عناصر الخطبة
من أسباب نجاح موسم الحجاقتباس
أن هذه الدولة دولة تقوم على التوحيد والسنة، وتحكيم الشريعة، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتسوس الناس بالحزم والعدل والرحمة، وتمد يدها بالإحسان والمعروف والمواساة إلى كل محتاج في مشارق الأرض ومغاربها...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فان أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: إن نعم الله على هذه البلاد لا تعد ولا تحصى، وإن من النعم التي تجددت لها هذه الأيام نجاح موسم حج هذا العام؛ فإن الله قد سهله ويسره للناس تيسيرا عظيماً -والحمد لله على فضله وإنعامه-، وإن النعم تدوم بالشكر، وإن من شكر الله على هذه النعمة التحدث بها؛ كما قال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضحى:11] وإن من الحديث المناسب عنها في هذا المقام تسليط الضوء على أبرز أسباب هذا النجاح فإن السبب إذا عرف سهلت المحافظة على النعمة وذلك بالمحافظة على أسبابها؛ فمنها:
أولاً: أن هذه الدولة دولة تقوم على التوحيد والسنة، وتحكيم الشريعة، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتسوس الناس بالحزم والعدل والرحمة، وتمد يدها بالإحسان والمعروف والمواساة إلى كل محتاج في مشارق الأرض ومغاربها، ومن كان كذلك فإن الله معه يوفقه ويسدده ويؤيده ويسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة؛ كما قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)[النور:55].
إن هذا النجاح المبهر أمنياً وصحياً واقتصادياً ومرورياً وغيرها في ظروف استثنائية حيث يجتمع الملايين من قارات العالم بلغات مختلفة وطبائع وعادات مختلفة في مكان ضيق بطبيعته يؤدون عبادة واحدة في مكان واحد في وقت واحد، ثم ينهون مناسكهم دون وقوع حوادث تكدر أمنهم وطمأنينتهم وسعادتهم - لهو أمر يصعب تصوره لولا تأييد الله وإعانته ولطفه؛ فاللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
ثانياً من أسباب النجاح: أن الله تعالى هيأ لهذه البلاد قادة ناصحين صادقين حريصين على خدمة الحرمين الشرفين حرصاً تاماً، حريصين على راحة الحجاج والمعتمرين؛ فالدولة السعودية منذ تأسيسها وتشريف الله لها برعاية الحرمين وهي تبذل فيهما الغالي والنفيس ولا زالت مشاريع خدمتها قائمة على قدم وساق إلى هذه اللحظة.
لقد تغيرت أحوال الحج وأحوال الحجاج منذ قيام الدولة السعودية والحمد لله؛ فعم الأمن الحجاز بل الجزيرة كلها، واختفت عصابات السطو المسلح التي كانت تعترض قوافل الحجيج؛ فتقتلهم وتسلبهم وتسبي نساءهم من الباطنية، ومن جفاة الأعراب بعد أن لقي المسلمون منهم بلاء عظيماً حتى كانت تمر سنوات بعد سنوات وقد تعطل فيها الحج تماماً أو لا يحج إلا أفراد قليلون من مكة وحولها.
وكان من أعظم أسباب هذا الانحدار والاستهانة بشأن هذا الركن العظيم هو إهمال الحكام لشأن جزيرة العرب وإهمالهم للحجاز والحرمين حتى إن دولة إسلامية حكمت العالم الإسلامي قروناً طويلة لم يحج من سلاطينها أحد إلى أن سقطت.
فولي الأمر هو القلب النابض لبلاده ورعيته. وإنّ حرص قادتنا -وفقهم الله- على الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وشعائر الحج قد أثر في رجالهم من الأمراء والوزراء والمسؤولين والعسكريين والمدنيين بل في كل فرد من أفراد الشعب والحمد لله؛ فكل منهم يملك شعور الحب لضيوف الله، ويتمنى خدمتهم والتعب في سبيل راحتهم؛ لأنه يرى القدوة ماثلة أمامه في ولاة أمره، ولأنه يريد من وراء ذلك ما عند الله من الأجر والمثوبة.
وإن من النماذج الظاهرة البارزة في التفاني في خدمة الحجيج ما رأيناه من أبنائنا وإخواننا من رجال الأمن؛ فقد رأى العالم كله: كيف كانوا القوة الضاربة واليد الرادعة لكل من تسول له نفسه العبث بأمن الحجيج، وكيف كانوا القلوب الرحيمة والعواطف الجياشة مع الحجاج والعمار؛ يوقرون الكبير ويرحمون الصغير، ويعينون العاجز ويداعبون الطفل، ويعاملون كل من احتاجهم معاملة النفس والأهل؛ فلله درهم ما أحسن أخلاقهم وما أجمل أفعالهم! فلهم من الله -إن شاء الله- عظيم الأجر، ولهم من الخلق الدعاء والثناء وحسن الذكر.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: ومن أسباب نجاح الحج: ما أخذت به الدولة -أيدها الله- من أسباب القوة التي ترهب أعداء المسلمين من الباطنين والرافضة والصفويين الذين قد اسودت صحائف تاريخهم في استهداف الحج والحجاج رغبة منهم في القضاء على هذه الشعيرة العظيمة التي تربط المسلمين بدينهم، وتربط بين المسلمين علائق الصلة والمودة، ومحاولة منهم في القضاء على البيت الحرام؛ ليقصد الناس قبورهم وقبور من يعظمونه كذباً ونفاقاً؛ ليحولوا دين الناس من عبادة الله وحده إلى عبادة القبور والموتى.
إنهم لا حرمة للبيت ولا للمسلمين عندهم؛ فأسلافهم هم من سفكوا في موسم واحد في داخل المسجد الحرام ألفا وسبعمائة حاج ما بين ذكر وأنثى، ثم خرجوا إلى شوارع مكة وأزقتها، فقتلوا زهاء ثلاثين ألف نفس، وسبوا من النساء والأطفال قريبا من ذلك، ثم اقتلعوا الحجر الأسود وبقي عندهم اثنين وعشرين عاماً.
فهم لا يبيتون للمسلمين خيراً ولا يريدون للحرمين الشريفين ولا للمشاعر المقدسة إلا شرا، ولا يهنأ لهم بال ما دامت منائرها ومنابرها تعج بالتوحيد لله والاتباع لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والترضي عن أصحابه وأزواجه -رضي الله عنهم جميعاً-؛ فكان من أحسن وأعظم مناقب هذه الدولة المباركة أن سخرت أعظم الإمكانات البشرية والآلية لحماية أمن الحجيج متسلحة قبل ذلك بسلاح الإيمان والتوحيد والدين الخالص من الشركيات والبدع والمحدثات، ويا له من سلاح شديد البأس والقوة؛ فإن تحقيق التوحيد هو نصر الله الذي قال فيه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد:7]، وقال فيه أيضاً: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج:40].
فإنه لولا هذا الإعداد المحكم -بعد حماية الله وحفظه- لكان العدو قد استهان بنا وتجرأ علينا، ولكنّ الله كفهم عنا وملأ قلوبهم خوفاً ووهنا، ومهما لجؤوا إلى المكر والكيد فما دمنا متمسكين بعقيدتنا وتوحدينا ووحدتنا فإن كيدهم إلى تباب ومكرهم إلى زوال، والله منجزٌ وعده وناصرٌ جنده ومذلٌ أعداءه وأعداء بيته وأعداء أصحاب نبيه وأزواج نبيه (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[المجادلة:20-21].
اللهم عليك بكل من أراد بنا سوءا من اليهود والنصارى والملاحدة والرافضة الصفويين. اللهم شتت شملهم وخالف كلمتهم واجعل بأسهم بينهم واجعل تدميرهم في تدبيرهم يا قوي يا عزيز.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي عهده وولي ولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم كن لهم عونا ونصيرا ومؤيدا وظهيرا اللهم اجزهم خير الجزاء على خدمتهم لبيتك وحرم نبيك وحجاج بيتك الحرام اللهم اكتب أجرهم وضاعف مثوبتهم وألبسهم ثياب الصحة والعافية والعز والنصر والتأييد يا رب العالمين.
اللهم احفظ الحجاج والمعتمرين ويسر لهم أداء مناسكهم آمنين وردهم إلى أهاليهم وأوطانهم سالمين غانمين اللهم ردهم بحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور وتجارة رابحة لا تبور.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90-91].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم