من أحكام الصيام (2)

عبد المجيد بن عبد العزيز الدهيشي

2023-02-24 - 1444/08/04 2023-02-28 - 1444/08/08
عناصر الخطبة
1/مبطلات الصيام 2/مسائل مهمة تتعلق بالصيام 3/من أحكام قيام الليل في رمضان

اقتباس

من أفطر في رمضان لعذر ثم مات قبل أن يتمكن من القضاء فلا قضاء عليه ولا كفارة؛ لأنه لم يصدر منه تفريط, كما لو مرض في رمضان وأفطر ثم استمر به المرض حتى توفي من مرضه, أما من تمكن من القضاء ولم يقض فيسن لوليه أو أحد أقاربه أن يصوم عنه...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

أما بعد: فاتقوا الله ربكم حق التقوى, واعلموا أن من تقوى الله -تعالى- مراعاة أحكامه والتزام حدوده، والوقوف عند محارمه, وتنفيذ أوامره وترك مناهيه، ومن حقيقة تقوى الله -تعالى- أداء العبادة التي أوجبها -سبحانه- على الوجه الذي شرعها، ومتى كان المؤمن حريصاً على أداء ما وجب عليه لربه طبق ما شرع كان علامة على صدق تقواه، ومن ذلك الصيام الواجب، ففي تشريع الصيام مقاصد جليلة من أهمها تحقيق التقوى؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].

 

أيها الأحباب: سبق الحديث عن شروط وجوب الصيام، وهي: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والقدرة على الصيام، والإقامة، والسلامة من الموانع، فمن تحققت فيه هذه الشروط وجب عليه الصيام، والصيام: هو الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات، من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، بنية العبادة لله -تعالى-.

 

أما مبطلات الصيام ومفسداته التي يجب العلم بها أولاً، والحذر منها ثانياً خلال وقت النهار من رمضان؛ فهي كالآتي:

أولا: الجماع، وهو أعظمها إثماً وأغلظها تبعة، وأقبحها في ميزان الشرع، حين يعمد المسلم فيأتي شهوته في الوقت المحرم، ويعصي ربه الذي أمره بالإمساك عنه وعن سائر المفطرات، ومن جامع بطل صومه مطلقاً، فإن كان في شهر رمضان ولم يكن مسافراً وجب عليه كفارة مغلظة وقضاء ذلك اليوم، والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد وجب عليه صيام شهرين متتابعين لا يقطعها بفطر، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً.

 

والثاني: الأكل والشرب, وحقيقته إيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف عن طريق الفم أو الأنف, أياً كان نوع المأكول والمشروب.

 

والمفطر الثالث: ما كان بمعنى الأكل والشرب مثل: حقن الدم والإبر المغذية؛ لأنها تقوم مقام الأكل والشرب ويستغني الجسم بها, أما استعمال دواء الربو الذي يؤخذ عن طريق الاستنشاق فإنه لا يفطر كما جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء, كما يجوز التقطير في العين والأذن والاكتحال ولو وجد لها طعماً في حلقه؛ لأنها ليست منفذاً إلى الجوف, وليست في معنى المفطرات على الصحيح من أقوال أهل العلم.

 

والمفطر الرابع: إنزال المني باختياره من غير جماع سواء كان بسبب التقبيل أو اللمس أو الاستمناء, أما الإنزال بالاحتلام من النائم فلا يفسد الصوم؛ لأنه ليس باختياره, ولا يفسد الصيام خروج  المذي وحده بأي سبب كان على الصحيح.

 

والمفطر الخامس: إخراج الدم بالحجامة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم"(أخرجه أحمد وأبو داود), ومثله سحب الدم الكثير بتبرع ونحوه, أما أخذ الدم القليل من الوريد للتحليل أو غيره فالصحيح أنه لا يفطر الصائم, لكن إذا كثر فالأولى تأجيله إلى الليل, فإن فعله في النهار فالأحوط القضاء تشبيهاً بالحجامة, كما أفتى به ابن باز -رحمه الله-, أما خروج الدم بالرعاف أو خلع السن أو شق الجرح والدمامل فلا يؤثر في الصيام؛ لأنها ليست حجامة ولا بمعناها.

 

والمفطر السادس: التقيؤ عمداً, فمن تعمد استفراغ ما في معدته فقد بطل صومه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ ذَرَعَهُ قَيءٌ وَهُوَ صَائِمٌ -أي: من غلبه القيء- فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَإِنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ"؛ أي: من تعمد إخراج القيء. (أخرجه أبو داود والترمذي).

 

فهذه -أيها المؤمنون- مبطلات الصيام والمفطرات التي تناقضه, فالواجب على كل صائم اجتنابها طاعة لله -تعالى- وتعبداً له.

 

وهناك مسائل مهمة يجدر التنبيه إليها وبيانها:

فالمسألة الأولى: أن من أفطر في رمضان لعذر ثم مات قبل أن يتمكن من القضاء فلا قضاء عليه ولا كفارة؛ لأنه لم يصدر منه تفريط, كما لو مرض في رمضان وأفطر ثم استمر به المرض حتى توفي من مرضه, أما من تمكن من القضاء ولم يقض فيسن لوليه أو أحد أقاربه أن يصوم عنه؛ لما ثبت في الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ", وهذا عام في كل صيام واجب سواء كان نذراً أو فرضاً على الصحيح من كلام العلماء.

 

والمسألة الثانية: لو دخل وقت الفجر والمسلم على جنابة فإن صومه صحيح, وليس من شرط الصيام الطهارة من الحدث الأكبر أو الأصغر, ولكن تجب المبادرة إلى الاغتسال؛ ليصلي الفجر مع جماعة المسلمين في المسجد.

 

والمسألة الثالثة: من فعل شيئاً من المفطرات ناسياً أو مكرهاً أو جاهلاً بالحكم أو بالوقت فلا شيء عليه؛ لعموم قوله -تعالى-: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)[البقرة: 286], ولما ثبت في الصحيـحين عنه -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ".

 

أما الجهل بالوقت فمثاله أن يأكل وهو يظن أن الشمس قد غربت وحل الفطر, ثم يتبين له أن الوقت ما زال نهاراً, فلا شيء على هذا؛ لما روى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-: أنهم أفطروا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم غيم ثم طلعت الشمس, ولم تذكر القضاء, ولكن يجب التثبت والاحتياط في غروب الشمس؛ لأن الأصل بقاء النهار, أما لو أفطر لمجرد الشك في غروب الشمس ولم يتبين ذلك بشيء من العلامات المعروفة, ثم تبين أن الوقت ما زال نهاراً فيجب عليه القضاء لأنه مفرط, إذ لا يسوغ للصائم أن يفطر حتى يتأكد من انتهاء وقت الصيام, أو يغلب على ظنه ذلك, فمن الخطأ مثلاً الفطر بمجرد إخبار صبي صغير بدون تأكد من الوقت أو سماع أذان.

 

أقول ما سمعتم, وأستغفرُ اللهَ لي ولكم, فاستغفروه إنهُ هو الغفورُ الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: ففي رمضان تتنوع العبادات التي يتقرب بها عباد الله إلى ربهم -تعالى-, ومن تلك العبادات: صلاة الليل, ففي صحيح مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم-  سئل: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: "أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم".

 

وأخرج الترمذي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة ويقول: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه", وأخرج الترمذي عن عائشة قالت: "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا" وأخرج البخاري عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر: ما ترى في صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى", وإنه كان يقول: "اجعلوا آخر صلاتكم وترا؛ فإن النبي صلى اللهم عليه وسلم أمر به", وأخرج البخاري أيضاً عن عروة أن عائشة أخبرته: "أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته -تعني بالليل-, فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية، قبل أن يرفع رأسه ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للصلاة".

 

نخلص من هذا -أيها الإخوة- أن قيام الليل بالصلاة عمل جليل ويتأكد في ليالي رمضان, وأن قيام ليالي رمضان إيماناً بالله واحتساباً للأجر من الله كفارة لما سلف من الذنوب وإن كثرت, كما أن صلاة الليل مثنى مثنى, ولا حد لأكثرها كما قرره المحققون من العلماء وعليه الفتوى, والأفضل الاقتصار على العدد الذي صلاه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة, كما ورد عن عائشة -رضي الله عنها-, ولكن نلاحظ أن صلاته -صلى الله عليه وسلم- كانت طويلة, يكفي أن سجدته -صلى الله عليه وسلم- كانت بقدر قراءة خمسين آية, والأمر فيه سعة بحمد الله -تعالى-, ولكن الذي لا يجوز أن يعمد الإمام إلى العجلة في الصلاة, بحيث لا يدرك من وراءه أداء الواجبات والأركان من قيام وركوع وسجود وغير ذلك.

 

ومن الخطأ أيضاً العجلة في تلاوة القرآن, بحيث تصل حد الهذرمة التي لا يفهم فيها ما يقرؤه الإمام, والهدف من وراء ذلك ختم القرآن الكريم, والذي يجب العلم به أن تدبر القرآن وتفهمه مقدم على ختمه بعجلة ودون تأمل وتدبر؛ (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[ص: 29], وقد كان هذا هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-  وصحابته.

 

اللهم من علينا بإدراك شهر رمضان, ووفقنا فيه للعمل الصالح وتقبله منا يا كريم.

 

المرفقات

من أحكام الصيام (2).doc

من أحكام الصيام (2).pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات