من أحكام الطواف بالبيت الحرام

علي بن يحيى الحدادي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/فضل الطواف بالبيت الحرام 2/فضل الإكثار من الطواف بالبيت الحرام 3/أنواع الطواف بالبيت وحكم كل نوع 4/بعض أحكام الطواف بالبيت الحرام وآدابه 5/بعض مخالفات وأخطاء الطواف بالبيت الحرام

اقتباس

عباد الله: إن الطواف منه ما هو ركن ومنه ما هو واجب، ومنه ما هو نافلة. فالطواف الركن طوافان: الأول: طواف الإفاضة، ويسمى: طواف الحج، وطواف الزيارة. وأفضل أوقاته: أن يكون يوم عيد الأضحى، بعد أن يفرغ من رمي جمرة العقبة، ونحر هديه، وحلاقة شعره، أو تقصيره، كما...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

فإن الطواف بالبيت الحرام عبادة عظيمة أمر الله به في كتابه الكريم، فقال تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحـج: 29].

 

وأمر خليله إبراهيم وابن خليله إسماعيل -عليهما الصلاة والسلام- فقال: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة: 125].

 

وقال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحـج: 26].

 

ومما ثبت في فضل الطواف، ما أخرجه أحمد وغيره عن عبيد بن عمير: أنه سأل ابن عمر فقال: "مالي لا أراك تستلم إلا هذين الركنين الحجر الأسود والركن اليماني، فقال ابن عمر: إنْ أفعل فقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن استلامهما يحط الخطايا" قال وسمعته يقول: "من طاف أسبوعا -أي سبعة أشواط- يحصيه وصلى ركعتين كان له كعِدل رقبة" قال وسمعته يقول: "ما رفع رجل قدما -يعني في الطواف- ولا وضعها الا كتبت له عشر حسنات، وحط عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات".

 

وقال صلى الله عليه وسلم في الحجر الأسود: "والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق" [رواه الترمذي، وحسنه].

 

فمن كان في مكة ووجد فسحة في الوقت، فينبغي أن يكثر من طواف النافلة؛ لأنه عبادة لا تؤدى إلا في مكة بخلاف الصلاة وغيرها من العبادات، فيمكن أداؤها في غيرها، قال موسى الجهني: "قلت لمجاهد: أكثرة الطواف للشاب مثلي أحب إليك، أم كثرة الصلاة؟ قال: كثرة الطواف للشاب مثلك".

 

وقال سعيد بن جبير: "الطواف هناك أحب إلي من الصلاة، يعني: بالبيت" [ذكره البغوي في شرح السنة].

 

عباد الله: إن الطواف منه ما هو ركن ومنه ما هو واجب، ومنه ما هو نافلة.

 

فالطواف الركن طوافان:

 

الأول: طواف الإفاضة، ويسمى طواف الحج، وطواف الزيارة.

 

وأفضل أوقاته: أن يكون يوم عيد الأضحى بعد أن يفرغ من رمي جمرة العقبة، ونحر هديه، وحلاقة شعره، أو تقصيره، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

وإن تعجل من مزدلفة بعد نصف الليل لعذر، فطاف فطوافه صحيح، وإن أخره عن يوم العيد فطوافه صحيح.

 

والثاني: طواف العمرة، فهو ركن فيها، فلا يتم الحج ولا تتم العمرة إلا بأداء هذا الطواف.

 

والطواف الواجب، هو طواف الوداع بعد الفراغ من مناسك الحج لمن أراد أن يسافر، أما الحائض والنفساء، فإنه يسقط عنهما تخفيفاً ورحمة؛ لحديث ابن عباس قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض" [متفق على صحته].

 

وما عدا ذلك من الطواف بالبيت، فهو طواف تطوع ونفل إلا طواف القدوم في حق الحاج المفرد والقارن، فهو واجب عند بعض أهل العلم، وأما جماهيرهم فهو عندهم سنة مستحبة.

 

ومن أحكام الطواف: أنه تشرع له الطهارة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- طاف على طهارة، فيحتاط المسلم ولا سيما في الطواف الركن، حتى يؤدي عبادته على يقين.

 

ومن أحكام الطواف: أنه لا بد من جعل البيت عن يساره، فلو طاف معاكساً جاعلاً البيت عن يمينه لم يصح طوافه.

 

ومن أحكامه المستحبة: أن يضطبع في طواف القدوم، وطواف العمرة.

 

ومعناه: أن يكشف الكتف الأيمن، ويغطي الأيسر.

 

وكثير من الحجاج يكشف الكتف الأيمن من حين إحرامه في الميقات، وهذا خلاف السنة، فإذا انتهى من طواف القدوم والعمرة رد الرداء كما كان، فغطى كتفيه جميعاً.

 

ومن أحكام طواف القدوم والعمرة: أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى.

 

والرمل، هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى.

 

ومن أحكام الطواف: أن يقبل الحجر الأسود أو يستلمه بيده أو بشيء في يده كالعصا ثم يقبل يده أو عصاه، أو يشير إليه من بعيد، ولا يقبل يده إذا أشار إليه دون استلامه.

 

ومن أحكام الطواف: استلام الركن اليماني دون تقبيل ودون إشارة إليه من بعيد إذا لم يستطع استلامه.

 

ويشرع أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".

 

وإذا فرغ من الطواف شرع له: أن يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) [الكافرون] وفي الثانية بعد الفاتحة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص].

 

جعلني الله وإياكم من عمار بيوته بالصلاة والذكر والعبادة والعلم على الوجه الذي يرضيه إنه سميع مجيب.

 

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

فإن بعض الناس تقع منه مخالفات شرعية في موضوع الطواف، ومنها على سبيل المثال:

 

ظنُّ بعضِهم أن الطواف كما يشرع حول البيت، فإنه يشرع أيضاً حول قبور الأنبياء والصالحين، وهذا غلط عظيم، فالطواف عبادة، وصرفها لغير الله شرك أكبر، فمن طاف لنبي، أو ولي، أو ضريح، ومشهد، فقد جعله شريكاً لله في عبادته، والشرك أعظم الآثام على الإطلاق، فإنه محبط لكل الأعمال موجب للخلود في النار.

 

ومن الأغلاط في الطواف: أن يطلب الطائف من الكعبة شيئاً فيدعوها ويناديها طالباً منها الرحمة والمغفرة، ونحو ذلك كما نسمعه من بعض جهال الحجاج، وهذا أيضاً منكر عظيم، فدعاء غير الله لطلب ما اختص الله به شرك بالله في عبادته، فلا تطلب الرحمة والمغفرة، والنجاة من النار، والفوز بالجنة، والشفاء من المرض، إلا من الله -تعالى- فنحن لا نعبد الكعبة، ولكن نطوف بها تعبداً لربها الذي أمرنا بالطواف بها.

 

ومن البدع: أن يعتقد أن لكل شوطٍ دعاءً معيناً لا يصح، أو لا ينبغي الدعاء بغيره، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعين دعاءً ولا ذكراً خاصاً لكل شوط، إنما حفظ عنه أنه يختم كل شوط بقول: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".

 

وما عدا ذلك، فيجتهد المسلم فيما شاء من الذكر المشروع من تلاوة، أو تسبيح، وتهليل، وتحميد، وتكبير، ونحو ذلك.

 

والكلام في الطواف جائز، لكن ينبغي الاشتغال بالذكر، قال ابن عباس: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاَةٌ، وَلَكِنَّ اللهَ -تَعَالَى- أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ، فَمَنْ نَطَقَ فَلاَ يَنْطِقُ إِلاَّ بِخَيْرٍ".

 

ومن الأخطاء في الطواف: أذية المسلمين، وإلحاق الضرر، والعنت بهم، لأجل فعل سنة من سنن الطواف، كالرمل مع شدة الزحام، أو لأجل تقبيل الحجر، أو لأجل صلاة ركعتين عند المقام.

 

فإن تيسر الرمل فارمل، وهو الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى.

 

وبعضهم يركض ركضاً، وهذا زيادة على المشروع، مع ما فيه من أذية الطائفين.

 

وإن تيسر تقبيل الحجر دون خصومة ومخاشنة، ودفع للضعفاء، فقبله، وإلا فتحين أوقات قلة الناس وقبّله.

 

وإن تيسر أداء الركعتين خلف المقام، فحسن، وإن لم يتيسر فصلها في أي مكان في المسجد، أو في أي مكان في مكة.

 

ومن الأخطاء في الطواف: أن يخرج من المطاف قبل أن يتم الشوط السابع، فعلى الطائف أن يتحرى استيعاب الشوط السابع الى محاذاة الحجر الأسود، ثم ينصرف، ولا سيما في الطواف الركن والواجب، لما يترتب على الإخلال بالطواف فيهما من التبعات الكبيرة، ولا سيما الطواف الركن.

 

معاشر المؤمنين: صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين ...

 

 

المرفقات

أحكام الطواف بالبيت الحرام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات