عناصر الخطبة
1/أصل عظيم من أصول الأدب 2/حرص المسلم على ما ينفعه 3/عدم انشغال المسلم بما لا يعنيه 4/وجوب تجنب خصوصيات الآخرين 5/ترك أسئلة الفضول والتطفل 6/أربعة أحاديث تجمع أصول الأخلاق والآداب 7/ضوابط مخالطة الناس ونصحهم.اقتباس
من حسن إسلام المرء عدم تتبع العورات والعثرات؛ لخطورة ذلك الأمر... إن حرص المسلم على سلامة دينه وعرضه وانشغاله بنفسه عن شؤون غيره وتركه ما لا يعنيه دليل على رجاحة عقله وكمال توفيقه، وهو بذلك يعيش حياة طيبة ونفسًا هانئة وقلبًا سليمًا..
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله ربّ العالمين؛ الحمد لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أما بعدُ: أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى- في السر والعلن ، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيها المسلمون: قاعدة عظيمة من القواعد الإسلامية العظام، تضمنها الحديث النبوي الشريف، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ"، وهو أصل عظيم من أصول الأدب؛ كما قال ابن رجب -رحمه الله-.
اسمعوا اليوم لهذه القصة كمدخل لموضوعنا، لكنها لا تخلو من حكمة وفائدة كبيرة جدًّا، خرج أحد الخدم من أحد البيوت وكان يحمل معه صحنًا مُغطَّى تغطية كاملة من جميع الجوانب، فمرَّ بأحد الفضوليين، فسأل الخادم، ماذا يوجد في هذا الصحن المغطى؟ فقال الخادم: لو أراد أصحابُهُ أن تعرفَ ما فيه لما غطوه!
أيها المسلمون: اعلموا جيدا أن "مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ"، يعني أن من كمال إسلامه وجمال أخلاقه، ألَّا ينشغل بما لا يعنيه ويهمه وينفعه في دنياه وآخرته.
وهذا حديث نبوي عظيم، وأساس أخلاقي متين، ومقياس من مقاييس الأدب، ودليل من أدلة العقل والورع والفقه، ومظهر من مظاهر التقوى، هو ترك ما لا يفيد المسلم في دنياه وآخرته.
هكذا يعلّمنا ديننا العظيم، أن نحرص على ما ينفعنا قال -صلى الله عليه وسلم-: "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ"، وأن ندع ما يريبنا إلى ما لا يريبنا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ"، وأن نحب لإخواننا المسلمين ما نحب لأنفسنا، وذلك من كمال الإيمان؛ فعَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ -أَوْ قَالَ: لِجَارِهِ- مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
أيها المسلمون: قاعدة سلوكية عظيمة وخُلق جميل تحبه النفوس السوية، وهو أنه من حسن إسلام المرء عدم تتبع العورات والعثرات؛ لخطورة ذلك الأمر، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ".
أيها المسلمون: إن بعض الناس -وهم قلة ولله الحمد-، يمارسون بعض السلوكيات الطفيلية، والتي ينبغي للمسلم الترفع عنها، فتجد مَن يلح في السؤال حول أمور خاصة بأخيه المسلم، صاحبها أخفاها ولم يُحدِّث الناس بها شبيهًا بصاحب الصحن الذي غطَّى صحنه وبقوة، إلا أن هناك من يسأل ويلح في السؤال.
ومن أمثلة ذلك: يسأل أين ذهبت؟ ولماذا ذهبت؟ ومتى ذهبت؟ وماذا اشتريت؟ وبكم؟ ومن أين؟ ومتى؟ ولماذا؟ وعن راتبك، ودخلك وشؤونك الخاصة بك، والتي لا تريد أن تُحدِّث أحدًا بها، وغيرها من الأسئلة؛ أسئلة الفضول والتطفل، وهذا مما يؤذي الآخرين؛ لأن الانسان يتأذى ويتضجر ممن يتدخل في شؤونه الخاصة.
أيها المسلمون: إن الانشغال بشؤون الناس وأمورهم الخاصة بهم، يؤدي إلى الخلافات وإساءة الظن. فاحفظوا ألسنتكم عن ذلك، فاللسان قد يؤدي بصاحبه إلى المهالك، وقد وجَّه -صلى الله عليه وسلم- بحفظه فقال لمعاذ بن جبل: "أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ".
وقال النَّبِي -صلى الله عليه وسلم-: "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".
أيها المسلمون: إن حرص المسلم على سلامة دينه وعرضه وانشغاله بنفسه عن شؤون غيره وتركه ما لا يعنيه دليل على رجاحة عقله وكمال توفيقه، وهو بذلك يعيش حياة طيبة ونفسًا هانئة وقلبًا سليمًا. فلنتخلق بهذا الخلق الجميل، قال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشمس: 9- 10].
ولعلنا اشتقنا إلى معرفة الطريق الذي يُهذِّب أخلاقنا ويُذكّي نفوسنا لنشتغل بما يهمنا وينفعنا في دنيانا وديننا، أقول: إن علينا أن نجاهد أنفسنا، وأن نشغلها بالحق، ونتدرب على ذلك فإن العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، والله -تعالى- أمرنا بأن نجاهد أنفسنا لتتحقق لنا الهداية بفضل الله -تعالى-، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69]؛ (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا)؛ أي: بذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته -سبحانه وتعالى-، (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)؛ أي: الطرق الموصلة إلينا، وذلك لأنهم محسنون.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: قال بعض العلماء أربعة أحاديث تجمع أصول الأخلاق والآداب، على المسلم أن يلتزم بها:
الأول: قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".
والثاني: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ".
والثالث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى رجلًا فقال له: "لَا تَغْضَبْ".
والرابع: قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
أيها المسلمون: وثمة أمر مهم، وهو ألَّا يُفهَم من هذا أن على المرء أن يبتعد عن الناس وألَّا يخالطهم فلا يَنصح ولا يُصلح، ولا يدعو إلى الله... كلا، بل على المسلم أن يخالط الناس ويُعلِّم الجاهل، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في أُسرته ومجتمعه وفق الضوابط والآداب الشرعية، وأن يكون في مجتمعه وأسرته فردًا إيجابيًّا متفاعلاً، وأن عليه النصح والإرشاد في الدين؛ فإن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: "لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".
واعلموا أنه لا بد للناصح أن يكون أمينًا مخلصًا في نصيحته، رحيمًا في تعليمه، حكيمًا في أسلوبه قاصدًا النفع لا التشهير والإحراج، فإذا فعل ذلك فلا يُعدّ تدخلاً فيما لا يعنيه، بل هو مأجور مشكور على ذلك، قال -تعالى-: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء: 114].
فاتقوا الله -عباد الله-، وكونوا لبنة صالحة في بيوتكم ومجتمعكم، وابتعدوا عن خصوصيات الناس، وكل ما لا يعنيكم ويهمكم وينفعكم في دينكم ودنياكم.
وفَّقنا الله وإياكم لكل خير.
هذا، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم