من قواعد اكتساب الأخلاق الحسنة

سليمان السلامة

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ أهمية الأخلاق الحسنة وفضائلها 2/ قواعد وأسباب وعوامل التخلق بالأخلاق الحسنة 3/ عمق وأصالة الأخلاق في الإسلام 4/ الإسلام أصل الأخلاق ومنبعها

اقتباس

أخلاقنا ليست ترفا، أخلاقنا ليست ثوبا يرتديه الإنسان ثم ينزعه متى ما شاء. أخلاقنا نتعبد بها لله، أخلاقنا ثابتة وليست مصطنعة. فالدين الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين. وأصل أخلاقنا ومنبعها ديننا وإسلامنا وتوحيدنا لربنا، فما أكرم العبد نفسه بمثل...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله- واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

 

أيها الناس: شرع الله لعباده أنواعا من الطاعات، ومن تلك العبادات عبادة تقرب العبد من ربه وإلى خلقه، عبادة يحبك الله بسببها ويحبك الناس، عبادة ترفع درجاتك في الآخرة، وترفع قدرك في قلوب الخلق، قال عليه الصلاة والسلام: "ما من شيءٍ أثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن" [رواه الترمذي].

 

بالخلق الحسن تزيد الحسنات، قال عليه الصلاة والسلام: "إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم" [رواه أبو داود].

 

وخير المؤمنين من تزين بالخلق الحسن، قال عليه الصلاة والسلام: "إن خياركم أحاسنكم أخلاقًا" [رواه البخاري].

 

وبها يكمل الإيمان، قال صلى الله عليه وسلمَ: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" [رواه الترمذي].

 

وبالأخلاق الحسنة تصلح دنيا الناس؛ عن عائشة -رضي الله عنهَا- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار" [رواه أحمد وصححه الألباني].

 

الأخلاق الحسنة سبب عظيم موصل للجنة، سئل النبي -صلى الله عليه وسلمَ- عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: "تقوى الله، وحسن الخلق" [رواه الترمذي].

 

صاحب الخلق الحسن لا يدخل الجنة، نعم لا يدخل الجنة فحسب، بل له منزلة عالية في الجنان، قال عليه الصلاة والسلام: "أنا زعيمٌ ببيتٍ في أعلى الجنة لمن حسُنَ خُلُقُه" [رواه أبو داود] فهل فيه أعظم من هذا النعيم وهل فوق هذا النعيم مزيد؟

 

صاحب الخلق الحسن يزاد تنعما في الجنة بالقرب من النبي، قال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا" [رواه الترمذي].

 

اللهم حسن أخلاقنا.

 

إخوة الإيمان: إن المؤمن ليرجو أن يحظى بأجمل الأخلاق وأحسنها طمعا في نيل تلك الفضائل العظيمة، ولذا فإن الاتصاف بالأخلاق الحسنة له قواعد وأسباب وعوامل، ومنها: استحضار أن الخطأ من طبيعة الإنسان، فمن الخطأ وأنت تتعامل مع الناس أن تتصور المثالية الكاملة في أخلاقهم فطبيعة البشر يعتريها الجهل والخطأ والنسيان.

 

لا تعامل الناس معاملة على وتيرة وطريقة واحدة، بل عامل كلا منهم حسب طبعه؛ كما قال ربنا: (خُذِ الْعَفْوَ) [الأعراف: 199].

 

قال الشنقيطي: "أي خذ ما تسهَّل لك من أخلاق الناس، ووجدت منهم طِيباً بلا كلفة فخذ، وما جاءك من غير ذلك فاصفح عنه وتجاوزه".

 

ها هي أمنا عائشة تروي لنا موقفا من مواقف نبينا في التعامل مع رجل عرف النبي -صلى الله عليه وسلمَ- طبعه تقول عائشة -رضي الله عنهَا-: إن رجلاً استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلمَ- فلما رآه قال: "بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة"، فلما جلس تطلَّق النبي -صلى الله عليه وسلمَ- في وجهه، وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل، قالت عائشة: يا رسول الله حين رأيتَ الرجلَ قلتَ له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "يا عائشة متى عهدتِّني فحَّاشاً؟ إن شرَّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة من تركه الناس اتقاءَ فحشِه" [أخرجه البخاري ومسلم].

 

وموقف آخر يتعامل فيه النبي -صلى الله عليه وسلمَ- وحسب طبيعة الرجل وذلك حينما فتح مكة، جاء أبو سفيان فأسلم فأراد النبي -صلى الله عليه وسلمَ- منحه ميزة تثبت إسلامه حسب طبعه ومنزلته بين قومه فقال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" فأبو سفيان من سادات قريش ومثله يحب الفخر فأشبع الرسول مشاعره بهذه الكلمات.

 

يا مؤمنون: سبب كثير من الشقاق وعدم الوفاق بين ابن وأبيه أو زوج وزوجته أو جار مع جاره أو قريب مع قريبه أو إمام مسجد مع جماعة مسجده أو موظف مع مديره أو معلم مع أستاذه إنما هو سبب الجهل بالطبائع ونوع الأنفس.

 

ومن قواعد التخلق بالخلق الحسن: عامل الناس حسب ظواهرهم ولا تشتغل بتفسير المقاصد، فمن الناس من تجده شكاكا في الناس مرتابا في تعاملهم معه، يظن الظنون ويفسر نظرات العيون، يحمل الكلام مقاصد شتى ويصبح ويمسي في شكك من الليل مظلم، وهذا مخالف لقول ربنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات: 12]، وقوله صلى الله عليه وسلمَ: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث" [أخرجه البخاري ومسلم].

 

وكان نبينا -صلى الله عليه وسلمَ- يتعامل مع الناس حسب ظواهرهم؛ روى البخاري ومسلم: أن رجلا قال للرسول -صلى الله عليه وسلمَ-: "اتق الله، لما قسم قطعة ذهب بين أربعة من الصحابة من المؤلفة قلوبهم، فقال خالد بن الوليد: ألا أضرب عنقه؟ قال: "لا"، لعله أن يكون يصلي؟ فقال خالد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "إني لم أُومَر أن أنقِّب عن قلوب الناس، ولا أشقَّ بطونهم".

 

فيا من يريد الاتصاف بالخلق الحسن: ريح بالك وذهنك وعقلك، ودع تفسير النيات والمقاصد، فلا يعلم السرائر إلا الله.

 

يا عبد الله: أتريد أن تكون من أصحاب الأخلاق الحسنة؟ عليك بالتغافل فالكمال عزيز ولن تجد أحدا من الناس إلا ويقع منه خلل وخطأ، ومن كمال العقل وقمة الأدب أن تتغافل ولا تدقق ولا تحاسب عند أي موقف وتصرف، قال الإمام الشافعي: "الكيس العاقل هو الفطن المتغافل".

 

من قواعد اكتساب الأخلاق الحسنة: أعرض عن الجاهلين، قال الله -تعالى-: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) [القصص: 55] فأصحاب الأخلاق الحسنة لا يأبهون بجهلة يتسلطون بكلمات غير لائقة أو حركات سافلة وهمز ولمز.

 

من قواعد اكتساب الخلق الحسن: التدريب العملي والممارسة التطبيقية ومحاولة اكتساب خلق حسن، فلا يزال المسلم يترقى في مدارج الخلق الحسن لا يتوقف عند درجة معينة، بل يسعى لاكتساب مزيد من الأخلاق الجميلة، نعم قد تحصل معاناة وتكلف لكن إذا عودت النفس اعتادت وإذا دربت انقادت ألم يقل نبينا -صلى الله عليه وسلمَ: "ومن يستعفف يعفَّه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله" [رواه البخاري ومسلم].

 

يا عبد الله: إذا كنت تعاني من خلق سيء ولم تستطع تركه ولا التخلص منه فلا تيأس من تركه، وادع الله أن يعينك على تركه، وقد كان من دعاء نبينا -صلى الله عليه وسلمَ: "اللهم أحسنت خلقي، فأحسن خلُقي" [أحمد وصححه الألباني]، ومن دعائه: "اهدِني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيِّئَها لا يصرف عني سيِّئَها إلا أنت" [رواه مسلم].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

رحم الله امرئ تخلق بالخلق الحسن.

 

عباد الله: أخلاقنا ليست ترفا، أخلاقنا ليست ثوبا يرتديه الإنسان ثم ينزعه متى ما شاء، كلا.

 

أخلاقنا نتعبد بها لله، أخلاقنا ثابتة وليست مصطنعة، قال ابن القيم: "الدين الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين".

 

وقال ابن رجب: "لا تتم التقوى إلا بحسن الخلق".

 

عباد الله: وأصل أخلاقنا ومنبعها ديننا وإسلامنا وتوحيدنا لربنا، فما أكرم العبد نفسه بمثل الإيمان بالله، ودماثة الخلق، ومن فقد التوحيد والإيمان لم تنفعه أخلاقه، قالت عائشة -ضي الله عنها- للنبي -صلى الله عليه وسلمَ-: "إن ابن جُدعان"، وكان من رؤساء قريش في الجاهلية: "يصِلُ الرَّحِم، ويُطعِمُ المسكين؛ فهل ينفعه؟ فقال: "إن ذلك لا ينفعه؛ إنه لم يقُل يومًا: ربِّ اغفر (لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء: 82]، [رواه مسلم].

 

يا رب اهدنا لأحسن الأخلاق...

 

 

المرفقات

قواعد اكتساب الأخلاق الحسنة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات