عناصر الخطبة
1/ خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء 2/ استجاب الله لإبراهيم ببعثة النبي الكريم 3/ تبشير عيسى عليه السلام بمحمد خير الأنام 4/ مولد ونسب النبي صلى الله عليه وسلم 5/ مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم 6/ دلائل نبوة النبي الكريم.اقتباس
وُلِد من أبوين كريمين كبقية البشر، من نكاح لا من سفاح، لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية؛ فأبوه عبد الله، توفي وهو حمل في بطن أمه؛ فكفله جده عبد المطلب إلى سن الثامنة، ثم مات؛ فبقي في كفالة عمه أبي طالب إلى أن توفي وللنبي -صلى الله عليه وسلم- من العمر خمسون...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، رضي من عباده اليسير من العمل، وتجاوز لهم الكثيرَ من الزلل، وخصَّ من شاءَ بهدايته وتوفيقه نعمةً منه وفضلاً؛ أحمدُه -سبحانه- وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادةَ موقنٍ بها، آخذٍ بمقتضاها قولاً وعملاً، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبينا محمداً عبدُه ورسوله، رحمةَ العالمين، وقدوةَ العاملين، وحجةَ السالكين، لا نبتغي إلى السعادة بغير طريقه أملاً -صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين-، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله: قدَّر الله -سبحانه- في الأزل أن يكون نبيٌّ في آخر الزمان، وفي آخر الأمم، وقدر -سبحانه- أن يكون هذا النبي هو محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، وآخرُ الأمم هي أمته أمةُ الإسلام، ورسالتُه خاتمةُ الرسالات، فقال -سبحانه- عن رسالته: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].
وقال عن خاتم رسله محمد -صلى الله عليه وسلم-: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الأحزاب: 40]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ: خَاتَمُ النَّبِيِّينَ؛ وَإِنَّ آدَمَ لِمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي؛ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي، وَقَدْ خَرَجَ لَهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ" (مسند أحمد).
وهو القائل -صلى الله عليه وسلم-: "أَنا دَعْوَةُ إبراهيمَ، وكانَ آخِرَ مَنْ بَشَّرَ بي عيسى بنُ مَرْيَمَ" (الصحيحة)؛ فهو دعوة إبراهيم -عليه السلام-؛ أي صاحب دعوته بقوله حين بنى الكعبة: (ابعث فيهم رسولا منهم)؛ ذلك للتنويه بشرفه، وكونِه مطلوبَ الوجود، تاليا للكتاب، مطهِّرًا للناس من الشرك، معروفا عند الأنبياء المتقدمين، وكان آخرَ من بشر به، وببعثته هو عيسى ابنُ مريم، بشَّرَ بذلك قومَه ليؤمنوا به عند مجيئه، أو ليكون معجزةً لعيسى -عليه السلام- عند ظهوره، قال تعالى حكاية عنه: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف: 6]، وسماه لأنه مسمى به في الإنجيل.
ونبوته سابقة على وجوده، عَنْ مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ، قَالَ: قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللهِ! مَتَى كُتِبْتَ نَبِيًّا؟" وفي رواية: "يَا رَسُولَ اللهِ! مَتَى جُعِلْتَ نَبِيًّا؟" قَالَ: "وآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ" (مسند أحمد )؛ وقد أمر الله رسوله- أن يبين لأمته أنَّ أصله إنسان من بني آدم، وليس إلهاً ولا ملَكًا ولا جنًّا: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) [الكهف: 110].
وُلِد من أبوين كريمين كبقية البشر، من نكاح لا من سفاح، (لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية)؛ فأبوه عبد الله، توفي وهو حمل في بطن أمه؛ فكفله جده عبد المطلب إلى سن الثامنة، ثم مات؛ فبقي في كفالة عمه أبي طالب إلى أن توفي وللنبي -صلى الله عليه وسلم- من العمر خمسون سنة، وأمُّه آمنة بنت وهب توفيت وهو ابن ست سنين، ومرضعته حليمة السعدية، وحاضنته أم أيمن الحبشية؛ فهو من أوسطِ العرب نسبا، وأكرمِهم قبيلة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ" (صحيح مسلم).
وروى يَعْقُوب بن سُفْيَان بِإِسْنَاد حسن عَن عَائِشَةَ -رضي الله تعالى- عنها قَالَتْ: "كَانَ يَهُودِيٌّ قَدْ سَكَنَ مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! هَلْ وُلِدَ فِيكُمُ اللَّيْلَةَ مَوْلُودٌ؟" قَالُوا: (لَا نَعْلَمُ)! قَالَ: "فَإِنَّهُ وُلِدَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ؛ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَامَةٌ، لَا يَرْضَعُ لَيْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ"؛ فَانْصَرَفُوا فَسَأَلُوا؟ فَقِيلَ لَهُمْ: (قَدْ وُلِدَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ غُلَامٌ)، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ مَعَهُمْ إِلَى أُمِّهِ، فَأَخْرَجَتْهُ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى الْيَهُودِيُّ الْعَلَامَةَ؛ خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، وَقَالَ: (ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! أَمَا وَاللَّهِ لَيَسْطُوَنَّ بِكُمْ سَطْوَةً؛ يَخْرُجُ خَبَرُهَا مِنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ" (فتح الباري لابن حجر)؛ فمن آمن به أحبَّه، ومن أحبَّه اتبعه، ومن أحبَّ اللهَ اتَّبعَ رسولَه -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31].
لقد اتخذ الله -سبحانه- ممَّن يحبُّ من عباده اثنين، وصلت محبتُهما إلى أعلى درجات المحبة؛ إلى مرتبة الخُلَّة، وهما النبيَّانِ الكريمانِ؛ إبراهيمُ -عليه السلام-، (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) [النساء: 125]، ونبيُّ الله محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، الذي قَالَ: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا، لَاتَّخَذْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ خَلِيلًا، وَلَكِنْ صَاحِبُكُمْ خَلِيلُ اللهِ" (صحيح مسلم).
تهيأت الأرض لولادته، وانتظرت الدنيا قدومه، وغضب الشيطان من بعثته؛ لما ولد الرَّسُول الْمُصْطَفى، وقرَّت بِهِ عُيُونُ أهلِ الوفا والصفا، وَظهر إِلَى الْوُجُود رَحْمَةً إِلَى جَمِيع النَّاس، وكُسِي من أَجله الْوُجُود أَفْخَر لِبَاس، وَفُتحت أَبْوَاب الْجنان، وتزخرفت لقدومه استبشارا، وخمدتْ النيرَانُ وأغلق مِنْهَا الْأَبْوَابُ مِنَّةً وإشعارًا، وَانْشَقَّ عِنْد ذَاك إيوَان كسْرَى لهيبته، حَتَّى سمع الْقَوْم صَوتَ انصداعِه ورجَّته، وَسَقَطت مِنْهُ أَربع عشرَة شرفة، كَمَا رَوَاهُ الْقَوْم، وَأخْبر من رَآهُ أَن الشَّقَّ طولاً فِي سقفه، وَهُوَ بَاقٍ إِلَى الْيَوْم، وخمدت نَارُ فَارسَ الَّتِي كَانُوا يعبدونها، وَلم تخمُدْ قبلَ ذَلِك بِأَلف عَام بل كَانُوا يوقِّرونها، فَلَمَّا خمدت يَوْم المولد الشريف، لم يقدرْ على إيقادِها القويُّ مِنْهُم وَلَا الضَّعِيف، وغاضَت بحيرةُ ساوة بعد أَن كَانَت السفن فِيهَا تُركَب، فأضحت لَيْلَة المولد الشريف وأرضُها يابسةً وَمِنْهَا يُتَعَجَب، وحُرِسَت السَّمَاءُ بِالشُّهُبِ، وَمُنِع مِنْهَا كلُّ شَيْطَان، وتكسرت تَعْظِيمًا لَهُ الْأَصْنَام والصلبان، وانفلقت عَنهُ البرمة الَّتِي وضعت عَلَيْهِ فِرْقَتَيْن، وشُقَّ بَصَره ينظر إِلَى السَّمَاء رَأْي الْعين".
"وفي قِصَّةِ رَضَاعِهِ -صلى الله عليه وسلم-، مِنَ الْعَلَامَاتِ: كَثْرَةُ اللَّبَنِ فِي ثَدْيَيْ مرضعته حليمةَ السعدية، وَوُجُودُ اللَّبَنِ فِي شَارِفِهَا؛ بَعْدَ الْهُزَالِ الشَّدِيدِ، وَسُرْعَةُ مَشْيِ حِمَارِهَا، وَكَثْرَةُ اللَّبَنِ فِي شِيَاهِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَخِصْبُ أَرْضِهَا، وَسُرْعَةُ نَبَاتِهِ، وَشَقُّ الْمَلَكَيْنِ صَدْرَهُ، وَهَذَا الْأَخِيرُ" (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ؛ "أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَاهُ جِبْرِيلُ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ -يَعْنِي ظِئْرَهُ ومرضعتَه فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ، قَالَ أَنَسٌ: "وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ".
"وَفِي اللَّيْلَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ انْكَسَرَ إِيوَانُ كِسْرَى، وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرَّافَةً، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، وَلَمْ تُخْمَدْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ" (فتح الباري لابن حجر).
إن كثيرا منَّا اليوم؛ صغارا وكبارا، نساء ورجالا، فتيانا وفتيات، أولادًا وبنات، يعرفون المغنين والمغنيات، والممثلين والممثلات، واللاعبين واللاعبات، يعرفون أسماءهم وصفاتِهم، وأدوارَهم وأفعالَهم، وفوق المعرفة؛ يقلِّدونهم في الهيئات والحركات، وهناك كمٌّ كبير من هذه الأمة يحبُّون المشاهير من هؤلاء؛ ولو كان من أرذلِ الناس، وأحطِّ الناس، وأكفرِ الناس، ولبيان حقٍّ أو نصيحة ناصح؛ إذا وقع ذمٌّ أو قدح في هذا النجم المشهور، -زعموا- أو تلك النجمة المغمورة، قامت قيامة محبيهم ولم تقعد، وثار بركانهم ولم يركد.
أمَّا عامة من ذكرنا من هذه الأمة، إن لم يكن كلُّهم وغيرهم؛ لو سألتهم عن اسم نبيهم -صلى الله عليه وسلم- واسم أبيه وأمِّه، وجدِّه وعمِّه، وآل بيته وصحبه رضي الله تعالى عنهم، لتَهْتَهَ في الكلام، وحار في الجواب؛ فكيف تَقتدِي بمن لا تعرفه؟! وكيف تتبع وتهدي بمن لا تعلمه؟! إن ما جاء به من النور والهدى، أقوى وأكمل من نور الشمس الذي يذهب ويتلاشى بحلول الليل، وتراكم الغمام، وما جاء به -صلى الله عليه وسلم- لا يضمحل ولا يخفى، ولقد أحسن الشُّقراطيسي حيث قال: أضاءَت لمولِدِه الآفاقُ واتَّصَلَت بُشرى الهواتفِ في الإشراقِ والطَّفَلِ وصرْحُ كِسرى تَدَاعَى من قواعدِه، وانقضَّ منْكَسرَ الأرجاءِ ذا مِيَلِ ونارُ فارسَ لم توقدْ وما خمدتْ مُذْ ألفِ عامٍ ونهرُ القومِ لم يَسِلِ خَرَّت لمبعثِه الأوثانً وانبعثتْ ثواقبُ الشُّهْبِ ترمي الجِنَّ بالشُّعُلِ شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية".
وتوبوا إلى الله واستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله من اهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد:\
ومِنْ دَلَائِلِ نبوته مَا حَدَثَ بَيْنَ يَدَيْ أَيَّامِ مَوْلِدِهِ وَمَبْعَثِهِ، -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْأُمُورِ الْغَرِيبَةِ، وَالْأَكْوَانِ الْعَجِيبَةِ، الْقَادِحَةِ فِي سُلْطَانِ أُمَّةِ الْكُفْرِ وذهابِها وزوالِها، وَالْمُوهِنَةِ لَكلِمَتِهِم، الْمُؤَيِّدَةِ لِشَأْنِ الْعَرَبِ، الْمُنَوِّهَةِ بِذِكْرِهِمْ؛ كَأَمْرِ الْفِيلِ، وَمَا أَحَلَّ اللَّهُ بِحِزْبِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ" (الاعتقاد للبيهقي)، أي؛ والله أمة الكفر زائلة وإن طالت مدتها وصولتها فما نحن فاعلون؟ قال -سبحانه-: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110]، أي: (قُلْ) يا نبي الله! يا محمد! للكفار وغيرهم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)، أي: لست بإله، ولا لي شركة في الملك، ولا علم بالغيب، ولا عندي خزائن الله، ولست من الملائكة ولا الجن؛ (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) عبدٌ من عبيد ربي، (يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)، أي: فُضِّلْت عليكم بالوحي، الذي يوحيه الله إليَّ، الذي أَجَلُهُ الإخبارُ لكم: (أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)، أي: لا شريكَ له، ولا أحدَ يستحقُّ من العبادةَ مثقالَ ذرةٍ غيرُه، وأدعوكم إلى العمل الذي يقرِّبُكم منه، وينيلكم ثوابَه، ويدفعُ عنكم عقابَه.
ولهذا قال: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا)، وهو الموافق لشرع الله؛ من واجب ومستحب، (وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، أي: لا يرائي بعمله؛ بل يعملُه خالصا لوجه الله تعالى؛ فهذا الذي جمع بين الإخلاص والمتابعة، هو الذي ينالُ ما يرجو ويطلب، وأمَّا مَن عدا ذلك، فإنه خاسرٌ في دنياه وأُخراه، وقد فاتَه القُرْبُ من مولاه، ونيلُ رضاه".
ألا وصلوا وسلموا على نبيكم محمدٍ رسولِ الله، فقد أمركم بذلك ربكم، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأزواجه وذرياته، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الملة والدين، والكفرةِ الطغاةِ والملحدين، وانصر عبادَك المؤمنين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وعبادَك الصالحين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم