من قصص الحب

الشيخ شايع بن محمد الغبيشي

2024-01-12 - 1445/06/30 2024-01-25 - 1445/07/13
عناصر الخطبة
1/الحديث عن النبي حديث يبهج القلوب وينير الدروب 2/من قصص الحب والحنين للنبي الكريم 3/من دلائل الحب والحنين لرسول الله عليه الصلاة والسلام.

اقتباس

فمسح ذفراه وسراته فسكن فقال من رب هذا الجمل فجاء شاب من الأنصار فقال أنا فقال ألا تتقى الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكاك إلى وزعم أنك تجيعه وتدئبه..."

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً؛ أما بعد: عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ).

 

إخوة الإيمان: الحديث عن العظماء يأخذ بمجامع القلوب، تشرئب إليه أعناق أولي النهى، تزدان بسيرهم المجالس وتعطر بأخبارهم الأندية ويتوق إلى معرفة سيرهم أصحاب الهمم وعشاق المعالي؛ فما بالكم إذا كان الحديث عن إمام العظماء وأشرف الشرفاء وسيد النبلاء! ما بالكم إذا كان الحديث عن البدر يسري بضوئه متعة للسامرين ودليلاً للحائرين! بل هو الشمس تهدي نورها وجه الأرض فيتلألأ ضياء ونوراً.

 

بزغ الصباح بنور وجهك بعدما *** غشت البرية ظلمة سوداء

فتفتقت بالنور أركان الدجى *** وسعى على الكون الفسيح ضياء

ومضى السلام على البسيطة صافياً *** تروى به الفيحاء والجرداء

حتى صفت للكون أعظم شرعة *** فاضت بجود سخائها الأنحاء

 

حديثنا عن محمد -صلى الله عليه وسلم- الشمس التي أشرقت فعمت بنورها الكون كله ولكن البون بينها وبين شمسنا، شاسع جداً فشمسنا تغرب وشمسه -صلى الله عليه وسلم- تبقى منيرة إلى قيام الساعة قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً *وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً)، وقال جل وعلا عنه: (قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)؛ قال الإمام الطبري -رحمه الله-: (من الله نور)؛ "يعني بالنور محمداً -صلى الله عليه وسلم- الذي أنار الله به الحق وأظهر به الإسلام ومحق به الشرك فهو نور لمن استنار به".[1]

 

قال الله -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه: «إني عند الله مكتوب بخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني أنه خرج منها نور أضاءت لها منه قصور الشام»(رواه ابن حبان وصححه الألباني)، "وخروج هذا النور عند وضعه إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وزال به ظلمة الشرك ... [2]

 

نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أحبه الشجر والحجر والجبل والسهل والحيوان والطير، أما الحديث عن حب البشر له فشيء آخر وحديث آخر، ما بالكم بحب أعين اكتحلت بالنظر إلى وجهه الكريم، وآذان تلذذت بسماح حديثه ما بالكم بحب من جالسه وعاشره -صلى الله عليه وسلم- لا شك أنه حبٌ لم يُشهد مثله على وجه البسيطة.

 

وهذه بعض النماذج:

عن جابر بن عبد الله --رضي الله عنه-ما- أن امرأة من الأنصار؛ قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه فإن لي غلاما نجارا، قال (إن شئت)؛ قال فعملت له المنبر فلما كان يوم الجمعة قعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر الذي صنع فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت تنشق؛ فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أخذها فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت قال: "بكت على ما كانت تسمع من الذكر"(رواه البخاري).

 

وزاد في سنن الدارمي بسند صحيح قال: "أما والذي نفس محمد بيده لو لم التزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزناً على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

وكان الحسن -رحمه الله- يقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شوقاً إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه.[3]

يحن الجذع من شوق إليك **** ويذرف دمعه حزناً عليك

ويجهش بالبكاء وبالنحيب **** لفقد حديثكم وكذا يديك

فمالي لا يحن إليك قلبي **** وحلمي أن أقبل مقلتيك

وأن ألقاك في يوم المعاد **** وينعم ناظري من وجنتيك

 

ومن قصص الحب ما رواه عبد بن جعفر -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه ناضح له -جمل يستخرج به الماء فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حن وذرفت عيناه فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح ذفراه وسراته فسكن فقال من رب هذا الجمل فجاء شاب من الأنصار فقال أنا فقال ألا تتقى الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكاك إلى وزعم أنك تجيعه وتدئبه"(رواه الإمام أحمد وصححه الأرنؤوط)؛ فتأمل كيف حن الجمل إلى رسول الله -صلى عليه وسلم- واشتكى تمنع عنه الطعام وتواصل عليه العمل.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمد عبده ورسوله أما بعد:

 

عباد الله: من قصص الحب ما رواه جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لا أعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن"(رواه مسلم والترمذي والإمام أحمد).

وعن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: " كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله"(رواه الترمذي و صححه الألباني).

 

في أرضنا عمّ الضـياءُ فلا تسل *** ولد الحبيب فأشرقت أنوارها

من فرط حبك سلمت أحجارها *** وحكت رواياتُ الهوى أشجارها

الجن بثت للحبيب ودادها *** وتزاحمت لِبداً فطاب جوارها

وغدت تحدث عن جميل لقائها *** عن حب أحمد حدثت أخبارها

 

من قصص الحب ما رواه أنس -رضي الله عنه- قال صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- جبل أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- فرجف بهم الجبل، فقال: "اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان"(رواه البخاري)، وإنما اهتز فرحاً وطرباً وشوقاً للقاء رسول -صلى الله عليه وسلم وصحبه.

 

لا تلوموا اُحداً لاضطراب *** إذ علاه النبي فالوجد داءُ

 

أُحد لا يلام فهـو محبٌ *** ولكم أطرب المحب لقاءُ

 

عن أنس بن مالك، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طلع له أحد فقال: "هذا جبل يحبنا ونحبه"(رواه البخاري).

 

تلك بعض قصص الحب وغيرها كثير وكثير فمن دلالاتها:

أولاً: وجوب محبة النبي -صلى الله عليه سلم- وتقديم محبته على النفس والمال والوالد والولد؛ قال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).

 

عن أبي هريرة مرفوعاً: "فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"(رواه البخاري)، وعن عبد الله بن هشام: كنا مع النبي وهو آخذ بيده عمر فقال عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال عمر: فإنه الآن، لأنت أحب إلي من نفسي، فقال: الآن يا عمر"(رواه البخاري).

 

ثانياً: لهذا الحب مظاهر وعلامات

ومن مظاهر وعلامات حبه -صلى الله عليه وسلم- طاعته واتباع هديه والتأسي به قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى"(رواه البخاري).

 

ومن مظاهر وعلامات حبه -صلى الله عليه وسلم- الاعتزاز بسنته والاقتداء بها والشعور بالفخر والعزة قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً).

 

ومما زادني شرفاً وفخراً *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن سيرت أحمد لي نبياً

 

ومن مظاهر وعلامات حبه -صلى الله عليه وسلم- نصرته ونصرة دينه وسنته ونشرها بين الناس والدفاع عنه -صلى الله عليه وسلم- وعن سنته قال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلً).

 

ومن مظاهر وعلامات حبه -صلى الله عليه وسلم- ترك البدع ونبذها من ذلك ما انتشر هذه الأيام من الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه بدعة محدثة لم يفعلها ولم يفعلها الصحابة ولا التابعون مع عظيم محيتهم له، وخير الهدي هديه وهديهم.

 

 

[1] ـ تفسير الطبري (4/501)

[2] ـ الأنوار في سيرة النبي المختار ص2

[3] ـ فتح الباري ( 6 / 602 )

المرفقات

من قصص الحب.doc

من قصص الحب.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات