عناصر الخطبة
1/تأملات في قصة حذيفة يوم الأحزاب 2/طاعة الله ورسوله نجاة وخير وبركة 3/أبرز الدروس والعبر المستفادة من القصة 4/فضائل الاستجابة لله ولرسوله.اقتباس
إنه لا حياة حقيقية إلا لمن استجاب لله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، والتزم بتعاليمه، ولا تحصل الاستجابة إلا بطاعة الله ورسوله، والوقوف عند حدود الله، ولزوم هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والاحتكام إليه، والرضا به، والتسليم المطلق له.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي شرَّف المؤمنين بطاعته، ورفع رؤوسهم بحمل دينه والاستجابة لأمره ونهيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عبادَ الله: إِنَّ بَرْدَ الشِّتاءِ وَثُلوجَهُ وَرياحَهُ الشَّديدَةَ لَمْ يَمْنَعْ الرَّسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ- وَأَصْحابَهُ مِنْ الدِّفَاعِ عَنْ الدّينِ والْعِرْضِ والْجِهاد فِي سَبيلِ اللَّهِ؛ فعن يزيد بن شَريكٍ، قال: كنَّا عندَ حُذَيْفَةَ بن اليمان -رضي الله عنه- فقالَ رجلٌ: لو أدركتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قاتلْتُ معه وأَبْلَيْتُ، أي: بَالغْتُ في نُصرتِه، كأنَّه أرادَ الزِّيادةَ على نُصرةِ الصِّحابةِ، فقال حُذَيْفَةُ -رضي الله عنه-: أنتَ كنتَ تفعلُ ذلك؟!
ثم أَخْبَره بخَبرِه ليلةِ الأحزابِ؛ فقال: لقدْ رأيتُنا مع رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ليلةَ الأحزابِ وأخذَتْنا رِيحٌ شديدةٌ "وَقُرٌّ"، أي: بردٌ، فقال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "ألَا رجلٌ يَأتيني بِخبرِ القومِ؟"، أي: بِأنبائِهم واستعداداتِهم، جعَلَه اللهُ معي يومَ القيامةِ؟ فَسكَتْنا فَلم يُجبْه منَّا أَحدٌ، ثُمَّ قال: "ألَا ِبرَجلٍ يَأتينا ِبخبرِ القومِ؟، جعلَه اللهُ معي يومَ القيامةِ"؛ فَسكَتْنا فَلمْ يُجبْه منَّا أحدٌ، فَكرَّرها: "ألَا بِرجلٍ يَأتيَنا بِخبرِ القومِ جعلَه اللهُ معي يومَ القيامةِ"؟ فَسكَتْنا، فلم يُجبْهُ منَّا أحدٌ؛ فلشِدَّة البَرْدِ لم يُجِبْه أحدٌ حينَ دَعاهم.
فقال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "قُم يا حُذيفةُ! فَأْتِنا بِخبرِ القومِ"، أي: وَقعَ اختيارُ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- على حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه-، وعَيَّنه بالدعوة فوجَبَتْ عليه الإجابةُ، قال: فلم أَجِد بُدًّا-إذ دَعاني باسْمي- أنْ أقومَ، ثُمَّ قال: "اذهبْ فَأْتِني بِخبرِ القومِ، وَلا تَذْعَرْهم علَيَّ"، أي: لا تُخوِّفْهم ولا تُفْزِعهم أو تُحرِّكْهم عليَّ.
فلمَّا ولَّى حُذَيْفَةُ -رضي الله عنه-، أي: ذَهبَ مِن عندِه جَعلَ كأنَّما يمشي في "حمَّامٍ"، أي: الماءِ الحارِّ، والمعنى: أنَّه لم يَجدِ البَرْدَ الَّذي يجدُه النَّاسُ ولا مِن تلكَ الرِّيحِ الشَّديدةِ شَيئًا، بل عَافاهُ اللهُ منه بِبركةِ إِجابتِه لِلنَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وذَهابِه فيما وجَّهَه له، ودُعائِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- له حتَّى أَتاهُم حُذَيْفَةُ -رضي الله عنه-.
فَرأى أبا سفيانَ "يَصْلِي"، أي: يُدْفِئُ ظَهْرَه بِالنَّارِ ويُقرِّبُه منه، فَوضعَ سهمًا في "كَبِدِ القَوْسِ"، أي: وسَطَها، فأرادَ أنْ يَرْمِيَه، أي: على أبي سفيانَ؛ لِيقتُلَه، فَتذكَّرَ قولَ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "ولا تَذْعَرْهُم علَيَّ"، ولو رماه لَأصابَهُ، فَرجَعَ وهو يَمشي في مِثْلِ الحمَّامِ، فلمَّا رجَعَ إلى النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أَخبَرَه بِخبرِ القومِ، أصابَه البَرْدُ، فَألْبَسَه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- مِن فضْلِ عباءَةٍ، وهي كِساءٌ يُلْبَسُ مِن فَوقِ الثِّيابِ، وكانَتْ عليه يُصلِّي فيها، فَلمْ يَزلْ حذيفة -رضي الله عنه- نائمًا حتَّى أصبَحَ، فلمَّا أصبحَ قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- له: "قُمْ يا نَوْمانُ"! أي: يا كثيرَ النَّومِ.(أخرجه مسلم).
وفي بعض الروايات أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- دعا له، فقال: "اللهم احفظْه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه، ومن تحته".
عباد الله: انطلقَ حذيفة -رضي الله عنه- من عند النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وهو في بردٍ شديدٍ، فلمَّا بدأ السيرَ جعل كأنما يمشي في جوٍ دافئ حار. لقد أبدل الله خوفَه طمأنينةً، وبرده دفئًا، ويسَّر له أمرَه، وذلَّل له الصعاب.
وهذه عاقبة كلّ مَنْ استجاب لله -عز وجل- ورسولَه -صلى الله عليه وسلم-، فإن الخير العظيم إنما هو في اتِّباعِ أمرِه -صلى الله عليه وسلم-، وكما قال ربنا -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[الأنفال:24] فالحياة الطيبة، إنما هو في اتِّباع أمرِه -صلى الله عليه وسلم-.
سار حذيفة -رضي الله عنه- وعناية ربِّه تحرسُه، فتخفَّى ثم دخل وسط معسكرِ المشركين، وإذا ريح شديدة قد أتَتْ عليهم، فأطفأت نيرانهم، وأكفأت قدورهم، واهتزَّت خيمُهم، وكادت تطير مع الريح العاصف.
نظرَ حذيفةُ -رضي الله عنه- فإذا هو بأبي سفيان بن حرب قائدِ جيشِ المشركين في عُصبَة حوله وقد تفرَّق الجنود عنه لما حلَّ بهم من الكرب، فدخل حذيفة -رضي الله عنه-، فجلسَ بينهم، وظنَّ أبو سفيان أنَّه قد دخلَ بينهم مَنْ ليس منهم، فقال لأصحابِه: ليأخذ كلُّ رجلٍ منكم بيد جليسه، لينظر مَنْ جليسُه.
قال حذيفة -رضي الله عنه-: فأخذت بيد الرجل الذي عن يميني، فقلت: من أنت؟ قال: أنا فلان بن فلان. قال: وأخذت بيد الرجل الذي عن يساري، فقلت: مَنْ أنت؟ قال: أنا فلان بن فلان. فانظر إلى ذكائه ونباهتِه -رضي الله عنه-، لم يكن مغفَّلاً؛ بل كان عبقريًّا فذًّا؛ ولهذا اختاره النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه المهمة العظيمة.
لقد جاء الأمر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحذيفة واضحًا، فَمَهمَّةُ حذيفة -رضي الله عنه- استكشافية استطلاعية لأخبار المشركين.
رجعَ حذيفة -رضي الله عنه-، وقد أتمَّ مهمتَه على خير وجْهٍ، ولا يزال يمشي في مثل الجو الحار الدافئ، لا يشعر بشيء مِن بَرْد هذه الأيام القارس، وقد حفظَه ربُّه بعينه التي لا تنام.
وفي الحديثِ يا عباد الله: فضْلُ حُذَيْفَةَ بنِ اليمانِ -رضي الله عنه-، وتشريفه بلُبس عَباءةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وفيه: تواضُعُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وحُسْنُ نَظرِه وفِراسَتِه. وفيه: آيةٌ ومعجزةٌ مِن آياته ومُعجزاته -صلى الله عليه وسلم-؛ حيثُ لم يُصِب حُذيفةَ مِن بَرْدِ تلك الرِّيح شَيءٌ ببركةِ إجابةِ حُذيفةَ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ودُعاء النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- له، ثم لَمَّا رجَع وأخْبَره بخبرِ القوم أصابه البردُ الذي كان يَجِده الناسُ.
عِباد اللَّهِ: وثبت في الصّحيحين، عن رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "نُصِرْتُ بالصَّبَا، وأُهْلِكَتْ عَادٌ بالدَّبُورِ ". وقال ابن حجر -رحمه الله-: "الصَّبا الريح الشرقية، والدَّبُور الريح الغربية".
وهذا الحديثُ ممَّا يدُلُّ على أنَّ الرِّيحَ تَأتي تارةً بالرَّحمةِ والنصر مثل ريح الصَّبا، وتارةً تأتي بالعذابِ مثل ريح الدَّبور، فلْيَحذَرِ الناسُ ولْيُقدِّموا الطاعاتِ، ولا يَغتَرُّوا بعَلاماتِ اللهِ الكَونيَّةِ؛ فقد يكونُ في إحداها عَذابٌ.
بارك الله لي ولكم.....
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ رب العالمين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ إِلَى الإِنْسِ وَالْجَانّ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا عِباد الله: قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[الأنفال:24].
إنه لا حياة حقيقية؛ إلا لمن استجاب لله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، والتزم بتعاليمه، ولا تحصل الاستجابة إلا بطاعة الله ورسوله، والوقوف عند حدود الله، ولزوم هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والاحتكام إليه، والرضا به، والتسليم المطلق له.
وإن مَن استجاب لله, استجاب الله له، يقول -تعالى-: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)[آل عمران:195]، ويقول -عز وجل-: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)[الرعد:18].
عباد الله: فلْنسارع بالاستجابة لأوامرِ الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ونُطَبِّقَ ذلك في حياتِنا قبل فوات الأوان.
صلوا وسلموا على رسول الله........
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم