مكارم الأخلاق

علي بن محمد بارويس

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ منزلة الخلقِ الحسَن وصاحبِهِ 2/ حُسْنُ أخلاق النبي الكريم 3/ الأجر العظيم للخلق الحسَن 4/ حاجة الدعاة للأخلاق الحسنة 5/ مصيبة ذيوع الأخلاق السيئة 6/ قيمة الأخلاق في الصراعات 7/ أصول الأخلاق وطائفة منها 8/ الأحداث المصاحبة لارتفاع الأسعار 9/ نصائح للمسؤولين والتجار والعامة

اقتباس

ومِمَّا يدعو إلى حسن الخلق فضلُه العظيم، ومكانةُ أصحابِه عند الله وعند رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبين الناس؛ فصاحِبُ الخُلُقِ الحسَن مِن أكمل المؤمنين إيماناً، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "أكْمَلُ المؤمنين إيماناً أحْسَنُهُم خُلُقَا" رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان.

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ) [لقمان:33].

إخوة الإسلام: "البر حسن الخلق" رواه مسلم، ما فتئ المرسلون -عليهم السلام- يدعون الناس لمكارم الأخلاق ويحذرونهم من مساوئها، حتى جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- ليتمم مكارم الأخلاق.

وجاءت شريعة الإسلام داعية لكل خلق كريم، وناهية عن كل خلق ذميم، وبُعث محمد -صلى الله عليه وسلم- بالحنيفية السمحة يأمر أمته بالمعروف، ويحل لأمته الطيبات، قال تعالى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف:157]، أما هو فوصفه ربه بكمال الخلق فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].

وشهد له -صلى الله عليه وسلم- بحسن الخلق القريب منه والبعيد، والعدو والصديق، ولم يتمالك سيد بني حنيفة في زمنه -ثمامة بن أثال- من الاعتراف بفضله والشهادة بحسن خلقه حتى أسلم، وكان قبل مشركاً محارباً، ثم أعلن له إعجابه بشخصه وبدينه حين قال: "يا محمد! والله! ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، وقد أصبح وجهك الآن أحبّ الوجوه إلي، والله ما كان على وجه الأرض دين أبغض إلي من دينك، وقد أصبح دينك الآن أحب الأديان إلي" متفق عليه.

ترى؛ أين نشأت هذه المحبة؟ وكيف انقلبت الموازين في حياة ثمامة؟ إنها مكارم الأخلاق، وأدب المعاملة، والعفو مع المقدرة على الانتقام؛ وإذا كانت تلك المعاملة مع الكافر، فكيف كانت يا ترى معاملته -صلى الله عليه وسلم- مع المسلم؟! ويكفي هنا أن نشير إلى مقولة أنس -رضي الله عنه-: خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، والله! ما قال لي: أفّ! قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا" رواه مسلم.

فإذا وضعت في الحسبان هذه المدة في الخدمة، وأن الخادم غلام صغير ومظنة الخطأ منه أكثر من الكبير، أدركت ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- من مكارم الأخلاق وحسن المعاشرة.

معاشر المسلمين: أين التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حسن الخلق؟ ومن منا يرغِّب الآخرين في الإسلام من خلال حسن خلقه وطيب معاملته؟ وكم من المسلمين من يدعو للإسلام بسلوكياته الفاضلة وأخلاقه العالية قبل أن يدعو بلسانه ومقاله؟.

إنها أزمة أخلاق يعيشها أعداد كثيرة من المسلمين، وكم يخسر العالم بانحطاط أخلاق المسلمين فوق ما يخسره المسلمون أنفسهم!.

عباد الله: ومِمَّا يدعو إلى حسن الخلق فضله العظيم، ومكانة أصحابه عند الله وعند رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبين الناس؛ فصاحِبُ الخُلُقِ الحسَن مِن أكمل المؤمنين إيماناً، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "أكْمَلُ المؤمنين إيماناً أحْسَنُهُم خُلُقَا" رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان.

وأصحاب الخلق الحسن من خيار المسلمين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ مِن خيركم أحسنكم خلقاً" رواه البخاري في صحيحه.

وإذا تنافس المتنافسون في الصلاة والصيام فينبغي كذلك أن يتنافسوا في مكارم الأخلاق، وفي الحديث: "وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ درجة صاحب الصوم والصلاة" رواه الترمذي.

وإذا طاشت موازين العبد أثقلها حسن الخلق، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق" رواه الترمذي.

والجنة مبتغى العاملين المخلصين، وحسن الخلق يوصل العبد إليها بإذن الله؛ سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: "تقوى الله، وحسن الخلق" رواه الترمذي وابن حبان.

ومع محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحاب الأخلاق الفاضلة فهم أقرب الناس إليه مجلساً يوم القيامة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا" رواه الترمذي.

عباد الله: ولئن ضاقت أموالكم أن تسع الناس فسعوهم بأخلاقكم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم؛ ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق".

ويح المفلسين! لا من الدرهم والدينار ولكن من رصيد الأخلاق، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ولكن المفلس من أمتي: من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار" رواه مسلم.

يا أخا الإسلام: أتقدِّر هذا الموقف حق قدره وأنت تتعامل مع الناس؟ لربما أغواك الشيطان أو زين لك إخوان الشياطين فظننت أن التحايل على الخلق بالإساءة نوع من الشطارة، وأن الغش بالمعاملة قدرة فائقة، وويل لمن يأمنه الناس ظاهراً فإذا به يغدر بهم سراً، وبئس أخو العشيرة من ودعه الناس اتقاء فحشه! وأولئك شَرُّ الناس منزلة عند الله كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وما أعظم الخطب حين تسوء أخلاق أهل الديانة والفضل والعلم! وأعظم منه حين يمارس الخطأ ويسوء الخلق وصاحبه يظن ذلك من الدين، وأين حسن الخلق من تقطيب الجبين، أو من الشدة في معاملة الآخرين، أو الثورة العارمة لخطأ يقع من جاهل في الدين، أو سفيه غره صلف الشباب؟ وتقويمه ليس عسيراً، وصلاحه ليس مستحيلاً.

وينبغي أن يفرَّق بين الغيرة لدين الله والتصرف المحمود حيال المنكر، وحسن المعاملة مع المخطئ، وقد يقود الإنكار الخالي من حسن الخلق إلى وجود منكر أكبر، ولقد أوحي إلى خير البرية من ربه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران:159].

أيها المسلم: ومن حسن خلقك أن تفشي السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وإذا كان سهلاً عليك أن تنبسط إلى أصحابك وخلانك فالامتحان في قدرتك على الانبساط مع الآخرين، وحسن تعاملك معهم، وكونهم يألفونك وتألفهم، ويثقون بك، ويأمنونك على أسرارهم، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.

إخوة الإيمان: تعجز الحضارات المادية المجردة من تعاليم السماء وهدي المرسلين أن ترقى بأصحابها إلى معالي الأخلاق مهما أوتوا نصيباً من العلم في مظاهر الحياة الدنيا، ويأبى الله بغير شرعه إلا أن يرتكس أصحابه في حمأة الرذيلة، ويتمرغوا في أوحال الفساد، ويؤتوا كؤوساً مُرَّةً في أنواع الجريمة وتكاثرها، وكذلك الحال في واقع هذه الدول، وليس الخبر كالعيان، والمصيبة أن هذه الأخلاق الفاسدة بدأت تغزو العالم الإسلامي، وعبر وسائلَ جديدة، وقَلَّ مَن يتفطَّن لمخاطرها الخلقية في الحاضر والمستقبل.

إن فضائيات اليوم في معظمها لا تستحي من نقل الصورة العارية، والمسلسل الهابط، والأغنية الماجنة، والفكر المنحرف، وكل ذلك معاول هدم للقيم والأخلاق، وهي الجريمة الكبرى بحق القيم والأخلاق، يتولى كِبْرَها مَن صدَّرَها لبلاد المسلمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الرُّوم:41].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صفوة الخلق أجمعين، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين.

إخوة الإيمان: بالأخلاق الكريمة جاءت شرائع السماء، وبُعث المرسلون لعلاج ما فسد من فطر الناس وأخلاقهم، وبالأخلاق الحسنة أوصى الحكماء أبناءهم: "مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" رواه البخاري.

ولا شك أن الحياء من أساسيات الأخلاق الفاضلة، ومن وصايا لقمان لابنه: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ) [لقمان:18-19].

إن الخُلق في منابع الإسلام الأولى من كتابٍ وسُنَّةٍ هو الدين كله، وهو الدنيا كلها، فإن نقصت أمة حظاً من رفعة في صلتها بالله، أو بمكانتها بين الناس؛ فبقدر نقصان فضائلها وانهزام أخلاقها، أجل؛ إن الأخلاق عماد الأمم، وهي سبب مهم في تماسك الدول وبقائها:
إنَّما الأممُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ *** فإن هُمُ ذهبَتْ أخلاقُهُمْ ذَهَبُوا

وعلى المسلمين أن يتنبهوا إلى قيمة الأخلاق في صراعهم الحضاري مع الأُمَم الأخرى، وهل تستطيع أمة أن تثبت وجودها إذا أضاعت مقومات شخصيتها وانهارت أخلاقها؟ إن فساد الأخلاق طريق لانتهاك الأعراض وضياع الأموال، وقتل الأنفس بغير حق، وفي حسن الأخلاق ضمان بإذن الله للأمن، وانتشار الخير، وحصول الرخاء.

عباد الله: وإذا كانت الأخلاق الكريمة بهذه المثابة من الأجر والأثر فما أحرانا أن نتعرف عليها أو على شيء منها؛ ومَن وجد خيراً فلْيحمد الله، ومن وجد غير ذلك فليجاهد نفسه على الإصلاح والاستقامة.

وقد يطول بنا المقام لو ذهبنا نحصي الأخلاق الكريمة كالصدق، والصبر، والشجاعة، والحلم، والحياء، والكرم، والرفق، ونحوها؛ ولكن بعض العارفين أرجع هذه الأخلاق الفاضلة إلى أربعة أصول هي: الصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل.

والسر في ذلك -كما قيل- أن الصبر يحمل صاحبه على الاحتمال، وكظم الغيظ، وإماطة الأذى، والحلم، والأناة، والرفق، وعدم الطيش والعجلة.

والعفة تحمل على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل، وتحمله على الحياء ، وهو ركن كل خير، وتمنعه من الفحش، والبخل، والكذب، والغيبة، والنميمة.

والشجاعة تحمله على عزة النفس، وإيثار معالي الأخلاق والشيم، وعلى البذل والندى الذي هو شجاعةُ النفس وقُوَّتُها على إخراج المحبوب ومفارقته، كما تحمله الشجاعة على كظم الغيظ، والحلم، وهذه حقيقة الشجاعة، فهو ملَكة يقتدر صاحبها على قهر حظوظه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" متفق عليه.

أما العدل فيحمل صاحبه على اعتدال أخلاقه وتوسطه بين طرفي الإفراط والتفريط، فلا يسرف ولا يقتر، ولا يجبن ولا يتهور، ولا يغضب ولا يهان، وهكذا.

يا أخا الإسلام: عد إلى نفسك، وتأمل قربك أو بعدك من هذه الأخلاق، واعلم أنها سبب للسعادة في الدنيا وطريق إلى الجنة في الآخرة، فيها رضا الله، وقرب من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبها تحصل محبة الناس، والعكس بالعكس، وفضل الله يعطيه من يشاء، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].

أيها الإخوة: غير بعيد عن موضوعنا، وعن الأخلاق ما حصل من أحداث مؤلمة في اليومين الماضيين وما زالت الأحداث حاضرة للعيان كما شاهدناه، أدمى قلوبنا، وحز في نفوسنا، وآلم العقلاء وأهل الرأي والفكر وبعد النظر، فسارعوا إلى استنكاره؛ بل استغرابه عن مجتمعنا وبيئتنا، وذلك لما عرف عن مجتمعنا من سلامة فطرة، ورجاحة عقل، وحكمة وروية مشهودة، حسبنا الشهادة النبوية العظيمة: "الإيمان يمانٍ، والفقه يمانٍ، والحكمة يمانية" متفق عليه.

أيها الإخوة: إن استغرابنا واستنكارنا للمشاهد المؤلمة من إزهاق أنفس معصومة واعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وحوادث حرق وتدمير عبثي طال كثيراً من المؤسسات والمنشآت لا يعني بالضرورة رضانا بما حصل من ارتفاع الأسعار وغلاء فاحش فيما للناس فيه حاجة وضرورة، ويؤثر على شرائح المجتمع سلباً في معاشها وطمأنينتها وأمنها الغذائي والمعيشي.

إننا بحاجة -أيها الإخوة- إلى وضع الأمور في نصابها ومحاولة علاجها من خلال النصيحة الواجب علينا قولها، والتي حمَّلنا الله إياها بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة ثلاثاً، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم.

فأوجه نصيحتي:
أولاً: لولاة الأمر وأهل الحل والعقد، وعلى رأسهم الحكومة الموقرة، سائلاً الله -عز وجل- لها السداد والصواب والتوفيق، وأن يجنبها الخطأ والزلل في القول والعمل، فأقول: إننا ندرك ما تعانيه البلاد من هجمات، وما عليها من التزامات تدعوها إلى اتخاذ بعض القرارات المؤلمة التي تراها من وجهة نظرها صائبة ومحققة للمصلحة العامة.

ولكننا؛ بحسب نظرنا المتواضع، نثق فيكم، ونأمل أن تراجعوا هذه القرارات وفق المعطيات المستجدة، وأن تفسروا للناس ما قمتم به تفسيراً يقطع شكوك الناس بأنهم سيلقون مصيرهم مع الغلاء الفاحش، وأن تقوموا بالتدابير الواقية لحماية المجتمع، وتأثير ذلك على معاش الناس، وبث حاجتهم وضرورتهم، ورفع المعاناة عن قطاع كبير، وهم الأغلبية الساحقة من الشعب.

نرجو أن تولوا المراجعة للقرارات والتفسير المطلوب والمعالجات الجادة المصحوبة لطمأنينة الناس على معاشهم لما يقطع أبواب الفتنة والطريق على من يريد بهذا الشعب شراً وتطرفاً واختلافاً.

ثانياً: أوجه نصيحتي لمعاشر التجار وأرباب الأعمال أن يتقوا الله -عز وجل-، وألا يستغلوا أي حدث وقرار لرفع الأسعار ارتفاعاً يفوق التوقعات، ويدخل على الناس الحرج العظيم، فإن أبيتم وفعلتم هذا فقد أوغرتم صدور الفقراء وامتلأت حقداً عليكم، ورغبة في الانتقام منكم، وحصل ما كنتم تخشونه.

أما إذا قمتم بالرفق الواجب، وخففتم من معاناة الناس، وحرصتم على دفع حاجة الناس ومساعدتهم، فكما أنكم تؤجرون على ذلك، ساهمتم مساهمة فاعلة في حماية المجتمع؛ بل وحماية أنفسكم؛ وفَّقَكُمُ اللهُ لِكُلِّ خيرٍ.

أما نصيحتي الثالثة فأخصكم بها معاشرَ المستمعين، ومن سمع خطبتي من عموم المسلمين، فأقول لكم مذكراً ومحذراً وواعظاً: اتقوا الله -عَزَّ وجل- في أنفسكم وبإخوانكم وفي مجتمعكم، احذروا مسالك الفساد والإفساد، واعلموا أن الدماء والأموال والأعراض محرمة حرمة عظيمة شبهها النبي -صلى الله عليه وسلم- بحرمة البيت العتيق في أطهر بقعة في الأرض، والشهر الحرام، واليوم الحرام.

فاللهَ اللهَ أن تفتحوا باباً للفتنة كان مغلقاً! وأن تسارعوا إلى تخريب بيوتكم بأيديكم، وأناشدكم أن تأخذوا على يد العابثين وتأطروهم على الحق أطراً، فنحن جميعاً ركاب سفينة واحدة، والعبث بأمن المجتمع يعتبر من أعظم الجرائم وأخطر مداخل الفتنة.

وانظروا -بارك الله فيكم- إلى عواقب الأمور، وخذوا برأي أهل الرأي والفكر والعلم فإنهم عن نظر تقدموا، وعن نظر توقفوا، بارك الله فيكم، وهداني وإياكم سبيل الرشاد، وحمى الله عز وجل البلاد والعباد من كل سوء ومكروه، ووفقنا لما يحبه ويرضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هذا وصلوا على من أمرتم بالصلاة عليه، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الأئمة الخلفاء، الأئمة النجباء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة والقرابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وجودك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، واحم حوزة الدين، واهلك الكفرة المحادين لدينك، المعادين لأوليائك الذين يبغونها عوجا، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسائر الفتن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وتتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...

 

 

 

 

المرفقات

الأخلاق

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات