من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين

د عبدالعزيز التويجري

2022-08-26 - 1444/01/28 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/الحث على التعليم والتعلم 2/فضل العلم وأهله 3/وسائل تحصيل العلم 4/اختيار المحضن والمعلم والصديق من أهم مقومات الاستقامة في الحياة

اقتباس

من تدرع بالعلم حفظ ومنع، وحاز قصب السبق، وارتفع وبرع، بالعلم يعرف الله ويعبد ويذكر، ويوحد ويحمد ويمجد، بالعلم يعرف الحلال من الحرام، وبه توصل الأرحام، فهو أشرف مطلوب، وأفضل مرغوب، وأنفع زاد يقتني لمسافر مكدود، وهذه المزايا العظام تحتاج في نيْلها إلى...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله العلي الأكرم، علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليم الأعلم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالرسالة إلى خير الأمم، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

قال ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه-: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقَالَ: "يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ"(قال الترمذي:  "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ").

هذا الحديث أعظم باب في الحث على التعليم والتعلم.

 

التعليم والتعلم لا ينتظر فيه عودة بعد إجازة، أو منهجية مرسومة، أو مقاعد ومباني مشيدة، ولا يقتصر على تعيين أو ترسيم؛ تعلَّم وعلِّم في البيت والسوق، وفي السفر والحظر، ماشيا وجالسا وعلى الراحلة.

ليس أحدٌ يستغني عن التعلم والتعليم، وقوام الخلق بالتعلم والتعليم: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ)[العلق: 1-2].

قال البخاري في "باب الاغتباط بالعلم والحكمة": وقد تعلَّم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كبر سنهم، وروى بسنده عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : "لا حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا".

 

وقد تعلم الصحابة رضي الله عنهم وهم شيوخ وكهول، واشتغلوا بالعلم فكانوا بحوراً، بل إنهم كانوا يسلمون شيوخاً وكهولاً وأحداثاً، ويتعلمون العلم والقرآن والسنن، فصاروا أطواد الحكمة والفكر؛ وإن كان العلم في الصغر أرسخ أصولاً، وأبسق فروعاً.

 

بالعلم تعلو كل نفس حيث لم *** تنهض بها أنسابها أو مالها

والجهل يقعد بالشريف وإن سمت *** أحسابه فإلى الهبوط مآلها

 

تعلّم فالعلم يصلح فاسدك، ويرغم حاسدك، ويقيم ميلك، ويصلح أملك.

تعلم فإن العلم عز لا يبلى جديده، وكنز لا يفنى مديده.

 

رأيت العز في أدب وعلم *** وفي الجهل المذلة والهوان

 

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)[الزمر: 9].

 

دعوة إلى العلم بالله علماً يقود إلى خشيته ومحبته، فمن كان به أعلم كان له أخشى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر: 28]، وهي أيضاً دعوة إلى تعبد الله بمقتضى ذلك العلم، في تمام خضوع وذل ومحبة من طريقين اثنين: دعوة إلى التدبر في آيات الله الشرعية المتلوة في كتابه العزيز: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"، "وخيركم من تعلم القرآن وعلَّمه"، "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة".

 

العلم نضارة ووضاءة في الدنيا والآخرة، قال عليه الصلاة والسلام: "نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها؛ فربَّ مبلَّغ أوعى من سامع".

 

العلم أحلى وأغلى ما له استمعت *** أذن وأعرب عنه ناطق بفــــــــم

العلم أشرف مطلوب وطالبـــــــــــــــه *** لله أكرم من يمشي على قدم

فقدِّس العلم واعرف قدر حرمته *** في القول والفعل والآدابَ فالتزم

يا طالب العلم لا تبغي به بــــدلاً *** فقد ظفرت ورب اللَّوح والقلم

واجهد بعزم قوي لا انثناء له *** لو يعلم المرء قدر العلم لم ينـــــــــمِ

والنية اجعل لوجه الله خالصــــــــة *** إن البناء بدون الأصل لم يقــــــــــمِ

 

من تدرع بالعلم حفظ ومنع، وحاز قصب السبق، وارتفع وبرع، ولما كان المجاهد لا يَنْكأُ عدوًا إلا بسلاح وعُدة، فكذلك المعلم والمتعلم والعالم لا يصنع أمة، ولا يكشف غمة، ولا يزيل ظلمة إلا بعلم وعمل، من أثر أو سنة: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الممتحنة: 6].

 

بالعلم يعرف الله ويعبد ويذكر ويوحد ويحمد ويمجد.

بالعلم يعرف الحلال من الحرام، وبه توصل الأرحام، فهو أشرف مطلوب، وأفضل مرغوب، وأنفع زاد يقتني لمسافر مكدود.

 

العلم يجلو العمى عن قلب صاحبه *** كما يجلي سوادَ الظلمة القمرُ

 

هذه المزايا العظام تحتاج في نيْلها إلى صبر ومصابرة ومجاهدة.

إن طالب علم يريد حفظ كتاب الله، ولمَّا ينتظم في حلقة تحفيظ، ولم يفتح المصحف؛ إنما يطلب المحال.

إن طالباً يريد العلم ولم يثنِ ركبته عند عالم، ولم يفتح كتاباً، ولم يجعل للعلم وقتاً فرضاً؛ لا يمكن أن يحوي علماً، أو أن ينتظم في سلك طلاب العلم طالباً، فمن عاش وعَقَل وعلّم وعمِل وترك آثاراً طيبة فقد أدركته السعادة.

 

فمن عاش حتى ينفع الناس علمه *** فلا زال ممتداً له العيش والعمر

 

وفي ترجمة ابن وهب: "لا يكون البطال من الحكماء".

 

وعند الصباح يحمد القوم السرى *** وتنجلي عنهم غيابات الكرى

 

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].

 

أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربي رحيم ودود.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدلله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، وآله وأصحابه.

أما بعد: اختيار المحضن والمعلم والصديق من أهم مقومات الاستقامة في الحياة، وسلوك أعلى المراتب في الأخلاق والقيم، وخلط الأوراق وتغيير الطباع والفطر التي فطر الناس عليها تحول في مسيرة النشء، قال عليه الصلاة والسلام: "مُرُوا أولاكمِ بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المَضاجِعِ"، قال العيني: "أي: يفرق بين الجارية والغلام في المراقد؛ وذلك لأنهم إذا قاربوا أدنى حد البلوغ، فيخاف عليهم من الفساد".

وكذا في التعليم إذا اختلطوا في هذا السن مع البنات تطبعوا بطباع النساء، فلا أحسن من فطرة الله التي فطر الناس عليها.

 

إذا هبطت أخلاقنا ساء حالنا *** وإن كرمت أخلاقنا لم تخف بأسا

هل الغيث يعطي ثروة الزرع وحده *** إذا الأرض لم تصلح لأن تحضن الغرسا

 

لقد كان معلم البشرية عليه الصلاة وسلام يحمل غلمان الصحابة ويردفهم معه يعلمهم ويربيهم، أردف ابن عباس وأسامة والحسن والحسين والفضل وقُثم وعبدالله ابن جعفر وابن الزبير، فخرج هؤلاء بعد ذلك أساطين التاريخ، وعلماء الدنيا، وعظماء المعمورة.

 

إن المجتمع مسؤول عن تربية هذا النشء التربية الصحيحة المستقيمة، وهم أمانة بأيدينا.

 

وبحمد من الله وفضل، فإننا نرفل بمعلمين ومعلمات في التعليم العام، وفي حلق التحفيظ والدور النسائية أخيارُ أغيار، يبذلون أوقاتهم وجهودهم وأموالهم لتربية أبنائنا وتعليمِهم، وتحفيظِهم للقرآن، فلهم تحيةُ إجلال وإكبار، وهم فخرنا، وعليهم المعول بعد الله، والثناء يقصر في حقهم، لكن جرهم على ربهم، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وسيلقون ثمرة ذلك بركة في أموالهم وأولادهم وأعمالهم، ومن احتسب ذلك آتاه الله أجره مرتين.

 

اللهم صل على عبدك ورسوك نبينا محمد، وارض اللهم عن صحابته أجمعين.

المرفقات

من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.pdf

من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات