من مفاسد الزنا

صالح بن عبد الله الهذلول

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ مفاسد الزنا 2/الزنا يشعل العداوات 3/الأضرار الصحية للزنا 4/ما اختص الله به حد الزنا 5/فاحشة الزنا تتفاوت بحسب مفاسدها 6/المبادرة بالتوبة
اهداف الخطبة
1/بيان مفاسد الزنا وأضراره على الفرد والمجتمع 2/الدعوة إلى التوبة من المعاصي والذنوب

اقتباس

وإن من مفاسد الزنا أنه يُذهب بكرامة الفتاة ويكسوها عارًا لا يقف عندها، بل يتعداها إلى أسرتها وأقاربها، وتنكِّس به رؤوسهم بين الخلائق -أجارنا الله وإياكم والمسلمين منه- لذا كانت عقوبته شديدة. إن العار الذي يلحق الزاني أعلق من العار الذي ينجرّ على من رُمي بالكفر وأبقى، فإن التوبة من الكفر تُذهب رجسه شرعًا وتغسل عاره عادة, ولا تبقي له في قلوب الناس حظّ تنزل به عن رتبة أمثاله ممن ولدوا في الإسلام، بخلاف الزنا فإن...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

أيها الناس: فإن من أعظم المشاكل التي تعترض الشباب هي مشكلة الزواج، وتلكم المشكلة إن هي لم تُحلَّ حلاً شرعيًا فهشِيمها لا يتوقف ضرره ومخاطره على مرتكبه، بل تتسع دائرته ليدخل فيها عدد من الأسر الآمنة البريئة، إنها الزنا أعاذنا الله جميعًا وحمانا منه. الزنا يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين وفساد المروءة وقلة الغَيرة، يقتل الحياء، وجه صاحبه مظلم وقلبه أظلم، الفقر يلازم الزاني ويتهدده.

 

ولئن كان الأُنس يصاحب العفيف ومن جالسه يستأنس به فإن الزاني تعلو وجهه وحشة، فلا يأنس لأحد؛ لأن الناس ينظرون إليه بعين الريبة والخيانة، ولا يأمنه أحد على حُرمته ولا ولده. ينشد الزاني باقترافه الجريمة لذة العيش وطيبه، لكن الله تعالى يعاقبه بنقيض قصده؛ لأن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته، ولم يجعل سبحانه معصيته سببًا إلى خير قط.

 

عباد الله: من مفاسد الزنا أنه يجرئ على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وإضاعة الأهل والعيال، بل ربما قاد صاحبه إلى سفك الدم الحرام، أو استعان عليه بالسحر والشرك، فهذه المعصية محفوفة بجندٍ من المعاصي بعدها وقبلها، وهي أجلب شيءٍ لشرِّ الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة.

 

وإن من مفاسد الزنا أنه يُذهب بكرامة الفتاة ويكسوها عارًا لا يقف عندها، بل يتعداها إلى أسرتها وأقاربها، وتنكِّس به رؤوسهم بين الخلائق -أجارنا الله وإياكم والمسلمين منه- لذا كانت عقوبته شديدة.

 

إن العار الذي يلحق الزاني أعلق من العار الذي ينجرّ على من رُمي بالكفر وأبقى، فإن التوبة من الكفر تُذهب رجسه شرعًا وتغسل عاره عادة, ولا تبقي له في قلوب الناس حظّ تنزل به عن رتبة أمثاله ممن ولدوا في الإسلام، بخلاف الزنا فإن التوبة من ارتكاب فاحشةٍ وإن طهَّرت صاحبها تطهيرًا ورفعت عنه المؤاخذة بها في الآخرة يبقى لها أثر في النفوس، يُنقِص قدره عن منزلة أمثاله ممن ثبت لهم العفاف من أول نشأتهم. أما المرأة الزانية فإن حالها أشد، ألا ترون كيف يتجنب الكثير الزواجَ منها حتى وإن ظهرت توبتها؟! وما ذاك إلا تحسسًا من الوصمة التي ألصقت بعرضها سابقًا، يرغب الرجل أن يتزوج بالمشركة إذا أسلمت أكثر من رغبته في نكاح الناشئة في الإسلام ممن وقعت في تلك الجريمة.

 

أيها المسلمون: إن المرأة إذا حملت من الزنا فقتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل، وإذا نسبته إلى الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبيًا ليس منهم، فورثهم وانتسب إليهم وهو ليس منهم.

 

ومن مفاسد الزنا -أجارنا الله منه- أنه جناية على الولد؛ فإن الزاني يبذر نطفته على وجه يجعل النسمة المخلَّقة منها مقطوعةً عن النسب إلى الآباء، والنسبُ معدود من الروابط الداعية إلى التعاون والتعاضد، فكان الزنا سببًا لوجود الولد خاليًا من العواطف التي تربطه بأقاربه ليأخذوا بساعده ويتقوى بهم ويعتصب عند الحاجة، وهو كذلك جناية على الولد وتعريض به؛ لأنه يعيش وضيعًا في الأمة، فإن الناس يستخِفّون بولد الزنا، وتنكره طباعهم، ولا يرون له من الهيئة الاجتماعية اعتبارًا. فما ذنب هذا المسكين؟! وأي قلب يحتمل أن يتسبب في هذا المصير؟!

 

هل ترضى-أيها المسلم- أن يُفسد أحد عليك أنثاك من زوجة أو أختٍ أو بنت؟! كلا وألف كلا، لا ترضى ذلك ولا تقبله، فلماذا إذًا أنت تُفسد على الآخرين نساءهم إذ الزنا إفساد للمرأة المصونة؟!

 

الزنا -عباد الله- يهيج العداوات ويذكي نار الانتقام بين أهل المرأة والزاني؛ ذلك أن الغيرة التي طبع عليها الإنسان على محارمه تملأ صدره عند مزاحمته إياها, مما يتسبب عنه خصومات وخلافات ومضاربات تصل إلى القتل, لما يجلبه هتك الحرمة للزوج أو الولي أو القريب من العار والفضيحة الكبرى، ولو بلغ الرجلَ أن إحدى محارمه قُتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت، قال سعد بن عبادة -رضي الله عنه-: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصْفَح، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أتعجبون من غَيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن" أخرجه البخاري ومسلم.

 

ومن مفاسد الزنا أيضًا أنه يؤثِّر على محارم الزاني، فشعور محارمه بإتيانه هذه الفاحشة يسقط جانبًا من مهابتهن له، ويُسهّل عليهن بذل أعراضهن إن لم يكنْ ثوب عفافهن منسوجًا من تربية دينية صادقة، بخلاف من ينكر الزنا ويتجنبه ولا يرضاه لغيره، فإن هذه السيرة تكسبه مهابة في قلوب محارمه وتعينه على أن يكون بيته بيتًا طاهرًا عفيفًا.

 

أيها المؤمنون: لم تقتصر مفاسد الزنا على الجوانب الشرعية والمعنوية والقيم والأخلاق فحسب، بل إن لها أضرارًا صحية كذلك يصعب علاجها والسيطرة عليها، بل ربما أودت بحياة الزاني كمرض الإيدز والهربس والزهري والسيلان ونحوها، ولا تسأل عن حال شخص تكون نهايته وخروجه من هذه الدنيا مع إحدى تلك البوّابات المشينة، فرحماك اللهم وحمايتك. أما إذا انتشر الزنا في مكان فهو علامة الهلاك، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما ظهر الزنا والربا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها". أما الربا فهو ظاهر، ونسأل الله أن يرفعه ويعصم المسلمين منه، فقد تساهلوا فيه، وتجاسروا عليه، وتقاطروا عند أبواب بنوكه، وأما الزنا فنسأل الله أن يتم ستره ويديمه، ويعافي من ابتلي به ويهديه للتوبة النصوح.

 

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "خصَّ الله سبحانه حدَّ الزنا من بين الحدود بثلاث خصائص:

 

إحداها: القتل فيه بأشنع القتلات، وأما ما دون القتل فجمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة.

 

والثانية: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه بحيث تمنعهم من إقامة الحد على الزاني والزانية، فإنه سبحانه من رأفته بهم شرع هذه العقوبة، وهو أرحم منكم بهم، ولم تمنعه رحمته بهم أن يأمر بهذه العقوبة، فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره. والتأكيد على إقامة الحدود وإن كان عامًا في سائرها، إلا أنه خُصَّ بالزنا لشدة الحاجة إلى ذِكره، فإن الناس لا يجدون في قلوبهم من الغلظة والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر ومروج المخدرات، فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم غيره من أرباب الجرائم، فَنُهوا أن تأخذهم هذه الرأفة وتحملهم على تعطيل حَدِّ الله تعالى. وسبب هذه الرحمة أن جريمة الزنا تقع من الأشراف والأوساط والأرذال، وفي النفوس أقوى الدواعي إليه، والمشارك فيه كثير، وأكثر أسبابه العشق، والقلوب مجبولة على رحمة العاشق، وكثير من الناس من أشباه الأنعام ربما عَدَّ مساعدته طاعة وقربة، وإن كانت الصورة المعشوقة محرمة عليه، كما أن هذا الذنب غالبًا ما يقع مع التراضي من الجانبين، ولا يقع فيه العدوان والظلم والاغتصاب ما تنفر النفوس منه، وفيها شهوة غالبة له يجعل ضعيف العلم والإيمان يود ألا يُقام على الزاني حَدٌّ. وكمال الإيمان أن تقوم في قلب المسلم قوة يقيم بها أمر الله، ورحمة يرحم بها المحدود، فيكون موافقًا لربه سبحانه في أمره ورحمته.

 

والثالث: من خصوصيات حدِّ الزناة عن غيره من الحدود أن الله -جل شأنه- أمر أن يكون حَدُّهما بمشهد من المؤمنين، وذلك أبلغ في مصلحة الحدّ وحكمة الزجر مما لو كان تنفيذه في مكان خَفيٍّ لا يراه أحد".

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) [النور: 2].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الحكيم، الرؤوف الرحيم، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد المرسلين وخاتم النبيين، نبينا وسيدنا محمد رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

أما بعد: فإن مما يحسن التنبيه عليه في هذا الشأن أنّ فاحشة الزنا تتفاوت بحسب مفاسدها، فالزاني والزانية مع كل أحد أشد من الزنا بواحدة أو مع واحد، والمجاهر بما يرتكب أشد من الكاتم له، والزنا بالمرأة المتزوجة أشد من الزنا بالتي لا زوج لها لما فيه من الظلم والعدوان على زوجها وإفساد فراشه قد يكون هذا أشد من مجرد الزنا، كما أن الزنا بحليلة الجار أعظم منه ببعيدة الدار؛ لما يقترن بذلك من أذى الجار وعدم حفظ وصية الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك الزنا بامرأة الغازي في سبيل الله أعظم إثمًا من الزنا بغيرها، ولهذا يقال للغازي يوم القيامة: "خذ من حسنات الزاني ما شئت، والزنا بذوات المحارم كالأخت والعمة والخالة أعظم جرمًا وأشنع وأفظع".

 

وكما تختلف درجات الزنا بحسب المزني بها فكذلك تتفاوت درجاته بحسب الزمان والمكان والأحوال؛ فالزنا في رمضان ليلاً أو نهارًا أعظم إثمًا منه في غيره، وكذلك في البقاع الشريفة المفضلة المقدسة أعظم منه فيما سواها. أما تفاوته بحسب الفاعل فالزنا من المحصن أقبح من البكر، ومن الشيخ والكهل أقبح من الشباب، ومن العالم أقبح من الجاهل، ومن القادر على الاستغناء أقبح من الفقير العاجز.

 

كما قد يقترن بالفاحشة من العشق والحبّ الذي يوجب اشتغال القلب بالمعشوق وتأليهه وتعظيمه والخضوع والذل له وتقديم طاعته وما يأمر به على طاعة الله ومعاداة من يعاديه وموالاة من يواليه ما قد يكون أعظم ضررًا وأشدَّ جرمًا وخطرًا من الفاحشة نفسها.

 

أيها المسلمون: وهل للزاني توبة مع كل تلك المفاسد التي يجرّها على نفسه وأهله وأهل المرأة الزانية والمجتمع؟ الجواب: نعم، فحتى الشرك له توبة مقبولة. يجب على من وقع في الزنا أو تسبب فيه أو أعان عليه أن يبادر إلى التوبة النصوح، ويندم على ما مضى، وأن لا يرجع إليه لو تمكن منه.

 

كما لا يلزم من وقع في الزنا رجلاً كان أو امرأة أن يُسلِّم نفسه، بل يكفي في ذلك أن يتوب إلى ربه، وأن يستتر بستره عز وجل، وليبكِ على خطيئته ويفزع إلى ربه، وإن كان عند الزاني صورٌ لمن يفجر بها أو تسجيلٌ لصوتها فليبادر إلى التخلص منها، وإن كان قد أعطى تلك الصور أو ذلك التسجيل أحدًا من الناس فليسترده منه وليتخلص منه. وإن كانت المرأة قد وقع لها تسجيل صوت أو أُخذ لها صورة جامدة أو متحركة وخافت أن ينتشر أمرها فعليها أن تبادر إلى التوبة وأن لا يكون ذلك معوقًا ومانعًا لها عن الإقبال على ربها، بل يجب عليها أن تتوب، وأن لا تستسلم للتهديد والترهيب ممن فجر بها، فإن الله كافيها ومتوليها، ولتعلم أن من يهددها جبان رعديد، وأنه سوف يفضح نفسه إن هو أقدم على نشر ما بيده من صور وأصوات، وحتى لو نفّذ ما يهدد به فأيهما أسهل: فضيحة يسيرة في الدنيا ويعقبها توبة نصوح, أو فضيحة على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ويعقبها دخول النار وبئس القرار؟!

 

ومما ينفع ويفيد في هذا الصدد إن هي خافت من نشر أمرها أن تستعين برجل رشيد من محارمها؛ ليعينها على التخلّص مما وقعت فيه، فربما كان ذلك الحلّ ناجعًا ومفيدًا إن شاء الله تعالى.

 

وبالجملة فإن على من وقع في ذلك الجرم أن يبادر إلى التوبة النصوح، وأن يقبل على ربه بكليته، وأن يقطع علاقته بكل ما يذكِّره بتلك الفعلة، وأن ينكسر بين يديه مخبتًا منيبًا، عسى أن يقبله ويغفر سيئاته ويبدلها حسنات، قال الله سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان: 68-70].

 

اللهم ادفع عنا الربا والزنا، اللهم طهر مجتمعات المسلمين من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم دمر أوكار الرذيلة ومناشط الفواحش ودواعيها من أفلام وقنوات فضائية ومقالات وكتب وصحف وأشعار وغيرها ما علمنا منه وما لم نعلم...

 

 

 

 

المرفقات

مفاسد الزنا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات