من أحكام بيع الثمار والمضاربة

حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: المعاملات
عناصر الخطبة
1/ وجوب معرفة العبد حكم الله تعالى فيما يقدم عليه 2/ مسائل بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها 3/ من أحكام المضاربة 4/ عدم جواز شراء الذهب أو الفضة مؤجّلاً

اقتباس

وإنَّ من الممارساتِ الممنوعَة التي تقَع من بعض الناس اليومَ أنه في بعضِ المساهمات يحصُل الاتِّفاق بين المتعامِلَين أو المتعاملِين على فرضِ مِقدار محدّدٍ معيَّن رِبحًا لرأس المال المدفوع، كأن يدفَع خمسةَ آلاف ريال ليضارِب بها الآخر على أنَّ لصاحب المال ألفَ ريال شهريًّا رِبحًا، وهذا ممّا لا يجوز شَرعًا؛ ولهذا نصَّ أهل العِلم على أنّ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:
 

أمّا بعد:

فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوَى الله -جلَّ وعلا-؛ فبالتَّقوى يُغفَر الزَّلَل ويصلُح العمل.

أيها المسلمون: الواجب على المسلِم أن يعلمَ حكمَ الله في كلّ تصرف يقدمُ عليه وفي كلّ شأن يكون فيه، وإنّ مما تعمّ به البلوَى بعضَ البيوعِ التي يتعامَل بها الناسُ وتكثُر في أوساطهم، خاصة في مثل هذه المواسم. وهاتان مسأَلتان مهمَّتان، لا بدّ من معرفةِ حكمِ الله فيهما وكيفيَّة التعاملِ الشرعيّ فيهما:

المسألة الأولى: حكم بيع الثمارِ قبلِ بدوِّ صلاحها؛ فإنّ من المقرَّر شرعًا أنّه لا يجوز بيع الثمار على رؤوسِ الأشجار قبل بدوِّ صلاحها، فلا يجوز بيع النخيل في رؤوسه حتى يبدُوَ صلاحُه فتظهَر فيه الحمرةُ أو الصّفرة، ولا يجوز بيعُ العنَب حتى يبدُوَ فيه النُّضج ويطيب ويتموَّه حُلوًا ويصلُح للأكل، وكذا بقيّةُ الثمار، وهكذا الزرعُ الأخضر لا يجوز بيعُه في سُنبُله إلا إذا اشتدَّ الحبّ وطاب.

الأحاديثُ في هذا كثيرةٌ عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، عن ابن عمَر -رضي الله عنهما- قال: "نهى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الثمَرة حتى يبدوَ صلاحُها"، وكان إذا سئِل عن صلاحِها قال: "حتى تذهَبَ عاهَتُه". متفق عليه. وعند مسلم بلَفظ: "نهى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن بيعِ النخلِ حتى يزهُوَ، وعن بيع السُّنبُل حتى يبيضَّ ويأمَن العاهَة، نهى البائع والمشتري".

ولكن إذا باع الإنسانُ مزرعَتَه كاملةً أرضًا وبِناءً، شَجَرًا وغرسًا، فحينَئذ تدخُل الثمرة ويدخل الحبُّ تبعًا ولو لم يبدُ صلاحُه كما قرَّر ذلك الفقهاء، مع مراعاة أنَّ الثمرةَ في هذه الحالة للبَائع إذا أُبِّرت -أي: لقِّحت-، إلا أن يشتَرِطَها المشتري.

إخوةَ الإسلام: ومما هو جديرٌ بالتفصيل في هذه المسألة ما يتعلَّق بالنخيل؛ لكثرةِ التعامُل فيه بين المسلمين، فبيعُ ثمَرة النخل على رؤوسه على ثلاثةِ أقسام:

الأول: أن يبيعَ ثمَرة نخلة واحدةٍ بمفردها، فمتى تلوَّنَت ولو في بعضِها جاز بيعُها، وإلا وجَبَ الانتظار، وهذا بلا خلافٍ بين أهلِ العلم.

الثاني: أن يبيعَ ثمَرة نوعٍ معيَّنٍ من النخل، مثل أن يبيعَ ثمَرة جميع العَجوَة التي في البستان بَيعَةً واحدة على مشتَرٍ أو أكثر، الحاصِلُ أن يكون صفقة واحدة، فيكفي حينئذٍ أن يتلوَّن من هذا النوع بعضُهُ ولو في نخلة واحدَة على الراجِح من قَولَي أهلِ العلم.

الثالث: أن يبيعَ ثمرَة نخلِ البستان كلِّه بجميع أنواعه المتعدِّدة في البستان، فلا بد حينئذ أن يكونَ كلُّ نوعٍ بدا فيه الصلاحُ ولو في نخلة واحدة من كلّ نوع على الأظهر من أقوالِ العلماء، فإذا وُجِد في البستان ثلاثة أنواعٍ مثلاً بَرحيّ وسُكّري وعجوة، وكلُّ نوع من هذه الأنواع قد تلوَّن بعضُه -أي: ظهرت فيه الحمرة أو الصّفرة- كفى ذلك، ولكن إذا لم يتلوَّن شيء من النوعِ الواحد كأن لم يتلوَّن شيء من العَجوَة بعدُ، فلا يجوز بيع هذا النوع من العجوَة حتى يتلوَّن ولو في بعضه، هذا هو الراجحُ وهو الأحوَط.

وذهبّ بعضُ أهل العلم إلى أنَّ صلاح بعضِ الثمرة صلاحٌ لها ولنوعها ولجنسِها من البستان الواحد ولو لم يكن من نوعها، بشرط أن يُباع البستان صفقةً واحدة.

المسألة الثانية: أنَّ المضاربةَ -وهي نوعٌ من المشاركة- مِن العقود التي لها مكانة بارِزة في التعامل الاقتصاديّ، وهي -أي: المضاربة- اتفاقٌ بين طرفين: الأوّل يقدّم المال، والثاني يعمَل فيه ويستثمره بالطرُق المشروعة، على أن يكونَ الرّبح بينهما بحصَّة معلومة مشاعة، وهي جائزة بإجماعِ الصحابة -رضي الله عنهم- ومَن بعدهم من التابعين.

وإنَّ من الممارساتِ الممنوعَة التي تقَع من بعض الناس اليومَ أنه في بعضِ المساهمات يحصُل الاتِّفاق بين المتعامِلَين أو المتعاملِين على فرضِ مِقدار محدّدٍ معيَّن رِبحًا لرأس المال المدفوع، كأن يدفَع خمسةَ آلاف ريال ليضارِب بها الآخر على أنَّ لصاحب المال ألفَ ريال شهريًّا رِبحًا، وهذا ممّا لا يجوز شَرعًا؛ ولهذا نصَّ أهل العِلم على أنّ مِن شروط صحّة المضاربة تعيُّن حِصّة كلّ منهما، وأن يكون الرِّبح جُزءًا مَعلومًا مُشاعًا في الجملة، كأن يقولَ: لك نِصف الربح، أو: ثلثه، وليسَ مِقدارًا محدَّدًا.

ومن أصول المضارَبَة أنَّ مَن يأخذ أموالَ الناس ليعمَل فيها فهو مؤتَمَن ومسؤولٌ أمام الله -جلّ وعلا-، وقد صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أخذ أموالَ الناس يريد أداءَها أدَّى الله عنه، ومن أخَذ أموال الناس يريد إتلافَها أتلَفه الله". فلا يجوز للمضارِب حينئذٍ أن يأخذَ أموال الناس ليضارِب بها فيكسَل عن العمل أو أن يمنحَها لمضارِب آخر يضارِب بها، إلا إذا شرَط على أهلِها ذلك، وإلاّ فهو متعدٍّ وضامنٌ للمال إذا خسر، وإذا ربح في هذه الحالة فمِن أهل العلم من يرَى أنّ الربحَ كلَّه لربّ المال.

وكذا لا يجوزُ للعامل أن يخالفَ الشروطَ التي لا تحلُّ حرامًا ولا تحرِّم حلالاً، وإلا كان ضامنًا كما قرَّره أهل العلم، كما لو شرَطَ عليه أن لا يعمل بماله مع مالِ غيره، أو كما لو قيَّدها صاحبُ المال بمكانٍ ما أو بنوعٍ منَ التجارة أو التعامل، فلا يجوز للعامل -أي: المضارب- مخالفتُه، فإنّ العباسَ -رضي الله عنه- كان يشتَرِط على الرّجلِ إذا أعطاه مالاً مُقارضةً يضارِب به أن لا يجعَلَ ماله في كبِدٍ رطبة، ولا يحمله في بحرٍ، ولا ينزل به في بطنِ سَيل، فإن حصل شيءٌ من ذلك كان ضامنًا، فرُفِع شرطه إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فأجازه. أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي وابن عدي في الكامل.

وإنّ مما لا يجوز شرعًا -وهذا أمر حاصِل ويُعلَن عنه في الصحف والإعلام- أنه لا يجوز شرعًا ولا يصِحّ في المساهماتِ والمضارَباتِ أن يشتَرِطَ المالِك على المضارِب الذي يعمَل بالمال تحمُّلَ الخسارة؛ فإن الخسارةَ هي من رأسِ المال، إلا إذا ثبتَ تعدٍّ أو تفريطٌ من العامل، قال عليّ -رضي الله عنه-: "الخسارةُ على رأسِ المال، والرّبح على ما اصطلحا عليه". لكن الخسارة التي تحصُل على رأسِ المال أو بعضِه بعد تصرُّف العامل وقبلَ القِسمة -أي: أن يقتسِما مالَ الشّركة- تجبر من الرِّبح كما نصَّ على ذلك أهل العلم، فلو أنّ رأس المال عشرةُ آلاف ريال، ثم ربحت خمسة آلاف ريال، فعزل المضاربُ الربحَ وهي هذه الخمسة آلاف في وديعة، ثم أصبَح يتاجِر في رأس المال المدفوع، فخسر من رأس المال مثلاً بَعضَه كألفَي ريال، ففي هذه الحالة تجبَر من الرّبح المعزول.

قال أهل العلم: وليسَ للمضارَب ربحٌ ولا يستحقّ شيئًا منه حتى يسلِّم رأسَ المال إلى ربِّه؛ لأنّ الربح هو الفاضل عن رأس المال، وما لم يفضُل فليس بربح، قال ابن قدامة في المغني: "ولا نعلم فيه خلافًا".

ومن أحكامِ المضاربة والمساهماتِ أنّه لا يجوزُ للمضَارِب أن يعمَلَ بمالٍ لآخر كزيد من الناس، ثم يأخُذ مالاً آخر من أحَد الأشخاص كعَمرٍو إلا بأحد شرطين: أن يأذن له صاحبُ رأس المال الأول وهو زيد في المثال، أو أن لا يحصل إذنٌ ولكن أن لا تعودَ المضاربة الثانية مع عمرٍو في المثال هذا على صاحِبِ رأس المال الأوّل بالضرَر في رأس المال أو في رِبحه.

أيها المسلمون: هذه الأحكامُ واجبٌ على المسلم أن يلتَزِم بها، وأن يعمَلَ بها؛ حتى يطيب كسبُه ويكون ماله حلالاً.

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعَنا بما فيه من الآيات والبيان.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:
 

الحمد لله حمدًا كثيرا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضَى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له في الآخرَة والأولى، وأشهَد أنّ سيّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله المصطَفى، اللّهمّ صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه النُّجبا.

أمّا بعد:

فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جلّ وعلا-؛ فهي وصيّة الله للأولين والآخرين.

معاشرَ المسلمين: مِنَ المسائل التي يجهَلها بعضُ الناس شراءُ الذهب أو الفضّة مع تأخير تسليمِ الثمَن، وهذا لا يجوز شرعًا، كأن يذهَب إلى صاحبِ الذهبِ ثم يشتَرِي ذهبًا بعشرةِ آلاف أو فضّة بعشرة آلاف، ولا يسلّم هذه العشرَة في مجلِس العقد، فهذا لا يجوز حينئذ، فإنه لا خلافَ بين أهل العلم على أنّ القبضَ في مجلِس العقد في مثلِ ذلك شرطٌ لصحّة البيع، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بيعوا الذهَبَ بالفضّة كيف شئتم يدًا بيد". رواه مسلم. وفي حديث البراء بن عازب أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الذهب بالوَرِق دينًا، وعندهما من حديث أبي سعيد: نهى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن يُباع غائب منها بناجز.

ويتعيَّن عندما يشتري ذهبًا أو فضة أن لا يحاسبَ صاحبَها ببطاقة الفيزا المعروفة عند الناس اليوم؛ فذلك لا يعتبر قَبضًا في مجلِس العقد؛ لأنّ التسديد ببطاقة الفيزا لا يتمّ إلا بعد زَمن يجعَل القبضَ حينئذ مؤجَّلاً عن التعاقد، وهو محرّم شرعًا.

ثم إنّ الله -جل وعلا- أمرَنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبيّ الكريم.

اللّهمّ صلِّ وسلّم وبارك على سيِّدنا وحبيبنا ونبيِّنا وقرّة عيوننا محمّد -صلى الله عليه وسلم-، وارض اللّهمّ عن الخلفاءِ الراشدين والأئمّة المهديّين: أبي بكر وعمَرَ وعثمان وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللّهمّ أعزَّ الإسلام َوالمسلمين، اللّهمّ أذلَّ الشرك والمشركين، اللّهمّ أصلح أحوالنا وأحوالَ المسلمين، اللّهمّ أطِب مكاسبَنا، اللّهمّ جنِّبنا المكاسبَ الخبيثةَ يا ذا الجلال والإكرام، اللّهمّ فقّهنا في أحكام دينِنا، اللهم بصِّرنا بسنّة سيّدنا ونبيّنا محمّد -صلى الله عليه وسلم-...
 

 

 

 

المرفقات

أحكام بيع الثمار والمضاربة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات