من أحكام الصيام

أحمد بن ناصر الطيار

2025-03-21 - 1446/09/21 2025-04-08 - 1446/10/10
التصنيفات: رمضان الصوم
عناصر الخطبة
1/من حِكَم الصيام 2/أهم أحكام الصيام 3/المفطرات التي تفسد الصيام 4/شروط فساد الصيام 5/أمور لا تفطر الصائم.

اقتباس

والمفطرات -يا عباد الله- ثمانيةٌ فقط، منها: الأكل والشرب عمداً، وما كان بمعنى الأكل والشرب، وهو الإبر المغذية، التي يُستغنى بها عن الأكل والشرب. أما الإبر التي لا تُغذّي، ولا تقوم مقام الأكل والشرب فهذه لا تُفطر...

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمد لله المبدئ المعيد، الفعَّال لما يريد، مَن هداه فهو السعيد، ومَن أضله فهو الطريد البعيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العرش المجيد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُ الله ورسوله، أشرف من أظلت السماء، وأكرم من أقلت البيداء، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوعيد.

 

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واعلموا أن الله -تعالى-، جعل من حِكم الصيام أن نتقيَه، ولا يُمكن لنا أن نتقيه إلا بمعرفة أحكامه، وما أمرنا به وما نهانا عنه. فلذا، كان لِزاما علينا أن نعرف ما يحل في رمضان، وما يحرم علينا.

 

وهذه هي أهم المسائل فيما يَحِلُّ ويَحرم علينا، وما هي الأشياء التي تُفطِّر والتي لا تُفطر. فمن وعاها فقد أراح المفتين من السؤال، وتبصَّر في دينه وسار على أحسن حال.

 

فاعلموا -معاشرَ المؤمنين-: أن من أفطر في رمضانَ لِعذرٍ يُبيح الفطر، ثم زال ذلك العذر أثناء النهار، لم يلزمه الإمساك بقية اليوم.

 

كما لو طهرت المرأةُ الحائضُ والنفساءُ في أثناء النهار، وكما لو قدم مسافرٌ قد أفطر في سفره، أو مريضٌ شُفي أثناء النهار.

 

فيجب عليهم القضاء فقط، لقوله -تعالى-: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[البقرة: 185]؛ ولا يلزمهم الإمساك؛ لقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "من أكل أول النهار فليأكل آخره".

 

ولا يجب أن ينوي كلَّ يومٍ بيومه، ما لم يقطعه لعذرٍ فيجددُ النية.

 

والمفطرات -يا عباد الله- ثمانيةٌ فقط، منها: الأكل والشرب عمداً، وما كان بمعنى الأكل والشرب، وهو الإبر المغذية، التي يُستغنى بها عن الأكل والشرب.

 

أما الإبر التي لا تُغذّي، ولا تقوم مقام الأكل والشرب فهذه لا تُفطر، سواءٌ تناولها الإنسان في الوريد، أو في العضلات، أو في أي مكان من بدنه.

 

ويدخل في ذلك، أن يتناول شيئًا يصل إلى الجوف عن طريق الأنف، كالقطرة مثلا إذا وصلت إلى الجوف، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للقيط بن صَبِرة: "وبَالِغ في الاستنشاق؛ إلا أن تكون صائمًا". لكن لو قطَّر ولم يبتلعها فلا يُفطر.

 

ومنها: الجماع، وإنزال المني بشهوة.

 

ومنها: القيءُ عمداً، الحجامة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفطر الحاجم والمحجوم".

والحكمة من ذلك: أن المَحجوم إذا خرج منه دم الحجامة أصاب بدنَه الضعف، فيحتاج إلى غذاء ليسترد قوته ونشاطه.

 

فإذا كانت هذه هي الحكمةُ والعلة، فكلُّ مَنْ تعمد إخراج الدم الكثير فإنه يُفطر، كما لو أرعف نفسه حتى خرج الدم من أنفه.

 

واعلموا -أيها المؤمنون-: أن هذه الْمُفطِّرات، وهي مفسداتُ الصوم، لا تُفسده إلا بشروط ثلاثة: العلم، والذكر، والقصد.

 

الأول: أن يكون عالماً بالحكم الشرعي، وعالماً بالحال، أي بالوقت، فإن كان جاهلاً بالحكم الشرعي، أو جاهلاً بالوقت، فصيامه صحيح؛ لقول الله -تعالى-: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)[البقرة: 286]، فقال الله -تعالى-: "قد فعلت".

 

 ولثبوت السنة في ذلك، ففي صحيح البخاري، عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "أفطرنا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم غيم، ثم طلعت الشمس"، ولم ينقل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بالقضاء؛ لأنهم كانوا جاهلين بالوقت؛ حيث ظنوا أنهم في وقت يحل فيه الفطر.

 

لكن متى علم أن الشمس لم تغرب، وجب عليه الإمساك حتى تغرب، ومثل ذلك، لو أكل بعد طلوع الفجر، ظانًّا أن الفجر لم يطلع، ثم تبين أنه طلع، فإنه لا قضاء عليه، لكن متى علم أن الفجر لم يطلع، وجب عليه الإمساك.

 

وأما الذكر فضده النسيان، فمن تناول شيئاً من المفطرات ناسياً؛ فصيامه صحيح تام.

 

وأما القصد فهو الاختيار، وضده الإكراه وعدم القصد، فمن أُكره على شيء من المفطرات، ففعل، أو تمضمض فبَلع شيئاً من الماء بلا قصد، أو يبس فمه فتمضمض من أجل أن يبتلَّ فمه، أو تغرغر بالماء ونزل إلى بطنه، فلا إثم عليه وصيامه صحيح.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد عبد الله ورسوله، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: عباد الله: ما سبق هي المفطرات فقط، وما عداها فلا تُفطر الصائم، ونذكر منها:

 

الاحتقان، وهو إدخال الأدوية عن طريق الدبر، أو ما يُسمى بالتحاميل.

 

وكذلك قطرة العين والأذن والاكتحال، كلُّها لا تفطر الصائم، ولو وصل طعمها إلى الحلق؛ لأنه لا يسمى أكلاً وشربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب.

 

وكذا لو أدخل المريض منظارًا إلى معدته، فإنه لا يفطر.

 

ولا بأس للصائم أن يستعمل بخاخ الربو، لأنه شيء يتطاير ويتبخر ويزول، ولا يصل منه جُرم إلى المعدة.

 

واعلموا -أيها المؤمنون-: أن من أكل أو شرب شاكًّا في طلوع الفجر، فصومه صحيح، ولو تبين طلوع الفجر بعد ذلك؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- قال: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[البقرة: ١٨٧]؛ فمن لم يتبيَّن ويتأكد، أو يغلب على ظنه طلوعُ الفجر؛ فله أن يأكل ويشرب.

 

وهذا بخلاف ما لو أكل شاكًّا في غروب الشمس، أي أنه أفطر دون تحقُّقٍ أو غلبة ظن، فهذا لا يصح صومه، لأن الأصل بقاء النهار.

 

لكن إنْ تيقن، أو غلب على ظنه أنّ الشمس قد غربت، فله أن يفطر، ولو تبيّن أنها لم تغرب فلا قضاء عليه.

 

نسأل الله أن يرزقنا الفقه في دينه، والعلمَ بحلاله وحرامه، والثبات على شرعه ودينه، إنه سميعٌ مجيب.

المرفقات

من أحكام الصيام.doc

من أحكام الصيام.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات