من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟

الشيخ خالد الكناني

2025-01-03 - 1446/07/03 2025-01-16 - 1446/07/16
عناصر الخطبة
1/سؤال مهمّ وخطير 2/موقف الحساب يوم القيامة 3/وجوب تحري الكسب الحلال وتجنب الكسب الحرام 4/وجوب المحافظة على الأموال العامة 5/ أضرار الفساد والتعدي على المال العام 6/تربية الأبناء على الورع وتجنب الحرام.

اقتباس

من أضرار الفساد والتعدي على المال العام: تضييع مصالح الناس، وهدم القِيَم الأخلاقية النبيلة، وعدم أداء المسؤولية المناطة به، وتدنّي مستوى الخدمات، وضعف الإنتاجية في العمل، وتقديم المصالح الشخصية على العامة، وهو سلوك منحرف، عاقبته وخيمة...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله ربّ العالمين؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أما بعدُ: أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى- في السر والعلن، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أيها المسلمون: سؤال مهمّ وخطير جدًّا، سيُوجَّه إليك للإجابة عنه، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، وتحتاج إلى إجابة مُوفَّقة ومُسدَّدة -بعد توفيق الله-، والاستعداد لهذه الإجابة يبدأ من هنا من الحياة الدنيا قبل الرحيل، إليك السؤال ومتى سيكون هذا السؤال؟

 

عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ".

 

في هذا الحديث أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يجاوز أحدٌ مِن الناس موقف الحساب يوم القيامة إلى جنة أو نار حتى يُسأل عن هذه الأمور، ومنها عن ماله؛ من أين اكتسبه؟ أمن حلال أم حرام؟ وفيم أنفقه؟ أفي طاعة أم في معصية.

 

فاتقوا الله -أيها المسلمون- واحذروا الكسب الحرام، وركزوا على الكسب الحلال والمال الحلال، واحذروا كذلك من صرف أموالكم في الحرام، أو إنفاقها في معاصي الله وما لا يرضاه الله.

 

أيها المسلمون: إنَّ مِن النعم العظيمة التي أنعم الله بها علينا في بلادنا المباركة الطيبة: نعمة المال العام، والواجب علينا تجاه المال العام المحافظة عليه والحصول عليه وكسبه بالطرق الحلال التي أحلها الله -تعالى-، قال تعالى: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ)[المائدة: 88].

 

إن من الواجب علينا أن نتخلق بقيمة الأمانة تجاه المال العام الذي أمرنا الله -تعالى- بها، قال -تعالى-: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب: 72].

 

ومن الأمانة: البعد كل البعد والحذر من التعدي على المال العام بالتبديد أو التفريط أو باستغلال العمل والوظيفة في غير ما خُصِّص له؛ فعَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا، فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

 

وعَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: "إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ"، والمراد بقوله: "يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ"؛ أي: التخليط في المال وتحصيله من غير وجهه كيف ما أمكن، وذلك أن بعض العمال يتصرفون في المال العام بغير وجه حق، فلهم النار يوم القيامة، إلا أن يتوبوا ويردوا الحقوق إلى أهلها.

 

وقد أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه سيكون في آخر الزمان أقوام لا يبالون فيما دخل عليهم من المكاسب والأموال؛ أمن حلال أم من حرام، أم من كسب طيب أم من خبيث، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ".

 

وفي هذا الخبر من النبي -صلى الله عليه وسلم- تحذير من أن يقع الانسان في هذا المسلك المشؤوم، ويدخل في ذلك الربا والرشاوى وأكل المال العام بغير حق، وغير ذلك من أوجه الكسب المحرم. ومن الأمانة: التخلق بقيمة النزاهة والتعفف عن أكل المال حرامًا، والحرص كل الحرص على الحلال.

 

أيها المسلمون: لقد حذرنا الله -تعالى- من الإفساد في الأرض بكل صوره، ومن الإفساد في الأرض: أكل المال العام والخوض فيه، والتحايل من أجل الحصول عليه بطرق غير مشروعة، قال -تعالى-: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف: 56]، وقال -تعالى-: (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[الأعراف: 85].

 

واليك بعض من أضرار الفساد والتعدي على المال العام، ومنها:

تضييع مصالح الناس، وهدم القِيَم الأخلاقية النبيلة، وعدم أداء المسؤولية المناطة به، وتدنّي مستوى الخدمات، وضعف الإنتاجية في العمل، وتقديم المصالح الشخصية على العامة، وهو سلوك منحرف، عاقبته وخيمة، وعقوبة المال الحرام على صاحبه النار، والعياذ بالله.

 

 قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ! إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ"(مسند أحمد مخرجًا: 22/ 332).

 

 أيها المسلمون: لنعلم أن المال العام تجب حمايته وعدم أخذه والاعتداء عليه بأيّ صورة من صور الأخذ الظالم؛ قال -تعالى-: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[آل عمران: 161].

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله، واحرصوا على تهذيب أنفسكم وتربية أولادكم على الورع، والحذر من أخذ شيء ليس لكم ولا لهم فيه حق، وهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعلِّم حفيده الحسن بن علي -رضي الله عنهما- الورع وهو صغير، ويمنعه من أكل مال الصدقة والذي لا يحل على أهل البيت، فعن أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: أَخَذَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "كِخْ كِخْ"؛ لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قَالَ: "أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ".

 

أيها المسلمون: إن علينا أن نتعاون على البر والتقوى، قال -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2]، وإن من التعاون المثمر للفرد والجماعة، المحافظة على الممتلكات العامة، وعلى هذه المنجزات والمكتسبات، والتي يعود نفعها على جميع أفراد المجتمع، ولنربِّ أنفسنا وأبناءنا على الكسب الطيب، والعفاف والورع، ولْنشكر المولى -جل وعلا- على هذه النعم؛ فبالشكر تزيد ويبارك فيها، قال -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[سورة إبراهيم: 7].

 

وعلينا أن نؤدي الأمانة كما يجب، ولنكن عينًا أمينة متعاونة مع أجهزة الدولة فيما يحقق المصلحة العامة للعباد والبلاد، ولنحذر من الاعتداء والتسلط على المال العام أو التعاون مع من يعتدون عليه، وليسعَ المسلم أن تكون حياته قائمة على الحلال ليُكْتَب له القبول في الأرض والنجاة يوم القيامة.

 

فقد جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[المؤمنون: 51]، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)[البقرة: 172]؛ ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟".

 

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يُطيّب كسبنا، وأن يُصْلِح حالنا، وأن يرزقنا وإياكم تقواه وخشيته إنه سميع قريب مجيب.

 

هذا وصلوا وسلموا -عباد الله- على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

المرفقات

من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟.doc

من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات