ميزات الصلاة وفوائدها

محمد راتب النابلسي

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين،

أيها الأخوة الكرام: يقول الله عز وجل:

 

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾

 

(سورة العنكبوت)

 

أساس حياة المسلم الوازع الداخلي، وأساس حياة غير المسلم الرادع الخارجي، وفرق كبير بين أن يكون الوازع محركاً، وبين أن يكون الرادع قامعاً، فالإسلام أساسه هذا النهي الذاتي عن الفحشاء والمنكر، ويقول الله عز وجل:

﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾

 

(سورة العنكبوت)

 

قال بعض العلماء: ذكر الله أكبر ما في الصلاة، وقال بعضهم الآخر: ذكر الله لك أيها المصلي أكبر من ذكرك له، تذكره شاكراً، و تذكره مقبلاً، أما هو إذا ذكرك ملأ قلبك سعادة، وإذا ذكرك ملأ قلبك طمأنينة ورضاً ونوراً، فالنتائج التي يكسبها الإنسان من صلاته تفوق حد الخيال إذا صحّت صلاته ! لذلك ورد في الأثر القدسي:

ليس كل مصلٍ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي، وعزتي و جلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم عليّ فأبرّه، أكلأه بقربي، واستحلفه بملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها، ولا يتغير حالها.

الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)﴾

 

(سورة المعارج)

 

هذا ضعف في أصل خلقه، هكذا خلقه الله عز وجل، ضعفٌ خلقي، تعريف الهلوع

﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾

 

(سورة المعارج )

 

يخاف من أي خطر، ويحرص على أي فائدة من أن تزول من بين يديه، فهو جزوع منوع، وهذا ضعف في أصل خلقه، ومن علامات الضعف أيضاً أنه عجول، وأنه خلق ضعيفاً، والعلماء قالوا: هذه النقاط الضعف الثلاثة لخلق الإنسان إما هي لصالحه، لو أن الله خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه، والإنسان أحياناً يتوهم أنه مستغن عن الله قال تعالى:

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)﴾

 

(سورة العلق)

 

هذه النقاط الثلاثة أنه هلوع، كثير الجذع، شديد الحرص، ضعيف، عجول، لصالح إيمانه، لو لا أنه هلوع لما أقبل على الله تائباً، وما وقف بباب الله منيباً، ما اندفع إلى طاعة الله مقبلاً، كل السعادة عند الله، فلأن الإنسان خلق هلوعاً يسرع إلى ربه عند الخوف، فالخوف باعث، ولأنه جزوع ولأنه منوع أنفق المال ليرقى به، لأن المال محبب إليه.

أيها الأخوة: يقول الله عز وجل:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

 

(سورة المعارج)

 

المصلي مستثنى، ولكن دققوا ذكرت هذا من قبل، لو قلت إنسان هذه الكلمة تنطبق على خمسة آلاف مليون، نضيف كلمة مسلم نَزَلوا إلى مليار ومائتي مليون، نضيف كلمة عربي أصبحوا مائتي مليون، نضيف كلمة مثقف أصبحوا سبعون مليوناً، نضيف كلمة طبيب أصبحوا خمسمائة ألف، نضيف مثلاً طبيب قلب أصبحوا مائة ألف، مقيم في بلد معين ثلاثة، جراح واحد، كلما أضفت كلمة ضاقت الدائرة، الآن دقق:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

 

الآن بالإضافة سوف تضيق

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)﴾

 

(سورة المعارج)

 

كلما أضيفت صفة على هؤلاء المصلين ضاقت الدائرة، ولكن هذه الصلاة التي أرادها الله لها ثمار تفوق حد الخيال، لذلك ليس كل مصلٍ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، فأنت لمن تصلي ؟ يقول ربنا عز وجل:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

 

(سورة طه)

 

﴿ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)﴾

 

(سورة العلق)

 

الصلاة ذكر بل هو أكبر ما في الصلاة، الصلاة قرب،

﴿ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) ﴾

 

الله عز وجل قال:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾

 

(سورة النساء )

 

فالصلاة علم وقرب وذكر، وفي الأحاديث:

(( عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ يَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ يَمْلآَنِ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالْوُضُوءُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، وَكُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ))

 

(سنن الدارمي)

 

إن صليت يقذف نورٌ في قلبك، فترى الحق حقاً، والبطل باطلاً والصلاة طهور، إن صليت الصلاة التي أرادها الله طهرت نفسك من كل درن، والصلاة حبور، أرحنا بها يا بلال، والصلاة ميزان، فمن وفَّى الصلاة حقها استوفى منها ثمرها، والصلاة عروج، الصلاة معراج المؤمن، والصلاة مناجاة لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل، الصلاة مناجاة وعروج وحبور وطهور ونور وذكر وقرب، والصلاة علم هذه الصلاة، لذلك ليس كل مصلٍ يصلي، لن لتأديب النفي، لن تغلب أمتي من اثني عشر ألف من قلة، اثنا عشر ألف مصلٍ يصلي الصلاة التي أرادها الله، لن يغلبوا في الأرض، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، فإذا كان لهم علينا ألف سبيل وسبيل، معنى ذلك الصلاة التي نصليها ليست الصلاة التي أرادها الله عز وجل لابد من أن تسبقها استقامة، أن يسبقها إخلاص، أن يسبقها التزام، أن تأتي الصلاة ومعك هدية إلى الله، ما هذه الهدية ؟ خدمة عباده، دقق الآية:

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)﴾

 

(سورة الكهف)

 

ليس كل مصل يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، إن لم تفكر في ملكوت السماوات والأرض، وإن لم تعرف قدر الله عز وجل،

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾

 

(سورة الزمر)

 

لذلك معرفة أمره شيء، ومعرفة خلقه شيء، الجامعات في العالم تفوق في معرفة خلقه، فيزياء وكيمياء ورياضيات وفلك وطب وهندسة... ومعرفة أمره كليات الشريعة في العالم الإسلامي الزواج والطلاق والعارية والحوالة والكفالة والمواريث... أما أن تعرفه شيء آخر، ثمن معرفة أمره وخلقه المدارسة، لكن ثمن معرفته المجاهدة، جاهد تشاهد:

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾

 

(سورة العنكبوت)

 

لذلك إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي استقام، ولم يصر على معصيتي،

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾

 

(سورة فصلت)

 

لا معنى أن تقول ربي الله ولا تستقيم على أمره، أنت لم تفعل شيئاً، أنت بحاجة إلى أشعة الشمس في مرض جلدي يشفى بأشعة الشمس، فإذا قبعت في غرفة مظلمة رطبة والشمس ساطعة فقلت: إن الشمس ساطعة ماذا فعلت ؟ أنت جالس بغرفة مظلمة، وأنت في أمس الحاجة إلى الشمس، والشمس دواء للجلد، تقول: الشمس ساطعة يا أخي ‍‍! يا لها من شمس ساطعة ! ما أجملها من شمس ! ما أروعها من شمس ! لو بقيت تتكلم هكذا ليوم القيامة لا تنتفع بهذا الكلام، لأنك لم تخرج إلى الشمس، لتعرض جلدك لها،

 

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾

 

إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، استقام وتاب، المؤمن مذنب تواب، كل بني آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون، وأطعم الجائع العمل الصالح، الاستقامة يقول لك: أنا ما كذبت، أنا ما غششت، لم اغتب أحداً، أنا ما أكلت مال حرام، كله ما هذا ما تسلم بها، أما ماذا فعلت من أجل أن تسعد ؟ الاستقامة سلامة، أما العمل الصالح سعادة، قرب من الله، الاستقامة طبقت المنهج فسلمت، لذلك: وأطعم الجائع، و كسى العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك للإخلاص، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس، في تألق موصول بالله عز وجل.

كان سيدنا ربيعة عندما يصرفه النبي بعد ما انتهى الدوام كان يخدمه ويقبع على طرف الغرفة من شدة محبته له ! النبي الكريم له وهج ! في زخم روحي ! كلما اتصلت بالله أتاك الله قوة تأثير، كيف المصباح يشع ؟ لذلك أطعم الجائع، وكسى العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي وعزتي وجلالي، إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الآن دقق في نتائج الصلاة الجهالة له حلما، الجهالة كل الصفات الخسيسة، غير المصلي لئيم وحش أناني كاذب منافق منحرف متعجرف متغضرس لا يحتمل.. المصلي متواضع مستقيم أمين صادق، والظلمة نورا في ثمرتين، الثمرة الأولى: الظلمة في قلبه تصبح نوراً متألقاً يرى بها طريق الحق، والدليل قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾

 

(سورة الحديد)

 

الشيء الثاني صفات اللؤم والخسّة تنقلب إلى صفات كاملة، فأنت بالصلاة تنتقل من الظلام إلى النور، ومن الخسّة إلى الكمال

وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا، يدعوني فألبيه، صار مستجاب الدعوة ويسألني فأعطيه، ويقسم عليّ فأبرّه، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها، ولا يتغير حالها،

والحمد لله رب العالمين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات