(موقعة الزلاقة) إنقاذ دولة الإسلام في الأندلس خلفيات وأسباب وتوابع (1/ 2)

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16

اقتباس

من المواقف المشهودة في تاريخ الأمة الإسلامية؛ معركة الزلاقة، والتي أدت لتأجيل سقوط دولة الإسلام في الأندلس لعدة قرون، وكان الترف والفساد الذي عليه ملوك الطوائف سببا لتسلط أعداء الأمة من الصليبيين علي بلاد الأندلس، ومثلت هذه المعركة الخالدة فاتحة الحروب الصليبية الكبرى علي العالم الإسلامي ليس في الغرب وحده بل في الشرق أيضا، كما أفرزت وضعا سياسيا جديدا في الأندلس بقيام. .

 

 

 

 

الأحداث:

 

لايزال تاريخ الأندلس مجهولا ً بالنسبة لمعظم المسلمين, هذا رغم أن دولة الإسلام بالأندلس تعتبر أطول دولة إسلامية علي مر تاريخ الأمم والممالك الإسلامية, إذ استمرت قرابة الثمانية قرون على ربوع الأندلس رايات التوحيد, وترتج جنباتها بالأذان, وتسعد سهولها ووديانها بالجيوش الإسلامية, والمجاهدين فى سبيل الله, ومن جوامعها خرج العلماء والقراء والأدباء, وكانت لهذه الدولة حضارة زاهرة شع نورها على القارة الأوروبية التي كانت فى ظلمات وجهالات, وتاريخ دولة الإسلام بالأندلس أكبر وأعظم مما يظن المسلمون, وفصوله أروع وأمتع مما يتوقعه القارئون, وهذه واحدة من أعظم صفحات تاريخ أمة الإسلام بالأندلس, لأنها قراءة واستصحاب لكل ما نراه ونعايشه من أحوال المسلمين الأن, وهذا يعطينا استشراقا ً لما سيحدث لهذه الأمة شريطة أن تسلك نفس الطريق.

 

الأوضاع داخل الأندلس:

 

منذ الفتح الإسلامي للأندلس سنة 92هـ, وقيام دولة عظيمة للإسلام في قلب أوروبا, مرت هذه الدولة بعدة أطوار, تأرجحت بين قوة وضعف, وتجمع وتفرق, وهي كالآتي:

 

عصر الولاه من سنة 92- 138هـ
عصر الخلافة الأموية 183هـ
عصر الحاجب المنصور وأولاده, وهي تابعة للخلافة الأموية أيضا ٌ من سنة 399هـ
عصر الصراع على الخلافة من سنة 399 هـ حتى سنة 422هـ

 

وكان عصر الصراع على الخلافة مشئوما ٌ على وضع دولة الإسلام بالأندلس؛ لأنه كان تقدمة وسببا لظهور عصر ملوك الطوائف, الذي يعد بحق – ومن غير إحجاف ولا تأويل – أسوأ العصور الأندلسية, وسر نكبتها, وأول زوالها, ولم يعلم الوزير " أبو محمد بن جهور " مدى خطورة القرار الذى اتخذه عندما أعلن إلغاء الخلافة الأندلسية فى الأندلس سنة 422 هـ عقب انهيار حكم الأمويين, ما أقدم عليه مطلقا، ولم تكن حجته في ذلك سوى عدم وجود الرجل المناسب لهذا المنصب, وكثرة الصراعات بين الزعامات القبلية, ومهما كانت مبررات هذا القرار, فلقد فتح هذا القرار الباب على مصراعيه لفتنة عمياء وداهية صماء, إذ تشرذمت الأمة المسلمة بالأندلس, وتمزق الجسد الواحد فى تلك البلاد البعيدة عن حاضرة الخلافة الإسلامية, وانقسمت لدويلات صغيرة استقل فيها كل طامع, وكل ذي عشرة وعصبية بمقاطعته, وأعلن نفسه ملكا ً عليها, وتسمى بأمير المؤمنين, وتلقبوا بألقاب الخلفاء السابقين, وكلهم لا يستحقون أن يكونوا بهذه المناصب, ولا ما هو دونها, فأغلبهم طامعون, ومحدثون نعمة, ولا يرجعون إلي دين أو فضل أو نباهة, وصدق فيهم قول الشاعر ابن رشيق القيرواني:

 

        مما يزهدني في أرض أندلــس *** أسمــاء معتـــضد فيـها ومعتـــمد

      ألقاب مملكة في غير موضعها   ***   كالهر يحكي انتفاخا ً صورة الأسد

 

وبذلك دخلت الأمة الإسلامية بالأندلس عهدا ً جديدا ً, بل قل نفقا ً مظلما: وهو عهد ملوك الطوائف, وقد حكم فى هذه الفترة نحو عشرين أسرة مستقلة فى أكثر من عشرين مدينة كبيرة, ومن أشهر ملوك الطوائف:

 

 

[*]   بنو عباد بإشبيلية.

[*]   بنو حماد الأدارسة بمالطة والجزيرة الخضراء.

[*]   بنو زيري بغرناطة.

[*]   بنو هود بسرقسطة.

[*]   بنو النون بطليطلة.

 

ولقد ساد هذا العصر فى الأندلس الترف والأدب والشعر, وغلبت أجواء الليونة والميوعة على أهل الأندلس, وراجت قصص وحكايات العشق والغرام, وغلب الانحلال على أخلاق الكثير من الناس خاصة الطبقات العليا, أما ملوك الطوائف أنفسهم فكان حالهم فيما بينهم ومع رعاياهم من ناحية, ومع الصليبين من ناحية أخرى تماما ً كقول الشاعر:

 

    أسد علي وفي الحروب نعامة    ***    فتخاء تنفر من صفير الصافر

 

فملوك الطوائف أرهقوا رعاياهم بالضرائب, والمكوس الجائرة, والطلبات المرهقة كل يوم, وذلك كله من أجل إشباع شهواتهم, وسد سلطانهم, أما مع جيرانهم المسلمين, فالإغارة والاعتداء الدائم من أجل إضافة املاك جديدة لدائرة ملك كل واحد منهم على حساب جيرانه المسلمين, فاندلعت حروب مدمرة بين بني هود وبني النون, وبين بني عباد وبني جهور, وهكذا استمر ملوك الطوائف فى قتال وصراع داخلي من اجل اكتساب الأراضي والحصون.

 

أما حالهم مع أعدائهم الصليبين فى الشمال: فهم فى منتهى الخنوع والذلة والضعف والخور, فالجميع يدفعون الجزية لملك الصليبين ألفونسو السادس, والأدهى من ذلك يطلبون مساعدته فى حربهم ضد بعضهم البعض.

 

حرب الاسترداد الصليبية:

 

الحقيقة الهامة التي يجب ألا تغيب عن أذهان المسلمين أن عدوهم لا يستطيل عليهم, ولا يستأسد عليهم إلا حال ضعف وتفرق وتخاذل المسلمين, ما حدث فى الأندلس خير مثال, فعندما وصلت دولة الإسلام بالأندلس إلى عصر ملوك الطوائف المشئوم, وشعر أعداء الإسلام بأن الوقت قد حان لتنفيذ مخططهم الآثم القديم بدأوا فى الإعداد لما عرف فى تاريخ أسبانيا النصرانية بحرب الإسترداد الصليبية, والغرض منها إزالة الوجود الإسلامي من الأندلس بالكلية, وإعادتها مرة اخرى لحكم الصليب, وقد بدأت هذه الحرب على يد أشهر ملوك أسبانيا ألفونسو السادس الذي أيقن أن الوقت قد حان لتنفيذ خطة الحرب المقدسة !, بعد أن بان له ضعف وخضوع ملوك الطوائف, بعد إقرارهم جميعا ً بدفع الجزية له, والاستظلال بحمايته ضد بعضهم البعض, فقام ألفونسو بتوحيد عدة إمارات إسبانية مثل ليون, وقشتالة, وإستوريا تحت لوائه, ليكونوا صفا ً واحدا ً أمام الوجود الإسلامي بالأندلس.

 

"وهذا مما يحزن النفس, ويدمي القلب أن يعمل أعداء الإسلام بما يأمر به الإسلام, فى حين أن المسلمين لا يعملون بما أمرهم به دينهم, فأي خزي وعار هذا الذي تحياه الأمة المسلمة عندما تتفرق وتختلف, ويحارب بعضها بعضا ً, وتسهل الطريق أمام ليفترسها, كما قال الشاعر:

 

    كتب القتل والقتال علينا   ***   وعلى الغانيات جر الذيول

 

ناقوس الخطر:

 

كان ملوك الطوائف فى غفلتهم نائمين, وفى غيهم سادرين, وبصراعاتهم منشغلين, وألفونسو السادس على الطرف الأخر يوحد الصف, ويرهق ملوك الطوائف بطلباته المادية, ويستولي على الحصون القريبة من حدود مملكته, ويتوسع أفقيا ً على حساب أملاك الدولة المسلمة, وبعد ذلك وثب ألفونسو وثبة كبيرة – كانت بمثابة ناقوس الخطر للمسلمين – حيث استولى ألفونسو على مدينة طليطلة من ملوك بني النون فى صفر سنة 478 هـ, وذلك بعد أن ظل لمدة سبع سنوات متصلة يعمل ويخطط ويحاصر طليطلة, حتى استولى عليها, ودشن بذلك حرب الاسترداد, وأشعل حماسة الصليبين فى كل أوروبا, وسرت روح دينية صليبية خالصة, وتوافد صليبو أوروبا إلى تلك المدينة كانت عاصمة إسبانيا النصرانية قبل دخول الإسلام, وهذا كله جرى وملوك الطوائف – وخاصة المعتمد بن عباد – لا يحركون ساكنا ً, ولا يجرؤ واحد منهم على تحريك جندي واحد لنصرة إخوانهم بطليطلة.

 

سبحان الله ! سبع سنوات, والمدينة محاصرة, وباقي المسلمون يرون إخوانهم تحت الحصار, والعدو ببابهم, وهم لا يحركون ساكنا ً كأن الأمر لا يعنيهم, وكأن أهل المدينة ليسوا مسلمين, ودماؤهم وأعراضهم وحرماتهم المستباحة ليست من الإسلام فى شيء, ولايزال كثير من المسلمين يفكر بعقلية ابن نوح عندما قال: ( قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) [هود: 43], وهي رسالة جريئة لكل مسلم يظن أنه فى مأمن وإخوانه يحاصرون ويضطهدون ".

 

لقد كان ألفونسو هذا متجبرا ً عنيدا ً, شديد الكفر والحقد على المسلمين, ساعده ضعف ملوك الطوائف وخنوعهم, وانشغالهم باللهو والملذات على تنفيذ خطته الشريرة لاسترداد الأندلس للحكم الصليبي مرة أخرى, وكان هؤلاء الملوك – زورا ً – لا يزنون عند ألفونسو شيئا ً, وبلغ من استهزائه بهم أنه ذات يوم أرسل للمعتمد بن عباد – الذي يعد وقتها أقوى ملوك الطوائف, وأكثرهم تعاونا ً مع ألفونسو - أرسل سفيرا ً من عنده يطلب منه السماح لزوجه أن تدخل جامع قرطبة لتلد فيه حسب إشارة القساوسة والأساقفة, لأن جامع قرطبة مشيد على أرض كنيسة مقدسة عند النصارى, وذلك حتى يسلم المولود من الأذى, وكان ألفونسو لا يعيش له أولاد, فلم يتمالك ابن عباد نفسه فقتل حامل الرسالة لوقاحتها, وأمر فصلب منكوسا بقرطبة.

 

ودخل الصراع بين أسبانيا النصرانية والأندلس طورا ً جديدا ً, تحولت فيه كفة الصراع لصالح الصليبين على حساب المسلمين, وحدث نوع انتفاضة صليبية على المستوى الأوروبي عامة – والأسباني خاصة – وأخذ ألفونسو فى التخطيط بعد الاستيلاء على طليطلة فى الاستيلاء على مملكة إشبيلية, لأنها كانت الأولى على طريق الاسترداد, وبدأت خطوات الاستيلاء بالبحث عن مبررات – ولو كانت واهية – للإنقضاض على إشبيلية, وجاء المبرر عندما أرسل ألفونسو رسولا ً يهوديا ً من عنده اسمه ابن شاليب, إلى المعتمد بن عباد ليقبض منه الإتاوة, فأساء ابن شاليب الأدب مع ابن عباد, واتهمه بتزوير النقود المدفوعة, فظل ابن عباد يصفعه على وجهه حتى خرجت عيناه من شدة الصفع, وقتل كل من حضر مع اليهودي, وكانوا خمسمائة إلا ثلاثة, أبقاهم ليعودوا بالخبر لألفونسو الذي أقسم بأغلظ الأيمان ليغزون إشبيلية, وليأخذنها من يد ابن عباد.

 

أعد ألفونسو جيشين كبيرين: زحف أحدهما إلى مدينة باجة, ثم إلى مدينة إشبيلية, والآخر قاده ألفونسو بنفسه, ونزل قبالة قصر ابن عباد على الناحية الأخرى من نهر الوادي الكبير الذي يفصل بين أسبانيا النصرانية والاندلس الإسلامية, ثم أرسل برسالة كلها تهكم واستهزاء بابن عباد, يقول فيها: لقد كثر بطول مقامي فى مجلسي هذا الذباب, واشتد علي الحر, فأتحفني من قصرك بمروحة أروح بها على نفسي, وأطرد الذباب عن وجهي, فكتب على ظهر الرسالة ابن عباد قائلا له: قرأت كتابك, وفهمت خيلاءك وإعجابك, وسأنظر لك فى مراوح من الجلود الملطية تريح منك, لا تروح عليك. فما حكاية الجلود الملطية ؟ !.

 

 

(موقعة الزلاقة ) إنقاذ دولة الإسلام في الأندلس خلفيات وأسباب وتوابع (2/2)

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات