من أخبار عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز رحمه الله

عبد الرحمن بن صالح الدهش

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ من أعظم علامات التوفيق للعبد 2/ من أسباب الهداية 3/ دور الشباب الصالحين في بناء الأمة 4/ تأملات في مواقف من حياة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز 5/ دور التربية الموفقة في وجود شباب صالحين.

اقتباس

الموفَّقون من شباب المسلمين تاريخهم لم ينقطع، فمع كثرة الصوارف وشدة رياح الشبهات المشككات، ورياح الشهوات المغريات، مع كل هذا لا تزال طائفة من الشباب يترددون إلى المساجد، ويسابقون إلى حِلَق العلم، وحلقات التحفيظ. جادون في أعمالهم، متفوقون في دراستهم، لهم سهم في كل خير، بارُّون بوالديهم، أدركوا ما يُحاك ضدهم، ينتقون ما يتابعون غبر وسائل الاتصال والتواصل، لم يسلموا وجهتهم لأحد، ويعلمون أن زمنهم زمن الخداع والتضليل. فلنأخذ من هؤلاء شابًّا نموذجًا كان عونًا على صلاح أهل بيته،..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

 

أما بعد: فإن من أعظم علامات التوفيق للعبد أن الله -تعالى- يسوق لمن أراد به الخير من يعينه على نفسه ولا يعين الشيطان عليه.

 

الإنسان ضعيف تجذبه الدنيا بزهرتها وتغره بحسن بهجتها، (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان: 33].

 

والأهواء قد تطفئ نور العقل والبصيرة فيصبح الإنسان منقاداً بظلمة هواه، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية: 23].

 

والرفقاء والأصحاب لا تسل عن تأثيرهم، فكم من قناعة عند شخص اقتلعوها! وكم من رأي بددوه، وحزم أضاعوه!

 

وهذه حال الإنسان ضعيف بقوته، قليل بكثرته لذا لا غنى للإنسان عن ربه، فهو يستخيره ويسأله التوفيق في فعله وقيله، ومن أجمع الأدعية "اللهم إني أسألك الهدى والسداد"، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اذكر هداية الطريق، وسداد السهم".

 

ألا وإن من أسباب الهداية أن يهيئ الله للإنسان هادياً ناصحاً على غير ترتيب ومواعده. فلا تسأل عن سعادة الإنسان حينما يُساق له مثل ذلك.

 

يكثر حديث الناس؛ متضايقين، وبعضهم متشائم من حال كثير من شبابنا، وكيف أن منهم مَن اختار الدنية في دينه ودنياه، وحُقَّ لهؤلاء أن يتضايقوا بل وينزعجوا لاسيما في هذه الحقبة الزمنية التي تعيشها الأمة الإسلامية، فما أحوجها لشبابها، وهي ترى أعداءها الظاهرين والمستخفين تلونوا في عدائهم لهذه الأمة، وبذلوا ما بذلوا في تخدير شبابها، وسوقهم إلى رذائل الأمور، وصرفهم إلى ما يضرهم من الاهتمامات.

 

ومع كل ذلك أكرم بشاب كان عوناً على كل خير، فهو شاب ليست له صبوة فيما انجذب إليه أترابه وخلانه "وعجب ربك من شاب ليست له صبوة"، ولا يزال الخير – ولله الحمد – في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- موجودًا قائمًا لا ينقطع.

 

فالموفَّقون من شباب المسلمين تاريخهم لم ينقطع، فمع كثرة الصوارف وشدة رياح الشبهات المشككات، ورياح الشهوات المغريات، مع كل هذا لا تزال طائفة من الشباب يترددون إلى المساجد، ويسابقون إلى حِلَق العلم، وحلقات التحفيظ.

 

جادون في أعمالهم، متفوقون في دراستهم، لهم سهم في كل خير، بارُّون بوالديهم، أدركوا ما يُحاك ضدهم، ينتقون ما يتابعون غبر وسائل الاتصال والتواصل، لم يسلموا وجهتهم لأحد، ويعلمون أن زمنهم زمن الخداع والتضليل.

 

فلنأخذ من هؤلاء شابًّا نموذجًا كان عونًا على صلاح أهل بيته، بل وله يد طولى في توجيه عجلة دولته التوجيه السليم.

 

نسوق في هذا المقام نتفاً من أخباره لعلها تعيد همة إلى نفس فترت، وتشحن نفساً ضعفت لاسيما والطرق شديد في بيان فشل الشاب المسلم، وأنه شاب شهوة وشبهة، ووقع في نفوس بعضهم أنه في هامش الحياة فهو صفر على الشمال لا ينقص لا يزيد ولا قوة له فيبديء أو يعيد.

 

خسأ هذا التصور وأخسأ منه من يصوره للجيل الناشئ حتى يبث في نفوسه الوهن ويبعدهم أن يتعرفوا على مصدر عزهم وسبب قوتهم.

 

أيها الإخوة حديثنا عن عبدالملك !

من هذا!؟

شاب عرفنا أباه خليفة عادلاً، ورجلاً صادقاً، وحق هذا الأب أن يُخَص بحديث..

إلا أن حديثنا سيكون عن الابن الصالح ابن الخليفة الصالح..

إنه الشاب التقي عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز.

خيار من خيار.

 

لم تطربه الدنيا، وحفظه الله من غرورها، فهو شاب نشأ في طاعة الله، وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، "شاب نشأ في طاعة الله"، فنرجو الله له أن يكون منهم.

 

من أعظم أخباره، وأخباره قليلة ما ذكره بعض أهل التاريخ بقوله: "كنا نرى أن عمر بن عبد العزيز إنما أدخله في العبادة ما رأى من ابنه عبد الملك -رحمه الله-".

 

إذن هذه أولى درجات التوفيق أن يكون أحد الشباب بل أحد أفراد الأسرة سبباً في صلاح أسرته بفعله قبل قوله، بسمته ودلّه وسكينته فهو الداعية المتحرك، القدوة الصامتة.

 

فلله.. كم تعرف أهل البيت على خير من أحد أفراده فهم يقرءون القرآن في بيوتهم ويصومون ويتصدقون متأثرين بأحد المباركين في بيوتهم والد أو ولد.

 

وهم كذلك لا يأتون ما حرَّم الله عليهم، ويأنفون المعاصي لأنهم رأوا قدوة صالحة حولهم تأنف ولا تريد.

 

والنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر".

 

فإن سألت كيف السبيل إلى استصلاح الشباب، فخذ الجواب فعلاً لا قولاً من شابنا عبدالملك.

 

قال أحد أقاربه نزلت على عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز وهو شاب عزب، فكنت معه في بيت، فصلينا العشاء وآوى كل رجل منا إلى فراشه، ثم قام عبد الملك إلى المصباح فأطفأه، ثم قام يصلي. قال هذا القريب حتى ذهب بي النوم، فاستيقظت فإذا عبد الملك لا يزال يصلى ويقرأ قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [الشعراء: 205- 207]، فيبكي ثم يرجع إليها، فإذا فرغ منها فعل مثل ذلك، حتى قلت سيقتله البكاء.

 

 فلما رأيت ذلك قلت: لا إله إلا الله، والحمد لله؛ كالمستيقظ من النوم؛ لأقطع عليه ذلك بكاءه شفقةً عليه، فلما سمعني سكت، فلم أسمع له حسًّا -رحمه الله-.

 

 فانظر -رحمك الله- كيف حال الصلاة في صلاح النشء واستقامة الأولاد.

فكم نظلم أولادنا البنين والبنات حينما نتساهل معهم في شأن الصلاة!

دعهم إذا قاموا صلوا!

يكبرون ويصلون!

أليس الله يقول في الصلاة (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت: 45]؟

نعم قصة عبد الملك في قيام الليل.

 

ولكن الخير يسوق بعضه بعضاً (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد: 17].

لقد كان هذا الشاب عونًا لأبيه على نفسه فهو وزيره من غير وزارة.

 

وما أبلغ التنبيه من الحبيب والعون على الخير من ذي الصلة والرحم القريب.

غضب الخليفة عمر بن عبد العزيز على غلام له غضباً شديداً بحضرة ابنه عبد الملك فعرف هذا الابن البار فأشفق على أبيه، فقال: يا أبتاه وما هذا الغضب؟!

أين الحلم؟ فهذا موضعه وقد ولَّاك الله من أمر عباده ما ولاك!

 

فقال الوالد الآخذ بالنصيحة حتى وإن كانت من ولده الشاب: أما تغضب يا عبد الملك؟

فقال عبد الملك بالروح المتواضعة المنتهزة لإقبال نفسية أبيه: وما تغني سعة جوفي يعني بطنه إذا لم أرد فيه غضبي حتى لا يظهر منه شيء!

يريد بذلك أن القوة الحقيقة أن تملك غضبك وترده في نفسك.

والله -تعالى- أثنى على كاظمي الغيظ، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134].

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

فإن النصيحة لا تقوى على قبولها إلا النفوس الصادقة الصريحة، والإنسان بطبيعته يحب ألا يظهر مخطئاً، وإن أخطأ حاول أن يبرر خطأه ليقلب ميزان الأمور.

 

تلك الصفة صفة من آثروا الحياة الدنيا على الآخرة.

أما الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً فهم يقبلون الحق، بل ويطلبونه ويسعون في تقريب الناصحين ليوقفوهم على أخطائهم لا ليبرروها ويجدوا منافذ لها.

 

صاحبنا عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز بشجاعته الفذة وقوله الفصل كان عوناً لأبيه على التخلص من المال الحرام، ودافعاً له في رد المظالم إلى أهلها.

 

جمع عمر بن عبد العزيز الناس واستشارهم في رد مظالم الحجاج، التي أخذها من الناس وتسلط بها عليهم، فكان كلما استشار رجلاً قال له: يا أمير المؤمنين ذاك أمر في غير سلطانك ولا ولايتك, فلا دخل لك فيه وأنت لم ترضه!

 

ولكن "الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع الناس عليه"، لم تطب نفس عمر بهذا الرأي مع سهولته، وعدم إزعاج الناس بضده، فاستدعى ابنه عبد الملك، وخلص به، وطلب رأيه.

 

فقال عبد الملك: كلاما مختصراً، لم يشأ إلا أن يرضي الله به قبل أن يرضي أباه.

قال: "يا أبتِ! ما من رجل استطاع أن يرد مظالم الحجاج فلم يردها إلا كان شريكًا له".

فقال له عمر بن عبد العزيز: "لولا أنك ابني لقلت: إنك أفقه الناس؛ الحمد لله الذي جعل لي وزيرًا من أهلي عبد الملك ابني".

 

أرأيت كيف يُعان الإنسان على نفسه، ويسوق الله المعينين لك.

إي والله.

 

ختام الأخيار الخيرة الحزم قبل أن ينتقض العزم:

لما دفن سليمان بن عبد الملك، وتولى من بعيده عمر بن عبد العزيز خطب عمر الناس ثم نزل، وذهب يتبوأ مقيلاً، يستعيد فيه نشاطه ليتقوى على أمور رعيته.

فأتاه ابنه عبد الملك فقال: "يا أمير المؤمنين, كيف لك أن تعيش إلى الظهر؟

قال: أَوَ أَمِنْتَ الموت أن يأتيك ورعيتك ينتظرونك وأنت محتجب عنهم؟"

 

قال: اُدن مني أي بني، فدنا منه، فالتزمه وقبَّله بين عينيه,

فقام من ساعته وخرج إلى الناس. وأمر مناديًا: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها.

 

أيها الإخوة: ما كان ليحظى عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز من أبيه بهذا المقام لو كان أبوه فظاً غليظ القلب، ولكن كونوا لأبنائكم كما تحبون أن يكونوا لكم، فتقريب الأبناء ومناقشتهم، وطلب رأيهم في القضايا الحية الشبابية أثناء مجالستهم هذه من أسباب صلاحهم ودفع الشر أو كثير منه أو بعضه.

 

حاوروهم في مشاكل حوادث السيارات وتهور الشباب المزعج!

وماذا لديه من أخبار النت؟

وكيف يرون بعض مسائل السفه التي ترى على بعض الشباب في الأسواق، وفي تجمعاتهم!

 

سلوهم عن المروءة وكيف يتخطاها بعض الباب في (سناباتهم) ليضحكوا بها زملاءهم, وشر البلية ما يضحك!

وسوف تجدون أقوالاً راجحة وأخرى متدنية!

 

وليس الغرض أن تخرجوا بقرارات وتوصيات في مثل هذه الأمور العظام ولكن "إياك أعني واسمعي يا جارة".

 

أما البعد والغفلة فمظنة لكل هفوة وكبوة!

حفظ الله لنا شبابنا ووقانا وإياهم كل سوء ومكروه.

(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].

 

 

 

المرفقات

أخبار عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز رحمه الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات