مهمات من جلائل النعم

عبدالله بن صالح القصير

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/سبب كثرة تذكير الله عباده بنعمه 2/ من نعم الله علينا 3/ أهمية ذكرها شكرها .

اقتباس

من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم، وهو شافع مشفع، وما حل مصدق، فضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، فمن وقر القرآن فقد وقَّر الله، ومن استخف به فقد استخف بالله، ومن جعل القرآن أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ..

 

 

 

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة:2-7]. آمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الغني الحميد، الواسع المجيد، الفعال لما يريد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، النبي المصطفى، والرسول المجتبى، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أئمة أولي التقى.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى واحذروه، واذكروه سبحانه واشكروه، ولا تعصوه فتكفروه، فإنه سبحانه قد تأذن للشاكرين بالمزيد، وتوعد الكافرين بالعذاب الشديد: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].

أيها الناس: كثيراً ما يذكِّر تعالى عباده بنعمه؛ فيذكر أصولها وأسسها، وجلائلها وكبارها، وتنوعها وشمولها؛ لأن ذلك مما يتحبب الله به إلى عباده، ويستحثهم به على طاعته، ويستجيش هممهم؛ للمسارعة إلى حفظ النعم واستزادتها، ويحذرهم من موجبات تبدلها بأضدادها، ومن أراد أن يعرف ذلك النهج الرباني العظيم فليتأمل سورة النحل، فإنها سورة عظيمة اشتملت على ذكر الامتنان على الناس بأصول النعم، كنعمة الخلق والرزق والوحي وبيان الهدى من الضلال، وتسخير ما في السماوات والأرض من الآيات والنبات وأنواع المخلوقات إحساناً من ذي الكرم والجلال.

أيها الناس: لقد امتن الله علينا بأن خلقنا بعد العدم، وربانا بألوان النعم، وتابع علينا فضله بألوان الكرم، فأخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً، وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة، فخلقنا في أحسن تقويم (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون:14].

وكرمنا بما فضلنا به على سائر البريات، وما سخر لنا مما في الأرض والسماوات (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء:70]. (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ) [لقمان:20]. (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:32-34].

(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) [النحل:72].

(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [النحل:81].

أيها المسلمون: وكما امتن الله علينا بنعمة الخلق والرزق وتسخير ما في السماوات والأرض، فقد امتن علينا بما أشار إليه بقوله: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:164].

وفي الآية الأخرى في سورة الجمعة أعقبها بقوله: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الجمعة:4]. فامتن علينا عز وجل بأن بعث إلينا أشرف نبي وأكمل مرسل، وهو محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين، وخيرة الله من خلقه أجمعين، فأرسل إلينا أحب الخلق إليه؛ ليبشرنا وينذرنا ويدعونا إليه، فما أعظمها من نعمة (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].

فاذكروا الله على هذه النعمة واشكروه، ولا تجحدوها فتكفروه: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة:151-152].

ألا ترضون وتغتبطون وتفتخرون بأن تكونوا من أتباع أحب الخلق إليه، وأكرمهم عليه، وأعظمهم شفاعة بين يديه، وأول من يجوز الصراط ويستأذن عليه، وأمته صلى الله عليه وسلم أكثر أهل الجنة إذ يبلغون الشطر ويزيدون عليه (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58]. (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النحل:82].

أيها المسلمون: ومن أعظم النعم التي جاء بها الرسول هذا القرآن الذي أنزله الله عليه بالحق، مصدقاً لما بين يديه من الكتاب، ومهيمناً عليه، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، وهو الذكر الحكيم والصراط المستقيم، لا يزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنتفي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذا سمعته أن قالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا) [الجمعة:1].

من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم، وهو شافع مشفع، وما حل مصدق، فضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، فمن وقر القرآن فقد وقَّر الله، ومن استخف به فقد استخف بالله، ومن جعل القرآن أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار؛ إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، اعملوا بالقرآن، أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، واقتدوا به، واعملوا بمحكمه، وما تشابه عليكم منه فردوه إلى عالمه، ولا تكفروا بشيء منه؛ فإنه النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، جعله تبياناً لكل شيء وهادياً للتي هي أقوم.

أيها المسلمون: وأعظم منة لله على عبده أن شرح صدره للإسلام وحبب إليه الإيمان، وزينة في قلبه (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الزمر:22]. (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:122]. (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) [الأعراف:43]. (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام:161].

أيها المسلمون: إن الإسلام هو أحسن الأديان (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) [النساء:125]. وأكمل الشرائع، به تمام النعمة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:3]. وهو الدين المرضي عند الله (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا). (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران:19]. (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].

فاشكروا الله، واذكروه على ما أنعم عليكم به من حسن الخلق، وأصناف الرزق، وأن هداكم للإسلام، وجعلكم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وخصكم بالقرآن، وما اشتمل عليه من الرحمة والبيان. أديموا الذكر لله عز وجل، وحققوا الشكر بسديد القول وصالح العمل وبذل الإحسان وهداية الناس إلى الإيمان، والبعد عن البدع والفسوق والعصيان.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الجمعة:1-4]

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

المرفقات

822

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات