عناصر الخطبة
1/ ماهية الحكمة وضابطها 2/ أسعد الناس بالحكمة 3/ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قدوة الحكماء 4/ بعض صور حكمة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة 5/ الحث على التحلي بالحكمةاقتباس
إنَّ أَسعَدَ النَّاسِ بِالحِكمَةِ هوَ أعظَمُهُم وأَكمَلُهُم مَعرِفَةً بِسَيِّدِنَا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, فَمَن عَرَفَهُ حقَّ المَعرِفَةِ, وآمَنَ بهِ حقَّ الإيمانِ, وانقادَ لهُ ظَاهِراً وباطِنَاً حقَّ الانقيَادِ, وأَطاعَهُ فيمَا أَمَرَ, واجتَنبَ عمَّا نَهَى عنهُ وزَجَرَ, وجَانَبَ الأهواءَ والعَواطِفَ, فقد لَبِسَ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: لَيستِ الحِكمَةُ في أَن يُمَيِّزَ الإِنسانُ بينَ الخَيرِ والشَّرِّ, ولَيستِ الحِكمَةُ في أَن يُمَيِّزَ الإِنسانُ بينَ الضَّلالِ والهُدى, ولَيستِ الحِكمَةُ في أَن يُمَيِّزَ الإِنسانُ بينَ المَعروفِ والمُنكَرِ.
الحِكمَةُ هيَ أَن يَعرِفَ الإنسانُ أيَّ المَنفَعَتينِ أَعظَمُ فَيأتِيهَا, وأيَّ الضَّرَرَينِ أَشَدُّ فَيَدرَأُ الأشَدَّ بِالأَضعَفِ.
والطَّبيبُ مَا سُمِّيَ حَكِيمَاً إلَّا لأنَّهُ يَعرِفُ كيفَ يُعالِجُ الدَّاءُ؛ لأنَّ الطَّبيبَ الذي يَعرِفُ الدَّاءَ بدُونِ مَعرِفَةِ العِلاجِ لا يُسمَّى حَكِيماً, فَالحَكيمُ هو الذي يَضَعُ الأُمُورَ في مَحَلِّهَا.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: إنَّ أَسعَدَ النَّاسِ بالحِكمَةِ هوَ أَكمَلُهُم إِيمانَاً بِسَيِّدِنَا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, الذي أَرسَلَهُ اللهُ -تعالى- للنَّاسِ: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) [الجمعة: 2].
إنَّ أَسعَدَ النَّاسِ بِالحِكمَةِ هوَ أعظَمُهُم وأَكمَلُهُم مَعرِفَةً بِسَيِّدِنَا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, فَمَن عَرَفَهُ حقَّ المَعرِفَةِ, وآمَنَ بهِ حقَّ الإيمانِ, وانقادَ لهُ ظَاهِراً وباطِنَاً حقَّ الانقيَادِ, وأَطاعَهُ فيمَا أَمَرَ, واجتَنبَ عمَّا نَهَى عنهُ وزَجَرَ, وجَانَبَ الأهواءَ والعَواطِفَ, فقد لَبِسَ الحِكمَةَ, وتَدَرَّعَ بِأعظَمِ دُرُوعِ العِصمَةِ, وبِذلِكَ يَكونُ أَهلاً للصَّلاحِ والإِصلاحِ, ويَكُونُ بِذلِكَ أهلاً لأَنْ يكونَ خَليفَةَ اللهِ -تعالى- في الأَرضِ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: إنَّ سَيِّدَنَا رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- هوَ القُدوَةُ الحَسَنَةُ للدُّعاةِ الحُكَمَاءِ, فقد جاءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ليُعَلِّمَ النَّاسَ الحِكمَةَ بِقولِهِ وفِعلِهِ, وقد كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُلازِمُ الحِكمَةَ في جميعِ أُمُورِهِ, وخَاصَّةً في الدَّعوَةِ إلى اللهِ -تعالى-, وهذا مِن فَضلِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- عليهِ, وعلى أُمَّتِهِ وأتباعِهِ خَاصَّةً.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: مِن فَضلِ اللهِ -تعالى- على سيِّدِنَا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: أَن أرسَلَ إليهِ جِبريلَ -عليهِ السَّلامُ- فَشَقَّ صَدرَهُ الشَّريفَ، وأَخرَجَ قَلبَهُ الطَّاهِرَ، فَغَسَلَهُ بِمَاءِ زَمزَمَ, ثمَّ أَفرَغَ فيهِ طِستَاً من ذَهَبٍ مُمتَلئاً إِيمانَاً وحِكمَةً.
فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إمامٌ لِمَن أَرادَ الحِكمَةَ مِنَ المُؤمِنينَ وغَيرِهِم, وإِن كانَ إِمَامَاً لِلأَنبِيَاءِ والمُرسَلينَ -عليهِمِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: ونحنُ نَعيشُ في هذِهِ الأزمَةِ القاسِيَةِ يَجِبُ عَلينَا أن نَتَعَرَّفَ على حِكمَةِ سَيِّدِنَا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- في الدَّعوَةِ إلى اللهِ -تعالى-؛ لأنَّ الحِكمَةَ لَيسَت مَقصُورَةً في قولِ القَائِلِ: "هذا مَعرُوفٌ", وهذا مُنكَرٌ, ولكنَّ الحِكمَةَ والرُّجُولَةَ والقُوَّةَ في تَخلِيصِ صَاحِبِ المُنكَرِ مِن مُنكَرِهِ؛ لِأنَّا أُمَّةٌ أُخرِجنَا للنَّاسِ كافَّةً, قالَ تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110].
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: إذا كُنتُم آمِرِينَ بِالمَعرُوفِ, ونَاهِينَ عنِ المُنكَرِ, فَتَعلَّمُوا لِذلِكَ الحِكمَةَ من سيِّدِنا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, وإليكُم نَموذَجَينِ من حِكمَتِهِ في الدَّعوةِ:
النَّموذَجُ الأوَّل: "لَا تُزْرِمُوهُ":
روى الإمام مسلم عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضيَ الله عنهُما- قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "مَهْ, مَهْ". قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تُزْرِمُوهُ, دَعُوهُ" فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ, ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- دَعَاهُ. فَقَالَ لَهُ: "إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ, إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-, وَالصَّلَاةِ, وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ".
هذا الأعرابيُّ فَعَلَ الذي فَعَلَ في حَضرَةِ سّيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, وفي حَضرَةِ أصحابِهِ الكِرامِ -رضيَ الله عنهُم-, وعندما زَجَرَهُ الصَّحابَةُ -رَضِيَ اللهُ عنهُم- نَهاهُم سَيِّدُنَا رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, وأَمَرَهُم أن لا يَقطَعُوا عليهِ بَولَهُ؛ لأنَّ ذلِكَ قَد يَضُرُّهُ, والأمرُ قد وَقَعَ, ثمَّ عَلَّمَهُ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- حُرمَةَ المَسجِدِ.
ما هيَ النَّتيجَةُ؟
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: كانَ مِن نَتيجَةِ هذِهِ الحِكمَةِ: أَن ضَمَّ الأَعرابيُّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- إلى صَدرِهِ, وقال: اللهُمَّ ارحَمنِي، وارحَم مُحَمَّدَاً، وَلَا تَرحَم مَعَنَا أَحَداً, فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعاً" [رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-].
نَعَم, لَقد أَخرَجَ الصَّحبَ الكِرامَ من دُعائِهِ, لِمَا وَجَدَ منهُم مِنَ الشِّدَّةَ والقَسوَةِ, وكَادُوا أَن يُنَفِّروهُ.
النَّموذَجُ الثَّاني: "ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا":
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقَد فَقَدنَا الحِكمَةَ في الدَّعوَةِ إلى اللهِ -تعالى-, لقَد نَسينَا أَنَّا أُخرِجنَا لِلنَّاسِ كافَّةً مِن أجلِ دَعوتِهِم إلى اللهِ -تعالى-, لَقَد ظَنَنَّا أنَّ الرُّجولَةَ والبُطُولَةَ أن نقولَ: "هذا مَعرُوفٌ", وهذا مُنكَرٌ, مَعَ أَنَّنَا نَعلَمُ بأنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ, والحَرامَ بَيِّنٌ, حتَّى قالَ بَعضُهُم: "القِطُّ يَعرِفُ الحَلالَ منَ الحَرامِ".
النَّاسُ يَعرِفُونَ الحَلالَ حلالاً, والبعضُ لا يأتِيهِ, ويَعرِفُونَ الحَرامَ حَرامَاً, والبعضُ يأتِيهِ, يَعرِفونَ المُنكَرَ مُنكَرَاً, والبعضُ يأتِيهِ, ويَعرِفُونَ المعرُوفَ مَعرُوفَاً, والبعضُ لا يأتِيهِ.
النَّاسُ اليَومَ يَحتَاجُونَ إلى أُسلُوبٍ لِتَخلِيصِهِم مِنَ المُنكَرِ الذي أَلِفُوهُ, ويَحتَاجُونَ إلى أُسلُوبٍ لِتَحبِيبِ المَعرُوفِ إلى قُلُوبِهِم الذي هَجَرُوهُ، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: "إِنَّ فَتَىً شَابَّاً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ, ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا؟ فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ, قَالُوا: مَهْ, مَهْ. فَقَالَ: "ادْنُهْ" فَدَنَا مِنْهُ قَرِيباً, قَالَ: فَجَلَسَ. قَالَ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟" قَالَ: لَا واللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟" قَالَ: لَا واللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ" قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟" قَالَ: لَا واللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟" قَالَ: لَا واللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟" قَالَ: لَا واللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ". قَالَ: فَوَضَعَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ, وَطَهِّرْ قَلْبَهُ, وَحَصِّنْ فَرْجَهُ" فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: انظُرُوا إلى كَلِمَةِ سَيِّدِنَا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- النَّابِعَةِ مِن قَلبٍ شَفُوقٍ رَحِيمٍ, مِن قَلبٍ يُرِيدُ الخَيرَ والفَلاحَ لِلنَّاسِ جَميعَاً, يُرِيدُ تَخليِصَ العَاصِينَ مِن عِصيَانِهِم, يُرِيدُ أن يُحَبِّبَ إلى القُلُوبِ الطَّاعَاتِ, ويُكَرِّهَ إليهَا المَعاصِي والمُنكَراتِ, فقالَ لهذا الشَّابِّ: "ادْنُهْ" لِيُخَلِّصَهُ منَ المُنكَرِ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: أَنا واثِقٌ واللهِ بأنَّ هذا الشَّابَّ دَنَا قَلبُهُ مِن سيِّدِنَا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قبلَ أن يَدنُوَ جَسَدُهُ عندما قال لهُ: "ادْنُهْ" ولَمَّا دَنَا من سيِّدِنَا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- لَم يقُل لهُ سَيِّدُنَا رسول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- هذِهِ كَبيرَةٌ منَ الكَبائِرِ, وما تَلَا عليهِ قولَ اللهِ -تعالى-: (وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) [الفرقان: : 68 - 69].
ولم يَقُل لهُ: إِن زَنَيتَ رَجَمنَاكَ إَن كُنتَ مُحصَنَاً وإلَّا جَلَدنَاكَ، بل حَرَّرَ لهُ عَقلَهُ مِن قُيودِ الشَّهوَةِ عندما ذكَّرَهُ بِمَحَارِمِهِ, ثمَّ دَعَا لهُ سَيِّدُنَا رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- بِتِلكَ الدَّعواتِ, لِذلِكَ جاءَتِ النَّتيجَةُ كما ورد في كتاب الشفَا: كَمَا قالَ هذا الشَّابُّ: دَخَلتُ على النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, ومَا شَيءٌ على وَجهِ الأَرضِ أَحَبَّ إليَّ مِنَ الزِّنَا، وَخَرَجتُ مِن عِندِهِ, وَلَا شَيءَ أَبغَضُ إِلَيَّ مِنَ الزِّنَا.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: الحِكمَةَ الحِكمَةَ, كُلُّ واحِدٍ فيكُم داعٍ إلى اللهِ -تعالى-, كُلُّ واحِدٍ فيكُم مُمَثِّلٌ عن سيِّدِنَا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, أُناشِدُكُمُ اللهَ -تعالى- أن تُعطُوا الصُّورَةَ الحَسَنَةَ عن إيمَانِكُم بهذَا الحَبيبِ الأَعظَمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- الذي جاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ الحِكمَةَ, أُناشِدُكُمُ اللهَ -تعالى- أن لا تُنَفِّرُوا النَّاسَ عن دِينِ اللهِ -تعالى- بِسَبَبِ أُسلُوبٍ فَظٍّ غَلِيظٍ, أُناشِدُكُمُ اللهَ -تعالى- أن تَتَعَلَّمُوا للأمرِ بِالمَعرُوفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ حِكمَةَ سيِّدِنَا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- في ذَلِكَ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: واللهِ إنَّ أصحَابَ سَيِّدِنَا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- ما سَادُوا في الدُّنيَا إلَّا بالحِكمَةِ التي تَعَلَّمُوهَا مِن سَيِّدِنَا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, فَهَل نِسألُ اللهَ -تعالى- أن يَرزُقَنَا الحِكمَةَ في كُلِّ أُمُورِنَا, وخاصَّةً في الدَّعوَةِ إلى اللهِ -تعالى-؟ اللَّهُمَّ أكرِمنَا بِذلِكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ. آمين.
أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم