عناصر الخطبة
1/ قسم الله بالأوقات يبين قيمة الوقت 2/ المواعيد عهود وأمانات 3/ احترام المواعيد سمة من سمات الشخصية الملتزمة 4/ احترام المواعيد وتقدم المجتمع 5/ وسائل علاج ظاهرة إخلاف المواعيد 6/ فوائد الحفاظ على المواعيداقتباس
إن حسن أخلاق العباد رهن باحترام الوقت والميعاد، وإن احترام المواعيد سمة مميزة للمسلم الملتزم، وإن احترام المواعيد من أهم عوامل النجاح في حياة البشر، وللمواعيد المضبوطة أهمية كبرى، وربما توقفت عليها حياة أشخاص ومستقبلهم؛ فكيف لو أن الطبيب تخلف عن موعد مريضه؟! ولو أن الأستاذ تخلف عن موعد طلبته أو محاضرته؟! ولو أن سائق الناقلات تخلف عن موعد السفر؟!
الحمد لله مدبر الليالي والأيام، ومصرِّف الشهور والأعوام، المتفرد بالعظمة والقوة على الدوام، المنزه عن النقائص ومشابهة الأنام، قدَّر الأمُور فأجراها على أحسن نظام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله أفضل الأنام، صلى الله عليه وسلم وعلى سائر آل بيته وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: أقسم الله -عز وجل- بأوقات وأزمنة؛ لما لها من شأن عظيم، فقال سبحانه: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...) [العصر: 1-3]، (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى...) [الضحى: 1، 2]، (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1، 2].
وجعل سبحانه الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورًا، وجعل عدة الشهور اثني عشر شهرًا، ثم حدد -سبحانه وتعالى- لنا مواعيد معه في كل يوم خمسة مواعيد: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) [النساء:102]، وموعدًا مع الله في عيد أسبوعي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) [الجمعة: 9]، وموعدًا سنويًا مع الله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ...) [البقرة: 184]، وموعدًا مع الله مرة في العمر بحج بيته لمن استطاع إليه سبيلاً، وموعد كل إنسان للرحيل: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [يونس: 49].
من هنا -أيها المؤمنون والمؤمنات- يتبيّن لنا أن الحياة ليست عبثًا، والمواعيد عهود وأمانات: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون: 8].
السؤال: كيف نتعامل مع احترام المواعيد فيما بيننا؟! وكيف نريد ممن لا يلتزم بمواعيد خالقه أن يحترم مواعيد المخلوقات؟!
إن حسن أخلاق العباد رهن باحترام الوقت والميعاد، وإن احترام المواعيد سمة مميزة للمسلم الملتزم، وإن احترام المواعيد من أهم عوامل النجاح في حياة البشر، وللمواعيد المضبوطة أهمية كبرى، وربما توقفت عليها حياة أشخاص ومستقبلهم.
فكيف لو أن الطبيب تخلف عن موعد مريضه؟! ولو أن الأستاذ تخلف عن موعد طلبته أو محاضرته؟! ولو أن سائق الناقلات تخلف عن موعد السفر؟! وتخلف قائد الطائرة عن موعد الرحلة؟! إلخ، إذًا لسادت الفوضى وضاع الكثير من الخير، فهل أنت -أيها المسلم- ممن يلتزم باحترام المواعيد بدقة؟!
قال أحد الشعراء:
إذا قلت فـي شيء نعم فأتمه *** فإنَّ نَعَمْ دَيْنٌ على الحر واجب
وإلا فقل لا تسترح وترح بها *** لئلا يقـول الناس إنك كاذب
عباد الله: إن احترام المواعيد وعدم الإخلال بها -إلا بعذر قاهر- يُطمئن الناس بعضهم إلى بعض، ويربي الثقة في عهودهم والتزاماتهم، وقد مدح الله تعالى نبيًا كريمًا بالصدق في الوعد فقال -عز وجل-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً) [مريم: 54]، وعلّق عليها الإمام القرطبي بقوله: "صدقُ الوعد من خُلق النبيين والمرسلين، وخلافه: من أخلاق الفاسقين والمنافقين… كما حثّ صلى الله عليه وسلم على الوفاء بالوعد، وجعل من يخلف الوعد متصفًا بإحدى صفات المنافق، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف" رواه مسلم.
عباد الله: إن احترام المواعيد صفة الأنبياء والمرسلين، والالتزام بها يحفظ الحقوق والأوقات، فتحصل بها المصالح والمنافع.
فكيف -بالله عليكم- تتحقق المصلحة لمن يأخذ موعدًا بالساعة والدقيقة وينتظر الساعات؟! كيف تتحقق مصلحة طلاب علم ينتظرون محاضرة بموعد لا يأتي فيه المحاضر إلا بعد ساعة أو أكثر؟! كيف يمكن أن نطالب الناس بالثقة في من تعودوا منه إهانتهم وتضييع أوقاتهم، وعدم التزامه بالمواعيد؟!
إن عدم الالتزام باحترام المواعيد يشجع العابثين وأصحاب الأهواء، ويثبط عزائم الجادين ويساهم في تخلف المجتمع بأسره، وبذلك يعتبر إخلاف المواعيد مرضًا خطيرًا يتطلب من المخلصين لدينهم ووطنهم التفكير في علاج ناجع، بوسائل منها:
أولاً: التربية الإيمانية.
ثانيًا: المصارحة وعدم المداهنة للذين يخالفون الوعود ويتخلفون.
ثالثًا: تشجيع الملتزمين ماديًا ومعنويًا.
رابعًا: عدم انتظار المتأخرين وإنجاز الأعمال في مواعيدها المحددة.
خامسًا: تحديد المواعيد بدقة.
فاعملوا -عباد الله- على ترسيخ احترام المواعيد بينكم، وربوا عليها أبناءكم، وعلينا -يا أمة القرآن- أن نسترد ما ضاع منا من القيم ليسود الصدق والوفاء، وتعود الثقة إلى النفوس التي لن يتغير حالها إلا بجهد وعزيمة: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد:12].
واعلموا -أيها المؤمنون- أن الوقت غال وثمين، وقد قالوا: "الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك". فكما لا تحب أنن يضيِّع أحد وقتك، فلا تُضيِّع أوقات الآخرين؛ إذ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبكلام سيد الأولين والآخرين، ويغفر الله لي ولكم ولكل عبد قال: آمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى، وعلى آله وأصحابه خير من صدق وأخلص ووفى.
أيها المؤمنون والمؤمنات: إن على الكيّس العاقل أن يعلم أن كلاً منا له موعدان لا يمكن أن يخطئهما، ولا ينفع ندم من لم يعد نفسه لهذين الموعدين: الموعد الأول -بالساعة وبالدقيقة والثانية- هو: موعد الاحتضار وفراق هذه الدنيا، آنذاك يقول من فرط: (رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ) [المنافقين:10]، فيكون الجواب: (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون: 11].
والموعد الثاني: موعد دخول الجنة أو النار، فيقول المفرطون: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [فاطر: 37]، فيكون الجواب: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ) [فاطر: 37].
أيها المسلمون: إن احترام المواعيد يربي الاحترام لوقت بعضنا البعض، ويربي فينا النظام والانضباط، ويجعل لنا مكانًا بين الناس، ونكون مأجورين على ذلك، وقد ربى نبينا صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم على احترام المواعيد والوفاء بالوعود، وهذا عبد الله بن مسعود كان إذا وعد فقال: إن شاء الله ، لم يخلف، وكان عمر -رضي الله عنه- يرتب أموره ليلاً ونهارًا ويقول: "إن نمت الليل ضيعت نهاري، وإن نمت النهار ضيعت رعيتي".
هكذا كانوا فبارك الله أعمارهم وأوقاتهم، وقاموا بأعمال عظيمة في أزمان يسيرة، وعَلمُوا أن سلعة الله غالية، وسلعة الله الجنة، فعملُوا لها وتاجروا وربحوا البيع، نسأل الله أن يجمعنا بهم ويعيننا على الاقتداء بهم، إن الله لا يخلف الميعاد.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم