نجح الحج فلنبتهج

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2024-06-28 - 1445/12/22 2024-07-03 - 1445/12/27
عناصر الخطبة
1/الحج وإعلاء التوحيد والسنة 2/نجاح موسم الحج 3/عومل نجاح موسم الحج 4/انتهاء مواسم الطاعات 5/المداومة على الطاعات 6/الدعاء المفتوح والدنوّ الممنوح.

اقتباس

لِيَعْلَمَ الْمُسْلِمُونَ وَلَيَتَذَكَّرُوا وَلَيَسْتَيْقِنُوا أَنَّهُ لَا سَعَادَةَ وَلَا نَجَاحَ، وَلَا تَوْفِيقَ وَلَا سَدَادَ وَلَا فَلاحَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِاتِّبَاعِ النَّبِيِّ ‏-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَالسَّيْرِ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَمِنْهَاجِهِ...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمدُ للهِ الذي هَدَانا لنعمةِ الإسلامِ وكفَى بها نعمةً، والحمدُ للهِ أن جعلَنا مسلمينَ موحِدينَ، لا نسجدُ لحجرٍ، ولا نعبدُ البقرَ، والحمدُ للهِ على تتابُعِ مواسمِ الخيراتِ والرحَماتِ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليهِ وسلمَ تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ: فالحمدُ للهِ ثم الحمدُ للهِ، ثم الحمدُ للهِ، أن أحيانَا على التوحيدِ والسُنَّةِ ببلدِ التوحيدِ والسُّنةِ، فلا تجِدُ في موسمِ الحجِ تعظيمَ قبورٍ ولا بناءَ مشاهد، ولا شركيات، ولا بِدعيات ولا حزبيات؛ (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا)[الحج:78].

 

وأما تنظيمُ الحج؛ فقد نَجَحَ كالمعتادِ، لا ما نَجَحَ فحسْبُ؛ بل تفوَّقَ بفضلِ اللهِ. نجحَ الحجُّ ورغِمَتْ أنوفُ الحاقدينَ الذينَ؛ (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)[آل عمران: 118].

 

نجحَ الحجُّ، وفشِلَ تَسْييسُ سياسيين وتحزُّب متحزبين؛ لأن اللهَ لا يُضيعُ أهلَ بيتهِ الذينَ يَبذلونَ للحجِ المليارات (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[يوسف:90] والحجُّ ترعاهُ أيدٍ حانية، وأيدٍ حازمةٌ، ولأجلِ هذا حزَمُوا فمَنعُوا رُبُعَ مليونٍ أرادُوا الحجَّ بلا تصريحٍ.

 

أما الأيدي الحانيةُ؛ فهل سمعْتَ ببرنامجِ ضيوفِ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ، فمن برامجِهِم تحجيجُ أهالِي ضحايا الحربِ في غزةَ مجانًا؟!

 

وهل شهدتَ تنوعَ وضخامةَ الخِدَماتِ التطوعيةِ، ومنهنَ مطابخُ متطورةٌ يُجهِّزُ المطبخُ الواحدُ رُبُعَ مليونِ وجبةٍ مجانيةٍ يوميًّا؟!

 

وهلْ بلغَكَ عن ثلاثينَ حاجًّا مريضًا تم تفويجُهم من العنايةِ المركزةِ بالمدينةِ، فشهدُوا عرفةَ وهم داخلَ سياراتِ الإسعافِ المتطورةِ؟!

 

وهل تعلمُ أن أكثرَ من مئةِ ألفِ جنديٍّ ومدنيٍّ فُرِّغُوا لخدمةِ الحجيجِ؟!

 

وهل رأيتَ المقاطعَ المبهجةَ المصوِّرةَ للحفاوةِ وحسنِ استقبالِ وتوديعِ الحجاجِ في المطاراتِ ونقاطِ التفتيشِ والمنافذِ؟!

 

أما التفوقُ الباهرُ في إدارةِ الحشودِ المليونيةِ، وتفويجِ الحجيجِ بانسيابيةٍ؛ فهو أمرٌ ظاهرٌ تسمعُه من ثناءِ الحجاجِ من مئتَيْ دولةٍ، ويمدحون بلا مصلحةٍ يرجُونَها؛ فالحمدُ للهِ على هذا النجاحِ المعتادِ، وعلى مغادرةِ حُجاجِ العالَمِ آمنِينَ شاكرِينَ مُثنِينَ.

 

نعمْ نجحَ الحجُ، فلنبتهِجْ ونحنُ في كَنَفِ الدولةِ السعوديةِ العظمَى، فأجزلَ اللهُ أجرَ ملوكِها، وأعزَهم بالإسلامِ وخدمةِ الحرمين، ووقاهُم الفَتانينَ، ورحمَ اللهُ صقرَ الجزيرةِ ومؤسِسَها وموحِدَها على التوحيدِ والسُّنةِ الملكَ عبد العزيزِ.

 

وإنَّ اللهَ حافِظُ دينِهِ وحُماةِ دينِهِ، وأهلِ بيتهِ؛ ألمْ يَقُلْ جبريلُ لأمِ إسماعيلَ بعدَ أنْ أغاثَ لهفتَها: "لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ.. وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ"(صحيح البخاري 3184).

 

أيُها العائدونَ للهِ حُجاجًا، أو المُهرِيقونَ للهِ دمًا ثجاجًا: ومعَ الشكرِ ذِكْرٌ، فاحمدُوا رَبَّكم كثيرًا، واذكروهُ كثيرًا، فربُّنا -تعالَى- يقولُ: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا)[البقرة: 200]؛ وهذهِ الآيةُ عامةٌ لمن حجَّ ولمن ضحَّى، فالمرادُ بقولِه: (مَنَاسِكَكُمْ)؛ "أي: الحج والأضاحي"(تفسير الطبري 4/ 196).

 

وأما الذينَ ما وَجَدُوا ما يُنفقونَ، لا مالاً بهِ يُضحّونَ، ولا سبيلاً إليهِ يَحجّونَ؛ فنسألُ اللهَ أنْ يعطيَهم بِنِيَّاتِهم أجورًا كأجورِ من حجَّ وضحَّى.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ يُعطِينا، ويَشكرُ لنا إن أَعطَينا، والصلاةُ والسلامُ على هادِينَا.

 

أما بعدُ- فيا أيُها المؤمنونَ- فقد وهبَنا ربُّنا بفضلهِ مواسمَ تضاعَفُ فيها الحسناتُ، ونزدادُ فيها من الصالحاتِ. لكنْ لَئِن انقضَى التكبيرُ فإن ذِكرَ اللهِ باقٍ، فلنكُنْ منَ (الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 35].

 

ولئن كسِلْنا عن الاجتهادِ في العشرِ لمضاعفةِ الحسناتِ، فثمة التبكير والمشي للجمعةِ والجماعاتِ.

 

ولئن قصّرْنا بالدعاءِ يومَ دنوِّ الربِّ عشيةَ عرفة؛ فثمة الدعاء المفتوح، والدنوّ الممنوح، إنه اللقاءُ المَهيبُ بالربِّ –جل جلالُه– وذلكَ كلَّ ليلةٍ، إنه اللقاءُ الذي قَالَ عنهُ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: "يَنْزِلُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؛ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي فَأَرْزُقَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ فَأَكْشِفَهُ عَنْهُ؟ أَلا سَقِيمٌ يَسْتَشْفِي فَيُشْفَى، مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ. فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ"(أصله في صحيح البخاري 1145، ومسلم 758، وهناك زيادة في غيرهما من كتب السنة).

 

اللهُ أكبرُ! هذا الحديثَ ما أهيبَهُ، وما أطيبَهُ!

قالَ ابنُ القيمِ -رحمهُ اللهُ-: "هذا الحديثُ يدلُّ على أن النزولَ يدومُ إلى صلاةِ الفجرِ، وعلى شهودِ اللهِ -سبحانَه- لقرآنِ الفجرِ، مع شهودِ ملائكةِ الليلِ والنهارِ له، وهذه خاصةٌ بصلاةِ الصبحِ"(طريق الهجرتين وباب السعادتين: ص: 212).

 

فلنُصَلِّ ولو عشرَ دقائقَ قبلَ أذانِ الفجرِ، ولنكنْ من المستغفرينَ بالأسحارِ، وما دُمنا ابتُلينا بالسهرِ إلى الفجرِ، فلا نحرِم أنفسَنا من ركعاتٍ تُنيرُ لنا دروبَنا، وتمحو ذنوبَنا.

 

فاللهم لكَ الحمدُ كالذي تقولُ وخيرًا مما نقولُ. اللهم لكَ صَلاتُنا ونُسكُنُا ومَحيانا ومَماتُنا، وإليكَ مآبُنا. اللهم وَهبتَنا مالاً، فَبَذَلْنا منه بفضلِكَ نُسُكًا ومَنْسَكًا.

 

اللهم إنا عاجزونَ عن شُكرِكَ، فنُحيلُ إلى عِلمِكَ وفضلِكَ. اللهم اكتُبْنَا فيمَن أُعتِقَتْ رقابُهُم وكُفّرَتْ خَطيئاتُهُمْ لسَنَتَيْنِ.

 

اللهم احفظْ دينَنَا وبلادَنا وأدِمْ أمنَنا، وادحرْ أعداءَنا، وأجبْ دعاءَنا. اللهمَّ وارحمْنا ووالدِينا، وهبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ.

 

اللهم وفقْ وسدِّدْ ولي أمرِنا وولي عهدِه لهُداك. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ. واجزِهمْ على خدمةِ الحرمينِ، واجزِ جنودَنا ومنظمِي الحجِ على الرفقِ بالحجيجِ.

 

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

 

 

المرفقات

نجح الحج فلنبتهج.doc

نجح الحج فلنبتهج.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات