ للحرامِ، وسمعٍ للحرامِ، وكلامٍ بالحرامِ، فليعلمْ علمَ يقينٍ أن مصدرَ البلاءِ؛ هو القلبُ.

 

فيا أيها المؤمنون: ما هو حالُنا مع قلوبِنا؟

 

تلك القلوبُ التي عليها المدارُ، في يومٍ لا يكونُ المُلكُ فيه إلا للهِ الواحدِ القهارِ: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88-89].

 

في القلبِ نوايا، وفي القلبِ خفايا، هو المكانُ الذي ينظرُ إليه اللهُ -عزَ وجلَ- منك: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".

 

فقلْ لي يا عبدَ اللهِ ما الذي ينظرُ اللهُ –تعالى- إليه في قلبِك الآن؟

 

أينظرُ إلى الهدى والتقى والإيمانِ؟ أم ينظرُ إلى الدنيا والهوى والشيطانِ؟

 

في القلبِ عباداتٌ هي أعظمُ العباداتِ، وطاعاتٌ يُحبُها ربُ الأرضِ والسماواتِ.

 

الإخلاصُ الذي لا تُقبلُ عبادةٌ إلا به؛ محلُه القلبُ: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة: 5].

 

فالقلبُ المخلصُ لا يرى إلا اللهَ وحدَه -تعالى-؛ فأفعالُه للهِ، وأقوالُه للهِ، وكلامُه للهِ، بل حتى المباحاتِ يجعلُها بنيتِه إلى عباداتٍ عظيمةٍ، فيأكلُ ويشربُ وينامُ ويكونُ له أجرٌ كبيرٌ؛ لأنه نوى بها الاستعانةَ على عبادةِ السميعِ البصيرِ.

 

الإخلاصُ في القلبِ، هو النجاةُ في الدنيا والآخرةِ؛ فهذا عكرمةُ بن أبي جهلٍ - رضيَ اللهُ عنه - لما فَرَّ إلى اليمنِ بعدَ فتحِ مكةَ: "رَكِبَ الْبَحْرَ، فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ، فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ: أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لاَ تُغْنِى عَنْكُمْ شَيْئًا هَا هُنَا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: واللهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِى مِنَ الْبَحْرِ إِلاَّ الإِخْلاَصُ لاَ يُنَجِّينِى فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَىَّ عَهْدًا، إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِى مِمَّا أَنَا فِيهِ، أَنْ آتِىَ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم-، حَتَّى أَضَعَ يَدِى فِى يَدِهِ، فَلأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا .. فَجَاءَ فَأَسْلَمَ".

 

هذا في الدنيا.

 

وأما في الآخرةِ، فقالَ أبِـو هُرَيْـرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْـهُ-: يَا رَسُولَ الله مَنْ أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقال: "أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِـي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قال: لا إِلَـهَ إِلا اللهُ، خَالِصاً مِنْ قِبَلِ نَفْسِه".

 

أما الحبُ وما أدراكَ ما الحبُ: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ) [البقرة: 165].

 

فليسَ له مكانٌ إلا في القلبِ.

 

واعلم أنه لا يُحبُ أحدٌ لذاتِه إلا اللهَ سبحانَه، وأن ما سوى اللهِ لا يُحبُ إلا للهِ، فالقلبُ السليمُ ليسَ في قلبِه مُحباً أعظمُ من اللهِ، فيحبُ الله وفي اللهِ وللهِ؛ يحبُ كلَ ما يُحبُه اللهُ -تعالى-، يحبُ النبيَ والإسلامَ والقرآنَ؛ لأنها أحبابُ الرحمانِ: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحـج: 32].

 

فلا يزالُ يتقلبُ في تلك المحبةِ، حتى يصلَ إلى منزلةِ: (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة: 54].

 

وهي التي قالَ فيها النبيُ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ".

 

ومن عباداتِ القلبِ: المراقبةُ، وكيفَ لا يراقبُ اللهَ -تعالى- وهو يسمعُ ذلك الوعيدَ في قولِه: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة: 235].

 

فها هو قلبٌ حيٌ، متعلقٌ بالآخرةِ؛ كلما دعتْهُ معصيةٌ تذكرَ ذلك الموقفَ العظيمَ عندَ اللهِ –تعالى-: (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا الله الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ الله لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ)[فصلت: 20- 23].

 

ويعلمُ أن ذنوبَ الخلواتِ تُحبطُ الأعمالَ ولو كانت مثلَ الجبالِ؛ كما جاءَ عن ثَوْبَانَ -رضيَ اللهُ عنه- أنه سمعَ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقَولُ: "لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا الله عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا" قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ الله صِفْهُمْ لَنَا؟ جَلِّهِمْ لَنَا؟ أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ؟ قَالَ: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا".

 

ومن العباداتِ القلبيةِ: الخشيةُ، وتقاسُ هذه العبادةُ عندَ سماعِ كلامِ اللهِ الذي قالَ عنه -تعالى-: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21].

 

فإذا كانَ هذا أثرُه في جَبلٍ أشمٍ، فكيفَ بقطعةِ لحمٍ، فقلوبُ أهلِ الإيمانِ وصفَها اللهُ -تعالى- بقولِه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2].

 

قلوبٌ مهما فعلت من الخيرِ، فلا تزالُ تشعرُ بالتقصيرِ، في شكرِ نِعَمِ اللطيفِ الخبيرِ: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون: 57- 61].

 

تلك القلوبُ هي الفائزةُ في يومٍ تكونُ للمنيبينَ الجائزةُ؛ كما قالَ تعالى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاءَ  بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) [ق:31- 35].

 

عبادَ اللهِ: إن القلوبَ لتعمى وتغفلُ، ويُطبعُ عليها، وتقسو وتزيغُ ويُختمُ عليها، وتمرضُ، بل قد تموتُ، فتعاهدوا قلوبَكم، وتأكدوا من سلامتِها، فإن أصابها داءٌ فعليكم بالدواءِ؛ كما قالَ يحيى بنُ معاذٍ -رحمَه اللهُ تعالى-: "دواءُ القَلبِ خَمْسةُ أَشياءَ: قِرَاءةُ القُرآنِ بالتَّفَكُّر، وخُلُو البطنِ، وقِيَامُ اللَّيلِ، والتَّضَرُّعُ عند السّحَرِ، ومُجَالسَةُ الصَّالحينَ".

 

(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8].

 

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ –تعالى- لي ولكم من كلِ ذنبٍ فاستغفروه؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية :

 

الحمد للهِ الذي يعلمُ السرَ وأخفى، والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابِه ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.

 

أما بعد:

 

أيها القلبُ الذي قد سترَته الصدورِ، يا من خلقَه العزيزُ الغفورُ.

 

إنكِ تعلمُ واللهِ أن لا سعادةَ ولا نجاةَ ولا فوزَ ولا اطمئنانَ في الدنيا والآخرةِ إلا بعبادةِ اللهِ -تعالى- وحدَه: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].

 

فأين تذهبُ؟ أنتَ من يتحكمُ بسائرِ الأعضاءِ فاتقِ اللهَ فيهم، وإلا كنتَ معهم في نارٍ يصلُ عذابُها إليك: (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) [الهمزة: 6-7].

 

كن للهِ عبداً، كن صالحاً، كن منيباً، واعلم أن لك في القرآنِ شفاءٌ؛ كما قالَ اللهُ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57].

 

وإياك والقسوةَ بطولِ الأمدِ عن كلامِ ربِك: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16].

 

إن من القلوبِ لمَنْ يعبدُ ربَه عبادةَ الإحسانِ، يعبدُ اللهَ كأنه يراه، فتراه يخرجُ من ذلك الجسدِ من بينِ الناسِ، فيُحلِّقُ في السماءِ، فيَمرُ على الملائكةِ قائمينَ وراكعينَ وساجدينَ، حتى يصلَ إلى العرشِ، فيسجدُ للهِ سجدةً، لا يرفعُ منها حتى تخرجَ الروحُ من الجسدِ، متصلٌ بذكرِ ربِه، قائمٌ بأداءِ حقوقِه، ناظرٌ إليه، أحرقته عظمةُ اللهِ وهيبتُه؛ فإن تكلمَ فباللهِ، وإن نطقَ فعن اللهِ، وإن تحركَ أو سكنَ فبأمرِ اللهِ، فهو باللهِ، وللهِ، ومع اللهِ.

 

يفرحُ بالطاعةِ، ويحزنُ بالمعصيةِ، يُحاسبُ نفسَه، يدعو ربَه بدعاءِ النبيِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ".

 

وهو وجلٌ لأنه يعلمُ أنه: "مَا مِنْ قَلْبٍ إِلاَّ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ".

 

ويخافُ: (يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النــور: 37].

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق: 37].

 

اللهم يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْوبَنا عَلَى دِينِكَ.

 

اللهم مصرفَ القلوبِ صرفْ قلوبَنا إلى طاعتِك.

 

اللهم حَبَّبَ إِلَيْنا الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِنا.

 

(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8].

 

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].

 

 

 

 

 

المرفقات

القلوب

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات