من منكرات الأفراح

عبد المجيد بن عبد العزيز الدهيشي

2022-10-28 - 1444/04/03 2022-11-07 - 1444/04/13
عناصر الخطبة
1/الزواج نعمة من نعم الله 2/من المنكرات المتعلقة بالزواج 3/منكرات تقع فيها النساء 4/نصيحة لأولياء الأمور

اقتباس

ومن الأمور المنكرة التي استحدثها الناس في هذا الزمان وضع منصة للعروس بين النساء، ويجلس إليها زوجها بحضرة النساء السافرات والمتبرجات، وربما حضر معه غيره من أقاربه، أو أقاربها من الرجال، ولا يخفى على ذوي...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

أما بعد: فاتقوا الله ربكم ترزقوا وتوفقوا، وأطيعوه تسعدوا، وأنيبوا إليه تفلحوا.

 

عباد الله، الزواج من نعم الله التي امتن بها على عباده وجعله من آياته؛ (مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21]، وكلما كان الزواج ومظاهره وما يحف به قريباً من السنة، بعيداً عما حرم الله؛ كان أحرى بتطبيق الهدي النبوي، وكان الزوجان أقرب إلى التوفيق -بإذن الله-.

 

ولكن المتأمل في واقع كثير من حفلات الزواج يرى ويسمع الكثير من المخالفات والمنكرات التي تحصل لدى بعض المسلمين، مما يصيب الغيور بحيرة وأسى حين تتحول مناسبة الزواج والفرح إلى ترح بارتكاب معصية الله ومخالفة أمره وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال ربنا: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور: 63].

 

وإليكم -أيها الأحبة- بعضاً من المنكرات المتعلقة بالزواج؛ فمن ذلك: العزوف عن الزواج بلا عذر، بحجة إكمال الدراسة، أو طلب الرزق، وقد أوصانا ربنا بالزواج ووعد عليه بالرزق؛ (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور: 32]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ"، وأخبر أن الزواج من سنته، وأن من رغب عن سنته فليس منه -صلى الله عليه وسلم-.

 

وربما كان العائق عن تزويج البنت تعنت أب وطمعه أو عناد أم؛ فكثرت العوانس في البيوت، وما ذاك إلا لغفلتنا عن قول الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"(الترمذي)، ويا ليت شعري! أي ذنب يتحمله ذلك الأب القاسي القلب الذي يصد الخطاب عن كريمته بحجة واهية؛ طمعاً في مال أو ابتزازاً للضعيفة؟!.

 

وقريب من ذلك من يكره كريمته على الزواج بمن لا ترغب فيه، فيسوقها سوقاً كالبهيمة؛ لتعيش مع زوج لا تطيقه ولم توافق عليه، وقد أعطى الشرع للمرأة حقاً في اختيار زوجها ما دامت مكلفة عاقلة.

 

وبعض الشباب يرغب في ذات المال والوظيفة والجاه والنسب أو الجمال، ويتناسى أهم صفة في زوجة المستقبل وأم العيال وربة البيت ألا وهو الدين، وما أوصاك النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بما فيه مصلحتك وسعادتك: "تُنْكَحُ النِّسَاءُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ".

 

ومما نهي المسلم عنه أن يخطب على خطبة أخيه المسلم، وهذا الفعل لا يجوز، ففي الحديث: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ"، ومن المحرم أيضاً نكاح الشغار، وهو أن يزوج رجل آخر من موليته على أن يزوجه الآخر موليته بلا صداق صحيح، فتصبح المرأة وكأنها سلعة تباع ويستبدل بها، وهذا ليس له مكان في الإسلام.

 

ومنها: المغالاة في المهور والتباهي بكثرتها، ويبدو أنها مشكلة قديمة تصدى لها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كما عند النسائي قال عمر بن الخطاب: "لَا تُغَالُوا صَدَاقَ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ، كَانَ أَوْلَاكُمْ وَأَحَقَّكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ"، وقال -صلى الله عليه وسلم- لرجل تزوج على أربع أواق من فضة: "عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ! كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ"(مسلم)، وليس في المبالغة في المهور إلا تعجيز الشباب، وتحميل الديون على الظهور، وتعنيس الفتيات!.

 

ومن ذلك: بدعة قراءة الفاتحة بقصد الخطبة؛ فإنه لم يردعن النبي ولا عن صحابته -رضي الله عنهم-، ومنها: لبس دبلة الخطوبة، فإن كانت ذهبا فهي محرمة؛ لأنها من الذهب، ولأن فيها تشبها بالكفار فإنه من فعل النصارى.

 

ومن منكرات الأفراح: مظاهر التباهي في ولائم العرس، إذ يدعى الأغنياء ويترك الفقراء، وفي الصحيحين: "شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهُ الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ"، كما يكون فيها من التبذير والاستهانة بالنعمة ما يحزن، وكثيراً ما كانت حاويات القمامة مصير الطعام المتبقي، وربما كان كثيراً لم تمسه يد، ولو حصل التعاون والتنسيق بين صاحب الوليمة والجمعيات الخيرية أو بعض المحسنين ممن يعرف مساكن الفقراء؛ لحصل من ذلك خير كثير وأجر كبير.

 

ومن الخطأ أيضاً: أن تتعطر المرأة فتمر بالرجال، وفي ذلك الوعيد الوارد في الحديث: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِي زَانِيَةٌ"، وأدهى من ذلك وأمر ما وقع فيه كثير من النساء من التساهل في لبس الملابس العارية ذات الفتحات الجانبية والأمامية، بحجة أن ذلك عند النساء فقط، فتصبح محارمنا وأزواجنا وكأنهن في عرض فاتن للأزياء والأجساد، وقد صدرت فتاوى علمائنا -حفظهم الله- مبينة خطورة التساهل في ذلك، واللوم على الولي الذي يسمح لزوجته أو كريمته بلبس تلك الملابس.

 

ولكننا في زمان أصبح للنساء فيه الكلمة العليا إلا من رحم الله، فغلب على الرجال أمرهم وأطلق للنساء عنانهن، ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا"، وذكر الثاني بقوله: "نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ رُؤوسُهُنَّ كَأَمْثَالِ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا"(مسلم)؛ وقد ورد في تفسير ذلك أنها تستر بعض بدنها وتكشف بعضه، أو تلبس ثوباً رقيقاً يصف بدنها.

 

فاتقوا الله -يا معشر الرجال- وقوموا بواجبكم واستجيبوا أمر ربكم: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6]

 

أقول ما سمعتم وأستغفر الله إنه كان توابا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على النبي وآله وصحبه وسلم.

 

عباد الله: وفي ليلة الزفاف يشرع للنساء الضرب بالدف فقط، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فَصْلٌ بَيْنَ الْحَلاَلِ، وَالْحَرَامِ: الدُّفُّ، وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ"(النسائي)، ولكن البعض من المسلمين يقعون في منكر عظيم يلطخون به أفراحهم ألا وهو دعوة المغنين والمغنيات وإعلان مزمار الشيطان، وقسر الناس على سماع المحرم.

 

والغناء قد ثبت تحريمه في الكتاب والسنة، فقد قال- تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)[لقمان: 6]، ولهو الحديث: هو الغناء، كما قال ابن مسعود : "الغناء، والله الذي لا إله إلا هو" يرددها ثلاث مرات، وفي الحديث: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ"(البخاري)، قال ابن القيم في المعازف: "وهي آلات اللهو كلها، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك"، فيا للعجب من والد يفتتح زواج ابنه أو بنته بسماع الحرام وإسماعه والمجاهرة به، ثم بعد ذلك يرجو لهم التوفيق في الزواج!.

 

ومن منكرات الأفراح: السهر إلى وقت متأخر من الليل؛ بسبب تأخر حفلات الأفراح إلى ما بعد منتصف الليل، مما يؤدي إلى تضييع صلاة الفجر وهذا السهر محرم، كما قاله العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، وفي هذا حرمان للنفس من خيرٍ عظيم، فعن عثمان قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ، فَكَأنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ"(رواه مُسلِم)، وفي الحديث: "لَيْسَ صَلاَةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذُ شُعَلاً مِنْ نَارٍ؛ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لاَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ بَعْدُ"(البخاري).

 

ومن منكرات الأفراح التي تقع في بعض الجهات: ما يسمى بالنصة، وهي دخول العريس إلى عروسه وجلوسهما في مكان عال بمرأى من جميع الحاضرين، والأدهى من ذلك تصوير حفل النساء بالفيديو، ثم يتداوله الناس مما يكشف عورات المسلمين، ويجر من المصائب ما لا يعلمه إلا الله، قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: "ومن الأمور المنكرة التي استحدثها الناس في هذا الزمان وضع منصة للعروس بين النساء، ويجلس إليها زوجها بحضرة النساء السافرات والمتبرجات، وربما حضر معه غيره من أقاربه، أو أقاربها من الرجال، ولا يخفى على ذوي الفطرة السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير، وتمكن الرجال الأجانب من مشاهدة الفاتنات المتبرجات، وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة".

 

فلنتق الله -أيها المؤمنون- ولنطع ربنا في أفراحنا رجاء التوفيق وحذر الوقوع في المحرم، والسعيد من اتقى ربه وأطاع أمره، والشقي من ركب هواه وأطاع شيطانه وأصغى لأهل الفسق وقلة العقل آذانه، والمرحوم من رحم الله.

 

اللهم ارحمنا برحمتك وتداركنا بفضلك ولا تهلكنا بما فعل السفهاء منا، اللهم لا تدع لنا أيماً إلا زوجته، ولا مديناً إلا قضيت دينه، وهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

المرفقات

من منكرات الأفراح.pdf

من منكرات الأفراح.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات