مواقف تربوية نبوية (1): (أتأذن لي بالزنا؟...)

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2021-06-11 - 1442/11/01 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/في ظلال المشهد التربوي النبوي 2/دروس مستقاة من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب وطلبه الغريب 3/أثر الرفق والإقناع العقلي والعاطفي في تعديل سلوك العصاة والمخالفين.

اقتباس

فَمَا أَحْسَنَ أَنْ يَأْخُذَ الدُّعَاةُ وَالْمُرَبُّونَ هَذَا الْأُسْلُوبَ التَّرْبَوِيَّ وَيُدْرِكُوا أَنَّ بَعْضَ الْعُصَاةِ مَهْمَا كَانَتْ مَعَاصِيهِمْ فَقَدْ تَبْقَى لَدَيْهِمْ أَخْلَاقٌ حَمِيدَةٌ، فَيَنْبَغِي اسْتِثْمَارُهَا فِي عِلَاجِ أَخْطَائِهِمْ وَكَفِّهِمْ عَنْهَا، وَدَعْوَتُهُمْ مِنْ خِلَالِهَا إِلَى...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَا أَحَدَ أَكْمَلُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدْيًا، وَلَا أَحْسَنُ مِنْهُ أُسْلُوبًا، وَلَا أَجْمَلُ مِنْهُ عِبَارَةً، وَلَا أَرَقُّ إِشَارَةً؛ فَقَدْ أَعْطَاهُ اللَّهُ -تَعَالَى- أُسْلُوبًا بَدِيعًا فِي تَرْبِيَةِ الْعُصَاةِ وَهِدَايَتِهِمْ لِلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، حَتَّى أَثَّرَ فِيهِمْ هَدْيُهُ تَوْبَةً نَصُوحًا، وَنَجَعَ فِيهِمْ طَرِيقُهُ التَّرْبَوِيُّ الْقَوِيمُ سُرْعَةَ اسْتِجَابَةٍ.

 

فَتَأَمَّلُوا مَعِي -رَحِمَكُمُ اللَّهُ- فِي هَذَا الْمَوْقِفِ التَّرْبَوِيِّ الْعَظِيمِ؛ لِتَعْرِفُوا كَيْفَ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسْلُوبَهُ التَّرْبَوِيَّ الْمَعْهُودَ فِي هِدَايَةِ الْمُخَالِفِينَ؛ يُحَدِّثُنَا أَبُو أُمَامَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ مَوْقِفٍ عَجِيبٍ.. وَطَلَبٍ غَرِيبٍ.. حَدَثَ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَالصَّحَابَةُ قَدِ الْتَفُّوا حَوْلَ خَيْرِ الْبَشَرِ.. كَأَنَّهُمُ النُّجُومُ قَدْ أَحَاطَتْ بِالْقَمَرِ.. يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ الدِّينَ وَالْأَخْلَاقَ وَالْإِحْسَانَ.. وَيَأْتِيهِمْ خَبَرُ السَّمَاءِ بِالْهُدَى وَالرَّحْمَةِ وَالْإِيمَانِ.. وَيُحَدِّثُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَهَا رَأْيَ عِيَانٍ.. فَإِذَا بِشَابٍّ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا". سُبْحَانَ اللَّهِ.. مَا أَكْمَلَ أَخْلَاقَ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.. وَأَمَّا إِيمَانُ الشَّابِّ.. فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي شَيْئَيْنِ:

الْأَوَّلُ: حَذَرُهُ مِنَ الْحَرَامِ.. وَبُعْدُهُ عَنِ الْآثَامِ.. فَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ فِي الزِّنَا حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَكُونَ حَلَالًا.. وَأَنَّى لَهُ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى- عَنْهُ: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[الْإِسْرَاءِ: 23]؟!

 

وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَاءَ يَبْحَثُ عَنْ عِلَاجٍ لِقَلْبِهِ عِنْدَ طَبِيبِ الْقُلُوبِ.. فَفِي قَوْلِهِ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا"؛ كَأَنَّهُ يَشْتَكِي لِلنَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- حَالَهُ بِقَوْلِهِ: لَقَدْ بَلَغَ بِي حُبُّ الزِّنَا حَتَّى أَنَّهُ لَا يُطْفَأُ لَهِيبُهُ فِي قَلْبِي حَتَّى يَكُونَ حَلَالًا كَشُرْبِ الْمَاءِ.. وَأُرِيدُ الْحَلَّ مِنْكَ قَبْلَ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيَّ دِينِي وَدُنْيَايَ؛ فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. أَيْ: اكْفُفْ-.. وَلَكِنَّ الرَّفِيقَ الشَّفِيقَ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي قَالَ: "ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا"، قَالَ: فَجَلَسَ وَأَدْنَاهُ؛ أَدْنَاهُ لِيَأْمَنَ.. وَأَجْلَسَهُ لِيَطْمَئِنَّ.. وَهَذَا أَوَّلُ وَسَائِلِ الْعِلَاجِ.. فَهُوَ لِلشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ مُحْتَاجٌ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ".

 

قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ".

 

قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ".

 

قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ".

 

قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ".

 

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.. نِقَاشٌ عَقْلِيٌّ يُحَرِّرُ الْعَقْلَ الْمَسْلُوبَ.. وَحِوَارٌ عَاطِفِيٌّ يَصِلُ إِلَى شَغَافِ الْقُلُوبِ.. فَكُلُّ مَنْ سَتَزْنِي بِهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ أُمًّا أَوْ بِنْتًا أَوْ أُخْتًا أَوْ عَمَّةً أَوْ خَالَةً لِرَجُلٍ مِثْلِكَ غَيُورٍ.. يَأْبَى أَنْ يُدَنَّسَ عِرْضُهُ وَلَوْ أَنْ يُوَسَّدَ فِي الْقُبُورِ؛ وَلَكُمْ أَنْ تَسْتَشْعِرُوا ذَلِكَ الْإِحْسَاسَ الَّذِي أَحَسَّهُ ذَلِكَ الشَّابُّ الْعَرَبِيُّ الْمُسْلِمُ الشَّهْمُ.. وَهُوَ يَتَخَيَّلُ فَدَاحَةَ هَذَا الْجُرْمِ لَوْ فَعَلَهُ أَحَدُ الْمُجْرِمِينَ مَعَ مَحَارِمِهِ.. فَمَا أَقْبَحَهَا مِنْ صُورَةٍ.. لَا يَرْضَى الْقَلْبُ السَّلِيمُ حَتَّى مُجَرَّدَ تَخَيُّلِهَا.. فَكَيْفَ بِحُدُوثِهَا وَاقِعًا أَلِيمًا مُرًّا.. يَكُونُ مَعَهَا بَاطِنُ الْأَرْضِ خَيْرًا مِنْ ظَاهِرِهَا.

 

قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ"؛ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ؛ أَيْ: مِنَ الزِّنَا.

 

أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: وَفِي هَذَا الْمَوْقِفِ يُبَيِّنُ لَنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَيْفِيَّةَ التَّعَامُلِ مَعَ الْمُخَالِفِينَ حَتَّى يَعْدِلُوا عَنْ خَطَئِهِمْ؛ وَكَيْفَ أَنَّ لُطْفَ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ وَأُسْلُوبَهُ الْحَسَنَ كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّبَابِ دَرْسًا تَرْبَوِيًّا عَظِيمًا نَافِعًا؛ فَتَعَالَوْا مَعِي لِنَسْتَلْهِمَ مِنْهُ الدُّرُوسَ وَالْفَوَائِدَ:

مِنْهَا: أُسْلُوبُ الْحِوَارِ الْهَادِئِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْإِقْنَاعِ وَالْوَاقِعِيَّةِ؛ حَيْثُ أَدْنَاهُ مِنْهُ، وَخَاطَبَهُ بِرِفْقٍ وَلِينٍ، وَجَعَلَ يُسَائِلُهُ وَيُحَاوِرُهُ وَيُشْرِكُهُ فِي الْحُكْمِ عَلَى مَا يَقُومُ بِهِ بِنَفْسِهِ؛ فَلَمْ يَكُنِ الْعِلَاجُ بِسَرْدِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى حُرْمَةِ الزِّنَا، فَهَذِهِ قَدْ لَا تَخْفَى عَلَى ذَلِكَ الشَّابِّ، وَإِنَّمَا كَانَ الْعِلَاجُ هُوَ الْإِقْنَاعَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي عَلَى كُلِّ مُرَبٍّ أَنْ يَسْلُكَ السَّبِيلَ النَّبَوِيَّ فِي دَعْوَةِ الْمُخَالِفِينَ؛ (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)[النَّحْلِ: 125].

 

وَمِنَ الدُّرُوسِ التَّرْبَوِيَّةِ: أَنَّ الْمُسْلِمَ الْعَاصِيَ تَبْقَى لَدَيْهِ مُرُوءَةٌ وَغَيْرَةٌ تَحْجِزُهُ عَنِ الْمَعَاصِي؛ فَهَذَا الشَّابُّ بَقِيَ لَدَيْهِ خُلُقُ الْغَيْرَةِ عَلَى قَرِيبَاتِهِ؛ فَلِذَلِكَ عَالَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُشْكِلَةَ هَذَا الْفَتَى مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ أَنَّ غَيْرَتَهُ عَلَى نِسَائِهِ إِذَا كَانَتْ تَامَّةً فَإِنَّهَا لَنْ تَسْمَحَ لَهُ بِتَدْنِيسِ نِسَاءِ الْآخَرِينَ، فَكَانَ يَقُولُ لَهُ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟... أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ... أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟... أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟... أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟"، فَكَانَ الشَّابُّ هُوَ ذَاكَ الرَّجُلَ الْغَيُورَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ جَوَابُهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: "لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ".

 

فَمَا أَحْسَنَ أَنْ يَأْخُذَ الدُّعَاةُ وَالْمُرَبُّونَ هَذَا الْأُسْلُوبَ التَّرْبَوِيَّ وَيُدْرِكُوا أَنَّ بَعْضَ الْعُصَاةِ مَهْمَا كَانَتْ مَعَاصِيهِمْ فَقَدْ تَبْقَى لَدَيْهِمْ أَخْلَاقٌ حَمِيدَةٌ، فَيَنْبَغِي اسْتِثْمَارُهَا فِي عِلَاجِ أَخْطَائِهِمْ وَكَفِّهِمْ عَنْهَا، وَدَعْوَتُهُمْ مِنْ خِلَالِهَا إِلَى تَرْكِ خَدْشِ أَعْرَاضِ النَّاسِ وَالتَّعَدِّي عَلَى حُرُمَاتِهِمْ.

 

وَمِنَ الدُّرُوسِ التَّرْبَوِيَّةِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ: فِقْهُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، فَـ"أَيُّ مُنْكَرٍ هَذَا الَّذِي يَسْتَأْذِنُ فِيهِ الْفَتَى؟ وَأَيُّ مُنْكَرٍ يَكُونُ ذَلِكَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ؟ إِنَّهُ لَمُنْكَرٌ جِدُّ عَظِيمٍ، لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ غَيْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِزَاءَهُ ذَرَّةً مِنْ حِلْمٍ وَرِفْقٍ، وَلَكِنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ، قَدْ بَلَغَ فِي مَوْقِفِهِ هَذَا مِنَ الْحِلْمِ وَالصَّبْرِ الْجَمِيلِ مَا بَلَغَ".

 

وَمِنَ الدُّرُوسِ التَّرْبَوِيَّةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْحَدِيثِ: أَنْ تَجْعَلَ الْمُخَالِفَ يَضَعُ نَفْسَهُ مَوْقِعَ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَيَجْعَلُ نَفْسَهُ مَكَانَهُ؛ فَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَّرَ الشَّابَّ أَنَّ الزِّنَى غَيْرُ مَرْغُوبٍ، وَمَرْفُوضٌ عَقْلًا وَفِطْرَةً، فَضْلًا عَنِ الشَّرْعِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّكَ -أَيُّهَا الشَّابُّ- لَا تَرْضَاهُ لِأُمِّكَ وَلَا لِأُخْتِكَ وَلَا لِغَيْرِهِنَّ مِنَ الْمَحَارِمِ، وَهَكَذَا النَّاسُ يَرْفُضُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَرْضَوْنَهُ لِمَحَارِمِهِمْ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُوَفِّقَنَا لِلْأَسَالِيبِ التَّرْبَوِيَّةِ النَّاجِحَةِ فِي عِلَاجِ الْمُشْكِلَاتِ النَّفْسِيَّةِ وَالْفَرْدِيَّةِ وَالْأُسَرِيَّةِ وَالْمُجْتَمَعِيَّةِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ مُعْضِلَاتِهَا.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: إِنَّ تَغْيِيرَ الْمُنْكَرِ يَحْتَاجُ إِلَى حِلْمٍ وَلَا يَنْفَعُ مَعَهُ الْغِلْظَةُ وَالتَّنْفِيرُ، وَاقْرَؤُوا فِي سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- سَتَجِدُونَ عَلَى ذَلِكَ شَوَاهِدَ كَثِيرَةً؛ فَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دَعُوهُ وَلَا تَزْرِمُوهُ -يَعْنِي: لَا تَقْطَعُوا بَوْلَهُ-، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَهَذَا الْأُسْلُوبُ النَّبَوِيُّ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الْأَعْرَابِيِّ حَقَّقَ مَنَافِعَ كَثِيرَةً؛ فَمِنْ ذَلِكَ؛ تَأْلِيفُ الْأَعْرَابِيِّ، وَإِبْعَادُ الْأَذَى عَنْهُ بِقَطْعِ بَوْلِهِ، وَإِبْقَاءُ الْبَوْلِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ بِدُونِ تَفَرُّقٍ.

 

أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: إِنَّ الْمُتَتَبِّعَ لِسِيرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجِدُ أَنَّهُ -فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِهِ- اسْتَعْمَلَ فِيهَا أُسْلُوبَ الْإِقْنَاعِ وَسِيلَةً لِمُعَالَجَةِ بَعْضِ الظَّوَاهِرِ السَّيِّئَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ؛ فَاجْعَلُوا مِنْ سِيرَتِهِ قُدْوَةً لَكُمْ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ فِي إِخْلَاصِ الْمُرَبِّي وَحُسْنِ اسْتِعْدَادِهِ وَاتِّسَاعِ ثَقَافَتِهِ أَدَوَاتٍ تُعِينُهُ عَلَى أَنْ يَصِلَ بِالْمُرَبَّى إِلَى الْحَقِيقَةِ الَّتِي يُرِيدُهَا بِأَيْسَرِ طَرِيقٍ إِلَى الْفَهْمِ وَالْإِقْنَاعِ، وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ دَرْسٌ تَرْبَوِيٌّ نَبَوِيٌّ يَدْعُونَا إِلَى اللِّينِ بِالْعُصَاةِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ؛ فَذَلِكَ أَدْعَى لِهِدَايَتِهِمْ وَأَحْرَى لِاسْتِجَابَتِهِمْ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْأَسَالِيبَ التَّرْبَوِيَّةَ الصَّحِيحَةَ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْمَعَاصِي وَالْعُصَاةِ لَهَا دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي تَحْجِيمِ دَائِرَةِ الْمُنْكَرِ، وَهِيَ وَسِيلَةٌ فَعَّالَةٌ فِي دَعْوَةِ الْمُذْنِبِينَ إِلَى التَّوْبَةِ وَإِغْلَاقِ بَابِ الرُّجُوعِ إِلَى خَطَايَاهُمْ؛ أَلَا فَلْنَتَّخِذْ مِنْ أُسْلُوبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْهَجًا تَرْبَوِيًّا فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْعُصَاةِ وَالْمُخَالِفِينَ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

مواقف تربوية نبوية (1) (أتأذن لي بالزنا؟...).doc

مواقف تربوية نبوية (1) (أتأذن لي بالزنا؟...).pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات