عناصر الخطبة
1/الحكمة من تحريم الخمر 2/حكم الخمر واستجابة المؤمنين لحكم الله 3/أضرار الخمر والمخدرات 4/عقوبات تعاطي المخدرات 5/خمر الجنة لمن ترك خمر الدنيااقتباس
إن النهاية الحتمية لمتعاطي هذه المنشطات إما الموت المبكر، أو السجون، أو المستشفيات النفسية، ناهيك عن تدمير أسرته، وطلاق زوجته، وضياع الأولاد، والفصل من العمل، والعزلة الاجتماعية، وغيرها من النهايات الشقية لمن عصا ربه، وأطاع شيطانه، وتأثر...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: لا شك أن نِعَم اللهِ -عز وجل- على الإنسان لا تُعد ولا تحصى، يقول -سبحانه-: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إبراهيم:34]، ومن هذه النعم تكريم الله -عز وجل- لبني آدم، يقول -جل وعلا-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء:70].
وهذا التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، فمن هنا جاء الشرع المطهّرُ بحفظ العقل؛ بل كان ذلك من أعظم مقاصده، إضافة إلى حفظ الدين والنفس والمال والعرض، ونهى الشرع الحنيف عن الإخلال بالعقل، بل رتَّب العقوبة على ذلك؛ لأن الإنسان بلا عقل دابة لشهَواته تقوده يمينًا وشمالاً، تحركه إلى الأمام والخلف، وتلقي به في مهاوى الردى.
ومن هذا المقصد انطلق تحريم الخمر؛ لأن الشريعة جاءت لجلب المصالح، مصالح العباد، ودرء المفاسد عنهم، وأصل المصالح حفظ العقل، كما أن أصل المفاسد ذهابه، فمنعت الشريعة من كل ما يُذْهبه ويشوش عليه، وحتى لو قال مَن قال: سأشرب قليلاً لا يُسكِر، فقد جاء في الحديث عن جابر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام".
ولما كان الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة والبراءة من المعاصي، فإن الصحابة الكرام لما سمعوا قول الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة:90]، تركوا هذه الشهوة التي ألِفتها النفوس، فكُسرت الدِّنان، وأُريقت الخمور حتى جرت في سكك المدينة -رضي الله عنهم وأرضاهم-.
أيها المسلمون: تحريم الخمر من أعظم نعم الله -عز وجل-؛ وإلا كيف يمكن أن نتصور حال المجتمع الإسلامي لو لم يحرِّم الله الخمر؟ كيف سيكون حال الناس في الفسوق والفجور والإجرام والعقوق والحوادث، إلى آخر ما تعاني منه الشعوب الكافرة اليوم من جرائمَ وحوادثِ سيرٍ وانتحار وتفكُّك أسري، وأمراض بدنية ونفسية وغير ذلك؛ فلله الحمد أن اصطفى لنا الإسلام دينًا.
عباد الله: إن المخدرات التي ظهرت في هذا الزمان قد أجمع العلماء على إلحاقها بالخمر لاستواء العلة الجامعة؛ بل هي أشدُّ خطراً من الخمور باتفاق الأطباء والعقلاء، بل وعامة الناس، ويستدل على إلحاقها بالخمر ما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال، قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل مُسكر خمر، وكل مُسكر حرام".
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن كل مُسكر ومُفتِّر"(رواه أبو داود).
والمفتِّر هو ما يجعل الأعضاء تتخدر وترتخي، وهذه العلة موجودة في المخدرات، وموجودة في المنشطات بعد زوال مفعولها، والعبارة بالمعاني لا بمسميات أهل الفسوق في كل زمان ومكان، فعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليشربَنَّ ناسٌ من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها".
أيها المسلمون: إن مضار الخمر والمخدرات والمنشطات أكثر من أن تُحصر؛ فمن مضارها الدينية أن شارب الخمر يبتعد عنه وصف الإيمان حال تناولها، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"(رواه أبو داود).
وهي مفتاح كل شر كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "ولا تشرب الخمر، فإنها مفتاح كل شر"(رواه ابن ماجه).
وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهي مفتاح الزنا والقتل والسرقة للحصول على المال، وهي الطريق إلى الانتحار وسبب العقوق والحوادث المرورية وإهمال الزوجة والأولاد والوظيفة، إلى آخر ذلك من الشرور التي لا يحيط بها إلا الله -عز وجل-.
وهي رجسٌ من عمل الشيطان، من أعظم ما يؤجِّج العداوة والبغضاء بين المؤمنين، ومن أعظم ما يصدُّ عن ذكر الله -تعالى- وعن الصلاة، كما في الآية التي ذكرت من قبل، وفي الآية التالية لها: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة:91]؛ ومَن تأمَّلَ حال المدمنين، وبُعدهم عن الذكر والصلاة، وما يحدث بينهم من جرائم بسبب المخدرات، علم جيداً معنى هذه الآية.
أيها الإخوة: إن مشكلة شر الخمور وتعاطي المخدرات وغيرها من الحبوب المنشطة قد أصبحت من أخطر المشاكل الصحية والاجتماعية والاقتصادية في عالمنا العربي والإسلامي، خاصة أن أغلب ضحايا المسكرات ممن هم في سن الشباب والإنتاجية، علاوة على مشاكلها الأخرى الدينية والصحية والاجتماعية والاقتصادية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن انتشار المخدرات بأنواعها بين شباب أمتنا أمرٌ مخطَّط له، ويستهدف تخريب الأمة اجتماعياً وأخلاقيا واقتصادياً، وهذا المتعاطي المسكين المدمن يفرط في أعز ما يملكه الإنسان، يفرط في عقله وفي دينه وصحته وحياته، ومع الإفراط في الاستخدام تدمر هذه الحبوب جهاز المناعة في الإنسان، وتؤدي إلى ظهور حالات من الهلوسة السمعية والبصرية واضطراب الحواس؛ فيتخيل أشياء لا وجود لها، وقد تظهر عليه أعراض تشبه مرض الانفصام، وينتابه شعور بالاكتئاب والبكاء بدون سبب، ويبدأ الشك في الآخرين؛ مما يسبب مشاكل عائلية واجتماعية للمتعاطي.
كل هذا بجانب الأضرار المادية، والتكاليف الباهظة لهذه المخدرات، التي تُلجئ المتعاطي إلى بذل كل ما في يديه من مال لتجار المخدرات، ثم يلجأ بعد ذلك للاستدانة من الأهل والأصدقاء، فلا يبقى أحد إلا استدان منه، فإن لم يجد مالاً وصل به الحال إلى ارتكاب الجرائم للحصول على هذه الحبوب؛ فإما أن يعمل مروجاً تابعاً لهؤلاء التجار، أو سارقاً، أو نحو ذلك.
نسأل الله السلامة والعافية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
عباد الله: إن الله -تعالى- أعد لمتعاطي المخدرات والخمور عقوبات دنيوية وأخروية؛ منها: اللعن والطرد من رحمة الله، ففي صحيح الجامع عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أتاني جبريل فقال: يا محمد، إن الله -عز وجل- لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها، وشاربها وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها ومبتعاها، وساقيها ومستقيها".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مدمن الخمر كعابد وثن"(رواه أحمد وغيره).
ومن عقوباتها ما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أربعة حق على الله ألا يدخلهم الجنة ولا يُذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه".
وكذلك من عقوباتها ما جاء عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن شرب الخمر وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، وإن مات دخل النار، فإن تابَ تاب الله عليه؛ وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل صلاة أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تابَ الله عليه؛ فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تابَ الله عليه، فإن عاد كان حق على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة". قالوا: يا رسول الله! وما ردغة الخبال؟ قال: "عصارة أهل النار"، نسأل الله العفو والعافية والسلام.
عباد الله: لقد أعد الله -تعالى- في الآخرة لعباده المتقين اللذين طهروا أنفسهم من هذه الشهوات المحرمة لوجهه الكريم بديلاً طيباً، يقول -تعالى-: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ...)[محمد:15]. اللهم إنا نسألك من فضلك.
قال ابن كثير -رحمه الله- في قوله -تعالى- (وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ): أي: ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا؛ بل حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل، أي الأثر، قال -تعالى-: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا)[الإنسان:5-6]، ويقول -جل وعلا- (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا)[الإنسان:17].
كل ذلك وغيره مما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر، أعده الله -عز وجل- لمن اتقاه وأطاعه؛ فمن ابتلي أو من يعرف أحداً ابتلي بهذه الكبيرة فليبادر إلى الإقلاع قبل فوات الأوان، وليبادر إلى نصح من يعرفه؛ فإن الموت لا موعد له، وأَولى ما يدخر له من الراحة القبر، فإن من ورائنا رقدة في القبر صباحها يوم القيامة. نسأل الله حسن الختام.
هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم