موقف المسلم من الفتن (3)

خالد بن سعود الحليبي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ ترك الاختيار مخافة الوقوع في أشدّ منه 2/ تذكير بضوابط ستة وردت في الخطبتين السابقتين 3/ عرضُ الآراءِ على علماء السنة قبل إشاعتها 4/ موالاة المؤمنين والعلماء وبيان صفات هؤلاء العلماء 5/ من أحكام تولّي الكفار وموالاتهم والاستعانة بهم 6/ الخلل في تطبيق أحاديث الفتن على الواقع

اقتباس

واعلموا بأننا في زمان فتن، وظلمة شديدة، نحتاج معها أن نبصر الحقائق التي تجعلنا على المحجة البيضاء التي تركنا عليها رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، ولن يكون ذلك إلا بالتمسك بالوحيين، والرجوع إلى أئمة الدين، والعمل بضوابط وقواعد.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

 

وأشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنه في زمن الفتنة يكون للأعمال والأفعال والتصرفات ضوابط لا بدَّ من رعايتها؛ فليس كل فعل يُحمَد عادة في حال الفتنة إذا كان سيُفْهَم منه غير الفهم الذي يُراد أن يُفهم منه.

 

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة: "يَا عَائِشَةُ لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ، فَأَلْزَقْتُهَا بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ" رواه مسلم.

 

النبي -صلى الله عليه وسلم- خشي أن يفهم القرشيون الذين أسلموا حديثًا من نقضه الكعبة، ومن بنائه إياها على بناء إبراهيم، ومن جَعْلِهِ لها بابين: بابًا يدخل منه الناس، وبابًا يخرجون منه؛ خشي أن يفهموا فهمًا غير صائب، بأنه يريد الفخر، أو أنه يريد تسفيه دينِهم دينِ إبراهيم، أو نحو ذلك؛ فترك هذا الفعل.

 

ولهذا؛ بوَّب البخاري -رحمه الله- بابًا عظيمًا استدلَّ عليه بهذا الحديث؛ فماذا قال؟ قال: باب: "من ترك الاختيار مخافة أن يقصر الناس عن فهمه فيقعوا في أشد منه".

 

وعند ذلك نعلم أنه لا بد َّمن الفهم؛ فالسرعة والتعجُّل أمور غير محمودة، فمَن الذي يلزم كل فرد في المجتمع بأن يتكلَّم في كل مجلس أو أن يتكلَّم في كل وسيلة إعلامية بما رآه حقًّا في الفتن وهو لا يمتلك أدوات الاجتهاد؟ فالحق يبيِّنه علماء السنة والجماعة، فإن كان عنده رأي أو فهم فليعرضه عليهم، فإن قبلوا فذاك، وإلّا فقد برئت ذمته من اطلاع عامة المسلمين على رأي لم يوزن.

 

وقد ذكرت لكم فيما مر من خطب ستة ضوابط وقواعد للمسلم في زمن الفتن، ألخصها فيما يلي: الأولى: إذا ظهرت الفتن، أو تغيرت الأحوال؛ فعليك بالرفق والتأنِّي والحلم. والثانية: ألا تحكم على شيء من تلك الفتن أو من تغير الحال إلا بعد تصوُّره. والثالثة: يلزم المسلم الإنصاف والعدل في أمره كله. والرابعة: الالتزام بجماعة المسلمين، وعدم التفرق. والخامسة: الرايات التي تُرفع في الفتنة -سواء رايات الدول، أو رايات الجماعات، أو رايات الدعاة- لا بدَّ للمسلم أن يزنها بالميزان الشرعي الصحيح، وعلى النتيجة تترتب الأحكام الشرعية اللازمة. والسادسة: أن للقول والعمل في الفتن ضوابط خاصة تختلف عنها في غيرها.

 

وأما السابعة من تلك الضوابط والقواعد: فإن الله أمر بموالاة المؤمنين، وخاصة العلماء، فالمؤمنون والمؤمنات، كما قال -جل وعلا-: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة:71]؛ كل مؤمن لا بدَّ له وفرض عليه أن يحب المؤمنين، وأن ينصرهم، وأن يجتنب السخرية منهم؛ فكيف إذا كان أولئك المؤمنون هم أنصار شريعة الله، وهم الذين يبيّنون للناس الحلال والحرام، وهم الذين يبيّنون للناس الباطل؟!.

 

فيحرم أن يُذْكَر العلماء إلا بخير، والمجالس التي يُذْكَر فيها العلماء بغير خير مجالس سوء، لماذا؟ لأن "الْعُلَمَاء وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ" رواه أبو داود وصححه الألباني.

 

فمن احترم علماء أهل السنة والجماعة، أهل التوحيد، وأجلَّهم، وأخذ بمقالهم، فإنه أخذ بميراث النبوة، ولم يدع ميراث النبوة إلى غيره.

 

والعلماء الذين يرجع إلى قولهم ويوالَوْن ويُحبون، صفتهم أنهم: أولاً: هم أئمة أهل السنة والجماعة، والذين يُرجَع إلى قولهم في التوحيد في وقتهم. ثانياً: هم أهل الشمولية في معرفة الأحكام الشرعية، فيعلمون العقيدة وأصولها، والفقه وأبوابه كلها، وقواعد الشرع وأصوله المرعية، فلا يكون عندهم التباس، ولا خلاف بين المسألة والأخرى، ولا بين القضايا بعضها مع بعض.

 

وعند ذلك؛ لا بدَّ وأن نذكر مسألة مهمة، وقع فيها بعض المتقولين: علماؤنا في هذا الوقت لا يفهمون الواقع! وهي مقولة لا ينبغي أن تُقال على العلماء، فإن الفهم للواقع -عند أهل العلم- ينقسم قسمين:

 

القسم الأول: فهم لواقع ينبني عليه الحكم الشرعي؛ فهذا لا بدَّ منه، وفهمه مُتعيّن، ومَن حكَم في مسألة دون أن يفهم واقعها؛ فقد أخطأ. فإذا كان للواقع أثر في الحكم؛ فلا بدَّ من فهمه.

 

القسم الثاني: واقع لا أثر له في الحكم الشرعي، فإنه يكون من الواقع: كيت وكيت، وكذا وكذا، وقصص طوال... ولكن لا أثر لذلك الفهم، ولتلك القصص والأحوال، لا أثر لها في الحكم الشرعي أبدًا؛ فعند ذلك، العلماء لا يأخذون بها، وإن فهموها، وليس معنى ذلك أن كل واقع عُلِم تُبنَى عليه الأحكام الشرعية.

 

ومن أمثلة الأمر الأول، وهو أن فهم الواقع ينبني عليه الحكم الشرعي: الحكم على الدول، والحكم على الأوضاع بأن دولاً ما مسلمة أو غير مسلمة، كيف يتهيأ للعالِم أن يحكم على دولة بأنها مسلمة أو غير مسلمة دون أن يعرف حقيقة أمرها ودون أن يفهم واقعها؟! هذا أمر لا بدَّ أن يفهم الواقع فيه، حتى يُصدر العالم الحكم الشرعي، فإذا فهم ذلك الواقع أصدر الحكم الشرعي بناءً على فهمه لذلك الواقع.

 

ومن ذلك -أيضاً- مثلاً: الجماعات الإسلامية الكثيرة، التي قامت في وقتنا الحاضر مختلفة، وبعضها يختلف عن بعض، هل يتسنَّى للعالم الشرعي أن يحكم عليها، أو أن يقيِّمها، دون أن يفهم واقعها، وما هي عليه من المعتقدات ومن الأصول ومن المناهج ومن الأفكار والرؤى؟ وكيف سبيل دعوتها؟ لا يمكن له ذلك حتى يفهم واقعها؛ لأن فهم الواقع هنا له أثر في الحكم الشرعي، ومَن حكم دون فهم ذلك الواقع فإن حكمه الشرعي لن يوافق صوابًا.

 

ومن أمثلة القسم الثاني: ما نرى في وقتنا الحاضر من أن بعض الدعاة يخالطون من هم أصغر منهم سنًّا، ويدعونهم ويرشدونهم ويحببون لهم الهدى والصلاح، إما في المنتديات العامة، أو في المكتبات، أو في نحو ذلك.

 

ونحن نعلم أنه يحصل من اختلاط الكبار بالصغار -في العادة- مفاسد بل ومحرمات، ففهمنا لذلك الواقع لا يجعلنا نحكم على دعوة الكبار للصغار بأنها لا تجوز، ولا أثر له في الحكم على الدعوة بأنها غير مشروعة من الكبير للصغير.

 

ولكن فهمنا لذلك الواقع فيه عرض لمسألة أخرى، وهي أن يُنصح ويرشد مَن وقع في الخطأ، أو وقع في محرم، أو لابس شيئًا غير شرعي، أو لا يرضاه الله، أن ننصحه بالتوبة؛ فكان فهم ذلك الواقع لا أثر له في الحكم الشرعي من الجواز وعدمه، وإنما له أثر في النصيحة؛ حتى يقوم بالحق دون إتيان بالمنكر، أو دون غشيان لما لا يحبُّه الله ورسوله.

 

عباد الله: والثامن من تلك الضوابط والقواعد: وهو ضابط مهم، ضابط تولّي الكفار؛ فها هنا عندنا في الشرع، لفظان لهما معنيان، يلتبس أحدهما بالآخر عند كثيرين:

 

الأول: التولّي. والآخر: الموالاة. التولي: مكفّر. والموالاة: غير جائزة. والثالث: الاستعانة بالكافر واستئجاره: جائزة بشروطها. فهذه ثلاث مسائل.

 

أما التولي؛ فهو الذي نزل فيه قول الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51]. وضابط التولي: نصرة الكافر على المسلم وقت الحرب بين المسلم والكافر، قاصدًا ظهور الكفار على المسلمين. فأصل التولي: المحبة التامة، أو النصرة للكافر على المسلم، فمَن أحب الكافر لدينه؛ فهذا قد تولاَّه توليًا، وهذا كفرٌ.

 

وأما موالاة الكفار؛ في مودتهم، ومحبتهم لدينهم، وتقديمهم، ورفعهم، فهي فسق وليست كفرًا، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) [الممتحنة:1]. قال أهل العلم: ناداهم باسم الإيمان، وقد دخل في النداء من ألقى المودة للكفار، فدلَّ على أن فعله ليس كفرًا، بل ضلال عن سواء السبيل. وذلك لأنه ألقى المودة، وأسَرَّ لهم؛ لأجل الدنيا، لا شكًّا في الدين.

 

فقد ورد في صحيح البخاري -رحمه الله- عن عليّ بن أبي طالب قال: بعثني الرسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وأبا مرثدٍ الغنَوي والزبيرَ بنَ العوامِ، وكلُّنا فارسٌ، قال: "انطلِقوا حتى تأتوا روضةَ خاخٍ، فإنَّ بها امرأةً من المشركِين، معها كتابٌ من حاطبِ بن أبي بلتعةَ إلى المشركين".

 

فأدركناها تسيرُ على بعيرٍ لها حيث قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فقلنا: الكتابَ! فقالتْ: ما معنا كتابٌ، فأنخناها فالتمسْنا فلم نر كتابًا، فقلنا: ما كذب رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، لتُخرجِنَّ الكتابَ أو لنجرِّدنَّكِ، فلما رأتِ الجدَّ أهوتْ إلى حجزتِها، وهي محتجزةٌ بكساءٍ، فأخرجتُه، فانطلقنا بها إلى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فقال عمرُ: يا رسولَ اللهِ، قد خان اللهَ ورسولَه والمؤمنين، فدعْني فلْأضربْ عنقَه.

 

فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "ما حملك على ما صنعتَ؟"، قال حاطبٌ: "واللهِ ما بي ألا أكون مؤمنًا باللهِ ورسولِه -صلى الله عليه وسلم-، أردتُ أن يكون لي عند القومِ يدٌ يدفع اللهُ بها عن أهلي ومالي، وليس أحدٌ من أصحابِك إلا له هناك من عشيرتِه من يدفعُ اللهُ به عن أهله وماله. فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "صدق، ولا تقولوا له إلا خيرًا".

 

فقال عمرُ: إنه قد خان اللهَ ورسولَه والمؤمنين، فدعْني فلْأضربْ عنقَه. فقال: "أليس من أهل بدرٍ؟"، فقال: "لعل اللهَ اطلع إلى أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتُم، فقد وجبتْ لكم الجنةُ، أو فقد غفرتُ لكم". فدمعت عينا عمرَ، وقال : اللهُ ورسولُه أعلمُ . رواه البخاري.

 

فمن هذا يتبيَّن أن مودة الكافر والميل إليه لأجل دنياه ليس كفرًا إذا كان أصل الإيمان والاطمئنان به حاصلاً لمن كان منه نوع موالاة.

 

وأما الاستعانة بالكافر على المسلم أو استئجاره فقد قال أهل العلم بجوازه في أحوال مختلفة؛ ويفتي أهل العلم في كل حال، وفي كل واقعة، بما يرونه يصح أن يُفتى به.

 

وأما إعطاء الكفار أموالاً صدقة أو للتآلف أو لدفع الشرور فهذا له مقام آخر، وهو نوع آخر غير الأقسام الثلاثة، فإن صدقات التطوع لا حرج في إعطائها للكفار الذين لم يكونوا في حرب مع المسلمين، بشرط ألا يستعينوا بها على محرم، ويدل لهذا عموم قوله -تعالى-: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان:8].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ملء السموات والأرض، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فأوصيكم بتقوى الله وطاعته.

 

واعلموا بأننا في زمان فتن، وظلمة شديدة، نحتاج معها أن نبصر الحقائق التي تجعلنا على المحجة البيضاء التي تركنا عليها رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، ولن يكون ذلك إلا بالتمسك بالوحيين، والرجوع إلى أئمة الدين، والعمل بضوابط وقواعد.

 

وأذكر هنا آخر تلك القواعد: أن لا تُطبِّق -أيها المسلم- أحاديث الفتن على الواقع الذي تعيش فيه؛ فإنه يحلو للناس عند ظهور الفتن مراجعة أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفتن، ويكثر في مجالسهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا، وهذا وقتها، هذه هي الفتن المقصودة! ونحو ذلك.

 

والسلف علَّمونا أن أحاديث الفتن لا تنزَّل على واقع حاضر، وإنما يظهر صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- بما أخبر به من حدوث الفتن بعد حدوثها وانقضائها، مع الحذر من الفتن جميعًا.

 

فمثلاً: بعضهم يمر به قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو لم يبقَ منَ الدُّنيا إلَّا يومٌ لطوَّلَ اللَّهُ ذلِكَ اليومَ حتَّى يَبعثَ فيهِ رجلًا منِّي -أو من أَهْلِ بيتي- يواطئُ اسمُهُ اسمي، واسمُ أبيهِ اسم أبي، يملأُ الأرضَ قِسطًا وعدلاً، كما مُلئت ظُلمًا وجَورًا".

 

وفي لفظٍ "لا تذهبُ -أو لا تَنقضي- الدُّنيا حتَّى يملِكَ العربَ رجلٌ من أَهْلِ بيتي ، يواطئُ اسمُهُ اسمي" رواه أبو داود وصححه الألباني.

 

فيقول شخص ما بأنه فلان بن فلان، أو أنه ظهر، أو أنه قريبًا سيظهر، أو نحو ذلك، مما ضل به أقوام وهلكوا على مر القرون.

 

وهذا التطبيق لأحاديث آخر الزمان، وأحاديث الفتن على الواقع، وبثّ ذلك في المسلمين، ليس من منهج أهل السنة والجماعة، وإنما أهل السنة والجماعة يذكرون الفتن وأحاديث الفتن محذِّرين منها، مباعدين للمسلمين عن غشيانها أو عن القرب منها؛ لأجل ألا يحصل بالمسلمين فتنة، ولأجل أن يعتقدوا صحة ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

وفي الختام، أسأل الله -جل وعلا- أن يرينا الحقَّ حقًّا ويرزقنا اتِّباعه، وأن يمنَّ علينا بائتلاف وقوة في الحق، وثبات عليه، وأن يجعلنا من الذين يلتزمون بمنهج أهل السنة والجماعة وبعقائدهم كلها؛ لا نفرق بين شيء مما قالوه أو وضعوه أو استدلوا عليه بالأدلة الشرعية.

 

اللهم إنا نسألك أن تجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن ترزق المسلمين صلاحًا في أنفسهم وفي ولاة أمرهم، وأن تدلَّهم على الرشاد، وأن تباعد بينهم وبين أهل الزيغ والفساد، يا رب العالمين.

 

ونسأل الله أن يجعلنا من المرحومين، وأن يختم لنا بالحسنى، وأن يجعل هذا الأمر وهذه الفتن التي ظهرت عاقبتها حميدة للمسلمين، يا رب العالمين، والله المستعان، وعليه التكلان.

 

اللهم احفظنا وبلادنا وأهلينا وأولادنا من كل سوء يراد بنا، إنك سميع الدعاء.

 

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم.

 

اللهم استر علينا وعلى أعراضنا وعلى ذرارينا وذوينا، وأعراض المسلمين؛ إنك سميع الدعاء.

 

اللهم وفقنا لصالح الأعمال واجعلها خالصة لوجهك الكريم، وتقبلها منا يا كريم.

 

اللهم فك أسرى المسلمين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضالهم، وهيئ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.

 

اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين. 

 

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.

 

 

المرفقات

المسلم من الفتن (3)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات