من ترك شيئا لله

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2022-11-11 - 1444/04/17 2022-11-16 - 1444/04/22
عناصر الخطبة
1/التقوى في القلب كفيلة يترك العبد ما يعارض هوى الله 2/نماذج من الذين تركوا ما يحبون من أجل الله تعالى وكيف عوضهم على ذلك 3/مغبة مزاولة ما حرم الله وعدم تركها لله تعالى 4/الترك لأجل الله تعالى منزلة لا يلقاها إلا موفق قد ملأ الإيمان قلبه طامع فيما عنده.

اقتباس

تَقِيٌّ، أَقامَ لِلْعُبُودِيةِ في القَلْبِ أَرقَى مَقَامٌ، يَدَعُ الأَمرَ والنَّفْسُ تَهْوى ارْتِكَابَهُ؛ ولكنه مِنْ خَشْيَةِ اللهِ يَصبِرُ، كَمْ تَرَكَ لأَجلِ اللهِ مِنْ شَهْوَةٍ! وكَمْ هَجَرَ لأجلِ اللهِ مِنْ مَحبوب! (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ).

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

 

أيها المسلمون: تَقِيٌّ أَدْرَكَ الخيرَ بِالتُّقى، ومَنْ يَتِّقِ الرحمنَ تَعلُو منازِلُه، تَقِيٌّ يَسُوْسُ النَّفسَ لِلطُّهرِ رَاغِباً، ويَسْلُكُ دَرْباً للكَرَامةِ مُوصِلُ، تَقِيٌّ يُجافي الجَنْبَ عَنْ مَضْجَعِ الهَوى، وَيَكْسِرُ قَيْداً لِلهَوَانِ يَقُودُ.

 

تَقِيٌّ، وللتقوى رِجالٌ وعُصْبَةٌ، يَبِيْعُونَ ما يَهْوَوْنَ يَرْجُونَ جَنَّةً، وَمَنْ يَخْطُبِ الحَسْنَاءَ لَمْ يُغْلِها المَهْرُ، تُنازِعُهُم أَهْوَاؤُهُم لِحَضِيْضِها، ويَرْفَعُهُم دِينٌ وتَعْصِمُهُمْ تَقْوى.

 

تَقِيٌّ، أَقامَ لِلْعُبُودِيةِ في القَلْبِ أَرقَى مَقَامٌ، يَدَعُ الأَمرَ والنَّفْسُ تَهْوى ارْتِكَابَهُ؛ ولكنه مِنْ خَشْيَةِ اللهِ يَصبِرُ، كَمْ تَرَكَ لأَجلِ اللهِ مِنْ شَهْوَةٍ! وكَمْ هَجَرَ لأجلِ اللهِ مِنْ مَحبوب! (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ).

 

ومَا تَرَكَ عَبْدٌ شَيْئاً للهِ، إِلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مما تَرَك؛ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).

 

مَا تَرَكَ عَبْدٌ شَيْئاً للهِ، إِلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مما تَرَك، خَرَجَ المُهاجِرونَ مِنْ مَكَةَ إِلى المدينةِ، تَرَكُوا أَمْوَالَهُم وَدِيَارَهُم وأَوطانَهُم، تَرَكُوها لأَجلِ اللهِ، وصارُوا إِلى دارِ غُرْبَةٍ لَيْسَ لَهُم فيها مالٌ ولا أَهلٌ ولا وَلَد، تَرَكُوا طِيْبَ المُقامِ في أَرضِ تَرعرَعُوا في أَكنافِها وأَلِفُوها، وتَحَوَّلُوا إلى شِدَّةِ العَيْشِ في أَرْضٍ نائِيَةٍ لَمْ يكونوا يَعْرِفُوها.

 

تَرَكُوا ما يَهْوَوْنَ لأجلِ الله؛ فَعَوَّضَهُمْ اللهُ في الدُّنيا والآخِرَة، فُتِحَتْ لَهُمْ في الدُّنيا المدائِنُ، وخَضَعَتْ لَهُم فيها الأُمم، ومُلِّكُوْا خَزَائِنَ الأَرْض، ودَخَلُوا مَكَةَ بَعدَ الخَوفِ آمِنين، وبَعدَ الضَعْفِ فاتِحِين، وفي الآخِرَةِ أَعدَّ لَهمْ أَجراً كَرِيماً؛ (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).

 

مَا تَرَكَ عبدٌ شَيْئاً للهِ، إلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مما تَرَك، يُوسُفُ -عليه السلامُ- رَاوَدَتْهُ امرأَةُ العَزيزِ عَنْ نَفْسِهِ وغَلَّقَتْ الأَبوابَ وقَالتْ هَيْتَ لك؛ (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)، وَلَّى نحو البابِ هَارِباً، نَفَرَ مَنْ المَعْصِيَةِ وفَرَّ مِنْ ساحَتِها، تَرَكَ المَيلَ لِلْهَوى لأَجْلِ الله؛ فَهُدِّدَ بالسِّجْنِ إِن لَمْ يَفْعَلْ؛ (قال رَبِّ السِّجْنُ أَحبُّ إِلَيَّ مما يَدْعونَنِيْ إليه)؛ فَلَبِثَ في السِّجْنِ بِضْعَ سِنِين.

 

آثَرَ قَسْوَةَ الحَبْسِ عَلى مُوَاقَعَةِ الذَّنْبْ، وفَضَّلَ ظُلْمَةَ السِّجِنِ على ظُلْمَةِ القَلْب؛ فَعَوَّضَهُ اللهُ في الدُّنيا ذِكْراً طَاهِراً، ومُلْكاً ظَاهِراً، وفي الآخِرَةِ أَعدَّ لَهُ مَقاماً وزُلْفَى؛ (وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).

 

وسُلَيْمانُ -عليه السلام- آتاهُ اللهُ مُلْكاً، وَكَانَتِ الخَيلُ أَحَبَّ مَالِهِ إِليه؛ فَعُرِضَتْ عَلَيْهِ في وَقْتِ العَشِيِّ، الخَيلُ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ. -كَرائِمُ الخَيلِ ونَفائِسُها- تُعْرَضُ عليه أَرْسالاً مُتتاليةً، حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وتوارَتْ بالحجابْ؛ فَتَفَطَّنَ -عليه السلام- أَنْه لَمْ يُصَلِّ العَصْرَ والشَّمْسُ قَدْ غَرَبَتْ؛ فَتَأَلَّمَ لِذلِك؛ (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ)، رُدَّتِ الخَيلُ فَجَعَلَ يَعْقِرُها بِسَيْفِهِ، يَضْرِبُها في سُوْقِهَا وأَعناقها أَنْ أَنْسَتْهُ صَلاةَ العَصْرِ حَتَّى خَرَجَ وَقتُها؛ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ لأَجْلِ لله، عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مِنَ الخَيْلِ، قال اللهُ: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ)، سَخَّرَ اللهُ لَهُ الرِّيْحُ تَحمِلُه وتَجْرِيْ بِهِ سَرِيْعَةً حَيْثُ أَرادْ، تَقْطَعُ في وَقتِ الغُدُوِّ ما يَقطَعُهُ الخيلُ الْمُسْرِعُ في شَهرٍ كامِلْ؛ (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ).

 

ومَا تَرَكَ عبدٌ شَيْئاً للهِ، إلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مما تَرَك؛ (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)، يَبِيْعُوْنَ للهِ أَغْلَى ما يَمْلِكُون؛ فَيُعَوِّضُهُمُ اللهُ أَكْرَمَ مما يَرْجُون، يَتْرُكُونَ للهِ ما يَشْتَهونْ؛ فَيَعطِيْهُمُ اللهُ أَكْرَمَ ما يُوعَدُون.

 

يُجاهِدُونَ النَّفسَ على تَرْكِ الَهوَى لأَجلِ الله؛ فَيَكْفِيْهِمُ اللهُ الشَّدَائِدَ وَيُفَرِّجُ لَهم الكُرُوب، وَيَدْفَعُ عَنْهُمُ المَصَائِبَ، ويَتَولاهُم في الخُطُوْب.

 

شَابٌّ مُغْرَمٌ بِحُبِّ فَتاةٍ، والفَتاةُ ذاتُ تَقْوى وَدِيْنٍ، شُغِفَ الفَتى بِحُبِها وهَام؛ فَلمَّا تَمَكَنَّ منها واقتَدَرَ عليها، خَوَّفَتْهُ الفَتاةُ باللهِ؛ فخافَ اللهَ وانْثَنَى وقام، جاءَ خَبَرُهُ في حَدِيْثِ الثَّلاثةِ الذين انطَبَقَتْ عليهم الصَّخرة في الغار؛ "فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا الله تعالى بصالح أَعْمَالكُمْ"؛ فَدَعوا، فقالَ الشَّابُ في دُعائِه: "اللَّهُمَّ إِنَّهُ كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمَّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِليَّ، فأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسِهَا، فامْتَنَعَتْ منِّي، حَتَّى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ -أَي أصابَتها حاجَةٌ شديدةٌ-؛ فَجَاءتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفعَلَتْ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قالتْ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَانصَرَفْتُ عَنْهَا وَهيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أعْطَيتُها، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فيهِ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ. الحديث"(متفق عليه).

 

تَغَلَّبَ عَلَى شَهوةٍ ثَائِرَةٍ، وتَركَ الفِعْلَةَ الحَرَامَ والنَّفسُ تَهوى وتَتَّقِد؛ فَجاءَهُ مِنَ اللهِ العِوَضْ؛ فَرَجٌ مِنْ شِدَّةٍ لا فارِجَ لها إلا الله؛ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)، وعِوَضُ الآخِرَةِ أَعظَمُ وأَكْرَم؛ (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ).

 

بارك الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: مَا تَرَكَ عبدٌ شَيْئاً للهِ، إلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مما تَرَك، كَمْ تَلُوُحُ أَمامَ النَّفسِ مِنْ فِتنَةٍ! وكَمْ تَعْرِضُ لها مِنْ شَهْوَة! وكَمْ يَبْرُزُ لها مِنْ مَطْمَعٍ! وكَمْ يمِيلُ بِها مِنْ هَوى! كَمْ تَتَعَلَّقُ النَّفسُ بِعَمَلٍ مُنْكَرٍ تَهواهُ أو مَكَانٍ مَشْبُوهٍ تأَلَفُه، أَو مَجْلسِ سُوءٍ تأَنَسُ بِه، أَو نَظَرَاتٍ للحرامِ تُغالِبُها، أَو سماعٍ لِلمعازِفِ تُطْرِبُها!

 

كَمْ تَتَعَلَّقُ النَّفسُ بأَسْفارٍ إلى الآثام، وبِتِجَارَةٍ فيها كَسْبٌ مِنْ حرام! كَمْ تَتَعَلَّقُ النَّفسُ بِمَشْرُوبٍ مُحَرَّمْ تُدْمِنُ عليه!

 

كَمْ تَتَعَلَّقُ النَّفسُ بِحُبٍّ وعِشْقٍ وغَرام، يَسْلِبُ القَلْبَ ويُوهِنُ الدِّين، ويَقْلِبُ الإيمانَ ويَهدِمُ الفَضِيلَة! كَمْ تَتَعَلَّقُ النَّفسُ بأَمرٍ، ضَرَرُهُ عليها ظاهِرٌ وخَطَرُه عليها مُحَقَّق!

 

وأَمامَ مُحاوَلَاتِ الفِكاكِ والتَّرْكِ والتَّخَلِّي، تَخُورُ عَزَائِمُ، وتَضْعُفُ إِرادَات، ولا يَقْوَى على التَّرْكِ للهِ، إِلا مَنْ وَقَّرَ اللهَ وعَظَّمَه، وأَحَبَّ اللهَ وأَجَلَّه، وخافَ اللهَ وخَشِيَه.

 

لا يَقْوى على التَّرْكِ لله، إِلا مَن التَجأَ إلى رَبِهِ وتَضَرَّعَ إليه، واسْتَعانَ بَهِ وتَوَكَّلَ عليه لا يَقْوى على التَّرْكِ لله، إِلا مَنْ اسْتَشْعَرَ موقِناً أَنَّ عِندَ اللهِ ثواباً مَوفوراً، وعند اللهَ عوَضاً للصابِرِين، وأَن اللهَ هو المعبودُ الحَقّ، وأَنه هوَ الرَّبُّ المُطاع، وأَنه هو مالِكُ المُلك، وأَن طاعَتَهُ هِيَ أَعظَمُ غايَة، وأَن تَرْكَ ما لا يَرْضاهُ هِوَ أَجَلُّ عِبادَة، وأَن الإِصْرارَ على الخطِيئةِ مُوجِبٌ للمَقْت، مُورِثُ لِسوءِ الخاتِمة، وأَنَّ إيثارَ رِضا اللهِ موجِبٌ للرحمةِ، مُورِثٌ لُحسْنِ العاقِبَة، وأَنَّ حَقِيْقَةَ الإيمانِ لا تَتَحَققُ إلا بِصِدْقِ الانقيادِ لله؛ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا).

 

مَا تَرَكَ عبدٌ شَيْئاً للهِ، إلا عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً منه، واللهُ أَكرَمُ مَنْ أَنْ يَرَى عَبدَهُ يَدَعُ ما تَهواهُ نَفسُهُ لأَجلِه، ثُم لا يُعَوِّضُهُ أَكْرَمَ مِمَّا تَرَك؛ قَالَ ابنُ القَيِّمِ -رحمه الله-: "والعِوَضُ مِن اللهِ أَنْواعٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَجَلُّ ما يُعَوِّضُ بِهِ: الأُنْسُ بِاللهِ وَمَحَبَّتُهُ، وَطُمَأَنِيْنَةُ القَلْبِ بِه، وَقُوَّتُهُ وَنَشَاطُهُ وَفَرَحُهُ وَرِضَاهُ عَنْ رَبِّهِ تعالى" ا.هـ

 

وأَكثَرُ الناسِ أُنْساً، وأَعظَمُهُم سُرُوراً، مَنْ تَرَكَ أَمْرَاً يَهواهُ، طَمَعاً في عَطاءِ مَولاه، هَجَرَ الْمُوَفَّقُ لَذِيْذَ الرُّقَادِ، وَقَامَ يُناجِي اللهَ في لَيْلٍ بَهيْم، تَرَكَ ما يَهوى لأَجْلِ الله، تَرَكَ مَضْجَعاً وَثِيْراً، وقامَ يُصَلّي ويَتَهجدُ، ويَتْلُو وَيَتَضَرَّعْ، يَرْجُوْ مِنَ اللهِ فَضْلاً، يَرْجُو مِن اللهِ جَنَّة؛ (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، واللهُ أَكْرَمُ بالجزاءِ وأَعظَمُ؛ قال اللهُ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، تَرَكُوا لأَجْلِ اللهِ ما يُحِبُّون، فأَعطاهُمُ أَعظمَ مما يَرْجُون.

 

فَكَيْفَ يَلْحَقُ مَنْ خانَتْهُ هِمَّتُهُ، وفَرْضُ الفَجْرِ لَمْ يأَتِ إِلَيْهِ؟! يَنامُ عَن الصَّلاةِ مِلءَ جُفُونِهِ، ولا يَنْهَضْ إِذَا نَادَى المُنادِي، هَواهُ يَهْوِي بِهِ، لا رُوحَ تُوْقِظُهُ، واللهُ عَدْلٌ سَيَجْزِي العبدَ ما عَمِلَ؛ (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ)، نَهى نَفْسَهُ وكَفَّها عما تَهوى؛ فكانَتْ لَه جَنَّةُ المأَوى.

 

اللهم .

المرفقات

من ترك شيئا لله.pdf

من ترك شيئا لله.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات