من مظاهر التيسير والتربية في الصيام

أ محمد حمدي الجندي

2023-03-26 - 1444/09/04
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

والعبادات في الإسلام لها حكم عظيمة، وغايات نبيلة، ومع ما فيها من الأجور العظيمة لمن أداها، ففيها -أيضاً-، إصلاح للقلوب، وتزكية للنفوس، وتربية للسلوك والأخلاق..

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  

 

شريعة الإسلام هي شريعة اليسر والسماحة، ورفع الحرج عن المكلفين، كما أنها شريعة التربية للإنسان، ليكون سوياً صالحاً، يعمر الأرض بعبادة الله -تعالى- وطاعته.

 

والعبادات في الإسلام لها حكم عظيمة، وغايات نبيلة، ومع ما فيها من الأجور العظيمة لمن أداها، ففيها -أيضاً-، إصلاح للقلوب، وتزكية للنفوس، وتربية للسلوك والأخلاق.

 

وفريضة الصيام من أعظم الفرائض التي تُربي المسلم على الصبر، وقوة الإرادة، والتحكم في نزوات النفس البشرية وشهواتها، ويكفي في الصيام أن الله -تعالى- علله بالتقوى في قوله -عز وجل-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ‌لَعَلَّكُمْ ‌تَتَّقُونَ).

 

ومظاهر التيسير في الصيام كثيرة، والله -تعالى- برحمته ومنته على عباده خفف عنهم ما فيه عسر ومشقة عليهم، ويتجلى ذلك في أحكام كثيرة يظهر فيها التخفيف.

 

ومن شفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته، ورحمته بهم، وحرصه على هدايتهم وتعليمهم ما ينفعهم على وفق قول الله -تعالى-: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ‌حَرِيصٌ ‌عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، كان -عليه الصلاة والسلام- يصحح الأخطاء في الصيام بأسلوب رقيق تقبله النفوس، لا تعنيف فيه ولا شدة ولما رأيت أهمية ذلك أردت نفع نفسي وإخواني القراء الكرام على مظاهر التيسير في الصيام، وعلى تهذيب النبي -صلى الله عليه وسلم- للسلوكيات الخاطئة في الصوم، وجعلته على شكل مسائل:

أولاً: التيسير في الصيام:

مظاهر التيسير في الصيام كثيرة، وقد تكلم عنها العلماء قديماً وحديثاً، ومن تلك المظاهر:

المظهر الأول: الفطر في المرض والسفر:

قال الله -تعالى-: (‌فَمَنْ ‌كَانَ ‌مِنْكُمْ ‌مَرِيضًا ‌أَوْ ‌عَلَى ‌سَفَرٍ ‌فَعِدَّةٌ ‌مِنْ ‌أَيَّامٍ ‌أُخَرَ).

 

قال سعيد بن جبير: "الفطر في السفر رخصة والصوم أفضل"(1). وقيل للقاسم بن محمد: "إنا نسافر في الشتاء في رمضان فإن صمت فيه كان أهون علي من أن أقضيه في الحر؛ فقال: قال الله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، "ما كان أيسر عليك فا فعل"(3).

 

قال الطبري: "وهذا القول عندنا أولى بالصواب، لإجماع الجميع على أن مريضاً لو صام شهر رمضان وهو ممن له الإفطار لمرضه أن صومه ذلك مجزئ عنه ولا قضاء عليه إذا برأ من مرضه بعدة من أيام أخر؛ فكان معلوماً بذلك أن حكم المسافر حكمه في أن لا قضاء عليه إن صامه في سفره، لأن الذي جعل للمسافر من الإفطار وأمر به من قضاء عدة من أيام أخر مثل الذي جعل من ذلك للمريض وأمر به من القضاء، ثم في دلالة الآية كفاية مغنية عن استشهاد شاهد على صحة ذلك بغيرها، وذلك قول الله -تعالى- ذكره: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، ولا عسر أعظم من أن يلزم من صامه في سفره عدة من أيام أخر، وقد تكلف أداء فرضه في أثقل الحالين عليه حتى قضاه وأداه... ثم في تظاهر الأخبار عن رسول الله بقوله إذا سئل عن الصوم في السفر إن شئت فصم وإن شئت فأفطر(3).

 

وقال ابن كثير: "ذهب آخرون من الصحابة والتابعين إلى وجوب الإفطار في السفر لقوله: (‌فَعِدَّةٌ ‌مِنْ ‌أَيَّامٍ ‌أُخَرَ)، والصحيح قول الجمهور: أن الأمر في ذلك على التخيير وليس بحتم لأنهم كانوا يخرجون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان قال: فمنا الصائم ومنا المفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، فلو كان الإفطار هو الواجب لأنكر عليهم الصيام بل الذي ثبت من فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان في مثل هذه الحالة صائماً...

 

قالت طائفة منهم الشافعي: الصيام في السفر أفضل من الإفطار لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- كما تقدم، وقالت طائفة: بل الإفطار أفضل أخذاً بالرخصة، ولما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن الصوم في السفر فقال: من أفطر فحسن ومن صام فلا جناح عليه (4).

 

وعن المرض الذي يبيح الفطر قال الطبري:

"والصواب من القول في ذلك عندنا أن المرض الذي أذن الله -تعالى- ذكره بالإفطار معه في شهر رمضان من كان الصوم جاهده محتمل فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر، وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمر فإن لم يكن مأذوناً له في الإفطار فقد كلف عسراً ومنع يسراً"(5).

 

ولا شك أن الحكمة من الفطر في السفر والمرض هو التيسير، قال ابن كثير: "إنما رخص لكم في الفطر في حال المرض والسفر مع تحتمه في حق المقيم الصحيح تيسيراً بكم"(6).

 

المظهر الثاني: تأخير السحور وتعجيل الفطر:

عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تسحروا فإن في السحور بركة"(7).

 

وعن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فَصلِ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر"(8).

 

وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: "كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"(9).

 

وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "تسحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة قلت كم كان بين الأذان والسحور قال قدر خمسين آية"(10).

 

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم"(11).

 

وعن سهل بن سعد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"(12).

 

المظهر الثالث: النهي عن الوصال.

عن عبد الله -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- واصل فواصل الناس، فشق عليهم فنهاهم قالوا: إنك تواصل! قال: "لست كهيئتكم إني أظل أطعم وأسقى"(13).

 

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوصال قالوا: إنك تواصل قال: "إني لست كهيئتكم إني أُطعم وأسقى"(14).

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والوصال" قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله! قال: "إنكم لستم في ذلك مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون"(15).

 

المظهر الرابع: الجنابة للصائم:

عن عائشة وأم سلمة: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم"(16).

 

المظهر الخامس: النسيان في الصيام:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه"(17).

 

المظهر السادس: من جامع في رمضان:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "بينما نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت! قال: "ما لك؟" قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل تجد رقبة تعتقها؟" قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال: لا، فقال: "فهل تجد سنان ستين مسكيناً؟" قال: لا، قال: فمكث النبي -صلى الله عليه وسلم- فبينا نحن على ذلك أتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر، - والعرق المكتل - قال: "أين السائل؟" فقال: أنا. قال: "خذ هذا فتصدق به"، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله! فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي! فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: "أطعمه أهلك"(18).

 

المظهر السابع: الفطر في السفر:

عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثرنا ظلاً الذي يستظل بكسائه، وأما الذين صاموا فلم يعملوا شيئاً، وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب وامتهنوا وعالجوا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر"(19).

 

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فصام بعض وأفطر بعض، فتحزم المفطرون وعملوا وضعف الصوام عن بعض العمل قال: فقال في ذلك: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر"(20).

 

المظهر الثامن: قضاء الصيام عن الميت:

عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه"(21).

 

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: "نعم"، قال: "فدين الله أحق أن يقضى"(22).

 

المظهر التاسع: التنطع في الصوم:

زار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة! فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا! فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال: كل، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل! قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن فصليا، فقال: له سلمان إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صدق سلمان"(23).

 

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟" فقلت: بلى يا رسول الله! قال: "فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله فشددت فشدد عليَّ قلت: يا رسول الله إني أجد قوة! قال: "فصم صيام نبي الله داود -عليه السلام- ولا تزد عليه"، قلت: وما كان صيام نبي الله داود -عليه السلام-؟ قال: "نصف الدهر" فكان عبد الله يقول بعدما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النبي -صلى الله عليه وسلم-"(24).

 

وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أني أسرد الصوم وأصلي الليل، فإما أرسل إلي وإما لقيته فقال: "ألم أُخبر أنك تصوم ولا تفطر، وتصلي ولا تنام؟ فصم وأفطر وقم ونم، فإن لعينك عليك حظاً وإن لنفسك وأهلك عليك حظاً، قال: إني لأقوى لذلك، قال: "فصم صيام داود -عليه السلام-"، قال: وكيف؟ قال: "كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى"، قال: من لي بهذه يا نبي الله! قال عطاء: لا أدري كيف ذكر صيام الأبد! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا صام من صام الأبد مرتين"(25).

 

المظهر العاشر: القبلة للصائم:

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل إحدى نسائه وهو صائم ثم تضحك"(26).

 

وعنها -رضي الله عنها-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبلها وهو صائم"(27).

 

ثانياً: تهذيب السلوكيات الخاطئة:

تنوعت أساليب النبي -صلى الله عليه وسلم- في التنبيه على السلوكيات الخاطئة في الصوم بحسب الأحوال والمدعوين وحاجة الناس إلى نوع البيان في ذلك ومن تلك الأساليب النبوية في توجيهيه -صلى الله عليه وسلم-:

 

الأسلوب الأول: التوجيه المباشر:

حفظ في سنته -صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بالصيام أنه وجه أناساً توجيهاً مباشراً فمن ذلك:

أولاً: تأخير الإفطار في الصيام:

 

روى البخاري أن بعض المسلمين أراد تأخير الإفطار في الصيام فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيتم الليل أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم"(28). ولمسلم: "إذا غابت الشمس من هاهنا وجاء الليل من ها هنا فقد أفطر الصائم"(29).

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يوجه أصحابه -رضوان الله عليهم- إلى أن الإفطار يحل بمجرد غروب الشمس.

 

ثانياً: صيام الدهر:

نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عبدَ الله بن عمرو بن العاص عن قراءة القرآن في ليلة وصيام الدهر وقال: "فإن لزوجك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً"(30).

 

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يوجه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- إلى أن يوازن بين الحقوق المختلفة.

 

الأسلوب الثاني: الحوار مع التوجيه:

وهذا الأسلوب أيضاً محفوظ في عدة أحاديث منها:

أولاً: الوصال في الصيام:

 

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واصل في رمضان، فواصل الناس، فنهاهم. قيل له: أنت تواصل؟ قال: "إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى"(31).

 

والظاهر أن النهي من أجل المشقة ففي رواية لمسلم: "نهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال رحمة بهم"(32).

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يحاور أصحابه ويوجههم لما فيه رحمة بهم.

 

وقد اختلف الفقهاء في حكم الوصال على ثلاثة أقوال(33):

الأول: أنه جائز إن قدر عليه، والثاني: لا يجوز، والثالث: أن الوصال يجوز من سحر إلى سحر. قال ابن القيم: وهو أعدل الأقوال.

 

ثانياً: إفراد يوم الجمعة بالصوم:

عن جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: "أصمت أمس؟" قالت: لا. قال: "تريدين أن تصومي غدا؟" قالت: لا. قال: "فأفطري"(34).

قال ابن حجر: "فالإجماع منعقد على جواز صومه (أي: يوم الجمعة) لمن صام قبله أو بعده... وذهب الجمهور أن النهي فيه للتنزيه"(35).

 

قال ابن القيم: "ويكره إفراد يوم الجمعة بالصوم... قال ابن عبد البر: اختلفت الآثار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صيام يوم الجمعة"(36).

 

ومهما يكن من أمر فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أمر جويرية -رضي الله عنها- أن تفطر، ولا تفرد يوم الجمعة بصيام وذلك بعد أن حاورها.

 

الأسلوب الثالث: تصحيح المفاهيم الخاطئة:

وفيه مسألة واحدة: الخيط الأبيض والخيط الأسود:

عن عِدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: "لما نزلت حتى (‌يَتَبَيَّنَ ‌لَكُمُ ‌الْخَيْطُ ‌الْأَبْيَضُ ‌مِنَ ‌الْخَيْطِ ‌الْأَسْوَدِ ‌مِنَ ‌الْفَجْرِ). قال له عدي بن حاتم: يا رسول الله إني أجعل تحت وسادتي عقالين: عقالاً أبيض وعقالاً أسود أعرف الليل من النهار. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن وسادتك لعريض، إنما هو سواد الليل وبياض النهار"(37).

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يصحح هنا ذلك المفهوم الخاطئ للخيط الأبيض والخيط الأسود.

 

الأسلوب الرابع: التوجيه للقدوة:

وهذا من أعظم ما يؤثر في المدعوين، ومن أدلة هذا الأسلوب:

أولاً: تقبيل الصائم:

عن عمر بن أبي سلمة "أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيقبل الصائم؟ قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سل هذه (لأم سلمة) فأخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك. فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له"(38).

فبدلا من أن يجيب النبي -صلى الله عليه وسلم- على سؤال عمر فقد وجهه ليأخذ القدوة من فعله مع زوجه -رضي الله عنها-.

 

ثانياً: الجنابة في الصيام:

عن عائشة -رضي الله عنها- "أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب أ فأصوم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم". فقال: لست مثلنا يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى"(39).

 

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يوجه المستفتي هنا إلى الالتفات لقدوته وهو النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث إنه تدركه الصلاة وهو جنب فيصوم.

 

الأسلوب الخامس: التنفير من الفعل:

وفيه مسألة واحدة: الصوم في السفر:

لما أفطر -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: "أولئك العصاة أولئك العصاة"(40).

 

ورأى -صلى الله عليه وسلم- رجلاً قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه فقال: "ماله؟! " قالوا: رجل صائم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس من البر الصوم في السفر"(41).

 

قال ابن حجر: "فالحاصل أن الصوم لمن قوي عليه أفضل من الفطر، والفطر لمن شق عليه الصوم أو أعرض عن قبول الرخصة أفضل من الصوم، وأن من لم يتحقق المشقة يخير بين الصوم والفطر"(42).

 

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يصف من يصوم في السفر مع وجود المشقة بالعصاة تنفيراً من هذا الفعل، كما يصف هذا الفعل أيضا أنه خلاف البر.

 

الأسلوب السادس: فرض الكفارة:

وفيه مسألة واحدة: الجماع في نهار رمضان:

"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكيناً"(43).

 

قال العلماء: "والحكمة في ترتيب هذه الكفارة على ما ذكر أن من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية، فناسب أن يعتق رقبة فيفدي نفسه... وأما الصيام فإنه كالمقاصة بجنس الجناية... وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة لأنه مقابل كل يوم إطعام مسكين"(44).

 

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

الهوامش:

 

1.    تفسير الطبري 2-154.

 

2.    تفسير الطبري 2-154.

 

3.    تفسير الطبري 2-154.

 

4.    تفسير ابن كثير ج: 1 ص: 218.

 

5.    تفسير الطبري ج: 2 ص: 150.

 

6.    تفسير ابن كثير ج: 1 ص: 217.

 

7.    صحيح البخاري ج: 2 ص: 678 باب بركة السحور من غير إيجاب حديث 1823 صحيح مسلم ج: 2 ص: 770 باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر حديث 1059.

 

8.    صحيح مسلم ج: 2 ص: 770 باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر حديث 1060.

 

9.    صحيح البخاري ج: 2 ص: 678 باب تأخير السحور حديث 1820.

 

10.                       صحيح البخاري ج: 2 ص: 678 باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر حديث 1821.

 

11.                       صحيح البخاري ج: 2 ص: 691 باب متى يحل فطر الصائم وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس حديث 1853.

 

12.                       صحيح البخاري ج: 2 ص: 692، 44 باب تعجيل الإفطار، حديث 1856 وصحيح مسلم ج: 2 ص: 771 حديث 1098.

 

13.                       صحيح البخاري ج: 2 ص: 678 باب بركة السحور من غير إيجاب، حديث 1822.

 

14.                       صحيح مسلم ج: 2 ص: 774، 11 باب النهي عن الوصال في الصوم، حديث 1102.

 

15.                       صحيح مسلم ج: 2 ص: 774، 11 باب النهي عن الوصال في الصوم حديث 1103.

 

16.                       صحيح البخاري ج: 2 ص: 679، 22 باب الصائم يصبح جنباً حديث 1825.

 

17.                       صحيح مسلم ج: 2 ص: 809 باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، حديث 1155.

 

18.                       صحيح البخاري ج: 2 ص: 684باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر، حديث 1834.

 

19.                       صحيح البخاري ج: 3 ص: 1058باب الحراسة في الغزو في سبيل الله، حديث 2733.

 

20.                       صحيح مسلم ج: 2 ص: 788 باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل حديث1119.

 

21.                       صحيح البخاري ج: 2 ص: 690 باب من مات وعليه صوم وقال الحسن: إن صام عنه ثلاثون رجلاً يوماً واحداً جاز، حديث1851 و صحيح مسلم ج: 2 ص: 803، 27 باب قضاء الصيام على الميت حديث 1147.

 

22.                       صحيح البخاري ج: 2 ص: 690 باب من مات وعليه صوم، وقال الحسن: إن صام عنه ثلاثون رجلا ًيوماً واحداً جاز، حديث1852.

 

23.                       صحيح البخاري ج: 2 ص: 693 باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له، حديث 1867.

 

24.                       صحيح البخاري ج: 2 ص: 697 باب حق الجسم في الصوم، حديث 1874.

 

25.                       صحيح البخاري ج: 2 ص: 698 باب صوم الدهر، حديث 1876.

 

26.                       صحيح مسلم ج: 2 ص: 775 باب بيان أن القبلة في الصوم على من لم تحرك شهوته، حديث1106.

 

27.                       صحيح مسلم ج: 2 ص: 775 باب بيان أن القبلة في الصوم على من لم تحرك شهوته حديث1106.

 

28.                       البخاري كتاب الصوم، باب يفطر بما تيسر من الماء وغيره (1956) ومسلم كتاب الصيام باب بيان وقت انقضاء الصوم (1101(.

 

29.                       مسلم كتاب الصيام باب بيان وقت انقضاء الصوم (1101).

 

30.                       مسلم كتاب الصيام باب النهي عن صوم الدهر (1159).

 

31.                       مسلم كتاب الصيام باب النهي عن الوصال في الصوم (1102)، وانظر الفتح الرباني (10-82).

 

32.                       مسلم كتاب الصيام باب النهي عن الوصال في الصوم (1105).

 

33.                       انظر زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم الجوزية ت 751 ه تحقيق شعيب الأرنؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط طبعة مؤسسة الرسالة 1994م بيروت لبنان (35/2-38).

 

34.                       البخاري كتاب الصوم باب صوم يوم الجمعة (1986).

 

35.                       فتح الباري (4 – 276).

 

36.                       زاد المعاد (1 – 416).

 

37.                       مسلم كتاب الصيام باب أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر... (1090).

 

38.                       مسلم كتاب الصيام باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته (1108) وانظر الموطأ (1 - 304، 305).

 

39.                       مسلم كتاب الصيام باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب (1110).

 

40.                       مسلم كتاب الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية... (1114).

 

41.                       البخاري كتاب الصوم باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن ظلل عليه... (1946) ومسلم كتاب الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية... (1115) ولفظ مسلم (ليس من البر أن تصوموا في السفر).

 

42.                       الفتح (4 – 216).

 

43.                       مسلم كتاب الصيام باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم (1111) وروى البخاري نحوه في كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان (1936) وانظر الموطأ (1 - 310 - 311)، والفتح الرباني (10-93).

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات