عناصر الخطبة
1/أهمية قصص التائبين وبعض العبر المستفادة منها 2/نماذج من قصص التائبين 3/المبادرة بالتوبة قبل الرحيلاقتباس
قصصهم تُرَقِّقُ القلوبَ، وتَشْحَذُ الهِمَمَ، وتُزَهِّدُ في الدّنيا وتُنَفِّرُ من العصيان، وتُرَغِّبُ في التّوبةِ والطّاعةِ، وتَزيدُ في الإيمان؛ لأن قلوبهم رقيقة، وصدورهم منشرحة، وعيونهم باكية، وأحاسيسهم مرهفة؛ إنّهم...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ غافرِ الذّنبِ، وقابلِ التّوبِ، شديدِ العقابِ، ذي الطّولِ لا إلهَ إلا هو إليه المصير، والصّلاةُ والسّلامُ على البشيرِ النّذيرِ، نبيِّنا محمّدٍ سيّدِ التّوابينَ، وإمامِ الأوّابين، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.
أمّا بعدُ: عبادَ الله: في قصصِ التّائبينَ ومجالستِهم عِبَرٌ وعَبَرَات، فهي تُرَقِّقُ القلوبَ وتَشْحَذُ الهِمَمَ، وتُزَهِّدُ في الدّنيا وتُنَفِّرُ من العصيان، وتُرَغِّبُ في التّوبةِ والطّاعةِ وتَزيدُ في الإيمان، يقولُ عمرُ -رضيَ اللهُ عنه-: "جالسوا التّوابينَ فإنّهم أَرَقُّ أفئدة، منشرحةٌ صدورُهم، باكيةٌ عيونُهم، مرهفةٌ أحاسيسُهم، هم القومُ لا يَشقى بهم جليسُهم"، إنّهم التّائبونَ الموفّقون: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[الأعراف: 176]، فَمِنْ قَصَصِ التّوبةِ: توبةُ أبينا آدمَ -عليه السّلام-، عندما أكلَ من الشّجرةِ فاعترفَ بخطئِه وتابَ ونَدِم: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى)[طـه: 121-122].
وتوبةُ سَحَرَةِ فرعون حينَ أصبحوا كَفَرَةً فَجَرَة، ثمّ تابوا وآمنوا فأمسوا شهداءَ بَرَرَة، وتوبةُ الصّحابيِّ الذي وَقَعَ في الزّنا ثمّ نَدِمَ وتابَ وأقامَ عليه رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- الحَدَّ، وقالَ عن توبتِه: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ".
يا ربِّ عبدُك قد أتاك *** وقد أساءَ وقد هَفَا
يكفيه منك حياؤُه من *** سوءِ ما قد أسلفا
حَمَلَ الذّنوبَ على *** الذّنوبِ الموبقاتِ وأسرفا
وقد استجارَ بذيلِ *** عفوِك من عقابِك مُلْحِفَا
يا ربِّ فاعفُ وعافِه *** فلأنت أولى من عفا
وتوبةُ الصّحابيّةِ التي تابتْ من الفاحشةِ ونَدِمَتْ، وأقامَ عليها رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- الحَدَّ، وقالَ عن توبتِها: "وَالَّذِي نَفْسي بيَدِه لقَدْ تابَتْ تَوْبةً لو تَابَها صاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ له".
يا من يُجيبُ العبدَ قبلَ سؤالِه *** ويَجودُ للعاصينَ بالغُفرانِ
وإذا أتاه السّائلونَ لعفوِه *** سَتَرَ القبيحَ وجادَ بالإحسانِ
يُروَى أنّ شابًّا عَبَدَ اللهَ عشرينَ سَنَة، فرَجَعَ للغفلةِ وعصى اللهَ عشرينَ سَنَة، ثمّ حاسبَ نفسَه ونَدِمَ وقال: إلهي أطعتُك عشرينَ سَنَةً ثمّ عصيتُك عشرينَ سَنَةً فإنْ رجعتُ وتُبْتُ إليك أتقبلُني؟ فسمعَ هاتفًا يقول: أطعتَنا فشكرْناك، وعصيتَنا فأمهلْناك، وإنْ عُدْتَ إلينا على ما كانَ منك قبلناك.
يا مَنْ يَرى مَدَّ البعوضِ جناحَها *** في ظلمةِ الليلِ البهيمِ الأليلِ
ويَرَى عروقَ نياطِها في نحرِها *** والمُخَّ في تلك العِظامِ النُحَّلِ
اغفرْ لعبدٍ تابَ من زلّاتِه *** ما كانَ منه في الزّمانِ الأوّلِ
أتى النّبيَّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- شيخٌ كبيرٌ أسرفَ على نفسِه بالذّنوبِ، وهو يَتَوَكَّأُ على عصاه، وقد سَقَطَ حاجباه على عيْنيه من الكِبَرِ، فقال: "يا نبيَّ اللهِ أرأيتَ مَنْ عَمِلَ الذّنوبَ كلَّها فلم يَتْرُكْ منها شيئًا وهو في ذلك لم يَتْرُكْ حاجّةً ولا داجّةً إلا أتاها، فهل له من توبة؟ فقالَ له النّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "تَشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأنّ محمّدًا رسولُ الله؟" قالَ: نعم يا نبيَّ الله، فقالَ له: "تَفْعَلُ الخيراتِ وتَتْرُكُ السّيئاتِ فيجعلُهُنَّ اللهُ لك خيراتٍ كلَّهنّ"، قالَ الرَّجُل: يا رسولَ اللهِ وغَدَرَاتي وفَجَرَاتي؟ قالَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ: "نعم، وغدراتُك وفجراتُك"، فقالَ الرَّجُل: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، فما زالَ يُكَبِّرُ ويُهَلِّلُ حتّى تَوارى".
يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذنوبي كثرةً *** فلقد عَلِمْتُ بأنّ عفوَك أعظمُ
إنْ كانَ لا يرجوك إلا محسنٌ *** فبمن يَلوذُ ويَستجيرُ المجرمُ
أدعوك ربِّ كما أَمَرْتَ تَضُرُّعًا *** فإذا رَدَدْتَ يدي فمن ذا يَرْحَمُ
ما لي إليك وسيلةٌ إلا الرّجا *** وجميلُ عفوِك ثمّ أنّي مسلمُ
فيا مَنْ أسرفَ على نفسِه بالذّنوب: إذا لم تَتُبِ الآنَ فمتى تتوب؟
فبادرْ واحذرْ التّسويفَ والهوى والشّيطان.
خُذْ من شبابِك قبلَ الموتِ والهَرَمِ *** وبادرِ التّوبَ قبلَ الفوتِ والنّدمِ
واعلمْ بأنّكَ مَجْزِيٌّ ومُرتَهَنٌ *** وراقبِ اللهَ واحذرْ زَلَّةَ القَدَمِ
فيَكفي ما فاتَ من غفلةٍ ووحشةٍ وأوزار، وبادرْ وَالْحَقْ بركبِ التّائبينَ الأبرار، وأَبْشِرْ برحمةِ الرّحيمِ الغفّار.
قَدِّمْ لنفسِك توبةً مَرْجُوَّةً *** قبلَ المماتِ وقبلَ حَبْسِ الأَلْسُنِ
بادرْ بها غَلْقَ النّفوسِ فإنّها *** ذُخْرٌ وغُنْمٌ للمنيبِ المُحْسِنِ
وصدقِ اللهُ ومَنْ أصدقُ مِن اللهِ حديثًا: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزمر: 53].
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين.
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وحدَه، والصّلاةُ والسّلامُ على من لا نبيَّ بعدَه، وعلى آلِه وصحبِه.
أمّا بعدُ: عبادَ الله اتّقوا اللهَ حقَّ التّقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، فما أسعدَ مَنْ حاسبَ نفسَه قبلَ يومِ الحساب! وتابَ مِنْ ذنوبِه فإنّ اللهَ يتوبُ على مَنْ تاب!
يا نفسُ توبي قبلَ أن *** لا تستطيعي أن تتوبي
واستغفري لذنوبِك *** الرّحمنَ غفّارَ الذّنوبِ
إنّ المنايا كالرّياحِ *** عليك دائمةُ الهبوبِ
والموتُ شرعٌ واحدٌ *** والنّاسُ مُختلفُ الدّروبِ
فبادرْ بالتّوبةِ الآنَ ما دامِ في الإمكان، يقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: "إنّ اللهَ يَبْسُطُ يدَه بالليلِ ليتوبَ مُسيءُ النّهار، ويَبْسُطُ يدَه بالنّهارِ ليتوبَ مُسيءُ الليلِ حتّى تَطْلُعَ الشّمسُ من مغربِها"، فالحمدُ للهِ الذي فَتَحَ بابَه للتّائبين، وعطاءَه للسّائلين، سبحانَك ربَّنا ما أحلمَك على من عصاك، وما أقربَك ممّنْ دعاك، تُطاعُ فتَشكُر، وتُعصى فتَغْفِر، وتُجيبُ المضطرّ، وتَكشفُ الضُّر، وتَشفي السّقيم، وتَغفرُ الذّنبَ العظيم.
إلهَنا أمرتَنا فلم نَأْتَمِرْ، وزجرتَنا فلم نَزدجِرْ، فلا أقوياءُ فننتصرْ، ولا بُرَآءُ فنَعتذرْ، ولكنْ مقرّونَ مذنبونَ مستغفرون تائبون، نرجو عظيمَ عفوِك الذي عفوتَ به عن العاصين، وجزيلَ مغفرتِك التي غفرتَ بها ذنوبَ المذنبين، وواسعَ رحمتِك التي رحمتَ بها عبادَك المؤمنين.
اللهمّ وفّقْنا للتّوبةِ والإنابة، وافتحْ لأدعيتِنا أبوابَ الإجابة، واغفرْ لنا ولوالدِينا وأهلينا، واجمعْنا بهم في جنّاتِ النّعيم، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
عبادَ اللهِ: وقبلَ الختام فقد وجّهتِ الوزارةُ إلى تنبيهِ من يرتادونَ البراري والمنتزهات، في مثلِ هذه الأجواءِ الشّتويّةِ، بما يَجِبُ عليهم من آدابٍ، وتَحذيرِهم ممّا يُهدِّدُهم مِن مخاطر، ومن ذلك: الحذرُ من الجلوسِ أو المَبيتِ في الأوديةِ والشّعابِ، أو قطعِها بالسّيّارةِ أثناءَ جريانِها، مع أهميّةِ الحفاظِ على النّباتاتِ والفِيَاضِ، والحرصِ على نظافةِ الأماكنِ بعدَ مغادرتِها، مع مراعاةِ الأنظمةِ التي أَقَرّتْها وزارةُ البيئةِ والدّفاعُ المدنيُّ في هذا الجانب، والتي تُحَقِّقُ المصلحةَ العامّةَ للمجتمع.
وَفَّقَ اللهُ الجميعَ لما يُحِبُّه ويَرضاه.
وصلى اللهُ وسلمَ وباركَ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم