نحن قسمنا بينهم معيشتهم

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2024-09-06 - 1446/03/03 2024-09-16 - 1446/03/13
عناصر الخطبة
1/الله القائم على كل نفس يخلق ويرزق 2/مقسم الأرزاق هو الله وأسبابها للعباد 3/قسمة الله للأرزاق قائمة على علمه سبحانه وفق مصالح وحكم.

اقتباس

(نَحْنُ قَسَمْنَا) فَمَنْ يُنازِعُ اللهَ فِيْ قَسْمِه؟ مَنْ يُعارِضُ اللهَ في حِكْمَتِهِ وحُكْمِه؟ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَ العِبادِ مَعَايِشَهُم، وقَدَّرْنَا لَهُم أَرْزَاقَهُم، فَهذا غَنِيٌّ وهذا فَقِيْر، وهذا مأَمُورٌ وهذا أَمِيْر، وهذا صَحِيْحٌ وهذا سَقِيْم، وهذا مُنْجِبٌ وهذا عَقِيْم، وهذا ذِكِيٌّ وهذا بَلِيْد، وهذا سَهْلٌ وهذا عَنِيْد...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

 

أيها المسلمون: في بَطْنِ الأُمِّ في ذاكَ القَرارِ المَكِين، ظَلَّ تِسْعةَ أَشْهُرٍ تَرْعاهُ العِنايَةُ الإِلهيةِ ويَحُوطُهُ اللطْفُ الكَرِيْم، جَنِيْنٌ في بَطْنِ الأُمِّ في ظُلُماتٍ ثَلاث، ظُلْمَةُ البَطْنِ، وظُلْمَةُ الرَّحِمِ، وَظُلْمَةُ المَشِيْمَة، في رِعايَةِ اللهِ يُكْلأَ، وفي عِنايَةِ اللهِ يُرْعَى، وفي أَمانِ اللهِ يُحاط، رِزْقُهُ يَنْفُذُ إِليْهِ، يَخْتَرِقُ الـحَواجِزَ ويَقْتَحِمُ الظُلُمات؛ فَما ظَمِئَ الجَنِينُ وما جَاع، وما نُسِيَ وما ضُيِّعْ، تَكَفَّلَ اللهُ بِرِزْقِهِ -وكَفى باللهِ وكِيلاً- ولَو وَكَلَ أَمْرُهُ إِلى مَنْ هُوَ في أَحْشَائِها لَهَلَك؛ (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ).

 

وكُلُّ دابَةٍ في الأَرْضِ، قَدْ تَكَفَّلَ اللهُ بِرِزْقِها؛ فَما الإِنْسانُ وما الحَيوانُ، وما المَخْلُوقَاتُ بأَسْرِها، قادِرَةٌ عَلى نَيْلِ الرِّزْقِ مِن دُونِ الله؛ (وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ).

 

وَعْدٌ مِنَ اللهِ ضَمِنَهُ لِخَلْقِه، أَن يَتَوَلَّى أَرْزَاقَهُم، وأَن لا يَكِلَهُم في أَمْرِ الرِّزْقِ إِلى غَيْرِه؛ (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا).

فَأَمْرُ الرِّزْقِ هُوَ في تَقْدِيْرِ اللهِ وفي تَدْبِيْره، هُو المالِكُ للأَرزَاقِ ومْنُهُ الرِّزْقُ تُبْتَغَى؛ (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

 

فَما مَخْلُوقٌ وإِن تَعاظَمَ، بِجالِبٍ رِزْقاً لِمَخْلُوق، وما مَخْلُوقٌ وإِن تَجَبَّرَ، بِمانِعٍ رِزْقاً عَنْ أَحَد؛ (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

 

طَابَتْ نَفْسُ مُؤْمِنٍ، عَظُمَ باللهِ إِيمانُهُ، وهَدأَ قَلْبُ مُؤْمِنٍ قَوِيَ باللهِ يَقِيْنُه، يَسْعَى في طَلَبِ الرِّزْقِ يَطْرُقُ أَسْبابَه، فَإِن أَصابَ مِنْهُ سَعَةً وخَيْراً، حَمِدَ اللهَ وشَكَرْ، وإِنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، آمَنَ بِقَضاءِ اللهِ ورَضِيَ وصَبَر، يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ وحْدَهُ، هُو المُحَقِقُ لِنَفْعِ الأَسبابِ إِذا شاءَ، وهُو مُبْطِلُها؛ فالعَبْدُ يَسْعَى ويَجْتَهِدُ، واللهُ يَقْضِيْ ما يُرِيد، لِيَبْقَى العَبْدُ عَلى اعْتِمادٍ دائِمٍ على اللهِ -رَبِ العالَمِين-، متَبَرِئاً مِنْ حَولِهِ وقُوَّتِهِ، مُسْلِماً أَمْرَهُ إِلى اللهِ مَتَوَكِلاً عليه، تَوَكُلاً، يَحْمِلُ عَلى بَذْلِ الأَسْبابِ المَشْرُوعَةِ في طَلَبِ الرِّزْقِ، والرِّضا بَعواقِبِها، وفي الحَدِيْثِ قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوكَّلُونَ علَى اللهِ حقَّ توكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيرَ، تَغْدُوا خِمَاصًا وتَرُوحُ بِطانًا»(رواه الترمذي وغَيْرُه).

 

وضَعِيْفُ الإِيْمانِ قَدْ وَهَنَ قَلْبُه، تَغْشَاهُ الهُمُوم وتَخْتَرِمُهُ الأَوْهَامُ، يَسْتَبْطِئُ الرِّزْقَ فَيَتَجاوَزُ الحَدُودَ وَيَقْتَحِمُ الحَرام؛ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

 

أَرْزاقُ العِبادِ، قَدْ قَسَمَها اللهُ، وهُوَ العَلِيْمُ بِما قَسَمْ؛ فَما الغَنِيُّ أَصابَ الغِنى بِقُدْرَتِهِ وعِلْمِهِ، وما الفَقَيْرُ بَقِيَ في الفَقْرِ، لِفَرْطِ عَجْزِهٍ وجَهْلِهِ، ولَكنها أَرزاقٌ قُسِمَتْ، واللهُ هَيأَ أَسْبابَها؛ (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ)، أَهُم الـخُزَّانُ لِرَحْمَةِ اللّهِ، أَهُمْ المُتَصَرِّفُونَ بِها؟ أَهُم المُتَحَكِّمُونَ بِنِعَمِ الله، أَهُم القَاسِمُونَ لَها؟ كَلَّا؛ (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، (نَحْنُ قَسَمْنَا) فَمَنْ يُنازِعُ اللهَ فِيْ قَسْمِه؟ مَنْ يُعارِضُ اللهَ في حِكْمَتِهِ وحُكْمِه؟ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَ العِبادِ مَعَايِشَهُم، وقَدَّرْنَا لَهُم أَرْزَاقَهُم، فَهذا غَنِيٌّ وهذا فَقِيْر، وهذا مأَمُورٌ وهذا أَمِيْر، وهذا صَحِيْحٌ وهذا سَقِيْم، وهذا مُنْجِبٌ وهذا عَقِيْم، وهذا ذِكِيٌّ وهذا بَلِيْد، وهذا سَهْلٌ وهذا عَنِيْد.

 

(نَحْنُ قَسَمْنَا) قِفْ أَمامَ كَلِمَةَ (نَحْنُ)، وقْفَةَ إِجْلالٍ وإِكْبار؛ فالقَائِلُ هُو اللهُ، وهُو الأعَلى وهُو الأَعْلَم، وهُو الأَعَزُّ وهُو الأَحْكَم.

 

 

(نَحْنُ قَسَمْنَا) فَارْضَ بِما بِهِ اللهُ قَسَم، وثِقْ بِما بِهِ اللهُ حَكَمْ، وسَلِّمْ أَمْرَكَ لَه، وتَوَسَّلْ إليه مُفْتَقِراً، ولا تُنازِعِ اللهَ فِيما قَضَى، فَهُو الأَعْلَمُ بِما يُصْلِحُ حالَك، وهُو الأَقْدَرُ عَلى تَحْقِيْقِ آمالِك.

 

خَزائِنُهُ مَلأَى وهُو الكَرِيم، لا يُمْسِكُ رِزْقاً عَن العَبْدِ بُخْلاً بِه، -تَعالَى الله- ولا يَمنَعُ الرِّزْقَ عَن العَبدِ عَجْزاً عَنْه -تَعالى الله-، ولَكنَّهُ الحَكِيْمُ العَلِيْم، إِنْ أَعْطَى فَلِحِكْمَةٍ، وإِن مَنَعَ فَلِحِكْمَةٍ، وتَدْبِيْرُ اللهِ للعَبْدِ خَيْرٌ مِنْ تَدْبِيْرِ العَبْدِ لِنَفْسِه، وفي الدُّعاءِ المأَثُور؛ "أَصْلِحْ لِيْ شَأَنِيْ كُلَّهُ، وَلا تَكِلْنِيْ إِلى نَفْسِيْ طَرْفَةَ عَيْن".

 

وصَلاحُ شأَنِكَ رَبُكَ يَعْلَمُه؛ فَقَدْ يَكُونُ بالغِنى وقَدْ يَكُونُ بالفَقْرِ، وقَدْ يَكُونُ بالصِحةِ وقَدْ بالمَرَضْ، وقَدْ يَكونُ بالعُسْرِ وقَدْ يَكُونُ باليُسْر؛ فَكْمِ كَرِهَ إِنْسانٌ نازِلَةً نَزَلَتْ بِه، وفي طَيَّاتِها مِنَحٌ وفَضْلُ؛ (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

 

(قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، كَذا كانَتْ أَعْظَمُ أُمْنِياتِهِم، فَلما خُسِفَ بِهِ وبِدَارِهِ الأَرْضَ، تَلاشَت تِلك الأُمْنياتُ، وتَوالَتْ شَواهِدُ المِنَنْ؛ (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا).

 

عُبُودِيةُ القَلْبِ، إِخلاصٌ ومَسْكَنَةٌ، وتَوَكُلٌ على اللهِ وصِدْقُ اعِتِماد، وقَناعَةٌ بالعَيْشِ ورِضا، وتُمْتَحَنُ صَلابَةُ الإِيمانِ في مُنْعَطَفاتِ الحَياةِ، حِينَ يَقَسُو الفَقْرُ، أَو يشْتَدُ الأَلَم، أَو تَلُوحُ مِن الدُّنْيا زِيْنَةٌ وَتَعْجَزُ النَّفْسُ عَنْ إِدْرَاكِها؛ (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ).

 

بارك الله لي ولكم،

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً؛ أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ).

 

زَيْنَةٌ، تَسْتَهْوِي النُفُوسَ وتَأَسِرُها، والقُلُوبُ لِمَا تَهْوَى مَيَّالَة، والمالُ أَخْطَرُ مَا مَالَتْ لَهُ النَّفْسُ، والمَرْءُ في طَلَبِ المالِ لا يُلام، وفي سَعْيِهِ لَنْ يُزْجَرْ.

 

وَلَكِنَّ النَّفْسَ حِينَما تَطْغَى وتَمِيْل، وتَتَطاوَلُ وتَطْمَعُ، فإِنَّها تَنْحَرِفُ وتَنْجَرِفُ، وتَتَنَكَّبُ وتَضِلُّ السَبِيْل؛ قَالَ حَكِيمُ بنُ حِزامٍ -رَضي الله عنه- سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فأعْطَانِي، ثُمَّ قالَ: "يا حَكِيمُ: إنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمَن أَخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، ومَن أَخَذَهُ بإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ له فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ ولَا يَشْبَعُ"(مُتَّفَقُ عليه).

 

وما أَفْسَدَ القُلُوبَ مِثْلُ الطَّمَع، وما أَهْلَكَها مِثْلُ الشُّحْ، ومَا أَوْبَقَها مِثْلُ الحَسَد، تَمْتَدُّ العَينُ إِلى مَا في أَيْدِي الآخَرِين، فَتَزْدَرِي كُلَّ نِعْمَةٍ هِيَ فيها.

 

تَظَلُّ شَاخِصَةً، تَرْعَى شُؤُونَ النَّاسِ وتَرْقُبُ أَحْوالَهُم، فَلا يَقَعُ مِنْها البَصَرُ إِلى عَلى الجَوانِبِ المُبْهِجَةِ، والزَّواياَ المُغْرِيَةِ، مِن مالٍ، ومَنْصِبٍ، وزَوجةٍ، وولَدٍ، ومَسْكَنٍ، ومَرْكَبٍ، وَمَتَاعٍ، وزِيْنَة، فَلا تَزالُ النَّفْسُ تَرْحَلُ مِنْ عَيْشِ الطُمَأَنِيْنَةِ والرِّضا، إِلى عَيْشِ الكَآبَةِ والكَدَرْ، تَرْتَحِلُ مِنْ سَكِيْنَةِ القَناعَةِ، إِلى اسْتِكانَةِ البُؤْس.

 

ولَو أَنَّ العَيْنَ حِيْنَ امْتَدَّتْ، أَبْصَرَتْ مَنْ هُوَ دُونَها، مَرِيضاً يَنْشُدُ الصِّحَةَ، ومُعْسِراً يَنْشُدُ اليُسْر، ومُبْتَلىً يَنْشُدُ العَافِيَة، وغرِيْباً يَنْشُدُ اللُّقْيا، وسَجِيْناً يَنْشَدُ الحُرِيَّةَ، وخائِفاً يَنْشَدُ الأَمْنَ، لاسْتَقامَ لَها المِيزانُ وقَامَتْ في صُفُوفِ الشَّاكِرِين؛ عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ"(متفقٌ عَلَيْهِ)، (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ).

 

وإِذا تَطَاوَلَتْ نَفْسُكَ لِفَضْلِ عَطاءٍ أَعطاهُ اللهُ غَيْرَك، واسْتَشْرَفَتْ إِليهِ طَمَعاً، واهْتَزَّتْ بِهِ إِعْجاباً، وتَمَنَّتْ وتَحَسَّرَتْ، وَضَاقَتْ وتَحَشْرَجَتْ، ودَبَّ فِيْها داءُ التَساؤُلِ والحَسَد، فأَقِمْها بِما يُصْلِحُها، واكْبَحْ جِماحَها بِما يُرَوِّضُها، ورَتِّلَ عَلى مَسامِعِها قَولَ رَبِك؛ (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا).

 

ثُمَّ انْثُرْ عَلَى نَفْسِكَ دَواءً يُطَيِّبُها، وانْفُضْ عَنْ قَلْبِكَ داءً يُهْلِكُه؛ فَإِنَّ الحَسَدَ قاتِلْ، وإِنَّ الحَسَدَّ لَيَأَكُلُ الحَسَنات، وادْعُ بِما بِهِ قَدْ أُمِرْتَ، أَدْعُ لأَخِيْكَ بالبَرَكَةِ، فَإنَّهُ أَحْفَظُ لِنِعْمَتِهِ، وأَبْقَى لِعَمَلِك، في الحدِيْثِ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ"(رواه ابن ماجة وصححه الأَلباني).

 

وإِنِي امْرُؤٌ لا أَحْسُدُ النَّاسَ نِعْمَةً *** إِذا نَالَها قَبْلِيْ مِنَ النَّاسِ نَائِلُ

أَأَحْسُدُ فَضْلَ اللهِ أَنْ نَالَهُ امْرؤٌ *** سِوَايَ وعِنْدِيْ للإله فَضَائِلُ

 

(وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ).

 

اللهم ،

المرفقات

نحن قسمنا بينهم معيشتهم.doc

نحن قسمنا بينهم معيشتهم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات