عناصر الخطبة
1/ خصائص البيت الحرام 2/بناء إبراهيم وإسماعيل البيت الحرام 3/إبراهيم ينادي الناس للحج 4/من مشاهد الحج العظيمة 5/مقصد الحجاج من حجهماقتباس
إنَّه -والله- لعملٌ عظيم ومنظرٌ هائلٌ يُثلج الصدور من ناحية ويذكّرها ويعظها من ناحية أُخرى، منظر رؤية الوافدين إلى الله؛ رؤية أناسٍ مُختلفي اللغات والأجناس جاءوا إلى المشاعر المقدّسة من كلِّ فجٍّ عميق ممتطين رواحلهم، ومنفقِين أموالهم وتاركين أوطانهم وأهليهم ومصالحهم إرضاء لله، جاءوا ليشهدوا منافع لهم وليذكروا اسم الله في أيام معلومات...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام, وهيأ لنا وسائل زيارة بيته الحرام، أحمده -سبحانه-، وأسأله أن يكتب لنا حجَّا مع الحاجّين، ويجعلنا من خيرة وفده المكرّمين، وأشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، جعل البيت مثابة للنَّاس وأمْنًا، وأشهدُ أنَّ سيّدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أفضل الملبّين وخاتم النبيين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما حجّ بيت الله وعظمت شعائره.
أمَّا بعد:
فيا عباد الله: إنَّ أمامكم اليوم لموسماً عظيماً، موسماً يجتمع فيه للعامل شرف الزمان والمكان ونزول القرآن، موسم حج بيت الله العتيق الذي جعل الله قلوب الناس تهوي إليه وترقّ لذكره وتخشع عند رؤيته إجلالاً لله وتعظيماً لشعائره.
بيت جعله الله أوَّل بيت وضعُ للناس، مباركاً وهدى للعالمين، مباركاً تعمّ بركته نواحي الحياتَيْن لمُعظّميه، ففي الدُّنيا سعة الأرزاق ووفرتها، ومتعة النّفوس وأمن القلوب، وفي الآخرة تتجلّى بركته على معظميه بالفوز بلقاء الله -سبحانه-، وحُسن الوِفادة عليه، بيت يطوف به الجاني فيُغْفَر ذنبه، ويلوذ به الخائف فيؤَمَن خوفه.
بيت له مكانته الكبرى في الأرض والسماء منذ القدَم، فقد أرى الله -سبحانه- نبيّه إبراهيم مكانه وأمره أن يشيده بإخلاص وطهارة عقيدة، فبَناه خليلُ الله أبونا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بمساعدة ابنه إسماعيل على ما أمرهما الله -سبحانه-, بنياه وهما يرددان: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:127-128].
وبعد أن أكملاه، أمر الله إبراهيم أن يُنادي في النَّاس بالحج: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) [الحج:27] فتقاصر إبراهيم صوته عن البلاغ، فقال الله: "عليك النّداء وعليّ البلاغ"، فرقي إبراهيم على مرتفع قيل: جبل أبي قبيس، وقيل غيره. فنادى في النَّاس بالحجّ. فأسمَع كل شيء حتى من في الأصلاب، فأجابه من أجابه: بلبّيك اللهمّ لبيك. فتلكم التلبية التي يُجلْجل بها صوت الحجَّاج والعمّار إجابةً لنداء الله على لسان خليله -عليه الصلاة والسّلام-، فكل مَن حجّ أو اعتمر فقد أجاب نداء إبراهيم.
فاتَّقوا الله -أيُّها المسلمون- وأجيبوا نداءَ الله؛ بالتّوجُّه إلى بقاعه المقدَّسة, آمين البيت الحرام تبتغون فضلاً من ربكم ورضواناً، فما أجمل -يا عِبَادَ الله- وِفادة المسلم على الله, ما أجمل وأروع مشاركة المسلمين عندما يفدون إلى الله مُرتَدين شبه لباس المسافر إلى الآخرة، يرددون: "لبّيك اللهمّ لبيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".
إنَّه -والله- لعملٌ عظيم ومنظرٌ هائلٌ يُثلج الصدور من ناحية ويذكّرها ويعظها من ناحية أُخرى، منظر رؤية الوافدين إلى الله؛ رؤية أناسٍ مُختلفي اللغات والأجناس جاءوا إلى المشاعر المقدّسة من كلِّ فجٍّ عميق ممتطين رواحلهم، ومنفقِين أموالهم وتاركين أوطانهم وأهليهم ومصالحهم إرضاء لله، جاءوا ليشهدوا منافع لهم وليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام, وليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوفوا بالبيت العتيق, جاءوا لحضور أكبر مجمع إسلامي وأروع مشهد روحيّ, يتجلّى فيه الحقّ على عباده فيباهي بهم ملائكته يقول: "انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثاً غُبراً من كلِّ فجٍّ عميق، أُشهدكم أني غفرتُ لهم". ويقول تعالى لعباده عشيَّة عرفَةَ: "أفيضوا مغفوراً لكم ولمَن شفعتم فيه". ولذا ما رُؤيَ الشّيطان أصغر ولا أحقر ولا أذلّ منه في ذلكم اليوم إلاَّ ما رُؤيَ يومَ بَدْر.
فيا أيُّها المسلمون: إنَّ الحجَّ لمغنم عظيم, وإنَّ سُبلهُ قد يُسِرَت، فاغتَنموا الاستكثار من الحجِّ والعُمرة، فإنَّ متابعتهما تنفي الفقر والذُّنوب كما ينفي الكيرُ خبَث الحديد. وإنّ السَفر إلى الحجِّ والعمرة لسفر إلى الله وفي سبيل الله. روى أحمد والنسائي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: "نعم عليهنّ جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة". وروى أحمد عن بريدة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف". يقول -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ. فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:96-97].
أقول قولي هذا وأسأل الله تعالى أن يُبارك لنا في كتابه الكريم وأن يفيض علينا من شفائه وهداه. إنَّه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، أحمده تعالى وأشكره، وأَشْهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، شهادةً أَرجو بها النجاة يوم نلقاه، يوم يبعثَر ما في القبور ويحصّل ما في الصدور، وأَشهدُ أنَّ سيّدنا ونبيَّنا محمداً عبده ورسوله, صلّى الله وبارك عليه وعلى آله وأَصْحابه وأتباعه, وسلَّم تسليماً كثيراً.
أَما بعد:
فيا أيُّها النَّاس: اتّقوا الله حقَّ تُقاته، ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا، واعلموا أن أصدق الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور مُحْدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.
وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذّ عنهم شذ في النَّار، وصلّوا على أَكرم نبي وأعْظم هادٍ فقد أمركم الله بذلك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنَفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر أصحاب رسولك وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذِل الشرك والمشركين, ودمِّر أعداء الدين, وانصرُ عبادك الموحِّدين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات, وأَلِّف بين قلوبهم, وأَصلح ذات بينهم, وانصرهم على عدوّك وعدوهم, واهدهم سبل السلام.
اللهم أصلح ولاة أُمور المسلمين؛ اللهم أَرِهم الحق حقا وارزقهم اتّباعه، والبَاطِلَ باطلاً وارزقهم اجتنابه. اللهمَّ ارزقهم البطانة الصالحة التي تذكِّرهم إذا نسوا وتعينهم على نوائب الحق؛ يا ربّ العالمين.
اللهمّ أَقم علَم الجِهاد، واقمع أَهلَ الشِّرك والزيغ والفساد، وانشر رحمتك على العباد.
اللهم إِنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطَن، اللهم آمِنّا في أوطاننا, واستعمل علينا وعلى سائر المسلمين في كل زمان مكان من يخافك ويتّقيك يا ذا الجلال والإِكرام.
اللهم إنّا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحوُّل عافيتك وفجأةِ نقمتك وجميع سخطك.
ربنا اغفرْ لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنَّك رءوف رحيم. ربنا لا تُزِغْ قلوبنا بعد إذْ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمةً إنَّك أنت الوهاب.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذابَ النَّار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلَّكم تذكَّرون. فاذكروا الله عظيم الجليل يذكُرْكم، واشكروه على نعمه يزدْكم ولَذِكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم