مغفرة الذنوب بيسير القول والعمل

عبدالمحسن بن محمد القاسم

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ الحكمة من خلق الثقلين 2/ كثرة ذنوب العباد وتنوعها 3/ أعمال يسيرة تغفر الذنوب 4/ فرح الله بتوبة التائبين

اقتباس

الذنبُ قبيحٌ، وأقبحُ منه عدمُ التوبة والاستِغفار، ومن طرقَ بابَ التوبة وجدَه مفتوحًا، ومن صفات الله المغفرَةُ والعفوُ والسِّترُ، والله يفرحُ بتوبة التائب إليه، ويُبدِّلُ سيئاته حسناتٍ، وتركُ الذنبُ أيسرُ من طلبِ التوبة، وقد يخفَى أثرُ الذنبِ عن الخلق لكنَّ الله يعلمُه، وقد يظهرُ أثرُه على ..

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى؛ فتقوى الله منارُ الهُدى، والإعراضُ عنها سبيلُ الشَّقا.

أيها المسلمون: خلق الله الثَّقَلَيْن لعبادته؛ فمن أطاعه وعدَه بالجنة، ومن عصاه توعَّده بالجزاء الأليم، والحسابُ عنده -سبحانه- بمثاقيل الذرِّ، قال -عزّ وجل-: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 8].

وذنوبُ العباد كثيرةٌ، منها ما هو كأمثال الجبال، قال -عليه الصلاة والسلام-: "يجِيءُ يوم القيامة ناسٌ من المُسلمين بذنوبٍ أمثال الجبال". رواه مسلم.

ومنها ما هو كزَبَد البحر، في الحديث عنه: "...حُطَّت خطاياه وإن كانت مثلَ زَبَد البحر".

والذنوبُ منها ما هو قلبيٌّ؛ كاعتقاد أن غيرَ الله ينفعُ أو يضرُّ، أو ضعف التوكُّل على الله، أو الكِبر، أو الحسَد.

ومنها: أوزارٌ قوليَّةٌ؛ كدعاء غير الله من الأموات وغيرهم، أو الحلِف بغير الله، أو الكذِب، أو الغِيبة.

ومنها: خطايا فِعليَّة؛ كالطواف على القبور، أو القتل، أو السرقةِ، أو الزنى.

والشركُ بالله لا يغفِرُه الله إلا بالتوبة، وفي الآخرة صاحبُه مُخلَّدٌ في النار، والكبائرُ لا يُكفِّرُها الله إلا بالتوبة، وقد تُكفَّرُ بعملٍ صالحٍ إذا قوِيَ الصدقُ والإخلاصُ؛ كما سقَت البغِيُّ كلبًا فغُفِر لها، وفي الآخرة صاحبُ الكبيرة إن لم يتُب فهو تحت المشيئةِ، إن شاء عذَّبَه، وإن شاء غفرَ له.

وصغائرُ الذنوب يُكفِّرُها اللهُ إن اجتُنِبَت الكبائرُ، قال -سبحانه-: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء: 31].

قال ابن كثيرٍ -رحمه الله-: "أي: إذا اجتنبتُم كبائرَ الآثام التي نُهيتُم عنها كفَّرنا عنكم صغائرَ الذنوبِ وأدخلناكم الجنةَ".

ومُكفِّراتُ صغائر الذنوبِ: اعتقادٌ صحيحٌ، أو قولٌ أو عملٌ صالحٌ تُغفَرُ الزلَّةُ به.

وهو -سبحانه- توابٌ يبسُطُ يدَه بالنهار ليتوبَ مُسيءُ الليل، ويبسُطُ يدَه بالليل ليتوبَ مُسيءُ النهار، قال تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) [النساء: 27].

وذنوبُ بني آدم -وإن كثُرت- ففضلُ الله سابِغٌ على عباده؛ إذ شرعَ لهم طاعاتٍ يُوالِيها عليهم لتُكفَّرَ عنهم سيئاتُهم. فالتوحيدُ الخالصُ المُتَّصِفُ بالصدقِ واليقينِ المُجانبُ لنواقضِه يُكفِّرُ الذنوبَ، قال -عليه الصلاة والسلام-: "...ومن لقيَني بقُراب الأرض خطيئةً لا يُشرِكُ بي شيئًا لقيتُه بمثلها مغفرةً". رواه مسلم.

وشأنُ التوحيد عند الله عظيمٌ لمن حقَّقه؛ فيومان في الأسبوع يغفِرُ الله فيهما لكل مُسلمٍ لا يُشرِكُ بالله شيئًا، إن لم تُغشَ كبيرةٌ من كبائر الذنوبِ، قال -عليه الصلاة والسلام-: "تُفتحُ أبوابُ الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفَرُ لكل عبدٍ لا يُشرِكُ بالله شيئًا، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال: أنظِروا هذَين حتى يصطلِحَا". رواه مسلم.

ولأهمية الصلاةِ وفضلِها وعظيم شرفِها كانت إقامتُها وأفعالٌ وأقوالٌ تسبِقُ أداءَها سببَ غُفران الذنوب؛ فالأذانُ عبادةٌ قوليَّةٌ يوميَّةٌ، يحُطُّ الله به الخطايا؛ بل ويُغفَرُ للمُؤذِّن مدَّ صوته، و"إذا قال المُؤذِّنُ: أشهد أن محمدًا رسول الله، فقال من سمِعَه: وأنا أشهد، رضيتُ بالله ربًّا، ومُحمدٍ رسولاً، وبالإسلام دينًا؛ غُفِرَ له ذنبُه". رواه مسلم.

ومن أحسنَ الوضوءَ خرجَت ذنوبُه مع قطرِ الماء أو مع آخره، فإن هو "قام فصلَّى فحمِدَ الله وأثنَى عليه ومجَّدَه بالذي هو له أهلٌ، وفرَّغَ قلبَه لله إلا انصرَفَ من خطيئتِه كهيئتِه يوم ولدَتْه أمُّه". رواه مسلم.

"ولا يتوضَّأُ رجلٌ مسلمٌ فيُحسِنُ الوضوءَ فيُصلِّي صلاةً، إلا غفَرَ الله له ما بينَه وبينَ الصلاة التي تلِيها". متفق عليه.

وخُطواتُ المشي إلى الصلاة إحداها تحُطُّ خطيئةً والأُخرى ترفعُ درجةً، وإسباغُ الوضوء على المكارِه، وكثرةُ الخُطا إلى المساجِد، وانتظارُ الصلاة بعد الصلاة؛ تمحُو الخطايا وترفعُ الدرجات.

ومن أتى المسجِدَ ينتظرُ الصلاةَ تعرَّضَ لنفحاتِ الله بدُعاء الملائكة له بالمغفرةِ والرحمة، قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يزالُ أحدُكم في صلاةٍ ما دام ينتظِرُها، ولا تزالُ الملائكةُ تُصلِّي على أحدِكم ما دام في المسجِد؛ تقول: اللهم اغفِر له، اللهم ارحمه، ما لم يُحدِث". رواه البخاري.

قال ابن بطَّال -رحمه الله-: "فمن كان كثيرَ الذنوبِ وأراد أن يحُطَّها الله عنه بغير تعبٍ فليغتنِم مُلازمةَ مكان مُصلاَّه بعد الصلاة؛ ليستكثِرَ من دُعاء الملائكة واستِغفارهم له".

وإذا أمَّنَ الإمامُ بعد قراءة الفاتحة وأمَّن المأمومُ "فوافقَ تأمينُه تأمينَ الملائكةِ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه". متفق عليه.

"وإذا قال الإمامُ: سمِع الله لمن حمِدَه، وقال المأمومُ: اللهم ربَّنا لك الحمدُ، فإنه من وافقَ قولُه قولَ الملائكة غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه". متفق عليه.

وأقوالٌ بعد الصلاة تُكفِّرُ الخطايا؛ فـ"من سبَّح اللهَ دُبُر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمِدَ الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّرَ اللهَ ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعةٌ وتسعون، وقال تمام المائةِ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شيءٍ قدير، غُفِرَت خطاياه وإن كانت مثلَ زبَد البحر". رواه مسلم.

والصلواتُ الخمسُ تحُطُّ السيئات، قال -عليه الصلاة والسلام-: "أرأيتم لو أن نهرًا ببابِ أحدِكم يغتسِلُ منه كل يومٍ خمسَ مراتٍ؛ هل يبقى من درَنه شيءٌ؟!". قالوا: لا يبقَى من درَنه شيءٌ. قال: "فذلك مثَلُ الصلوات الخمسِ، يمحُو الله بهنَّ الخطايا". متفق عليه.

وفي كل أسبوعٍ عبادةٌ تُكفِّرُ صغائرَ الذنوب، قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يغتسِلُ رجلٌ يوم الجمعة ويتطهَّر ما استطاعَ من طُهرٍ ويدَّهِنُ من دُهنه أو يمسُّ من طِيب بيته، ثم يخرجُ فلا يُفرِّقُ بين اثنين، ثم يُصلِّي ما كُتِب له، ثم يُنصِتُ إذا تكلَّم الإمامُ، إلا غُفِر له ما بينه وبين الجُمعة الأخرى". رواه البخاري.

وصومُ رمضان يُكفِّرُ ما بينه إلى رمضان المُقبِل إذا تُرِكت المُوبِقات، "ومن قامَ رمضان إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام ليلةَ القدر إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه". رواه البخاري.

وصومُ يوم عرفة يُكفِّرُ السنةَ الماضيَةَ والباقية، وصيامُ عاشوراء يُكفِّرُ السنةَ الماضيةَ، والصدقةُ تُكفِّرُ الخطايا، قال -عليه الصلاة والسلام-: "والصدقةُ تُطفِئُ الخطيئةَ كما يُطفِئُ الماءُ النارَ". رواه الترمذي.

والحجُّ يمحُو الذنوبَ، قال -عليه الصلاة والسلام-: "من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه". متفق عليه.

ومن فضل الله على المُؤمن: أن أقوالَه وأعمالَه الصالحة إن قصُرَت به فإنه يُكفِّر عنهم ذنوبَهم بما يُصيبُ قلوبَهم من الهموم والأحزان والغموم، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما يُصيبُ المُسلِمَ من همٍّ ولا حزنٍ ولا أذًى ولا غمٍّ إلا كفَّر الله بها من خطاياه". متفق عليه.

"والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المُنكر، والصلاةُ، والصدقةُ، والصومُ؛ تُكفِّرُ فتنةَ الرجل في أهلِه ومالِه وولدِه". متفق عليه.

والأعمالُ الصالحةُ المُطلقةُ بأنواعها -كتلاوة القرآن، وبرِّ الوالدين، وصِلة الأرحام- تُكفِّرُ السيئات، قال -جلّ شأنُه-: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود: 114]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "وأتبِع السيئةَ الحسنةَ تمحُها". رواه الترمذي.

وتَكَرَّمَ الله بأقوالٍ لم تُقيَّد بزمنٍ تُكفِّرُ الآثام؛ فـ"من قال: سبحان الله، مائة مرة؛ كُتِبَت له ألفُ حسنة، أو حُطَّت عنه ألفُ خطيئة". رواه مسلم.

وكلماتٌ من الأذكار تغفِرُ الذنوبِ؛ فـ"من قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائةَ مرةٍ؛ حُطَّت خطاياه وإن كانت مثلَ زبَد البحر". متفق عليه.

وشرعَ الله أفعالاً غيرَ مُقيَّدةٍ بزمنٍ تُغفَرُ بها الذنوب؛ فالعُمرةُ إلى العُمرة كفَّارةٌ لما بينهما، والإحسانُ إلى الخلق يحُطُّ الخطايا، فـ"بينما كلبٌ يطيفُ برَكِيَّةٍ كاد يقتلُه العطشُ؛ إذ رأَتْه بغِيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزَعَت مُوقَها، فسقَتْه فغُفِرَ لها به". متفق عليه.

والعفوُ والصفحُ يغفِرُ الذنوب، قال -سبحانه-: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) [النور: 22].

وتكرَّم الله على عباده بمغفرة ذنوبِ مجالسِهم بأقوالٍ يسيرةٍ يقولونها بعد انصِرافهم منه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "من جلَسَ في مجلسٍ كثُرَ فيه لغَطُه ثم قال قبل أن يقُوم: سبحانك ربَّنا وبحمدِك، لا إله إلا أنت، أستغفِرُك وأتوبُ إليك؛ غُفِر له ما كان في مجلسِه ذلك". رواه النسائي.

والطعامُ مُتعةٌ وقوةٌ للأبدان، وإذا شكَرَ المُسلمُ ربَّه عليه غُفِرَت ذنوبُه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "من أكلَ طعامًا ثم قال: الحمدُ لله الذي أطعمَني هذا ورزَقنيه من غير حولٍ مني ولا قوةٍ، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه". رواه أبو داود.

وإن أصابَ الجسدَ مشقَّةٌ أو جَهدٌ أو شِيكَ بشوكةٍ أو نحوها، كانت حطًّا لمعاصِيه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما يُصيبُ المُسلِمَ من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا همٍّ ولا حُزنٍ ولا أذًى ولا غمٍّ، وحتى الشوكة يُشاكُها؛ إلا كفَّر الله بها من خطاياه". متفق عليه.

والمرضُ كفَّارةٌ للمريض، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما من مُسلمٍ يُصيبُه أذًى -مرضًا فما سِواه- إلا حطَّ الله له سيئاتِه كما تحُطُّ الشجرةُ ورقَها". متفق عليه.

ومجالِسُ الذِّكرِ تحُطُّ الأوزارَ، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن لله ملائكةً يطُوفون في الطُّرق يلتمِسون أهلَ الذِّكر، فإذا وجَدوا قومًا يذكُرون اللهَ تنادَوا: هلُمُّوا إلى حاجتكم"، قال: "فيحُفُّونَهم بأجنحَتهم إلى السماء الدنيا"، قال: "فيسألُهم ربُّهم -وهو أعلمُ بهم-: ما يقولُ عبادي؟!"، قال: "يقولون: يُسبِّحونك ويُكبِّرونك ويحمَدونك ويُمجِّدونك"، "ثم يقول الربُّ: أُشهِدُكم أني قد غفرتُ لهم". متفق عليه.

والدعاءُ الصادقُ سببُ مغفرة الذنوب، قال الربُّ -عز وجل-: "إنكم تُخطِئون بالليل والنهار، وأنا أغفِرُ الذنوبَ جميعًا، فاستغفِرُوني أغفِر لكم". رواه مسلم.

والثُّلُث الأخيرُ من كل ليلةٍ مظِنَّةُ غُفران الذنوب؛ إذ "ينزِلُ ربُّنا إلى السماء الدنيا في الثُّلُث الأخير من الليل، فيقول: من يستغفِرُني فأغفرَ له". متفق عليه.

وما دعا -سبحانه- عبادَه ليستغفِرُوه إلا ليغفِرَ لهم.

والتوبةُ تمحُو جميعَ الذنوبِ -الشركَ فما دونَه-، وليس شيءٌ سببًا لغُفران جميع الذنوبِ سِواها، قال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) [الزمر: 53].

وخيرُ أيام العُمر: يومُ التوبة، قال -عليه الصلاة والسلام- لما نزلَت توبتُه: "أبشِر بخيرِ يومٍ مرَّ عليك مُنذ ولدَتْك أمُّك". رواه مسلم.

بل إن العبدَ إذا تابَ لم يُؤاخَذ بجريرة ذنبِه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "من تابَ قبل أن تطلُع الشمسُ من مغربِها تابَ الله عليه". رواه مسلم.

قال ابنُ أبي العزِّ -رحمه الله-: "وكونُ التوبةِ سببًا لغُفران الذنوبِ وعدمِ المُؤاخَذة بها مما لا خلافَ فيه بين الأمة".

وبعدُ:

أيها المُسلِمون: فللخطيئةِ أثرٌ على البَدَن والمالِ والولَدِ، والعبدُ بحاجةٍ إلى محوِ خطاياه في اليوم والليلة، والنِّعَمُ تزولُ بالذنوبِ، والنِّقَمُ تحُلُّ بالذنوبِ: "والحجرُ الأسودُ نزلَ من الجنةِ وهو أشدُّ بياضًا من اللبَن، فسوَّدَته خطايا بني آدم". رواه الترمذي.

والله غفورٌ رحيمٌ، نوَّع لخلقه مُكفِّراتٍ يطرُقونها كلَّ حينٍ لتُغفَر لهم الزلاَّت، وما تقرَّبَ أحدٌ إليه -سبحانه- إلا دنا منه، والسعيدُ من تعرَّضَ لنفحَات الله ومغفرتِه في يومِه وليلتِه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه: 82].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أيها المسلمون: الذنبُ قبيحٌ، وأقبحُ منه عدمُ التوبة والاستِغفار، ومن طرقَ بابَ التوبة وجدَه مفتوحًا، ومن صفات الله المغفرَةُ والعفوُ والسِّترُ، والله يفرحُ بتوبة التائب إليه، ويُبدِّلُ سيئاته حسناتٍ، وتركُ الذنبُ أيسرُ من طلبِ التوبة، وقد يخفَى أثرُ الذنبِ عن الخلق لكنَّ الله يعلمُه، وقد يظهرُ أثرُه على حياة العبد في شِقوتِه وهمِّه وكبَد حياته.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم اصرِف عنهم الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطَن، اللهم احقِن دماءَهم، واحفَظ أعراضَهم وأموالَهم، اللهم اصرِف عنهم شرَّ شِرارهم وكيدَ فُجَّارهم، ووحِّد كلمتَهم على الحق والتقوى والتوحيد يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم من أرادَ الإسلامَ أو المُسلمينَ بسُوءٍ فاجعل كيدَه في نحره، وألقِ الرُّعبَ في قلبه، ودمِّره تدميرًا يا قوي يا عزيزُ.

اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، ومُنَّ عليه بالعافية والشفاء يا ربَّ العالمين، ووفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك يا ذا الجلال والإكرام.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
 

 

 

 

المرفقات

الذنوب بيسير القول والعمل

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات