عناصر الخطبة
1/الموت مقدر على كل نفس 2/من نعمة الله على المسلم أن يمد له في أثره 3/بعض الأعمال التي تخلف الذكر الحسن والثناء الجميل 4/الحث على الاستعمال الحسن لوسائل التواصل الاجتماعي 5/من حرمان العبد ألا يخلف له أثرا حسنااقتباس
الخير في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى قيام الساعة، ممَّنْ تواصَل بِرُّهم، وترادَف إحسانُهم، وبقي أثرُهم، مِنْ مَلِكٍ عادلٍ يحفظ حقوقَ رعيته، ويحوطُهم برعايته، ويحارِب الفسادَ، ويحمي البلادَ، أو عالِم ينتفع الناسُ بعلمه، وسَمْته وأخلاقه، أو غني كريم معطاء، يُحسِن للمساكين والفقراء...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله العزيز الغفار، الواحد القهار، جعل الدنيا دار بلاء واختبار، ووعد الطائعين فيها بجنات وأنهار، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، رب كريم تواب غفار، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه الأطهار، وأصحابه الأبرار، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقب الليل والنهار، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ، فيا مَعاشِرَ المؤمنينَ: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله الذي لا بد لكم من لقائه، ولا مفر من حسابه، واجعلوا -رحمكم الله- تقوى الله نصب أعينكم، وجلاء قلوبكم، فقد تكفَّل -سبحانه- لأهل التقوى بالنجاة مما يحذرون، والرزق من حيث لا يحتسبون، ووعَد بمعيته للمتقين، فقال: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[الْبَقَرَةِ: 194].
أُمَّةَ الإسلامِ: كتَب اللهُ الموتَ على كل نفس، فما من إنسان إلا وهو ميت لا محالة، ومُفارِق لأهله وأصحابه، ومحصِّل ما قدمَتْه يداه؛ (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آلِ عِمْرَانَ: 185].
وإن من نعم الله -تعالى- على عبده المؤمن أن يكتب له آثار عمله، فيحيي بها ذِكرَه، ويجري بها أجره، ويمد بها عمره، بدوام الحسنات بعد الممات، وبقاء الذِّكْر بعد الحسن بعد الوفاة؛ فالأعمال الحميدة، والآثار الجميلة هي التي تخلد ذكر صاحبها، وتبارك حياة فاعلها؛ فجميل أن يترك المرء أثرًا طيِّبًا لنفسه، وحسنات ممتدة لآخرته؛ فالأعمال الصالحة تكتب، وآثار الأعمال تكتب، فمن خرج إلى بيت من بيوت الله، لأداء فريضة من فرائض الله، كتب له بكل خطوة حسنة، ورفع له بها درجة، وحط عنه خطيئة؛ ففي صحيح مسلم، عن جابر -رضي الله عنه- قال: "خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لَهُمْ: "إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ؟ "قَالَوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ. قَالَ: فَقَالَ: "يَا بَنِي سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ".
إخوةَ الإيمانِ: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، ومن دعاهم إلى خير كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ففي صحيح مسلم، عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- جُلُوسًا في صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ، فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَغَيَّرُ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَخَطَبَ فَقَالَ: تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، قَالَ: فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ قَدْ كَادَتْ كَفُّهُ أَنْ تَعْجِزَ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ عَنْهَا، فَدَفَعَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَتَتَابَعَ النَّاسُ في الصَّدَقَاتِ، فَرَأَيْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، وَجَعَلَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، وَقَالَ رسو الله -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ سَنَّ في الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بها مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا".
ورُبَّ كلمةٍ طيبةٍ تكون سببًا في نفع الأمة، فتترك أثرًا إلى يوم القيامة؛ فهذا الإمام البخاري -رحمه الله- يذكر سبب تصنيفه لكتاب "الجامع الصحيح"، فقال: "كنا عند إسحاق فقال: لو جمعتم كتابًا مختصَرًا لصحيح سُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصحيح". كلمة طيبة كانت سببًا في جمع أصح كتاب بعد كتاب الله -عز وجل-.
ورُبَّما كان الأثر بعمل يسير، من ابتسامة صادقة، أو طلاقة وجه وبشاشة، أو دلالة على هدى، فلا تحقرن من المعروف شيئًا، وفي صحيح مسلم، عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- قال: "جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أُبْدِعَ بي -أي: هلكت دابتي- فاحملني، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما عندي"، فقال رجل: "يا رسول الله، أنا أدله على من يحمله"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله".
وكان -صلى الله عليه وسلم- يحثُّ أصحابَه على أن يجعلوا لأنفسهم آثارًا طيبة، حتى آخر ساعة من الحياة، ففي مسند الإمام أحمد، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلة فليغرسها"، فلذا قال جابر -رضي الله عنه- وأرضاه: "لم يكن أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ذو مقدرة إلا وقف"؛ فمن الآثار التي تبقى لصاحبها بعد موته: علم علمه ونشره، وولد صالح تركه، أو مصحف ورثه، أو مسجد شيده، أو وقف للأرامل والأيتام بناه، أو ماء أجراه، أو صدقة جارية، أخرجها من ماله، في صحته وحياته.
إخوةَ الإيمانِ: وإن من الآثار التي تبقى لأصحابها بعد مماتهم: الذكر الحسن، والسمعة الطيبة، وهي عمر الإنسان بعد مماته، فبعد أن طويت أيامه، بقيت آثاره وحفظت مآثره، فهي نعمة يرزقها الله من يشاء من عباده، ويجريها على ألسنة خلقه، والناس شهداء الله في أرضه؛ ففي سنن ابن ماجه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يُوشِكُ أَنْ تَعْرِفُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ"، قَالُوا: بِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ، وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ".
وفي عصرنا الحاضر تجلَّى هذا الأمرُ مع انتشار وسائل التواصُل الاجتماعيّ؛ حيث أصبحت أقوال المرء وأفعاله محفوظة في الفضاء الرَّقْميّ، يتناقلها الناس، حتى بعد وفاته، فكم سمعنا عن أموات يذكرون بخلال الخير، مما خلفوه من كتابات نافعة، ومواقف نبيلة، فكانت ذكرًا طيِّبًا لهم بعد موتهم، فما يقوله ويفعله المرء اليوم يكون عنوانًا لذكره غدًا، وفي مسند الإمام أحمد، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا، اسْتَعْمَلَهُ"، قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: "يُفْتَحُ له عَمَلٌ صَالِحُ بين يدي موته، حتى يرضى عنه من حوله"؛ أي: يفتح الله لعبده عملًا صالحًا قبل موته، حتى يرضى الناس عنه، فيحمدونه عليه، فيطيب به ذكره، ويكثر ثناؤه.
والسمعة الحسنة هي لسان الصدق في الآخَرين، التي حرص عليها أبو الأنبياء والمرسَلينَ، فهذا خليل رب العالمين يسأل ربه أن يهبه الذكر الحسن بعد موته، فقال: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ في الْآخِرِينَ)[الشُّعَرَاءِ: 83-84]؛ أي: اجعل لي في الناس ذكرًا جميلًا، وثناء حسنًا، فاستجاب الله دعوته، ونشر في العالمين حسن سمعته، فجعله إمامًا وأمة، يتناسل الأنبياء من ذريته، وأنعم بذلك على أنبيائه ورسله، فقال: (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)[مَرْيَمَ: 50]، ومن كرم الله وجوده، أن لحقت دعوة أبي الأنبياء -عليه السلام- هذه الأمة المرحومة، فقال: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 129]، فأخرج الله من ذريته أعظم الناس قدرًا، وأرفعهم ذكرًا، وأسناهم شرفًا، وأكثرهم للخلق نفعًا؛ سيدنا ونبينا وقدوتنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، الذي قال له ربه: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)[الشَّرْحِ: 4]، فلا يذكر الله العظيم إلا ويذكر معه رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وكانت هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، ففيها ما لا يحصى من ألسن صدق؛ من الصحابة والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
مَعاشِرَ المؤمنينَ: الذكر الحسن يبقى لمن عم نفعه، وانتشر عطاؤه، فأصحاب الذكر الجميل سيرتهم تتخطى الآفاق، ويُفتَح لها قلوبُ الخَلْق، وتنشرح الصدور في التعامُل معهم، وتطمئن القلوب لهم، فهذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- سبقته سيرته الحسنة قبل بعثته، فهو الصادق الأمين في الجاهليَّة والإسلام، والنجاشي ملك الحبشة انتشر في الناس عدله حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن بأرض الحبشة ملكًا لا يظلم أحد عنده" رواه البيهقي في السنن الكبرى.
والخير في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى قيام الساعة، ممن تواصل برهم، وترادف إحسانهم، وبقي أثرهم، مِنْ مَلِكٍ عادلٍ يحفظ حقوقَ رعيته، ويحوطُهم برعايته، ويحارِب الفسادَ، ويحمي البلادَ، أو عالِم ينتفع الناسُ بعلمه، وسَمْته وأخلاقه، أو غني كريم معطاء، يُحسِن للمساكين والفقراء، وآخَرين يَشيدون المساجدَ، ويُعمِّرون المدارسَ والمعاهدَ، فهنا إمام في مسجده، وهناك طبيب في مصحته، وهذا وجيه بجاهه، وذاك داعية بحكمته، يجمع الناس على الخير والهدى، والصلاح والتقى، وكل هؤلاء الصالحين وغيرهم، وإن غيب الموت أجسادهم فقد حفظ الله أعمالهم وآثارهم، وأبقى ذكرهم الجميل، واتصل الدعاء لهم جيلًا بعد جيل، وصدق الله -تعالى- إذ يقول: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ مُبِينٍ)[يس: 12].
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، إنه -تعالى- جواد كريم، فاستغفروه، إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله هدى مَنْ شاء بفضله، والصلاة والسلام على أشرف وأفضل أنبيائه، وأكرم رسله، وعلى آله وأزواجه وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ، فيا مَعاشِرَ المؤمنينَ: إن من الحرمان العظيم، والخسران المبين أن يرزق الإنسان عمرًا مديدًا، ومالًا ممدودًا، وبنين شهودًا، ثم يموت بلا أثر يذكر، أو عمل طيب عليه يُشكَر، فمن لم يجعل لنفسه أثرًا قبل مماته دفن ولا شيء يذكره، غير أنَّه كان، ثم مات، ناهيكم بمن يفرح الناس بغيابهم، ويهنئ بعضهم بعضًا بفقدهم، ولربما بقيت آثارهم السيئة، فيكون عليه وزرها، ووزر من عمل بها، كما قال -جل جلاله-: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)[النَّحْلِ: 25]، فأول من بدل دين إبراهيم -عليه السلام- وأتى إلى جزيرة العرب بالأصنام رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- يجر أمعاءه في النار، كما جر الناس إلى الشرك بالعزيز القهار، وليس من نفس تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنَّه أول من سن القتل، وكذا من ابتدع بدعة في الدين، ودعا إليها، ومات ولم يتب منها، ويحذر من فعلها، بقيت أثرًا سيِّئًا بعد موته.
وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من السيئات الجارية؛ التي تكتب على صاحبها وهو محبوس في قبره؛ ففي (صحيح مسلم) قال -صلى الله عليه وسلم-: "من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا".
إخوةَ الإيمانِ: إن من أسباب لسان الصدق في الآخَرين، وبقاء أثر الثناء على العبد في العالمين العمل بالقرآن الكريم، كما قال -تعالى-: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 10]؛ أي: في القرآن عزكم وفخركم، وارتفاع ذكركم، كما أن قضاء حوائج الخلق سبب عظيم لجلب ثناء الصدق، والتربية الصالحة للأبناء سبيل لبقاء الأثر والثناء.
ثم اعلموا -معاشر المؤمنين- أن من أسباب استحقاق الثناء، وبقاء الأثر في أهل الأرض والسماء، كثرة الصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمن صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد طلب من الله -تعالى- أن يثني على رسوله ويكرمه، ويجعل له لسان صدق في الآخَرين، والجزاء من جنس العمل؛ فأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم، كما أمرَكم بذلك ربُّكم، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى أزواجه وذريته، كما باركتَ على آل إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.
اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، واجعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًّا، سخاء رخاء، وسائرَ بلاد المسلمينَ، اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهمَّ وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين إلى ما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين، وإلى ما فيه خير للبلاد والعباد، وجميع ولاة المسلمين.
اللهمَّ احفظ علينا ديننا وقيادتنا وأمننا، اللهمَّ وفق رجال أمننا والمرابطين على حدودنا وثغورنا، اللهمَّ انصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهمَّ احفظ المسجد الأقصى، واجعله شامخًا عزيزًا إلى يوم الدين، اللهمَّ احفظ مقدسات المسلمين، من كيد الكائدين، وعدوان المعتدين، اللهمَّ فرج هم إخواننا في فلسطين، اللهمَّ كن لهم معينًا ونصيرًا، ومؤيِّدًا وظهيرًا، برحمتك وفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.
اللهمَّ فَرِّجْ همَّ المهمومينَ من المسلمين، ونَفِّسْ كربَ المكروبينَ، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمَّ من أرادنا وبلادنا وأمننا بسوء فاشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه، يا قوي يا عزيز، يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ اجعلنا ممن طاب ذكرهم، وحسنت سيرتهم، وخلص عملهم، واستمر أجرهم في حياتهم وبعد مماتهم.
اللهمَّ بارك لنا في شعبان، وبلغنا رمضان، ووفقنا فيه للصيام والقيام، وصالح الأعمال، اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم