عناصر الخطبة
1/من مفاتيح الرزق: تطبيق شرع الله في الأرض 2/من مفاتيح الرزق: الهجرة في سبيل الله 3/من مفاتيح الرزق: إعانة الفقراء والمحتاجين 4/من مفاتيح الرزق: الزواج بينة العفاف 5/من مفاتيح الرزق: الدعاء والتوسل إلى الله باسمه الرزاقاقتباس
الربا -أيها المسلمون- سبب الأزمات الاقتصادية العالمية، والآفات والأمراض المذهبة للمال؛ لأنه ببساطة إعلان للحرب مع الله، وبالمقابل الصدقات والقرض الحسن يبارك الله فيه، فمن أراد أن يبارك الله في رزقه، فـ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نِعَمِك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضل رسلك، وأنزلت علينا خير كتبك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: فقد سبق الحديث في الخطب الماضية عن ستة مفاتيح للرزق؛ فتحدثنا عن مفتاح التوبة والاستغفار، ومفتاح تقوى الله -جل وعلا-، ومفتاح التوكل على الله، ومفتاح التفرغ لعبادة الله، ومفتاح صلة الرحم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يُبسَط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره؛ فلْيَصِلْ رَحِمَه"(رواه البخاري)، ومفتاح الصدقات والنفقات؛ لقوله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ: 39]، وقول أحد الملكين كل صباح: "اللهم أعْطِ منفقًا خلفًا، وقول الآخر: اللهم أعْطِ ممسكًا تلفًا"(رواه البخاري).
ونختم خطبتنا اليوم حول بعض مفاتيح الرزق الأخرى، وإن كان ما يزال الكثير منها، فما على الإنسان سوى السعي للحصول على رزقه؛ لقوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[هود: 6].
المفتاح السابع: تطبيق شرع الله في الأرض، فلو طبَّقنا شرع الله في الأرض لفتح علينا من بركاته؛ وتأملوا خطاب الله لأهل الكتاب في قوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ)[المائدة: 66]، فالشرط في فتح البركات رهينٌ بمدى تطبيقهم لِما في كتبهم التي أُنزلت إليهم لما كانت صحيحة قبل التحريف، أما بعد نزول القرآن ونسخه لما سبق، فالشرط في اتباعهم؛ هم والمسلمون لما أنزل الله فيه، والنتيجة إنزال السماء بركتها، وإخراج الأرض بركتها؛ فيعم الرخاء؛ وهذا كقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف: 96]، فما أصاب الأمة من ضيق في مواردها سببه البعد عن شرع الله، وأُعطي مثالًا بالربا، فانتشاره إعلان للحرب على الله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)[البقرة: 278-279]، فالمرابون أرادوا الرزق والربح، ولكن من غير طريقه الحلال، الآخذ والمعطي سواء، فجاء التغليظ في تحريمه، قال صلى الله عليه وسلم: "درهمُ ربًا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنيةً"(رواه أحمد في مسنده، وصححه الألباني)، فكيف بالدراهم؟ وقال صلى الله عليه وسلم: "الربا ثلاثة وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه"(رواه الحاكم في المستدرك، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ"، فمن هذا الذي يرضى أن ينكح أمه؟
لكن ما علاقة تعاطي الربا بالرزق؟
تأملوا معي قوله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)[البقرة: 276]، والمَحْقُ هو ذهاب البركة، فعاملهم الله بنقيض قصدهم، أرادوا أن يربحوا ولكن عاقبتهم إلى زوال، فبالربا يقع الإفلاس للكثيرين أفرادًا ودولًا، وهو سبب الأزمات الاقتصادية العالمية، وهو سبب الآفات والأمراض المذهبة للمال؛ لأنه ببساطة إعلان للحرب مع الله، فهل ترانا ننتصر؟
وبالمقابل الصدقات والقرض الحسن يبارك الله فيه، فمن أراد أن يبارك الله في رزقه، فليبتعد عن الحرام، وليطبِّق شرع الله -سبحانه-.
المفتاح الثامن: الهجرة في سبيل الله، فإذا ضاق عليك الرزق في مكان فتحوَّل إلى مكان آخر، تحرك في الأرض، قال تعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)[النساء: 100]، ومعنى: (مراغمًا) يتزحزح عما هو فيه من الضيق، (وسعة) أي: في الرزق، فالهجرة تنفيس عن الروح، وزيادة في الرزق.
وهناك عشرات القصص التي نعرفها ممن ضاقت عليهم السبل في مكان، فلما تحولوا وانتقلوا إلى غيره فتح الله عليهم، فهاجر من أجل رزقك، ولا تبقَ حبيس مكانك.
المفتاح التاسع: إعانة الضعفاء والفقراء والمحتاجين، وطلبة العلم، عن مصعب بن سعد، قال: "رأى سعد -رضي الله عنه- أن له فضلًا على من دونه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم؟"(رواه البخاري) أي: ببركتهم ودعائهم؛ لصفاء ضمائرهم، وقلة تعلقهم بزخرف الدنيا، فيغلب عليهم الإخلاص في العبادة، ويُستجاب دعاؤهم؛ عن ثابت، عن أنس -رضي الله عنه-: "أن أخوين كانا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحدهما يحضر حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ومجلسه، وكان الآخر يقبل على صنعته، فقال: يا رسول الله أخي لا يعينني بشيء؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فلعلك تُرزق به"(رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله، وصححه الألباني).
فيا أيها الأخ الفاضل: إذا كانت لك أخت تعيلها لموت أبيك، أو طُلقت، وأنت تنفق عليها، أو لك أخ صغير، أو يبحث عن عمل وأنت تنفق عليه، فلا تتضجر ولا تتبرم، واجتنب الشكوى؛ فلعلك تُرزق بذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "خير بيت في المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُحسَن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه"(رواه البخاري في الأدب المفرد، وضعفه الألباني).
وأنا أعرف بيتًا من بيوت المسلمين كان عندهم يتيم فأفاض الله عليهم من رزقه، فكانوا مضرب المثل بالغِنى والكرم في بلدهم، فلما خرج تراجعوا وتبدل الحال، فأنا أفرح لما أرى شبابًا في هذه المدينة، وغيرها يتحدون في قافلة، يجمعون الطعام والملابس، وغيرها، فيقصدون المناطق النائية والضعيفة، فيعينونهم بما يستطيعون، فهؤلاء يحيون واجب التضامن والتعاون، وهؤلاء أجدر أن يعينهم الله -سبحانه-.
فاللهم افتح علينا من بركات رزقك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى.
أما بعد: فالمفتاح العاشر: الزواج، قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة حقٌّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف"(رواه الترمذي، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ") المجاهد، ثم المكاتب، وهو العبد الذي يتفق مع سيده على أن يقدِّم له مالًا فإذا أتمه يصبح حرًّا، والذي يهمنا في موضوعنا هو الناكح يريد العفاف، والمعونة متعلقة بشرط الزواج بنية إعفاف نفسه؛ حتى لا يقع في الحرام، ولا سيما في زمان الفتنة بالنساء في كل مكان -نسأل الله السلامة والعافية-، قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور: 32]، فالتمس الغِنى في الزواج، ولا تمنع ابنتك أو أختك من رجل صالح بدعوى أنه فقير؛ فالزواج مفتاح الرزق والغنى.
المفتاح الحادي عشر: الدعاء، من أسماء الله الحسنى: الرزَّاق، فادعوا الله به، قل: يا رب ارزقني، وأقدم لكم نموذجًا واحدًا لصحابي من صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يُقال له: أبو أمامة، فقال: "يا أبا أمامة ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت صلاة؟" قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: "أفلا أعلمك كلامًا إذا قلته أذهب الله همَّك، وقضى عنك دينك؟" قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: "قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من غلبة الدين، وقهر الرجال" قال: فقلت ذلك فأذهب الله -عز وجل- همي، وقضى عني ديني"(رواه أبو داود، وضعفه شعيب الأرناؤوط).
فاللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من البخل والجبن، ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم