من طباع المسلم: البشرى والفأل الحسن

عبدالله الجهني

2022-11-18 - 1444/04/24 2022-11-19 - 1444/04/25
عناصر الخطبة
1/مهمة الرسل البشارة والنذارة 2/هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تبشير أصحابه 3/المؤمن مبشِّر ميسِّر 4/القَبول الحسن للمسلم عاجل بشرى له 5/التحذير من أن يكون المسلم مصدر تنفير وشؤم

اقتباس

من الأمور المهمة التي تَحرِصُ التربيةُ الإسلاميةُ على غَرسِها في نفوس المتربينَ، التربية على التبشير بالخير، والتهنئة لِمَا تتركه من أثر طيب، ومِنْ تحفيزٍ على العمل، والاجتهادِ في الطاعة...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله على نِعَمِه المتواليةِ، لا نُحصي لها عدًّا، ولا نقدر لها حمدًا، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أحصى كل شيء عددًا، وأحاط بكل شيء علمًا، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اختاره لتبليغ رسالته، واصطفاه لعبادته، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ: فخير وصيتي لكم، وصية الله لعباده، قال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا)[النِّسَاءِ: 131]، اجعلوا من طاعة الله وقايةً تَقِيكم عذابَه، اجعلوا من طاعة الله -عزّ وجل-، وطاعة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا- سِترًا بينكم، وبين لفح جهنم.

 

أيها المسلمون: لقد بعثَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بشيرًا لأتباعه، نذيرًا لأعدائه، بل كانت مُهمَّةُ الرسلِ لا تَعدُو هذينِ الوصفينِ: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الْأَنْعَامِ: 48].

 

وقد أمَر اللهُ -سبحانه- في كتابه الكريم بإيذان المؤمنين والصابرين، والمحسنين والمخبتين بالبشرى في آيات كثيرة، وكان من أساليب تبشير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه يختار الوقتَ المناسبَ، والقَدْرَ المناسبَ لأداء الموعظة والعِلْم؛ كي لا يُنَفِّر الصحابةَ، وفي ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى الأشعري، ومعاذ -رضي الله عنهما- حين بعَثَهما إلى اليمن: "يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبَشِّرَا ولا تُنَفِّرَا، وتَطَاوَعَا ولا تَختَلِفَا"(رواه البخاري)، وعلَّق عليه ابن حجر -رحمه الله- بقوله: ""المرادُ تأليفُ مَنْ قَرُبَ إسلامُه، وتركُ التشديدِ عليه في الابتداء، وكذلك الزجرُ عن المعاصي، ينبغي أن يكون بتلطُّف ليُقبَل، وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج؛ لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سَهْلًا حُبِّبَ إلى مَنْ يَدخُل فيه، وتلقَّاهُ بانبساط، وكانت عاقبته -غالبًا- الازدياد" انتهى كلامه -رحمه الله-.

 

والتبشير -يا عباد الله- كان من منهج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا- دائمًا-، ومن هديه -عليه الصلاة والسلام- أنَّه كان يُثني على مَنْ ظهَر منه ما يستحقّ الثناءَ، ويُبشِّره بالخير والرفعة؛ فيكون ذلك دافعًا له ولغيره إلى طاعة الله -تعالى-؛ لذا لَزِمَ على المسلم الحرصُ على التبشير بالخير دائمًا، والتهنئة به، صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا- أنَّه قال لأبي هريرة -رضي الله عنه-: "اذْهَبْ بنعليَّ هاتينِ، فمَنْ لقيتَ من وراء هذا الحائط يَشهَد أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، مستيقنًا بها قلبُه، فبشِّرْه بالجنة"(رواه مسلم).

 

ومن الأمور المهمة التي تَحرِصُ التربيةُ الإسلاميةُ على غَرسِها في نفوس المتربينَ، التربية على التبشير بالخير، والتهنئة لِمَا تتركه من أثر طيب، ومِنْ تحفيزٍ على العمل، والاجتهادِ في الطاعة، ومن ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: "بَشِّرِ المشائينَ في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التامّ يومَ القيامة"(رواه ابن ماجه)، وصلّى العشاءَ مرةً بأصحابه وقبل أن ينصرفوا قال لهم: "على رِسْلِكُمْ أَبشِرُوا، إنَّ من نعمة الله عليكم أنَّه ليس أحدٌ من الناس يُصلي هذه الساعةَ غيرُكم"، قال أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: "فرَجَعْنا ففَرِحْنا بما سَمِعْنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"(رواه البخاري).

 

والمؤمن محتاج في حال البلاء إلى مَنْ يكشِف همَّه، ويُبشِّره بما يَسُرُّه، إمَّا بفرجٍ عاجلٍ، أو بأجرٍ آجلٍ، ولقد وجَد رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أُمَّ العلاءِ مريضة فقال لها: "أَبْشِرِي يا أمَّ العلاء، فإنَّ مرضَ المسلمِ يُذهِب خطاياه، كما تُذهِبُ النارُ خَبَثَ الحديدِ"(رواه الترمذي).

 

عبادَ اللهِ: المؤمنُ بشيرٌ في مواقف الأسى، يُسرِّي عن الناس أحزانَهم، بما يُدخِل البهجةَ إلى قلوبهم، ويُبعِد الكآبةَ عنهم، كتَب زيدُ بنُ أرقمَ إلى أنسِ بنِ مالكٍ زمنَ الحَرَّة يُعزِّيه فِيمَنْ قُتِلَ من ولدِه وقومِه فقال: "أُبَشِّرُكَ بِبُشْرَى مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهمَّ اغْفَرْ للأنصارِ، ولأبناءِ الأنصارِ، ولأبناءِ أبناءِ الأنصارِ"(أخرجه أحمد في مسنده).

 

أيها المسلمون: وعَد اللهُ -تبارك وتعالى- الذين آمنوا وكانوا يتقون بأنَّ (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[يُونُسَ: 64].

 

ومِنَ البُشرى العاجلةِ في الحياة الدنيا: أن يَلقَى المسلمُ قَبولًا حسنًا من إخوانه، وأَنْ تَشكُرَه على إحسانه؛ فذلك من التبشير، وقد روى مسلمٌ في باب: (إذا أُثني على الصالح فهي بُشرى ولا تضرُّه) حديثًا جاء فيه: "قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرأيتَ الرجلَ يَعمَل العملَ من الخير ويَحمَدُه الناسُ عليه؟ قال: تلكَ عاجلُ بُشرى المؤمنِ"، ومبنى هذا الخُلق وأساسُه أن يكون المسلمُ مَصدَرًا للفَأْلِ الحسَنِ، والأملِ الواسعِ، والعاقبةِ الخيِّرةِ، وألَّا يَرى أخوه منه ما يَكرَه.

 

عبادَ اللهِ: أفبعدَ كلِّ هذه الإشارات يَقبَل أحدُنا لنفسه أن يكون مصدرَ شؤمٍ، ومَظِنَّةَ تخذيلٍ، أو إحباطٍ أو تنفيرٍ، أو قتلٍ للقُدُرات، أم نُشيع البشرى، ونَنشُر التفاؤلَ، ونُحيي النفوسَ، ونُحرِّض على الخير، ونُعِين على المعروف، ونَستنهِض الهممَ، وأن يكون كلٌّ منا بشيرًا لإخوانه، يُحيي فيهم الأملَ، ويدفعهم إلى مزيدٍ من العمل، فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، وقولوا للناس حسنًا، وبَشِّروا ولا تنفروا، وقَوُّوا صِلَتَكم بالله، وأحسِنُوا متابعتَكم لرسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا-، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزُّمَرِ: 17-18].

 

اللهم بَارِكْ لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قُولِي هذا وأستغفر الله العظيم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفِروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد للهِ حمدًا كثيرًا، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أمَّا بعدُ، فيا أيها الناسُ: اتقوا الله -تعالى- واستمسِكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا سخط الجبار؛ فإن أَقدَامَكم على النار لا تقوى، واعلموا أنَّ الموت قد تخطَّاكم إلى غيركم، وسيتخَّطى غيرَكم إليكم، فخُذُوا حِذرَكم، وتأهَّبُوا للقاءِ ربِّكم، وتمسَّكوا بكتاب الله العزيز، فإنَّه أصدقُ القولِ وأحسنُ الحديثِ، حُكمُه عدلٌ، وقولُه فصلٌ، ووعدُه حقٌّ، وعليكم بسُنَّة نبيِّكم -عليه الصلاة والسلام-؛ فإنَّها تُفسِّر القرآنَ وتُبيِّنُه، عَضُّوا عليهما بالنواجذ، وإيَّاكم ومُحدَثات الأمورِ في الدِّين والتشريع، فإنَّ كلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

وصلوا وسلموا على البشير النذير، والسراج المنير، صاحب الحوض والشفاعة، نبينا محمد الأمين، فقد أمرنا بذلك فقال عز من قائل عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".

 

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارضَ الله عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، الذين قَضَوْا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة أجمعينَ، وأهل بيته الطاهرين، وعن التابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارضَ عَنَّا معهم بمنكَ وإحسانك يا أرحم الراحمينَ.

 

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الشركَ والمشركينَ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا، وأيِّدْ بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقْه لهُداكَ، واجعل عملَه في رضاكَ، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده لما تحب وترضى، وخُذْ بناصيتهما للبر والتقوى، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين، للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

اللهم أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراء إليكَ، أنزِلْ علينا الغيثَ ولا تجعَلْنا من القانطينَ، اللهم اسقِنا وأغِثْنا، اللهم إنا نستغفركَ إنَّكَ كنتَ غفَّارًا، فأرسِلِ السماءَ علينا مدرارًا.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يَزِدْكُمْ، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.

 

 

المرفقات

من طباع المسلم البشرى والفأل الحسن.pdf

من طباع المسلم البشرى والفأل الحسن.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات