عناصر الخطبة
1/ فضل عشر ذي الحجة 2/ اغتنامها بالأعمال الصالحة 3/ استهلالها بالتوبة لله تعالىاقتباس
فَيَا عِبَادَ اللهِ، لَقَد أَظَلَّتْنَا أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ مُبَارَكَةٌ، ومَوَاسِمٌ للخَيْرِ كَرِيمَةٌ، أَيَّامٌ تُضَاعَفُ فِيهَا الحَسَنَاتُ، وتُقَالُ فِيهَا العَثَرَاتُ، وتُسْتَجَابُ فِيهَا الدَّعَوَاتُ، فَلِلَّهِ -عزَّ وجلَّ- خَوَاصُّ في الأَزْمِنَةِ والأَمْكِنَةِ والأَشْخَاصِ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فَيَا عِبَادَ اللهِ، لَقَد أَظَلَّتْنَا أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ مُبَارَكَةٌ، ومَوَاسِمٌ للخَيْرِ كَرِيمَةٌ، أَيَّامٌ تُضَاعَفُ فِيهَا الحَسَنَاتُ، وتُقَالُ فِيهَا العَثَرَاتُ، وتُسْتَجَابُ فِيهَا الدَّعَوَاتُ، فَلِلَّهِ -عزَّ وجلَّ- خَوَاصُّ في الأَزْمِنَةِ والأَمْكِنَةِ والأَشْخَاصِ.
فَأَحَبُّ الأَزْمِنَةِ إلى اللهِ -تعالى- الأَشْهُرُ الحُرُمُ، التي قَالَ فِيهَا مَوْلانَا -عزَّ وجلَّ-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرَاً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة:36].
وَقَدِ اخْتَارَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- العَشْرَ الأُوَلَ من ذِي الحِجَّةِ لِتَكُونَ أَفْضَلَ أَيَّامِ الدُّنْيَا، فَأَقْسَمَ بِهَا رَبُّنَا -عزَّ وجلَّ- في كِتَابِهِ العَظِيمِ: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1-2]، وَهِيَ عَـشْرُ ذِي الحِجَّةِ، واللهُ -تَباركَ وتَعَالى- لَا يُقْسِمُ إِلَّا بِعَظِيمٍ، وَسَمَّاهَا رَبُّنَا -عزَّ وجلَّ- الأَيَّامَ المَعْلُومَاتِ، فَقَالَ -تعالى-: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحج:28].
وَقَد شَهِدَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- بِأَنَّهَا أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، روى البزار وأبو يعلى عَن جَاِبٍر -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- قَالَ: "أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا العَشْرُ"، يَعْنِي: عَشْرَ ذِي الحِجَّةِ. قِيلَ: وَلَا مِثْلَهُنَّ في سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: "وَلَا مِثْلَهُنَّ في سَبِيلِ اللهِ، إلا رَجُلٌ عَفَّرَ وَجْهَهُ بالتُّرَابِ".
يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد حَثَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- الأُمَّةَ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ فِيهَا وَاغْتِنَامِهَا، وَالإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ في لَيَالِيهَا وَأَيَّامِهَا، روى الإمام أحمد والترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ-: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ-: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".
وروى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُما-، عَن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِن الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِن التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ".
يَا عِبَادَ اللهِ: فَهَذِهِ الأَيَّامُ زَادَهَا اللهُ -تَباركَ وتَعَالى- شَرَفَاً وقَدْرَاً، حَيْثُ جَمَعَ فِيهَا الأَعْمَالَ المُبَارَكَةَ، فَفِيهَا يُؤَدِّي المُسْلِمُونَ مَنَاسِكَ حَجِّهِمْ، ومَنْ لَمْ يَلْحَقْ بِرَكْبِ الحُجَّاجِ والمُعْتَمِرِينَ فَعَزَاؤُهُ صِيَامُ هذهِ الأَيَّامِ، وخَاصَّةً صِيَام يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنَّ جَزَاءَهُ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: وَسُئِلَ، أَيْ: رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ".
يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ خَيْرَ مَا نَسْتَفْتِحُ بِهِ هذهِ الأَيَّامَ المُبَارَكَةَ التَّوْبَةُ إلى اللهِ -تعالى- مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ والمَظَالِمِ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ السَّعَادَةِ، وعَلَيْهَا تُشَيَّدُ الأَعْمَالُ الصَّالِحَاتُ، وَرُبَّ عَمَلٍ عَظِيمٍ غَمَصَتْهُ ذُنُوبٌ سَالِفَةٌ لَمْ يَتَطَهَّرْ صَاحِبُهَا مِنْهَا، فَلَمْ يُفْلِحْ في دَرْكِ بَرَكَتِهَا ونَيْلِ ثَوَابِهَا، وكَانَتْ عَلَيْهِ وَبَالَاً وخُسْرَانَاً، ولَمْ يُفِدْ مِنْهَا غَيْرَ النَّصَبَ والتَّعَبِ!.
يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد حَثَّنَا اللهُ -تعالى- عَلَى التَّوْبَةِ في كِتَابِهِ العَظِيمِ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحَاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8].
يَا عِبَادَ اللهِ: فَلْيَفْرَحْ بِتَوْبَتِنَا رَبُّنَا -عزَّ وجلَّ- في مُسْتَهَلِّ هَذِهِ الأَيَّامِ الطَّيِّبَةِ المُبَارَكَةِ، فَقَد روى الإمام البخاري عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- قَالَ: "للهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلَاً وَبِهِ مَهْلَكَةٌ وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ، حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللهُ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي، فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ".
وَلَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- يَسْتَكْثِرُ مِنَ التَّوْبَةِ والاسْتِغْفَارِ في كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، روى الإمام مسلم عَن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ".
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم