عناصر الخطبة
1/ من أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - 2/ دوام تعلقه بالله تبارك وتعالى 3/ من آثار الشمائل النبوية المحمدية على البشريةاقتباس
لن نقدر على عَدِّ صفاتِ الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، ولن نحصي شمائله -عليه الصلاة والسلام-، ولو أردنا ذلك لطال بنا المقام، واحتجنا إلى ليال وأيام، لكن يكفينا قول الباري -جل وعلا-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره...
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
معاشر المؤمنين: يقول الحق -تبارك وتعالى-: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].
وخاطب -جل وعلا- نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران:159]، وامتدحه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].
أيها المسلمون: إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- خير البرية، وأزكى البشرية؛ اتصف بجميل الصفات، وتخلق بأحسن الأخلاق، وهو قريب من القلوب، حبيب إلى الأرواح، يظهر على وجهه نور الرسالة، وعلى ثغره ابتسامةُ المحبة.
أحبه الملك والمملوك، والصغير والكبير، والرجل والمرأة، والغني والفقير، والقريب والبعيد؛ لأنه ملك القلوب بعطفه، وأسر الأرواح بفضله، وطوَّق الأعناق بكرمه.
كريم السجايا، مهذب الطباع، نقي الفطرة، جمُّ الحياء، حي العاطفة، جميل السيرة، طاهر السريرة، قمة الفضائل، ومنبع الجود، مطلع الخير، غاية الإحسان.
سبق الجميع ديانة وأمانة، وصيانة ورزانة؛ وتفوق على الكل علماً وحلماً، وكرماً ونبلاً، وشجاعة وتضحيةً.
أعقل العقلاء، وأفضل النبلاء، وأجل الحكماء؛ قدَّم للبشرية أحسن تراث على وجه الأرض، وأهدى للعالم أجلَّ تركة عرفها الناس، وأعطى الكون أبرك رسالة عرفها التاريخ.
يسعد به جليسه، وينعم به رفيقه، ويرتاح له صاحبه؛ يحب الفأل، ويكره الطيرة، يعفو ويصفح، ويسخو ويمنح، أجود من الريح، وأكرم من الغيث، وأبهى من البدر، وسِعَ الناسَ بأخلاقه، وطوّق الرجال بكرمه، وأسعد البشرية بدعوته، مَن رآه أحبه، ومن عرفه هابه، ومن داخله أجلّه، كلامه يأخذ بالقلوب، وسجاياه تأسر الأرواح.
تميز -صلى الله عليه وسلم- بالصدق: فكان صادقاً مع ربه، صادقاً مع نفسه، صادقاً مع الناس، صادقاً مع أهله، صادقا مع أعدائه، فهو الصادق الأمين في الجاهلية قبل الرسالة، فكيف به بعد أن اصطفاه الله وأوحى إليه؟.
كما تميز -صلى الله عليه وسلم- بالصبر: مات عمه ونصيره أبو طالب فصبر، وماتت زوجته الصادقة الوفية خديجة فصبر، وقُتل بطله حمزة فصبر، وأُبعد من مكة فصبر، وتوفي أبناؤه فصبر، ورُميت زوجته الطاهرة بالإفك فصبر، وكُذِّب فصبر. وقالوا له: شاعر، وكاهن، وساحر، ومجنون، وكاذب، فصبر. أخرجوه وآذوه وشتموه، وسبوه وحاربوه، فصبر.
فكان -صلى الله عليه وسلم- مضرب المثل في الصبر، وعظيم التحمل، وثبات القلب؛ وهو إمام الصابرين، وقدوة الشاكرين.
كما أنه -صلى الله عليه وسلم- تميز بالجود والكرم: يُعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر؛ بل إنه سيد الأجودين على الإطلاق.
أَعطى أعرابياً غنماً بين جبلين، وأَعطى كل رئيس قبيلة من العرب مائة ناقة، وسأله سائل ثوبه الذي يلبسه فخلعه وأعطاه إياه، وكان لا يرد طالب حاجة.
وسِع الناسَ بِرُّه، طعامه مبذول، وكفه مدرار، وصدره واسع، وخلقه سهل، ووجهه باسم.
ما قال "لا" قطُّ إلا في تشهُّدِهِ *** لولا التشهد كانت لاؤه نعم
وكان -صلى الله عليه وسلم- آيةً في الشجاعة: فقد نام الناس ليلة بدر وهو قائم يصلي ويدعو ربه، ويتضرع ويتوسل إليه، ويسأله نصره وتأييده، فيا له من إمام ما أشجعه!.
لا يقوم لغضبه أحد، ولا يبلغ مبلغه في ثباتِ الجأش وقوةِ القلب مخلوق، فهو الشجاع الفريد، والصنديد الوحيد، الذي كمُلت فيه صفاتُ الشجاعة، وتمت فيه سجايا الإقدام، وقوةُ البأس، وهو القائل: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ".
كان -صلى الله عليه وسلم- متواضعا: يكره المدح، وينهى عن إطرائه ويقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله".
وكان ينهى أن يُقام له، وأن يوقف على رأسه، وكان يجلس حيث انتهى به المجلس، وكان يختلط بالناس كأنه أحدهم، ويجيب الدعوة، ويقول: "لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت".
وكان يحمل حاجة أهله، ويخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويكنس بيته، ويحلب شاته، ويُقطِّع اللحم مع أهله، ويُقرِّب الطعام لضيفه، ويباسط زواره، ويسأل عن أخبارهم، ويلبس الصوف، ويأكل الشعير، وربما مشى حافياً، وينام في المسجد، ويركب الحمار، ويُردف على الدابة، ويتناوب ركوب الراحلة مع رفيقه، ويعاون الضعيف، ويتفقد السرية، ويكون في آخرهم، ويرافق الوحيد منهم.
كما أنه -صلى الله عليه وسلم-كان آيةً في الحلم: فكان مع أهله أحلم الناس، يمازحهم ويلاطفهم، ويعفو عنهم، ويَدْخُلُ عليهم باسماً ضاحكاً، يملأ بيوتَهم وقلوبَهم أُنساً وسعادةً، يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "خدمت رسول الله عشر سنين، ما قال لي في شيء فعلته: لمَ فعلت هذا؟ ولا في شيء لم أفعله: لمَ لم تفعل هذا؟"، وهذا غاية الحلم، ونهاية حسن الخلق، وقمة جميل السجايا، ولطيف العشْرَة، حتى تمكَّن حبُّهُ من القلوب، فتعلقت به الأرواحُ، ومالت له النفوس.
وكان -صلى الله عليه وسلم- رحيما: فكان يرحم القريب والبعيد، ويعِزُّ عليه أن يُدخل على الناس مشقة، بل كان يخفف عليهم؛ مراعاةً لأحوالهم، ولربما أراد أن يطيل في الصلاة فيسمع بكاء الطفل فيخفف؛ لئلا يشقَّ على أمِّه، ولما بكت أمامةُ بنتُ ابنته زينب حملها وهو يصلي بالناس، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها.
وصعد الحسن -رضي الله عنه- على ظهره وهو ساجد، فأطال السجود، فلما سلم قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ هَذِهِ سَجْدَةً قَدْ أَطَلْتَهَا فَظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، أَوْ أَنَّهُ قَدْ يُوحَى إِلَيْكَ، قَالَ: "فَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَه".
رحيم في رسالته ودعوته، وعبادته وصلاته، وصومه وطعامه، وشرابه، ولباسه، وحِلِّه وترحاله، وأخلاقه كلها، بل حياته ودعوته مبنيةٌ على التيسير.
(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الأحزاب:40].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد عباد الله: فاتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دائم الذكر لربه: فكان أكثر الناس ذكراً، حياته كلها ذكر لمولاه، فدعوته ذكر، وخُطَبُه ذكر، ومواعظه ذكر، وعبادته ذكر، وجهاده ذكر، وفتاويه ذكر، وليله ونهاره، وسفره وإقامته، بل أنفاسه كلها ذكر لمولاه -عز وجل-، فقلبه معلَّق بربه، تنام عينُه ولا ينام قلبُه، بل النظرُ إليه يُذَكِّر الناسَ بربهم، وكلُّ حياته ومناسباته ذكر لخالقه -جل وعلا-.
معاشر المؤمنين: لن نقدر على عدِّ صفاتِ الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، ولن نحصي شمائله -عليه الصلاة والسلام-، ولو أردنا ذلك لطال بنا المقام، واحتجنا إلى ليال وأيام، لكن يكفينا قول الباري -جل وعلا-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]، وقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) [الأحزاب:45-46].
فصلى الله وسلم وبارك عليه ما تحرك بذكره اللسان، وسارت بأخباره الركبان، وردد حديثَه الإنسُ والجان.
فأكثروا -عباد الله- من الصلاة والسلام عليه كما أمركم ربكم، حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم