ميلاد النبي عليه الصلاة والسلام
2022-10-11 - 1444/03/15التعريف
ميلاد النبي عليه الصلاة والسلام-
العناصر
1- استجاب الله لإبراهيم ببعثة النبي الكريم
2- تبشير عيسى عليه السلام بمحمد -صلى الله عليه وسلم- خير الأنام
3- تاريخ مولده وكيفية ولادته
4- مرضعاته وما جرى له من أحداث أثناء الرضاعة
5- رعاية جده عبد المطلب له ورعايته له
6- حكم الاحتفال بمولده
الايات
1- قال الله تعالى: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[البقرة:129].
2- قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة: 146].
3- قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)[الصف:6].
الاحاديث
1- عن أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عن صَوْمِ الاثْنَيْنِ؟ فَقالَ: "فيه وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ"(رواه مسلم:١١٦٢).
2- عن واثلة بن الأسقع الليثي أبي فسيلة رضي الله عنه أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ" (رواه مسلم:٢٢٧٦).
3- عن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُول إنِّي عِندَ اللهِ في أُمِّ الكِتابِ لخاتَمُ النَّبيِّينَ وإنَّ آدمَ لَمُنْجَدِلٌ في طِينتِه، وسأُنَبِّئُكم بتأْويلِ ذلك: دَعْوةُ أبي إبراهيمَ، وبِشارةُ عيسى قَومَه، ورُؤيا أُمِّي التي رأتْ أنَّه خرَجَ منها نورٌ أضاءتْ له قُصورُ الشامِ، وكذلك تَرى أُمَّهاتُ النَّبيِّينَ صلَواتُ اللهِ عليهم (أخرجه أحمد:١٧١٦٣ واللفظ له، وابن حبان:٦٤٠٤، والطبراني:١٨-٢٥٢ (٦٢٩، وقال شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند لشعيب:١٧١٦٣: صحيح لغيره دون قوله: "وكذلك ترى أمهات النَّبيّين صلوات الله عليهم" وقال ابن تيمية في الرد على البكري (٦١): إسناده حسن).
الاثار
1- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: "وُلِدَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عامَ الفيلِ"(أخرجه البزار:٤٧٦٢، والطبراني:١٢-٤٧ (١٢٤٣٢)، والحاكم:٤١٨٠، وقال شعيب الأرنؤوط في تخريج مشكل الآثار:٥٩٦٧: رجاله ثقات).
2- عن العباس بن عبدالمطلب -رضي الله عنه- قال: "وُلِدَ النبي -صلى الله عليه وسلم- مختونًا مسرورًا فأعجبَ ذلِكَ عبدَ المطَّلبِ وحظِيَ عندَهُ وقالَ: ليَكوننَّ لابني هذا شأنٌ"(أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى:١٩٨، وأبو نعيم في دلائل النبوة:٩٢، وقال الذهبي في تاريخ الإسلام:١-٢٧: له متابعة، وضعفه آخرون).
القصص
1- قال محمد بن إسحاق: "وكان هشام بن عروة يحدث عن أبيه، عن عائشة قالت: كان يهودي قد سكن مكة يتجر بها، فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في مجلس من قريش: يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود؟
فقال القوم: والله ما نعلمه. فقال: الله أكبر أما إذا أخطأكم فلا بأس، انظروا واحفظوا ما أقول لكم: ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس، لا يرضع ليلتين، وذلك أن عفريتا من الجن أدخل أصبعه في فمه فمنعه الرضاع، فتصدع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله وحديثه.
فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله، فقالوا: قد والله ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمدا. فالتقى القوم، فقالوا: هل سمعتم حديث اليهودي، وهل بلغكم مولد هذا الغلام؟
فانطلقوا حتى جاءوا اليهودي فأخبروه الخبر، قال: فاذهبوا معي حتى أنظر إليه، فخرجوا به حتى أدخلوه على آمنة فقالوا: أخرجي إلينا ابنك فأخرجته، وكشفوا له عن ظهره، فرأى تلك الشامة فوقع اليهودي مغشيا عليه، فلما أفاق قالوا له: مالك ويلك؟
قال: قد ذهبت والله النبوة من بني إسرائيل، فرحتم بها يا معشر قريش، والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب"(السيرة النبوية؛ لابن كثير:١/٢١٢-٢١٣).
2- قال محمد بن إسحاق: فكانت آمنة بنت وهب أم رسول الله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، تحدث أنها أتيت حين حملت برسول الله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع إلى الأرض فقولي:
أعيذه بالواحد من شر كل حاسد *** من كل بر عاهد وكل عبد رائد
يذود عني ذائد فإنه عند الحميد الماجد *** حتى أراه قد أتى المشاهد
وآية ذلك أنه يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام، فإذا وقع فسميه محمدا، فإن اسمه في التوراة أحمد، يحمده أهل السماء وأهل الأرض، واسمه في الإنجيل أحمد، يحمده أهل السماء وأهل الأرض، واسمه في القرآن محمد"(البداية والنهاية؛ لابن كثير:٢-٣٢٣).
3- قال الطبري: حدثنا علي بن حرب الموصلي قال حدثنا أبو أيوب يعلى بن عمران البجلي قال حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه وأتت له خمسون ومائة سنة قال لما كانت ليلة ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وغاضت بحيرة ساوة ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها فلما أصبح كسرى أفزعه ما رأى فصبر تشجعا ثم رأى أن لا يكتم ذلك عن وزرائة ومرازبته فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم إليه فلما اجتمعوا إليه أخبرهم بالذي بعث إليهم فيه ودعاهم فبينا هم كذلك إذ ورد عليه كتاب بخمود النار فازداد غما إلى غمه فقال الموبذان وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة وقص عليه الرؤيا في الإبل فقال أي شيء يكون هذا يا موبذان وكان أعلمهم عند نفسه بذلك فقال حادث يكون من عند العرب فكتب عند ذلك من كسرى ملك الملوك إلى النعمان ابن المنذر أما بعد فوجه إلى رجلا عالما بما أريد أن أسأله عنه فوجه إليه عبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني فلما قدم عليه قال له أعندك علم بما أريد أن أسألك عنه قال ليخبرني الملك فإن كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلمه له فأخبره بما رأى فقال علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشأم يقال له سطيح قال فأته فاسأله عما سألتك وأتني بجوابه فركب عبد المسيح راحلته حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت فسلم عليه وحياه فلم يحر سطيح جوابا فأنشأ عبد المسيح يقول:
أصم أم يسمع غطريف اليمن *** يا فاصل الخط أعيت من ومن
أم فاز فازلم به شأو العنن *** أتاك شيخ الحي من آل سنن
وأمه من آل ذئب بن حجن *** أزرق ممهى الناب صرار الأذن
أبيض فضفاض الرداء والبدن *** رسول قيل العجم يسرى للوسن
يجوب بالأرض علنداة شجن *** يرفعني وجنا ويهوى بي وجن
لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن *** حتى أتى عاري الجآجى والقطن
تلفه في الريح بوغاء الدمن *** كأنما حثحث من حضنى ثكن
فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه وقال:
عبد المسيح على جمل يسيح إلى سطيح وقد أوفى على الضريح بعثك ملك بنى ساسان لارتجاس الايوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها
يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وبعث صاحب الهراوة وفاض وادة السماوة وغاضت بحيرة ساوه وخمدت نار فارس فليست الشام لسطيح شأما يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه.
فقام عبد المسيح إلى رحله وهو يقول:
شمر فإنك ماضي الهم شمير *** لا يفزعنك تفريق وتغيير
إن يك ملك بنى ساسان أفرطهم *** فإن ذا الدهر أطوار دهارير
فربما ربما أضحوا بمنزلة *** تهاب صولهم الأسد المهاصير
منهم أخو الصرح مهران وإخوته *** والهرمزان وسابور وسابور
والناس أولاد علات فمن علموا *** أن قد أقل فمهجور ومحقور
وهم بنو الأم لما أن رأوا نشبا *** فذاك بالغيب محفوظ ومنصور
والخير والشر مقرونان في قرن *** فالخير متبع والشر محذور
فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بقول سطيح فقال: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا قد كانت أمور فملك منهم عشرة أربع سنين وملك الباقون إلى ملك عثمان بن عفان"(تاريخ الطبري:١/٥٧٩-٥٨١).
4- قالت حليمة بنت الحارث: "قدمت مكة في نسوة وذكر الواقدي بإسناده انهن كن عشرة نسوة من بني سعد بن بكر يلتمسن بها الرضعاء من بني سعد نلتمس بها الرضعاء في سنة شهباء فقدمت على أتان لي قمراء كانت أذمت بالركب ومعي صبي لنا وشارف لنا والله ما تبض بقطرة. وما ننام ليلتنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك ما نجد في ثديي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه. ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج. فخرجت على أتاني تلك فلقد أذمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا. فقدمنا مكة فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل إنه يتيم، تركناه. قلنا ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه؟ إنما نرجو المعروف من أبي الولد، فأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا، فوالله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري. فلما لم نجد غيره وأجمعنا الانطلاق قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع. لانطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. فقال لا عليك أن تفعلي فعسى أن يجعل الله لنا فيه بركة. فذهبت فأخذته فوالله ما أخذته إلا أني لم أجد غيره، فما هو إلا أن أخذته فجئت به رحلي فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن. فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي. وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا. فبتنا بخير ليلة. فقال صاحبي حين أصبحنا: يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة. ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه. فلم يزل الله عز وجل يزيدنا خيرا. ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا فوالله لقطعت أتأتي بالركب حتى ما يتعلق بها حمار حتى أن صواحبي ليقلن: ويلك يا بنت أبي ذؤيب هذه أتانك التي خرجت عليها معنا؟ فأقول نعم والله إنها لهي فقلن والله إن لها لشأنا. حتى قدمنا أرض بني سعد. وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فإن كانت غنمي لتسرح ثم تروح شباعا لبنا فتحلب ما شئنا وما حوالينا أو حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لين وإن أغنامهم لتروح جياعا حتى إنهم ليقولون لرعائهم - أو لرعيانهم - ويحكم انظروا حيث تسرح غنم بنت أبي ذؤيب فاسرحوا معهم. فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فتروح أغنامهم جياعا ما فيها قطرة لبن وتروح أغنامي شباعا لبنا نحلب ما شئنا. فلم يزل الله يرينا البركة نتعرفها حتى بلغ سنتين فكان يشب شبابا لا تشبه الغلمان. فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا فقدمنا به على أمه ونحن أضن شئ به مما رأينا فيه من البركة. فلما رأته أمه قلت لها دعينا نرجع بابننا هذه السنة الأخرى فإنا نخشى عليه وباء مكة. فوالله ما زلنا بها حتى قالت نعم.
فسرحته معنا فأقمنا به شهرين أو ثلاثة. فبينما هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا جاء أخوه ذلك يشتد، فقال ذاك أخي القرشي جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه. فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده قائما منتقعا لونه. فاعتنقه أبوه وقال يا بني ما شأنك؟
قال جاءني رجلان عليهما ثياب بيض أضجعاني وشقا بطني ثم استخرجا منه شيئا فطرحاه ثم رداه كما كان فرجعنا به معنا. فقال أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب فانطلقي بنا نرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف. قالت حليمة فاحتملناه فلم ترع أمه إلا به. فقدمنا به عليها فقالت ما ردكما به يا ظئر؟ فقد كنتما عليه حريصين؟ فقالا لا والله إلا أن الله قد أدى عنا، وقضينا الذي علينا، وقلنا نخشى الاتلاف والاحداث نرده إلى أهله. فقالت ما ذاك بكما فاصدقاني شأنكما؟ فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره، فقالت أخشيتما عليه الشيطان، كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل. والله إنه لكائن لابني هذا شأن ألا أخبركما خبره؟ قلنا بلى! قالت حملت به فما حملت حملا قط أخف علي منه فأريت في النوم حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام ثم وقع حين ولدته وقوعا ما يقعه المولود، معتمدا على يديه رافعا رأسه إلى السماء، فدعاه عنكما (البداية والنهاية؛ لابن كثير:٢/٣٣٣-٣٣٥).
5- قال محمد بن إسحاق: حدثني صالح بن إبراهيم، عن يحيى بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال: حدثني من شئت من رجال قومي ممن لا أتهم، عن حسان بن ثابت قال: إني لغلام يفعة ابن سبع سنين - أو ثمان سنين - أعقل ما رأيت وسمعت، إذا بيهودي في يثرب يصرخ ذات غداة: يا معشر يهود، فاجتمعوا إليه - وأنا أسمع - فقالوا: ويلك ما لك؟ قال: قد طلع نجم أحمد الذي يولد به في هذه الليلة"(السيرة النبوية؛ لابن كثير:١-٢١٣).
6- عن ابن عباس قال: "دخل حديث بعضهم في حديث بعض أن آمنة بنت وهب قالت لقد علقت به -تعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما وجدت له مشقة حتى وضعته فلما فصل مني خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق إلى المغرب ثم وقع على الأرض معتمدا على يديه ثم أخذ قبضة من تراب فقضبها ورفع رأسه إلى السماء، وقال بعضهم: وقع جاثيا على ركبتيه رافعا رأسه إلى السماء وخرج معه نور أضاءت له قصور الشام وأسواقها حتى رأيت أعناق الإبل ببصرى"(الطبقات الكبرى؛ لابن سعد:١-١٠٢).
7- عن إسحاق بن عبد الله قال: "أن أم النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت لما ولدته خرج مني نور أضاء له قصور الشام فولدته نظيفا ولدته كما يولد السخل ما به قذر ووقع إلى الأرض وهو جالس على الأرض بيده"(الطبقات الكبرى؛ لابن سعد:١-١٠٢).
8- عن أبي الحكم التنوخي قال: "كان المولود آنذاك يدفع إلى نسوةٍ من قريش إلى الصبح، فيكفأن عليه برمةً، فلما ولد صلى الله عليه وسلم دفعه عبدالمطلب إلى نسوةٍ فكفأن عليه برمةً، فلما أصبحن أتينَ، فوجدن البرمة قد انفلقت عنه باثنتين، ووجدنه مفتوحَ العينين، شاخصاً ببصره إلى السماء، فأتاهُن عبدالمطلب فقلن له : ما رأينا مولوداً مثله، وجدناه قد انفلقت عنه البرمة، ووجدناه فاتحاً عينيه شاخصاً ببصره إلى السماء فقال جده عبدالمطلب: أحفظنه، فإني أرجو أن يكون له شأن أو أن يصيب خيرا، وقد كان له ما توقع من شأنه صلى الله عليه وسلم"(تاريخ مدينة دمشق:1-37 ج2).
9- عن أبي الحكم التنوخي: أن عبدَ المطلبِ لما ولد النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عمل له مأدبةً، فلما أكلوا سألوا ما سميته؟ قال: محمدًا، قالوا فما رغبت به عن أسماءِ أهلِ بيتِه؟ قال: أردت أن يحمدَه اللهُ في السماءِ وخلقُه في الأرضِ (فتح الباري لابن حجر:٧-١٩٩، وقال: مرسل).
الاشعار
1- قال عبد المطلب وقد أدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الكعبة:
الحمد لله الذي أعطاني *** هذا الغلام الطيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان *** أعيذه بالله ذي الأركان
حتى يكون بلغة الفتيان ***حتى أراه بالغ البنيان
أعيذه من شر ذ شنآن *** من حاسد مضطرب العنان
ذي همة ليس له عينان *** حتى أراه رافع اللسان
(السيرة النبوية؛ لابن كثير:١-٢٠٨).
ألم تر أن الله أرسل عبده ببرهانه والله أعلى وأمجد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
أغر عليه للنبوة خاتم من الله ميمون يلوح ويشهد
2- قال حسان بن ثابت في وصف الرسول -عليه الصلاة والسلام-:
أغر عليه للنبوَّة خاتم *** مِن الله ميمون يلوح ويشهَد
وضم الإلهُ اسمَ النبي إلى اسمه *** إذا قال في الخمسِ المؤذنُ: أشهَد
وشق له مِن اسمه ليجلَّه *** فذو العرش محمود، وهذا محمد
نبي أتانا بعد يأس وفترة *** من الرُّسْل، والأوثانُ في الأرض تُعبَد
فأمسى سراجًا مستنيرًا وهاديًا *** ولاح كما لاح الصقيلُ المهنَّد
وأنذرنا نارًا وبشَّر جنَّة *** وعلَّمنا الإسلام، فلله نحمَد
(ديوان حسان بن ثابت:47).
3- قال البوصيري:
أبان مولده عن طيب عنصره *** يا طيب مبتدأ منه ومختتم
يوم تفرّس فيه الفرس أنّهم *** قد أنذروا بحلول البؤس والنّقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدع *** كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسف *** عليه؛ والنّهر ساهي العين من سدم
وساء ساوة أن غاضت بحيرتها *** وردّ واردها بالغيظ حين ظمي
(فقه السيرة؛ للغزالي:1-61)
متفرقات
1- قال أبو عمرو بن العلاء: "لا يزال الناس بخير ما تُعِجِّبَ من العجب، هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي - وهو ربيع الأول - هو بعينه الشهر الذي توفي فيه؛ فليس الفرح بأولى من الحزن فيه"(المجالسة وجواهر العلم:1/3-3).
2- قال ابن القيم -رحمه الله-: "لا خلاف أنه ولد -صلى الله عليه وسلم- بجوف مكّة، وأن مولده كان عامَ الفيل"(زاد المعاد في هدي خير العباد:1-76).
3- قال الإمام الألباني رحمه الله مُعَلِّقًا على الأقوال التي نقلها ابن كثير: "وأما تاريخ يوم الولادة، فقد ذُكر فيه وفي شهرِه أقوالٌ، ذكرها ابن كثير في الأصل، وكلها معلَّقة، بدون أسانيد يمكن النظر فيها ووزنها بميزان علم مصطلح الحديث، إلا قول مَن قال: إنه في الثامن من ربيع الأول؛ فإنه رواه مالك وغيره بالسند الصحيح عن محمد بن جُبير بن مُطعم، وهو تابعي جليل؛ ولعله لذلك صحَّح هذا القولَ أصحابُ التاريخ واعتمدوه، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي، ورجَّحه أبو الخطاب بن دحية، والجمهور على أنه في الثاني عشر منه"(صحيح السيرة النبوية؛ للألباني:13).
4- قال الدكتور محمد الطيب النجار -رحمه الله-: "ولعل السر في هذا الخلاف أنه حينما ولد لم يكن أحد يتوقع له مثل هذا الخطر، ومن أجل ذلك لم تتسلط عليه الأضواء منذ فجر حياته، فلما أذِن الله أن يبلغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعوته بعد أربعين سنة من ميلاده : أخذ الناس يسترجعون الذكريات التي علقت بأذهانهم حول هذا النبي، ويتساءلون عن كل شاردة وواردة من تاريخه، وساعدهم على ذلك ما كان يرويه الرسول -صلى الله عليه وسلم- نفسه عن الأحداث التي مرت به أو مر هو بها منذ نشأته الأولى، وكذلك ما كان يرويه أصحابه والمتصلون به عن هذه الأحداث. وبدأ المسلمون -حينئذٍ- يستوعبون كل ما يسمعون من تاريخ نبيهم -صلى الله عليه وسلم- لينقلوه إلى الناس على توالي العصور"(القول المبين في سيرة سيد المرسلين:78).
5- قال هيثم عمايرة: "هناك قول آخر أُثبِت بغير طريق الإسناد، وهو اليوم التاسع، فقد رجَّح بعض العلماء هذا اليوم؛ اعتمادًا على دراسة فَلَكية توصَّل فيها صاحبها إلى أنه لم يكنْ يوجد يوم اثنين يوافق اليوم الثاني عشر من ربيع الأول في عام الفيل، وتوصَّل فيها أيضًا أن اليوم الذي وُلد فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو اليوم التاسع من ربيع الأول، وصاحبُ هذه الدراسة هو "محمود باشا الفلكي"، وهو عالِم فَلَك مصري، توفي في عام 1885م، ويعد من أبرز علماء الفلك في العصر الحديث"(مقال: متى ولد الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟).
6- قَالَ بعض الْعلمَاء: "ألهمهم الله -عز وجل- أَنْ سَمَّوْهُ مُحَمَّدًا لِمَا فِيهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ، لِيَلْتَقِيَ الِاسْمُ وَالْفِعْلُ، وَيَتَطَابَقَ الِاسْمُ وَالْمُسَمَّى فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى"(السيرة النبوية؛ لابن كثير:١-٢١١).
7- قال محمد الغزالي: "لم يمكن المؤرخين تحديد اليوم والشهر والعام الذي ولد فيه على وجه الدقة ... وتحديد يوم الميلاد لا يرتبط به من الناحية الإسلامية شيء ذو بال؟ فالأحفال التي تقام لهذه المناسبة تقليد دنيوي لا صلة له بالشريعة"(فقه السيرة؛ للغزالي:1-59).
قال محمد الغزالي: "محمد -عليه الصلاة السلام-، على كرم محتده لم يرزق حظّا وافرا من الثّراء، فكانت قلة ماله مع شرف نسبه سببا في أن يجمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميزات؛ إن أبناء البيوتات الكبيرة تغريهم الثروة بالسطوة، فإذا فقدوا هذا السلاح، وكانت لهم تقاليد كريمة بذلوا جهودا مضنية ليحتفظوا بمكانتهم وشممهم"(فقه السيرة؛ للغزالي:1-60).
قال محمد الغزالي: "ولد محمد -صلى الله عليه وسلم- بمكة ولادة معتادة، لم يقع فيها ما يستدعي العجب أو يستلفت النظر، ولم يمكن المؤرخين تحديد اليوم والشهر والعام الذي ولد فيه على وجه الدقة؛ وأغلب الروايات تتجه إلى أن ذلك كان عام هجوم الأحباش على مكة سنة (٥٧٠ م) في الثاني عشر من ربيع الأول (٥٣ ق. هـ)"(فقه السيرة؛ للغزالي:1-61).
الإحالات
1- السيرة النبوية؛ لابن كثير.
2- ذكر مولد النبي صلى الله عليه وآله ورضاعه؛ لابن كثير.
3- فقه السيرة للغزالي.
4- مولد النبي صلى الله عليه وسلم؛ للعلامة عبدالرحمن الخياط.