مغناطيس القلوب

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2025-03-07 - 1446/09/07 2025-03-16 - 1446/09/16
عناصر الخطبة
1/القلوب ينجذب بعضها لبعض 2/الحث على إفشاء السلام 3/من بركات إفشاء السلام وثمراته 4/سلام الملائكة على المؤمنين

اقتباس

السلام يملأ حياتك بالأمن فتسلم من الشقاق والفرقة والخلاف، ويخيم عليها الهناء والمحبة والصفاء والسلامة، بضمان رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فقد قال: "أفشوا السلام تسلموا"(رواه أحمد وحسنه الألباني)؛ أي: تسلموا من التنافر والتقاطع...

الخُطْبَةُ الأُولَى:  

 

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

 

عباد الله: أوصيكم بلزوم تقوى الله حتى نلقاه قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

إخوة الإيمان: هل للقلوب مغناطيس يستطيع جذب بعضها إلى بعض؟.

 

نعم للقلوب مغناطيس، يجذب بعضها إلى بعض، بل يفتح مغاليق أبوابها، أرأيت الحديد كيف يستسلم لجاذبية المغناطيس؟! فكذلك القلوب لها مغناطيس يجذب بعضها إلى بعض مهما اختلفت، تُرى ما هو جاذب القلوب ومغناطيسها؟.

 

تعال معي إلى الحبيب -صلى الله عليه وسلم- وهو يهتف بنا: دونكم مغناطيس القلوب وجاذبها، والذي لا يدعها حتى يفتح مغاليقها: "أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"(رواه مسلم).

 

إنها وصفة تملأ الحياة حباً ووداداً، ضمانٌ من محمد -صلى الله عليه وسلم- لمن التزم السلام وداوم على إفشاءه أن يكون محبوباً؛ فتُقبل عليه القلوب ويألفه كل من يعاشره، فما أحوجنا في حياتنا المعاصرة إلى هذه الوصفة النبوية، في بيوتنا مع زوجاتنا وأبنائنا، في مجتمعنا مع جيراننا وأقاربنا، في أماكن تواجدنا مع زملائنا وأصدقائنا.

 

سأل رجلٌ أحد الحكماء فقال: "بيني وبين زوجتي خلاف وشقاق ونُفرة، فما السبيل إلى حلها؟"، قال: "سلّط عليها السلام"، سارع الرجل بتطبيق الوصية، فما هي إلا أيام وإذ بالقلوب تأتلف والمودة تخيم على حياته.

 

لنتأمل هذه الوصية العظيمة التي أهداها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنس -رضي الله عنه- حين قال: "يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلم؛ فتكون بركة عليك وعلى أهل بيتك"(رواه الترمذي وحسنه الألباني)، فما بالكم ببيت تحل فيه البركة، كيف ستكون حياة أهله؟ ما بالكم بزوج مبارك، وأسرة مباركة كيف تكون حياتهم؟ بركة في الأبدان، وبركة في الأعمار، وبركة في الأرزاق، وبركة في العيش والعشرة، ألا ما أطيب الحياة وأسعدها حين يلهج أهلها بالسلام؛ إنه يملأها الحياة حباً ووداداً وألفة، ويملأها خيراً وطيباً وبركة، فهيا ننشر في أرجاء حياتنا رسول الحب ومغناطيس القلوب.

 

السلام يملأ حياتك بالأمن فتسلم من الشقاق والفرقة والخلاف، ويخيم عليها الهناء والمحبة والصفاء والسلامة، بضمان رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فقد قال: "أفشوا السلام تسلموا"(رواه أحمد وحسنه الألباني)؛ أي: تسلموا من التنافر والتقاطع، وتدوم لكم المودة وتُجمع القلوب وتزول الضغائن.

 

بالسلام يطيب الإخاء ويصفو الوداد، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إن مما يصفي لك ود أخيك ثلاثاً: أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وأن تدعوه بأحب أسمائه إليه، وأن توسع له في المجلس"(شرح السنة للبغوي).

 

بل إن الرب -جل وعلا- جعل من يفشي السلام في بيته في ضمانه ورعايته، فيسلم وتسلم أسرته من كل سوء وشر وفتنة، فعن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة كلهم ضامن على الله -عز وجل-"، وذكر منهم: "ورجل دخل بيته بسلام، فهو ضامن على الله -عز وجل-"(رواه أبو داود وصححه الألباني)، ومعنى "ضامِنٌ على الله" يعني: "وعد الله وعدًا لا خلفَ فيه أن يعطيَهُم مرادَهم"(المفاتيح في شرح المصابيح).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَى نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

 

عباد الله: السلام هدية ربانية لمن أراد حياة الأنس والسرور والسعادة والهناء، تأمل قول الله -جل وعلا-: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[النور: 61]، تأمل فقوله -جل وعلا-: (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) فيها من الخيرات والبركات والرحمات، وطيب الحياة ما لا يخطر للعبد على بال؛ ولذلك قال في وصفها: (مباركة طيبة) أي: تملأ حياة المحافظ عليها طيباً وبركة، وتحوطه بالأمن والسلامة والخير العميم، وتجتذب إليه القلوب؛ فتطيب له الحياة فيسعد ويُسعد، ولعل هذا هو السر في كونها أول أمر كلف الله به أبونا آدم -عليه السلام- حيث قال -جل وعلا-: "اذهب فسلم على أولئك من الملائكة، فاستمع ما يحيونك، تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله"(رواه البخاري).

 

السلام يجعل صاحبه أولى الناس بحفظ الله ورعايته وخيراته وبركاته، فعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام"(رواه أبو داود وصححه الألباني).

 

السلام ليس مصاحباً لك في رحلتك الدنيوية فحسب، بل هو أول ما يطرق سمعك عندما تفارق هذه الحياة؛ (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[النحل: 32]، وأول ما يطرق سمعك عندما يفتح لك باب الجنة فتلج؛ (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)[الزمر: 73]، والسلام تحيتك عندما تلقى ربك -جلا وعلا- قال -تعالى-: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا)[الأحزاب: 44].

 

وأول ما يطرق سمعك عندما تنعم في الجنة باجتماع شمل المحبين؛ (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرعد: 23 - 24]، فلله كم في السلام من الخيرات والبركات التي يسعد بها المسلم في الحياة، وبعد الممات وعند دخول الجنات.

 

أفش السلام تنل ضمانة ربنا *** بالطيب والبركات يصحبها الهنا

فقلوب من تهوى ترفرف فرحةً *** ويزورها سعد المحبة والمنى

تلقاهمُ ببشاشة وطــلاقة *** وتـحـية قدســية من ربنـا  

من كان يلهج بالسلام تحيةً *** فالقلب يقبل نحوه بل قد دنا

وبيوت من تُفشي السلام قريرة *** فالحب في تلك البيوت تمكنَ

 

ختاماً -عباد الله- علينا أن نحافظ على إفشاء السلام ورده، ونجعله ملازماً لنا في كل حياتنا، علينا أن نتذكر ثمرات المحافظة على السلام، ونحدث بها أهلينا وأبنائنا وكل من استطعت؛ لينعموا بتلك الثمرات، علينا أن نجعل بيوتنا تنعم بالسلام عند الدخول والخروج، وندرب أهلينا على ذلك ونلزمهم به.

 

اللهم جعلنا الله وأياكم ممن ينعم بالسلام، وممن تقول لهم الملائكة عند رحيلهم من الدنيا: (سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ)[النحل: 32]، وممن تدخل عليهم الملائكة في الجنة وتقول لهم: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرعد: 24].

المرفقات

مغناطيس القلوب.doc

مغناطيس القلوب.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات