عناصر الخطبة
1/الاختلاف العجيب في تعامل الناس مع بعضهم البعض 2/نظرة الناس وميزانهم في معرفة منزلة الناس ومكانتهم 3/الميزان الشرعي في معرفة منزلة الناس والتعامل معهماقتباس
ترى أحدهم قد أقبلَ على هذا بوجهِه واستدارَ له بجسمِه وأسلمَ له فِكرَه، ومع الآخرِ قد لوى لهُ عُنقَه وصَعِّرَ له خدَّه وأعطاهُ ظَهرَه، وتراهُ قد بشَّ في وجهِ هذا وهَشَّ، وتراهُ مع ذلكَ قد تمعَّرَ وجهُه وكَشَّ، وتراهُ قد أخذَ هذا بالأحضانِ وكادَ أن يخلعَ يَدَه بالسَّلامِ عليهِ، وتراهُ قد تجافى عن ذلكَ وأطرافُ الأصابعِ قد امتدَّتْ إليهِ، وتراهُ قد بسطَ لسانَه لهذا بالثَّناءِ والقولِ الكريمِ، ومع...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسـولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
هل لاحظتُم يوماً الاختلافَ الشَّديدَ في تعاملِ النَّاسِ بعضَهم مع بعضٍ؟
فترى أحدُهم قد أقبلَ على هذا بوجهِه واستدارَ له بجسمِه وأسلمَ له فِكرَه، ومع الآخرِ قد لوى لهُ عُنقَه وصَعِّرَ له خدَّه وأعطاهُ ظَهرَه، وتراهُ قد بشَّ في وجهِ هذا وهَشَّ، وتراهُ مع ذلكَ قد تمعَّرَ وجهُه وكَشَّ، وتراهُ قد أخذَ هذا بالأحضانِ وكادَ أن يخلعَ يَدَه بالسَّلامِ عليهِ، وتراهُ قد تجافى عن ذلكَ وأطرافُ الأصابعِ قد امتدَّتْ إليهِ، وتراهُ قد بسطَ لسانَه لهذا بالثَّناءِ والقولِ الكريمِ، ومع ذاكَ قد انعقدَ لسانُه فلا تدري أهو أبكمٌ أم كليمٌ؟
فعندما ترى هذا الاختلافَ العجيبَ في التَّعاملِ بينَ النَّاسِ، لا بُدَّ أن يدورَ في بالِكَ سؤالٌ: ما هو الميزانُ الحقيقيُّ للرِّجالِ؟ هل هو الجاهُ والمنصبُ والمالُ؟ أم هو الحسبُ والنَّسبُ والجمالُ؟ أم هي العزيمةُ والقوَّةُ وشَجاعةُ الأبطالِ؟ أم أنَّ ميزانَ الرِّجالِ لا يعرفُه إلا الرِّجالُ؟
مَنْ لي يُواسيني بمُرِّ عَذابي *** في وِحدتي وتَغربي ومُصابي
سَايرتُ كلَّ النَّاسِ حَسبَ طِباعِهم *** فَوجدتُ فيهم نُدرةَ الأصحابِ
ورجوتُ أن أَلقى صَديقاً مُخلِصاً *** أَفضي إليهِ من السَّرائرِ مَا بِي
النَّاسُ ضَاقتْ بالهمومِ ولم تَعُدْ *** فيهم صِفاتُ الحُبِّ والأحبابِ
وعَلاقةُ الأفرادِ فِيما بينَهم *** كَعلاقةِ المُتخوِّفِ المُرتابِ
فتعالوا الآن لننظرَ إلى ميزانِ الرِّجالِ، هل هو بالوسامةِ والجمالِ، فكلما كانَ الرَّجلُ أجملَ كانتْ له المنزلةُ الأفضلُ؟ اسمع معي إلى هذا الموقفِ، وأنتَ الحكمُ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرَ بْنَ حَرَامٍ، وَكَانَ يُهْدِي لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ" قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّهُ، وَكَانَ دَمِيمًا -أَيْ: قَبِيحَاً-، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا، وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَهُوَ لا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ، فَعَرَفَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: "مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ.. بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ غَالٍ".
إذاً، الجمالُ ليسَ هو ميزانُ الرِّجالِ؟
قد يكونُ ميزانُ الرِّجالِ في كثرةِ المتاعِ والمالِ، فكلما كانَ الإنسانُ غنيَّاً، كانَ بالإكرامِ حريَّاً، ولكن هل سمعتم بجليبيبَ، الفقيرِ الذي لا مالَ لهُ؟ فقالَ له رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "يا جُليْبيبُ ألا تتزوَّجُ؟" قالَ: يا رسولَ اللهِ ومنْ يُزوِّجُني؟ فَقَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: "زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ"، فَقَالَ: نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ وَنُعْمَ عَيْنِي، قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي" قَالَ: فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لِجُلَيْبِيبٍ" فَقَالَ: أُشَاوِرُ أُمَّهَا، فَأَتَى أُمَّهَا فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ، فَقَالَتْ: نِعِمَّ وَنُعْمَةُ عَيْنِي، فَقَالَ: لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ إِنَّمَا يَخْطُبُهَا لِجُلَيْبِيبٍ، فَقَالَتْ: مَا وَجَدَ رَسُولُ اللهِ إِلا جُلَيْبِيبًا وَقَدْ مَنَعْنَاهَا مِنْ فُلانٍ وَفُلانٍ؟ لَا، لَعَمْرُ اللهِ، قَالَ: وَالْجَارِيَةُ فِي سِتْرِهَا تَسْتَمِعُ، فَقَالَتِ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَرُدُّوا عَلَى رَسُولِ اللهِ أَمْرَهُ؟ إِنْ كَانَ قَدْ رَضِيَهُ لَكُمْ, فَأَنْكِحُوهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْنِي، فَانْطَلَقَ أَبُوهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ فَأَخْبَرَهُ، فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا، ثُمَّ خَرجَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فِي غَزْوَةٍ لَهُ، فَلَمَّا نَصَرَهُ اللهُ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟" قَالُوا: نَفْقِدُ فُلَانًا وَفُلَانًا، قَالَ: "انْظُرُوا هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟" قَالُوا: لَا، قَالَ: "لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا"، فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَا هُوَ ذَا إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَاهُ فَقَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ: "قَتَلَ سَبْعَةً وَقَتَلُوهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ" ثلاثاً ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللهِ عَلَى سَاعِدَيْهِ وَحُفِرَ لَهُ، مَا لَهُ سَرِيرٌ إِلَّا سَاعِدَا رَسُولِ اللهِ، حَتى وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ.
إذاً، المالُ ليسَ هو ميزانُ الرِّجالِ؟
قد يكونُ ميزانُ الرِّجالِ هو السِّيادةُ والمنصبِ والجاهُ، فإذا حضرَ يُقامُ لهُ، وإذا تكلَّمَ يُسمعُ لهُ، وإذا شَفعَ يُعطى، وإذا خطبَ يُنكَحُ، ولكنْ اسمعْ إلى هذا الموقفِ؛ يَقولُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: "مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟" فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا".
لا إلهَ إلا اللهُ.
إذاً، السِّيادةُ والجاهُ ليسَ هي ميزانُ الرِّجالِ.
قد يكونُ ميزانُ الرِّجالِ هو ضخامةُ الأجسامِ وقوةُ الأبدانِ، فكلما كانَ الرَّجلُ قويَّاً شُجاعاً، كلما كانَ عند النَّاسِ كريماً مُطاعاً، ولكن هل تعرفونَ عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنه-؟
كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهِ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مِمَّ تَضْحَكُونَ؟" قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ".
سُبحانَ اللهِ.
إذاً، القوَّةُ وضخامةُ الأجسامِ ليسَ هي ميزانُ الرِّجالِ.
قد يكونُ ميزانُ الرِّجالِ هو الحسبُ والنَّسبُ، فكلما كانَ من قبائلِ العربِ الكريمةِ، كلما كانت له عندَ النَّاسِ المنزلةُ العظيمةُ، ولكن ما رأيكم في نسبِ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-؟
لا شَكَّ أنَّه أشرفُ النَّسبِ، ومع ذلكَ فعمُّه مذكورٌ في القرآنِ الكريمِ، في سورةٍ يتلوها الصَّغيرُ والكبيرُ: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ)[المسد: 1-3].
ومع ذلكَ فقد رفعَ الإسلامُ سلمانَ الفارسيَّ وصُهيبَ الرُّوميَّ وبلالَ الحبشيَّ -رضيَ اللهُ عنهم-.
إذاً، الحسبُ والنسبُ ليسَ هو ميزانُ الرِّجالِ.
لَعَمْرُكَ مَا الإنْسَانُ إلا بدِينِهِ *** فلا تَتْرُكِ التَّقْوَى اتِّكَالاً عَلَى النَّسَبِ
فَقَدْ رَفَعَ الإسْلَامُ سَلْمَانَ فَارِسٍ *** وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّقِيَّ أَبَا لَهَبٍ
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن سيدَنا محمداً عبدُه ورسولُه، اللهم صَلِّ وسلمْ على سيدِنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه والتَّابعين بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فلا زالَ السؤال يبحثُ عن جوابٍ: ما هو ميزانُ الرِّجالِ يا أولي الألبابِ؟
اللهُ -سبحانَه وتعالى- لما ذكرَ خلقَ النَّاسِ جميعاً، وذكرَ اختلافَ شُعوبِهم وقبائلِهم، ذكرَ الميزانَ الحقيقيَّ في منزلتِهم عندَه، فقالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات: 13].
إذاً، ميزانُ الرِّجالِ هو التَّقوى والعملُ الصَّالحُ.
وذكرَ اللهُ -تعالى- أماكنَ تواجدِ هؤلاءِ الرِّجالِ، فقالَ سبحانَه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال * رِجَالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ)[النــور: 36-37].
فالمساجدُ هي أماكنُ وجودِ هؤلاءِ الرِّجالِ.
فإذا وجدتَ اليومَ رجلاً حقيقيَّاً فعَضَّ عليه بالنَّواجذِ، واستمسكْ به بيدِكَ ورجلِكَ، فمثلُ هؤلاءِ كانتْ أمنيةُ الفاروقِ عمرَ -رضيَ اللهُ عنه- فقدْ جلسَ ذاتَ يومٍ إلى جماعةٍ من أصحابِه، فقالَ لهم: تَمنَّوا؟ فقالَ أحدُهم: أتمنى لو أنَّ هذه الدارَ مملوءةٌ ذهبًا أُنفقه في سبيلِ اللهِ، ثمَّ قالَ عمرُ: تمنَّوا؟ فقالَ رجلٌ: أَتمنى لو أنَّها مملوءةٌ لؤلؤًا وزَبرجدًا وجَوهرًا أُنفقهُ في سبيلِ اللهِ وأَتصدَّقُ به، ثم قَالَ: تَمنَّوا؟ فقالوا: ما نَدري ما نَقولُ يا أميرَ المؤمنينَ؟ فقالَ عمرُ: ولكنِّي أَتمنَّى رِجالًا مثلَ أبي عبيدةَ بنِ الجراحِ، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وسالمٍ مولى أبي حُذيفةَ، وحُذيفةَ بنِ اليَمانِ فأستعينُ بهم على إعلاءِ كلمةِ اللهِ، وصدقَ اللهُ -تعالى-: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[الأحزاب: 23].
اللهمَّ أَعنَّا على طاعتِك، خُذ بنواصينا إلى ما تحبُّ وتَرضى، اللهم املأ قلوبَنا ثقةً بك، وتوكلاً عليك، ومحبةً لك، وتعظيماً لك.
اللهم اجعلنا من أوليائك وحزبِك، اللهم نسألُكَ تَقواك في السِّرِ والعلنِ، والغيبِ والشهادةِ.
اللهم اغفر لنا ولإخوانِنا الذين سبقونا بالإيمانِ، ولا تجعل في قلوبِنا غِلاً للذين آمنوا ربَّنا إنك رؤوفٌ رحيمٌ.
اللهم اغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأموات.
اللهم آمنا في أوطانِنا، وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعل ولايتَنا فيمن خافَك واتَّقاكَ، واتبع رضاك يا ربَّ العالمينَ، اللهم وفق وليَ أمرِنا إلى ما تحبُّ وتَرضى، سَدده في قولِه وعملِه، واجعل له من لدُنكَ سُلطانًا نصيرًا، اللهم وفق ولاةَ المسلمينَ إلى ما تحبُّ وتَرضى، خُذ بنواصيهم إلى البرِ والتقوى.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم