مواقع التواصل الاجتماعي وصناعة الرأي العام

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-12 - 1444/03/16

اقتباس

وتميز الإعلام الالكتروني ببروز دور الفرد كفاعل في صياغة وتشكيل وانتشار هذا النوع الجديد من الاعلام، وظهرت الشبكات الاجتماعية كأحد روافد ذلك الإعلام الجديد مع الحرية التي تتيحها في اختيار الموضوع وتحرير النص والحجم وسهولة البث وقلة التكلفة مع امكانية تجاهل ألمصدر والقدرة على التحول من الاحتجاج الشخصي إلى توجيه الرأي العام والحشد عبر مجموعات او صفحات على “الفيس بوك”. وخصوصاً مع تجاوز الحدود بين الخاص والعام وبين المستوى الداخلي والمستوى الدولي.

 

بقلم: ازدهار معتوق(*)

بات الانترنت اليوم ركيزة من ركائز الحياة اليومية، ودخل حياة كل فرد بالمجتمع، منهم من استقبل هذه التكنولوجيا فاتحاً لها بابه، ومنهم من أغلق الباب في وجهها غير آبه لكل ما تقدمه من تسهيلات وتقنيات حديثة. وأياً يكن من أمر، فإن هذه الظاهرة تتوسع في العالم العربي يوماً بعد يوم.

 

وتميز الإعلام الالكتروني ببروز دور الفرد كفاعل في صياغة وتشكيل وانتشار هذا النوع الجديد من الاعلام، وظهرت الشبكات الاجتماعية كأحد روافد ذلك الإعلام الجديد مع الحرية التي تتيحها في اختيار الموضوع وتحرير النص والحجم وسهولة البث وقلة التكلفة مع امكانية تجاهل ألمصدر والقدرة على التحول من الاحتجاج الشخصي إلى توجيه الرأي العام والحشد عبر مجموعات او صفحات على “الفيس بوك”. وخصوصاً مع تجاوز الحدود بين الخاص والعام وبين المستوى الداخلي والمستوى الدولي.

 

لقد أصبح للشبكات الاجتماعية دور في التعبير عن الاتجاهات والأفكار كافة داخل المجتمع في ظل حوار تكون ركيزته الندية بين الفرد والنخبة والجماهير، ‏ولم تعد النخبة تمارس دورها المعتاد في صياغة الرأي العام وتشكيله وتعبئته بعد التطور في عملية تدفق المعلومات وإنتاجها. وأصبح للفرد دور في إنتاج المعلومات وصياغة الرسالة الإعلامية. وهو ما كشف عن بيئة إعلامية جاذبة يستخدمها العديد من النشطاء بعد أن اتسع عدد المشاركين وحجم القضايا والاهتمامات بعد ثورة 25 يناير حيث وصل عدد مستخدمي الانترنت في مصر إلى 35 مليون مستخدم، و9 ملايين مستخدم للشبكات الاجتماعية، و80 مليون مستخدم للمحمول.

 

ومن ثم تحولت الشبكات الاجتماعية من مجرد وسيلة لنقل الخبر او التعليق عليه إلى وسيلة لها دور في معالجته ومتابعته وإثارة ردود الافعال حوله مع القدرة الهائلة على الانتشار، وفى بعض الاحيان يتم نقل الأخبار عن الصفحات ومؤسسيها علي الفيس بوك إلى الصحف الورقية والبرامج الفضائية بما يزيد من حجم تأثيرها وانتشارها. وأصبح بإمكان أي شخص لديه دراية بصنع مادة إعلامية القيام بعكس وجهة نظره وتحيزاته، خصوصاً في ظل التطور الهائل في نقل الصور ومقاطع الفيديو واستخدامها عبر الشبكات الاجتماعية.

 

وسائل التواصل الاجتماعي

 

ما هي وسائل التواصل الاجتماعي ذات الصلة؟ ما هي مواقع التواصل الاجتماعي؟ ما هي شبكات التواصل الاجتماعي؟ ما هي أهمية وسائل التواصل الاجتماعي؟ ما فوائد شبكات التواصل الاجتماعي؟.

 

بعد أن تَطوَّر وبُسط استعمال الإنترنت، وبعد أن برزت هذه الشبكة كإحدى أهم وأبرز الوسائل والأدوات القادرة على ربط كافة أنحاء العالم وبقاعه وسكانه ببعضها البعض، ما جعل العالم وكأنه قرية صغيرة، ظهرت ما تعرف بوسائل التواصل الاجتماعي التي حولت العالم من قرية صغيرة إلى شارع صغير، لما أصبح لها من أثر كبير على العالم. فقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تطوير العلاقات بين البشر والارتقاء بهذه العلاقات لدرجة تلغي أية حواجز قد تتكون بينهم لسبب أو لآخر، فوسائل التواصل الاجتماعي هي واحدة من أكثر الأمور وأوسعها انتشاراً في العصر الحالي. يشير هذا المصطلح "وسائل التواصل الاجتماعي" إلى استعمال التكنولوجيا في عملية تحويل الاتصالات من مجرد اتصالات عادية إلى تفاعل على كافة المستويات والصعد، وقد تم تعريفها على أنها التطبيقات التي تعتمد في عملها على وجود شبكة الإنترنت، والتي يتم بناؤها على القواعد والأساسات التكنولوجية.

 

تتيح وسائل التواصل الاجتماعي التواصل والتفاعل بين المستخدمين، وبشكل كبير جداً نظراً إلى أنه بإمكان المستخدمين أن يقوموا بنشر أفكارهم وصورهم ومقاطع الفيديو التي يودون نشرها بالإضافة إلى المقاطع الصوتية وأي شيء يردي الإنسان أو المستخدم أن ينشره، وتتيح أيضاً تفاعل المتلقين لهذه المنشورات معها، بالتعبير عن إعجابهم وإمكانية تعليقهم عليها بالإضافة إلى إمكانية إعادة نشرها، وهذه الثلاثة وسائل من وسائل التفاعل هي متعلقة بشبكة الفيس بوك للتواصل الاجتماعي وهي نفسها متواجدة بالشبكات الأخرى ولكن أشكالها متغيرة من شبكة إلى أخرى. من أبرز وسائل التواصل الاجتماعي وأشهرها وأكثرها انتشاراً هي شبكة الفيس بوك وشبكة تويتر والإنستغرام والجوجل بلس واللينكد إن وغيرها العديد من الشبكات، ومن هذه الشبكات ما هو متخصص في مجالات محددة، فمثلاً هناك الإنستغرام متخصص بنشر الصور أما اللينكد إن فهو متخصص في السير الوظيفية وعالم الأعمال، في حين أن شبكتي الفيس بوك والتويتر والجوجل بلس من الشبكات العامة التي تستعمل في كافة المجالات والأمور. هناك من ينظر نظرة متحفظة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يرى البعض فيها أنها وسيلة من وسائل الإفساد، ولا يرون أي جانب مضيء لها، في حين يرى قسم آخر من الناس في مواقع التواصل الاجتماعية وسيلة من وسائل التنفيس عن الأحقاد والمشاعر المكبوتة والمختلفة والتحرش بالآخرين وخصوصاً الفتيات وغير ذلك من الأمور، إلا أن هاتين النظرتين لهذه المواقع والوسائل فيهما حدية كبيرة وهما قطعاً نظرتان خاطئتان، فوسائل التواصل الاجتماعية لها فوائد أكثر من أن تعد أو من أن تحصى فلماذا لا ينظر إليها من هذا الجانب؟.

 

أهمية وسائل التواصل الاجتماعي

 

يحتاج النّاس إلى التّواصل فيما بينهم لمعرفة أخبار بعضهم البعض والاطمئنان فيما بينهم، فالإسلام وصّانا بصلة الرّحم والتّواصل لما لهذا من أهميّة لزيادة التّرابط بين أبناء المجتمع الإسلاميّ الواحد، وتحقيق التّكافل بين الأفراد، وتعزيز الشّعور ببعضهم البعض. في الزّمان القديم كانت مظاهر صلة الرّحم هي الزّيارات والتّواصل المباشر، ومع أهميّة هذه الطّريقة في التّواصل إلّا أنّها تكون مريحةً للأشخاص القريبين من بعضهم، بينما الأشخاص الذين يقطنون في المواقع البعيدة فإنّها تصعب عليهم ولربّما تمرّ الشّهور والسّنوات دون حدوث تواصل فيما بينهم بسبب تباعد الأماكن. التّكنولوجيا والتوّاصل الاجتماعيّ مع تطوّر وسائل التّكنولوجيا واختراع الهاتف الذي ربط المواقع البعيدة والأشخاص البعيدين معاً، سهّل ذلك التّواصل وإمكانيّة معرفة النّاس أخبار بعضهم البعض بسهولة، لكنّ هذه الطريقة في التّواصل أصبحت تدريجيّا تحلّ محلّ الزّيارات والتّواجد الشّخصيّ، ويعتبر ذلك أمراً سلبيّاً.

 

واستمرّت سلسلة التّطوّرات التّكنولوجيّة الهائلة إلى أن وصلت إلى استخدام الإنترنت في التّواصل، فأصبحت هذه الطّريقة منتشرةً فلم يعد التّواصل عبر الصّوت فقط، وإنّما توفّرت إمكانيّة مشاهدة الصّور والفيديو ومتابعة تفاصيل الحياة بشكلها الطّبيعيّ، فيستطيع شخص في أستراليا مثلاً أن يشارك عائلته التي تقطن في الأردنّ كلّ لحظة من حياتهم بالصّوت والصّورة. وتمّ إنشاء صفحات التّواصل الاجتماعيّ مثل الفاسبوك والتّويتر والإنستجرام التي ربطت العالم ببعضه البعض، ومكّن النّأس من التّواصل فيما بينهم، ومعرفة أخبار بعضهم البعض، وإنشاء العلاقات الجديدة وتوطيد العلاقات السّابقة، فهذه المواقع تستطيع تعريف النّاس ببعضم البعض كما أنّها تذكّر الاشخاص بالمناسبات التي تكون لدى الأصدقاء. ومواقع التّواصل الاجتماعيّ تقرّب وجهات النّظر، وتعتبر وسيلةً لتبادل الأفكار والمعلومات والمعارف، وتنمية المهارات والأفكار الإبداعيّة، بالإضافة إلى التّعرّف على ثقافة الشّعوب الأخرى، ممّا يؤدّي الى تنمية المجتمعات وتطوّرها. سلبيّات مواقع التّواصل الاجتماعيّ ولكن مع كلّ هذه الامتيازات والفوائد لمواقع التّواصل الاجتماعيّ إلّا أنّها إذا استخدمت بطريقة سلبيّة وبصورة خاطئة ينعكس ذلك على مستخدمها، فلا يجب ترك الشّباب والمراهقين وحدهم على هذه المواقع لأنّها قد تسبّب الإدمان، وقد تجرفهم الى التّعرّف على جماعات منحرفة فتغويهم وتسحبهم معها، لأنّ الشّباب والشّابّات المراهقات يكونون في مرحلة اندفاع وحبّ للمغامرة مع عدم تقدير المخاطر جيّداً. كما أنّ هذه المواقع قد تؤدّي إلى انعدام الخصوصيّة في الحياة العمليّة، وتسبّب الكثير من إضاعة الوقت وهدره في تقليب الصّفحات دون فائدة، ممّا قد يشغل الشّخص عن عمله وحياته ودراسته، وقد تؤدّي إلى إصابته بالعزلة عن النّاس وتعرّضه للأمراض النّفسيّة.

 

صناعة الرأي العام

 

يلعب الإعلام في وقتنا الحاضر دوراً كبيراً في صناعة الرأي العام فهو يشكل عصب الحياة نظراً لذلك الدور والتأثير على مختلف السياسات العامة للشباب، وبكونه سلاح ذو حدين أولهما ايجابي يساهم في بناء المجتمعات وتوعية الشباب وسلبي يعمل على تفتيت المجتمع وأذهان الشباب وتخريبها، ولأن شريحة الشباب الأكبر في مجتمعنا خصوصاً، فإلى أي حد يساهم الإعلام في تكوين الوعي عند الشباب؟ وهل الإعلام المحلي لدينا أثبت وجوده على ساحة المنافسة؟ فليس هناك وسيلة معرفية تستطيع أن تؤثر على العقل بقدر الإعلام فلا الأصدقاء ولا المدرسة ولا حتى التربية لها دور إلا عبر الإعلام، فالإعلام هو الأداة الحاملة للرسالة بطريقة مثيرة وجذابة.

 

ومع تطور وسائل الإعلام الحديث وثورة تكنولوجيا المعلومات، لم يعد الإعلام المعاصر مجرد أداة لتوصيل المعرفة وتزويد الناس بالخبر أو الحدث، أو حتى مجرد وسيلة للترفيه والتسلية، بل أصبح الإعلام أيضاً أداة فاعلة في صناعة الرأي العام الذي لم يعد مستقبلاً للمعلومة أو الخبر فقط، بل أصبح يتفاعل ويتأثر عقلياً وفكرياً وسلوكياً مع ما يتابعه من خلال وسائل الإعلام المختلفة.

 

إن الإعلام بوسائله الحديثة وبرامجه المتنوعة إنما يصدر عن تصورات وأفكار ومبادئ تعمل على إحداث تغيير مقصود في المجتمع المستهدف ليس في دائرة محددة أو مجتمع بعينه، بل يحدث ذلك على المستوى العالمي مما جعل العالم كله ـ كما يقول بعض المختصين ـ قرية واحدة تعيش الحدث وتتلقى الخبر في وقت واحد وزمن مشترك عن طريق وسائل الإعلام الحديث، وقد تكون هذه الوسائل مطبوعات بكافة أشكالها وأنواعها، أو تكون من خلال الإذاعات المسموعة، أو من خلال القنوات والفضائيات التي أصبحت لا حصر لها الآن، أو صفحات الإنترنت التي أصبحت تحوي ملايين الملايين من مستخدمي الإنترنت، أو إعلام الموبايل الذي انتشر أيضاً بكثرة في الآونة الأخيرة ،فلم يعد هناك اختلاف حول الدور الخطير الذي تقوم به وسائل الإعلام في تغيير سلوكيات شعوب بأكملها.

 

ومن الطرق التي تخدم هذا الغرض وتساهم في قوة التأثير الإعلامي ما يعرف بالتأثير الكمي من خلال التكرار، حيث تقوم وسائل الإعلام بتقديم رسائل إعلامية متشابهة ومتكررة حول قضية ما أو موضوع ما أو شخصية محددة بحيث يؤدي هذا العرض التراكمي إلى التأثير على المتلقي على المدى البعيد، دون إرادة منه، شاء أم أبى، ومهما كانت قوة حصانة المتلقي ضد الرسالة الإعلامية، فيحدث هناك تسيير لاإرادي للمتلقي وتأثير شامل عليه بمعنى أن الإعلام يحاصره في كل مكان.

 

ولهذا فإن كل تلك العوامل تؤدي إلى تقليل فرصة الفرد المتلقي في أن يكون لنفسه رأياً مستقلا حول القضايا المثارة، وبالتالي تزداد فرصة وسائل الإعلام في تكوين الأفكار والاتجاهات المؤثرة في الرأي العام وفى سلوكيات الأفراد أنفسهم ومع تطور وسائل الإعلام مثل الإنترنت اكتسحت تلك الرسائل المقنعة العالم وازدادت كيفية التأثير على كم هائل من الناس في نفس الوقت، ازدياد مذهل، وهذه الثورة المعلوماتية نتج عنها انفجار معلوماتي وأصبح الناس مواجهون بآلاف الرسائل يومياً وأصبح عليهم أن يستوعبوا هذه الرسائل ويعالجوها أسرع وبعدها لا وقت لديهم للمزيد فالأسهل أن يختصروها بقبولها فوراً وبدون التفكير فيها.

 

ومن الضروري إيجاد صيغة مناسبة يتم فيها مقاضاة الوسائل الإعلامية المتجاوزة في برامجها ومضامينها الحدود القيمية والاجتماعية والتي تعمل على تضليل الرأي العام تجاه قضايا معينة وفقاً لما نصَّت عليه مواثيق الشرف الإعلامية التي تقضى الالتزام باحترام حرية التعبير بوصفها ركيزة أساسية من ركائز الإعلام العربي، على أن تُمارس هذه الحرية بالوعي والمسؤولية والالتزام بأخلاقيات مهنة الإعلام، ولا شك أن من أهم أخلاقيات المهنة الإعلامية احترام ثقافة المجتمع الذي تصدر منه المؤسسة الإعلامية أو تتوجه إليه برسالتها.

 

أما المعيار الأساس لكل وسيلة إعلامية كي تبقى مستمرة فهو المصداقية، وبما أن المتلقي على درجة من المقدرة التمييزية ومع كثرة وسائل الإعلام والحالة التنافسية السائدة تصبح المصداقية متصاعدة القيمة، وان أي اهتزاز بهذه المصداقية هو موت للوسيلة الإعلامية ، إن لم يكن مباشرا فعلى المدى البعيد ، والمصداقية مسألة تراكمية فلا تنال هذه المصداقية من تقديم الكثير من البرامج أو كتابة الكثير من المقالات لكن تحتاج إلى العديد من السنوات لتصل إلى هذه المصداقية وبذلك تكسب المتلقي ، وليس من المبالغة أن نقول أن إعلامنا يحاول الوصول للمستوى المطلوب حتى الآن، وعلينا أن نستفيد من تجاربنا بتهيئة الشباب المؤهل والمهني لقيادة دفة العمل الإعلامي واختيار الكفاءات وتفعيل دور الحرية المسؤولة وتأهيل الكوادر مهنيا وتقنيا ليتمكنوا من إرسال رسالتهم بنجاح إذا ما أردنا النهوض ومواكبة العصر ليكون الإعلام قادرا على القيام بواجبه تجاه المجتمع عموما والشباب خصوصاً.

 

شبكات التواصل والرأي العام

 

مما لا شك فيه كان لشبكات التواصل الاجتماعي، من "تويتر" و"فيسبوك" وسواهما، وقع مهم في تاريخ صناعة الرأي العام، إذ تعتبر بعد انتشار الإنترنت على نطاق واسع، على صعيد مختلف الشرائح الاجتماعية، وحتى أكثرها فقراً، ثورة القرن الواحد والعشرين من الناحية الإعلامية، نظراً إلى أهمية الدور الذي باتت تؤديه في مختلف الميادين، السياسية منها كما الاجتماعية والتسويقية.

 

والجدير بالذكر هو أن وسائل التواصل الاجتماعي هذه تمكنت من أخذ هذا البعد على صعيد التأثير على الرأي العام نتيجة حلول الثورات العربية على تلك المجتمعات، خصوصاً أن الرأي العام بات يحتل مرتبة وموقعاً متقدمين، بعد أن كان مغيباً ومطموساً بشكل قسري وقمعي على يد الديكتاتوريات القائمة.

 

خلال العشر سنوات الماضية اكتسبت مواقع التواصل الاجتماعي دورها عن طريق اتخاذ هذه الأنواع المبتكرة من وسائل الاتصال أشكالاً تطبيقية جديدة في مجال استعمالها في عدة ميادين عدة، ولمرامٍ وأهداف عدة، وليس حصراً في السعي الى اكتساب أصحاب جدد أو لتكوين شبكة واسعة من التواصل معهم، وهو الطابع الذي اتخذته على الصعيد الشبابي في بداياتها. لكنها اليوم بدأت تحقق غزواً نوعياً مختلفاً، في جذبها فئات أكثر نضوجاً بعد أن تحولت وسيلة إعلامية من الدرجة الأولى، وبخاصة بعد أن باتت تؤدي دورا بارزاً في نشر الخبر وفي التأثير على مشاعر الجماهير، وتحولت وسيلة تتميز بالسرعة الفائقة لإيصال المعلومة ولمواكبة الحدث، وهو ما يفسر استهواءها من التنظيمات السرية أو الإرهابية، بحيث باتت تشكل عندها الوسيلة المفضلة لإيصال الرسائل لمن يهمه الأمر. ولهذه الأسباب، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي مركزَ اهتمام واستقطاب للانتباه والتركيز، ليس فقط من عامة الناس، لكن أيضاً من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة.

 

وفي إشارة الى المقارنة بين الإعلام المرئي والمكتوب الكلاسيكي، وبين قدرته على صناعة الرأي العام وقدرة هذا النوع الإعلامي المستحدث عبر الإنترنت، يمكن القول إن هذا الإعلام الذي كان يسمى السلطة الرابعة، فقَدَ نسبياً بريقه القديم المكتسب عبر التاريخ لمصلحة مواقع التواصل الاجتماعي، ليس من باب التحيز أو لسبب آخر، لكن يكفي أن يكون الإعلام الكلاسيكي، من صحف وفضائيات ممولاً وتحت رعاية أطراف معينة أو أحزاب وشخصيات بارزة أو دينية مهيمنة، أو حتى دول وتنظيمات يعمل لمصلحتها، يكفيه هذا حتى تتعداه وتغلبه إعلامياً مواقع التواصل الاجتماعي في عدم تبعيتها وتحررها من جملة هذه المعوقات والارتباطات، لكن من دون أن ننسى الإشارة، ومن باب مصداقية التقييم، إلى أن بعض المشاركين في كتابة المنشورات ما زالوا للأسف يحملون معهم في طريقة تواصلهم رأي العشيرة أو الطائفة والقبيلة الذين ينتمون إليها ولم يتخلصوا من تأثيرها في تكوين رأيهم، متخلين عن تحكيم العقل الذاتي في كتابة التعليق أو في صياغة المنشور.

 

فما حدث في المنطقة خلال السنوات الأخيرة يفيد بأهمية الدور الذي ادته، وما زالت، وغني عن الإشارة، أن شبكات التواصل اكتسبت عبر مواكبتها مجريات الاحداث وتطوراتها في مختلف الأقطار العربية، بعداً جديداً ربما لم تكن تتوقعه عند تأسيسها، ولعل توظيفها قدرتها التعبوية وتمكُّنها من تجييش العقول من خلال التركيز على سرد وقائع معينة وتفصيلها بالصوت والصورة والكلمة، غالباً ما كان تمهيداً لتحرك فعلي خارج عن إطار الطابع الافتراضي لشبكات التواصل هذه. من هنا يمكن اعتبار أن أحداث أحدثت نقلة نوعية في طابع هذه الشبكات، من طريق تحويلها من تواصل افتراضي إلى واقع حسي ملموس ومعاش. وإذا كانت هذه الوسائل سميت في بداياتها بالعالم الافتراضي، من ناحية علاقة الأشخاص المشتركين، والتي تختلف عن نوعية العلاقات العادية بين البشر، لكنها أثبتت أنها ليست بمعزل عن الواقع المعيش، بل أنها شكلت في كثير من الأحوال مرآة لهذا الواقع يلجأ إليها الباحث لتحسس نبض الشارع والناس العاديين.

 

وقد لا يكون شكل هذه الوسائل بعيداً من ساحة البلدة، أو الـ"أغورا" (AGORA) في المدن اليونانية القديمة، حيث انبلج مفهوم الديمقراطية التي ما يزال العالم يحلم بتحقيقها إلى يومنا هذا. والـ"أغورا"، حيث كان يجتمع الناس في حلقات بحث فكرية وثقافية، تذكِّر بالمجموعات التي تتلاقى على وسائل التواصل هذه لبحث قضية ما تهم الجميع.

 

يرى الخبراء أن التوظيف السياسي لشبكات التواصل الاجتماعي إنما يأتي في إطار ظاهرة حديثة لهذه الديمقراطية أطلق عليها اصطلاحاً "الديمقراطية الرقمية"، تداولته الدراسات المعنية بتوظيف أدوات جديدة للاتصال في العملية الديمقراطية في منتصف تسعينات القرن الماضي لتواكب به انتقال التكنولوجيا التي توفر الانترنت للاستخدام العام، وهو مصطلح يقصد به توظيف أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية في تداول المعلومات المتعلقة بممارسة مبادئ الديمقراطية بحرية. ديمقراطية رقمية يتشعب دورها ويمتد من فتح الحوار المباشر بين الناس، وصولاً إلى صناعة الرأي العام، إلى التأثير المباشر على صياغة القرار السياسي، وهو قرار باتت تفرضه أكثر فأكثر هذه الجماهير الرقمية على المؤسسات الحاكمة والسلطات القائمة.

 

"ترامب" و"الفيس بوك"

 

صدم فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية الكثير من المتابعين، ومن ضمنهم محللين لاستطلاعات الرأي ووسائل إعلام، ووصف مؤسس موقع التواصل الاجتماعي الشهير (فيس بوك)، مارك زاكربيرغ، ما تناولته تقارير صحافية عن إسهام (فيس بوك) في توجيه دفة الانتخابات الرئاسية في أمريكا باتجاه فوز ترامب، بـ "الفكرة المجنونة".

 

وتفصيلاً، قال مؤسس موقع التواصل الاجتماعي الشهير (فيس بوك)، مارك زاكربيرغ خلال مؤتمر (تيكونومي) الذي يجمع التقنية بالاقتصاد والذي عقد في منطقة خليج (هاف مون) بكاليف "أعتقد أن فكرة تأثير الأنباء الكاذبة على موقع فيس بوك والتي تمثل جزءاً صغيراً جداً من كم المواد المنشورة على الموقع هي فكرة مجنونة جداً". وأضاف مؤسس أحد أشهر مواقع التواصل الاجتماعي "يوجد الكثير من الأخبار الملفقة الأن وفي السابق ونحن نبذل جهداً ليتمكن من الناس من الإبلاغ عنها".

 

يشار إلى أن فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية صدم الكثير من المتابعين، من ضمنهم محللين لاستطلاعات الرأي ووسائل إعلام حيث تم طرح العديد من الأسئلة بشأن دور وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الفوز على نطاق واسع.

 

وكان موقع (بوزفييد) نشر قبل فترة تقريراً عن قيام مجموعة من الشباب في مقدونيا بضخ أخبار مؤثرة كاذبة عبر وسائل التواصل، عبر خوارزمية تحدد ما يمكن لكل قارئ مشاهدته من أخبار. وأسهمت مثل هذه التقارير في زيادة الاتهامات الموجهة لمواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك في نشر الأخبار الملفقة على نطاق واسع والتأثير بشكل كبير في توجه الناخبين. ورد زاكربيرغ على هذه التقارير بالقول "جزء من النقاش يعود إلى محاولة الناس لفهم نتائج الانتخابات".

 

جدير بالذكر أن جهات إعلامية عدة مثل "هوفنغتون بوست ونيمان جورناليزم لاب ومجلة "نيويورك" ألقت ببعض اللوم على طريقة تصنيف الأخبار ونشرها (خوارزمية التصنيف) المتبعة من قبل (فيس بوك) والتي تحتوي على الكثير من الأخبار غير الدقيقة، وبالأخص في المواضيع التي تحتل صدارة التداول الإخباري.

 

وكان موقع هوفنغتون بوست حقق في الأونة الأخيرة بقضية تداول الأخبار الكاذبة ونشرها في عمود الأخبار الرئيس الذي يراه المشتركون في فيس بوك، كذلك وصف مدير (مختبر نيمان للصحافة - نيمان جورنالزم لاب)، جوشوا بينتون، في مقال نشر قبل مدة قصيرة كيف تناقل سكان المدينة الصغيرة التي ولد فيها بلويزيانا أخباراً ملفقة عن هيلاري كلينتون، وقال "كثيرون ملامون في ما حصل، لكن ينبغي أن تبدأ القائمة بـ (فيس بوك)، فعلى الرغم من كل إنجازاته، فإن هذا الموقع الذي يصل عدد زواره إلى ملياري شخص شهرياً، يجذب الكثير من الزيارات والانتباه للأخبار من أي شيء آخر على الأرض، كما أنه أصبح نقطة فشل رئيسة في نقل المعلومات بين العامة"

 

أما مجلة نيويورك فأشارت إلى أن عشرات الملايين من مستخدمي (فيس بوك) تصلهم أو تبادلوا قصصاً إخبارية عن المرشحين للرئاسة الأمريكية مبنية على العاطفة والسبب (كما أشارت المجلة) يعود إلى أن خوارزمية (فيس بوك) تصنف الأخبار وتظهرها بناءاً على طبيعة القراءات والتجربة الشخصية للمشتركين الباحثين عن مثل هذه الأخبار".

 

باحثة في علم الاجتماع السياسي(*)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات