عناصر الخطبة
1/لطف الله تعالى مصاحب لابتلاءاته 2/قضاء الله تعالى للعبد خير كله 3/بالصبر على الابتلاء ينال العبد منزلة الرضا 4/مواساة وتسلية لكل ذي هم وضيقاقتباس
يا مَن أحاطَتْ به الشدائدُ والبَلِيَّاتُ، ونزلَتْ به المصائبُ والمدَلِهَّماتُ: ما اشتدَّ كربٌ إلا وهانَ، ولا تمَّ أمرٌ إلَّا وأخَذ في النُّقصان، اجْعَلْ مولاكَ نُصبَ عينيكَ، وقِبلةَ قلبكَ، والطمعَ في فَرَجِهِ منتهى سُولِكَ، وغايةَ مأمولِك، فليس على غيرِ اللهِ مُعوَّلٌ، ولا عنه مُنصَرفٌ ولا مُتحوَّلٌ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله العامِّ بِرُّه وإحسانهُ، التامِّ فضلُه ولطفُه وامتنانُه، له المحامدُ كلُّها حمدًا كما يُرضِيه لا يَفنَى على الأزمان، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةَ مَنْ نطَق لسانُه واعتقَد جِنانُه، وعَمِلَتْ أركانُه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، العليُّ مكانُه، البَهِيُّ شانُه، صلَّى اللهُ وبارَك عليه، وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناسُ ونفسي- بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-؛ فقد أُعدِّت للأتقياء جِنانُه، ووَجبَتْ للأشقياءِ نيرانُه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْحَشْرِ: 18].
أيها المؤمنون: الشدائدُ والكُرَب، والمَكارهُ والنُّوَبُ، مصحوبةٌ بهِبات اللهِ وألطافِه، وخيراتِه وإسعافه؛ (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 216]، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يُرِدِ اللهُ به خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ"(أخرجه البخاري)، وعن صهيب -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إِنَّ أمرَهُ كلَّهُ خيرٌ، وليسَ ذاكَ لأحدٍ إلَّا للمؤمنِ، إِنْ أصابَتْه سراءُ شكرَ فكانَ خيرًا له، وإِنْ أصابَتْه ضراءُ صَبَرَ فكان خيرًا له" أخرجه مسلم.
عبادَ اللهِ: قضاءُ الله -سبحانه- في عبده دائرٌ بين العدلِ والحكمةِ، والرحمةِ والنعمةِ، ومِنْ دعاءِ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهمَّ إني عبدُكَ، ابنُ عبدِكَ، ابنُ أَمَتِكَ، ناصيتي بيدكَ، ماضٍ فـيَّ حُكمُكَ، عدلٌ فـيَّ قضاؤُكَ"(أخرجه الإمامُ أحمدُ) وصحَّحَه ابنُ حبانَ من حديث عبدِالله بنِ مسعود -رضي اللهُ عنه-)، وقال أبو العباسِ بنُ عطاءٍ: "الفَرَحُ في تدبيرِ اللهِ -تعالى- لنا، والشقاءُ في تدبيرِنا".
وإذا أراد اللهُ ابتلاءَ عبدِه بمصيبةٍ هيَّأه لها، وأعانَه على الاضطلاعِ بثِقَلها، ووفَّقه لصبرٍ يزدادُ بسببِه إيمانُه، ويَقوى إيقانُه، ويَحظى بالثوابِ الجزيلِ، والأجرِ الجميلِ، قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزُّمَرِ: 10]، وقال تعالى مُخبِرًا عن أهلِ دارِ القرارِ: (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرَّعْدِ: 23-24].
وإنَّ مِنْ أجمَلِ ألطافِ اللهِ في المكارهِ والبلايا: ما ينالُه المبتلَى الصابرُ من منزلةِ الرضا؛ فهو رُوحُ مقاماتِ الدينِ، ومُستنزَلُ الخيراتِ، ومُسْتدَرُّ البركاتِ، ومَهْبِطُ الرَّحَماتِ، ولا يزال المُبتلَى يرضى عن الله حتى يرضى اللهُ عنه، قال الله -تعالى-: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)[الْبَيِّنَةِ: 8].
كتَب عمرُ بنُ الخطابِ إلى أبي موسى الأشعريِّ -رضي اللهُ عنهما-: "أما بعدُ: فإنَّ الخيرَ كلَّه في الرضا، فإن استطعتَ أن ترضى وإلَّا فَاصبر"، قال ابنُ القيم -رحمه الله-: "قال بعضُ العارفينَ: ارْضَ عَنِ اللهِ في جميعِ ما يفعلُه بكَ، فإنَّه ما مَنَعكَ إلَّا ليُعطيَكَ، ولا ابتلاكَ إلَّا ليُعافيَكَ، ولا أَمْرَضَكَ إلا ليَشفيَكَ، ولا أماتَكَ إلا ليُحييَكَ؛ فإياكَ أن تُفارقَ الرضا عنه طَرفةَ عينٍ".
نفعني الله وإيَّاكم بهدي الكتاب، وبسُنَّة النبي الأوَّاب، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور التواب.
الخطبة الثانية:
الحمد لله اللطيف الرؤوف الرحيم، المحسن البَرّ الكريم، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، أفضل صلاة وأتم تسليم.
أما بعدُ: فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، وراقِبوه ولا تَعصُوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].
يا مَن أحاطَتْ به الشدائدُ والبَلِيَّاتُ، ونزلَتْ به المصائبُ والمدَلِهَّماتُ: ما اشتدَّ كربٌ إلا وهانَ، ولا تمَّ أمرٌ إلَّا وأخَذ في النُّقصان، اجْعَلْ مولاكَ نُصبَ عينيكَ، وقِبلةَ قلبكَ، والطمعَ في فَرَجِهِ منتهى سُولِكَ، وغايةَ مأمولِك، فليس على غيرِ اللهِ مُعوَّلٌ، ولا عنه مُنصَرفٌ ولا مُتحوَّلٌ، اتَّخِذِ الصبرَ شعارًا لكَ ودِثارًا، وإياكَ إياكَ القنوطَ والياسَ، والتسخُّطَ والتضجُّرَ والإبلاسَ؛ فإنَّه يزيدُ في البلاء والمصاب، ويُحبِطُ الأجرَ ويوجبُ العقابَ.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد بن عبد الله، رسول الله، فاللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهمَّ عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب، وعنا معهم بمنك وكرمك يا كريم يا وهاب.
اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهمَّ فَرِّجْ همَّ المهمومينَ من المسلمين، ونَفِّسْ كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، اللهمَّ وفِّقْه ووليَّ عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ سَدِّدْ جندَنا المرابطينَ على الحدود والثغور، كن لهم معينًا وظهيرًا، ومؤيِّدًا ونصيرًا.
اللهمَّ سدد جنودنا المرابطين على حدود وثغور هذه البلاد قائلًا: اللهمَّ سدد جندنا المرابطين في الحدود والثغور، اللهمَّ كن لهم معينًا ونصيرًا، ومؤيدًا وظهيرًا.
اللهمَّ الطف بإخواننا المستضعَفين في فلسطين، وارحم ضَعفهم، واجبر كسرَهم، وتولَّ أمرَهم، وسدِّد خلتهم، واشفِ مريضهم، وداوِ جريحهم، واسلُكْ قَتلاهم في الشُّهداء السُّعداء.
اللهمَّ إنَّا نسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملًا صالحًا متقبَّلًا، اللهمَّ أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ، (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 53]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[النَّحْلِ: 90-91].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم