موقف المؤمن من شدة الحر

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ شدة الحر من فيح جهنم2/ موقف المسلم منن المقاييس المادية للأمور 3/ أهم الواجبات علينا تجاه ارتفاع درجة الحرارة 4/ في كل ذات كبد رطبة أجر.

اقتباس

إذا كنا نتأفف من الحر ونحن في بيوت مكيفة وسيارات مكيفة وعمل مكيف، فكيف بمن يعيش بلا كهرباء، أو من يعيش في العراء، أو من يعمل تحت أشعة الشمس، فلو أن المسلم تفقد العوائل الفقيرة واشترى لهم مكيفًا يبرِّد عليهم تلك الحرارة، أو ثلاجة تبرِّد لهم الماء وتحفظ لهم طعامهم، فكم سيناله من الأجر! وليكن ذلك بينك وبين الله لا يعلم به أحد.. وإن شدة الحر هذه الأيام لتملأ قلب المسلم رحمةً بالخلق، فإذا كان لديك عمال يعملون في الشوارع ونحوها، فارفق بهم، لعل الله يرفق بك، فـ"الراحمون يرحمهم الرحمن"، وفي المقابل "من لا يَرحم لا يُرحم"...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله..

 

أما بعد فيا أيها الناس: إن الله –سبحانه- يقلِّب الليل والنهار، ويصرِّف الأيام كيف يشاء، وسخَّر الشمس والقمر دائبين، ونوَّع بين البلدان، فمنها الحار ومنها البارد، ومنها المتجمد فأهلها لا يعرفون الحر، وجعل في البلدان بحارًا، وفي أخرى صحاري وقفارًا.

 

 ونثر الناس فيها أوزاعا، فالمناطق التي يشد فيها  الحر والبرد، جعل الله لهم بذلك عبرة يتذكرون فيها حر جهنم وزمهريرها أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ".

 

قال المحققون من أهل العلم: وهذه شكوى على وجه الحقيقة لا المجاز، فلا مجاز في القرآن، ولا مانع من كونه حقيقة، فالله هو الذي أنطقها، وهو الذي أنطق كل شيء كما قال سبحانه (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق: 30].

 

وبعض العقلانيين ممن لم ينتفع بعقله ينكر أمثال هذه الأحاديث، ويقول: إن الحر والبرد له أسباب معروفة مناخيًّا، ولمثل هؤلاء أنقل كلام شيخنا العلامة محمد بن عثيمين -قدس الله روحه- حيث يقول: "وفي هذا الحديث: دليل على أن الجمادات لها إحساس لقوله: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً"، من شدة الحر، وشدة البرد، فأذن الله لها أن تتنفس في الشتاء، وتتنفس في الصيف، تتنفس في الصيف ليخف عليها الحرَّ، وفي الشتاء ليخفَّ عليها البرد، وعلى هذا فأشد ما نجد من الحرِّ: يكون من فيح جهنم، وأشد ما يكون من الزمهرير: من زمهرير جهنم .

 

فإن قال قائل: هذا مشكل حسَب الواقع؛ لأن من المعروف أن سبب البرودة في الشتاء هو: بُعد الشمس عن مُسامتة الرؤوس، وأنها تتجه إلى الأرض على جانب، بخلاف الحر، فيقال: هذا سبب حسِّي، لكن هناك سبب  وراء ذلك، وهو السبب الشرعي الذي لا يُدرك إلا بالوحي، ولا مناقضة أن يكون الحرُّ الشديد الذي سببه أن الشمس تكون على الرؤوس أيضا يُؤذن للنار أن تتنفس فيزدادُ حرُّ الشمس، وكذلك بالنسبة للبرد: الشمس تميل إلى الجنوب، ويكون الجوُّ بارداً بسبب بُعدها عن مُسامتة الرؤوس، ولا مانع من أنّ الله تعالى يأذن للنار بأن يَخرج منها شيءٌ من الزمهرير ليبرِّد الجو، فيجتمع في هذا: السبب الشرعي المُدرَك بالوحي، والسبب الحسِّي، المُدرَك بالحسِّ " اهـ.

 

عباد الله: لقد جعل الله للخلق في كل شيء في الوجود عبرة وفكرة تدله على وحدانية الله تعالى، فهذا الحر الشديد الذي يمر بنا هذه الأيام يفتح لنا أبوابًا من الأجور ونحن عنها غافلون، فمن ذلك أن ما يجده العبد من شدة الحر فهو من البلاء الذي يصيب العبد فيصبر عليه ويرضى ويسلم لأمر الله فيثاب على ذلك.

 

كما أنه يعرِّف العبدَ نعمة الله عليه، فالمسلم يتذكر إخوانه الفقراء الذين يعيشون بلا تكييف أو يعيشون بلا كهرباء أو في العراء، فيعود عليهم ويساندهم بما يستطيع، وعندما يشتد عطشه من شدة الحر يتذكر إخوانه من الفقراء أيضًا، بل يتذكر الحيوانات والطيور التي تهلك من الحر، فيوفر لهم الماء والطعام في ظل في بيته، إما في السطح أو النافذة أو الساحات الخارجية، بلا عناء ولا كلفه، وما يدريك أنها قد تكون سببًا في دخولك الجنة..

 

 أخرج البخاري ومسلمٌ في صحيحهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ، يَلْهَثُ، وفي رواية "قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ"، كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ، فسقته، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ».

 

امرأة مومسة يعني بغيًّا من البغايا الفاجرات، يغفر لها بسبب سقيا كلب، فما بالك بمن يسقى مسلمًا على ظمأ؟!

 

عباد الله: لا تستخفوا بهذه الأعمال، فهي عند الله عظيمة خصوصا إذا صاحبها إخلاص وتعظيم لله وثوابه، ورحمة وشفقة بالغير.

 

إذا علم المؤمن هذا، فهل يستصعب أن يضع إناء للطيور في منزلة، فكم سيسقي من ظمآن، ففي كل كبد رطبة أجر، وإن محلات الطيور لتبيع أواني معدة لذلك، فكن من الفطنين، ولو اشتريت منها مجموعة ووزعتها على إخوتك وأخواتك، كم سينالك من الأجر!

 

وكذلك توزيع  المياه على العمال الذين يعملون تحت أشعة الشمس، إن المؤمن الفَطِن هو الذي يستغل الفرص لينال بها رضوان الله، وأن لا يكون المسلم فطنًا لدنيا، ومغفل في أخراه.

فطن لكل في مصيبة في ماله *** وإذا يصاب في دينه لا يشعرُ

 

اللهم اجعلنا ممن يسابق في الخيرات ويخلص العمل لله أقول قولي هذا...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أما بعد فيا أيها الناس: قال الله تعالى عن نار الدنيا (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ) [الواقعة: 73]، وكذلك جعل الله شدة الحر من فيح جهنم لنتذكر بها تلك النار العظيمة التي هي عذاب الله، وهي مأوى الكافرين والمتكبرين، أعاذنا الله وإياكم منها.

 

معاشر المسلمين: إذا كان الإنسان يتأفف من حرارة تبلغ الخمسين درجة، فكيف بنار جهنم، إن هذا التفكر يدعو المسلم أن يهرب من النار بفعل الطاعة واجتناب المعصية، وإن الناظر في حال الناس، خصوصًا الشباب، يجد الغفلة قد استحكمت على القلوب، حتى نُسيت الدار الآخرة، والعياذ بالله، ولا يزكي الإنسان نفسه، فكلنا ذلك الغافل، فلنستيقظ قبل فوات الأوان.

 

أيها المؤمنون: إن حوادث الدنيا وما يمر بالمسلم من تقلبات يجب أن تجعله يعمل للآخرة، فإذا كنا نتأفف من الحر ونحن في بيوت مكيفة وسيارات مكيفة وعمل مكيف، فكيف بمن يعيش بلا كهرباء، أو من يعيش في العراء، أو من يعمل تحت أشعة الشمس، فلو أن المسلم تفقد العوائل الفقيرة واشترى لهم مكيفًا يبرِّد عليهم تلك الحرارة، أو ثلاجة تبرِّد لهم الماء وتحفظ لهم طعامهم، فكم سيناله من الأجر! وليكن ذلك بينك وبين الله لا يعلم به أحد ولو زوجتك، حتى تنتفع به في يوم شديد الحرارة، في يوم تدنو الشمس من الخلاق حتى تكون قدر ميل، لطف الله بنا وبكم.

 

عباد الله: إن شدة الحر هذه الأيام لتملأ قلب المسلم رحمةً بالخلق، فإذا كان لديك عمال يعملون في الشوارع ونحوها، فارفق بهم، لعل الله يرفق بك، فـ"الراحمون يرحمهم الرحمن"، وفي المقابل "من لا يَرحم لا يُرحم".

 

عباد الله: تذكروا أهل القبور، إذا كانت الحرارة فوق الأرض وفي الظل تصل للخمسين درجة فكم هي تحت الأرض، فأما المؤمن فيفتح له من الجنة ويأتيه من نعيمها، نسأل الله من فضله، وأما الظالم لنفسه، فيفتح له من النار فيأتيه من لهيبها وحرها والعياذ بالله، فادعوا وتصدقوا عن موتاكم فإن الصدقات تخفف عنهم، وقدموا لأنفسكم لذلك الموطن يوم لا ينفع المرء إلا عمله.

 

أيها المؤمنون: إن هذه الدار، دار عمل للآخرة، فلنستعد لمواقف يوم القيامة بالعمل الصالح، فوالله إن أمام المرء مواقف مهولة، وإنها لتخف على العبد بعمله الصالح، فلنسابق ولنسارع كما أمرنا الله، فغدا نحن راحلون، ولما نسمع معاينون، فرحماك ربي..

 

اللهم وفقنا لهداك .. اللهم استعملنا في طاعتك ... اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.

 

 

 

المرفقات

المؤمن من شدة الحر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات