معوقات وموانع الوسطية

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-07 - 1444/03/11

اقتباس

معوقات وموانع الوسطية

 

 

الشيخ الدكتور أحمد بن حسن المعلِّم

 

‏ لا يخفى على كل متتبع للأحداث التاريخية والمعاصرة، والمطلع على النصوص الشرعية، وأقوال العلماء، ‏أنه ما من مجتمع تغيب عنه الوسطية والاعتدال والهدي النبوي إلا كان ذلك بسبب انتشار البدع والضلالات ‏والأهواء، حيث يصبح المتسنن غريباً في مجتمعه، بعد أن ألف ذلك المجتمع تلكم الأهواء والانحرافات، فأضحى ‏لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، وهذه الحقيقة سجلها أقوالاً كثير من أسلافنا - ‏رحمهم الله - [1]: ‏

 

• قال حسان بن عطية المحاربي: "ما ابتدع قوم بدعة في دينهم، إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها ‏عليهم إلى يوم القيامة".‏

 

وقال ابن سيرين: "ما أحدث رجل بدعة فراجع سنة".‏

 

وعن أم الدرداء قالت: دخل أبو الدرداء وهو غضبان، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: "والله ما أعرف من أمة ‏محمد - صلى الله عليه وسلم -‏ شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً".‏

 

وعن أنس بن مالك ‏- رضي الله عنه -‏ قال: "لو أن رجلاً أدرك السلف الأول ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئاً، ‏قال: ووضع يده على خده ثم قال: إلا هذه الصلاة، ثم قال: أما والله على ذلك لمن عاش في هذه النكراء ولم ‏يدرك هذا السلف الصالح فرأى مبتدعاً يدعو إلى بدعته، ورأى صاحب دنيا يدعو إلى دنياه فعصمه الله عن ‏ذلك، وجعل قلبه يحن إلى ذلك السلف الصالح يسأل عن سبيلهم، ويقتص آثارهم ويتبع سبيلهم ليعوض أجراً ‏عظيماً فكذلك فكونوا إن شاء الله".‏

 

‏ وكلام هؤلاء الأخيار من السلف حول زمن لم يشهد استحكام غربة السنة وأهلها، فكيف لو رأوا أزمنة ‏تحولت فيها البدعة إلى سنة والسنة إلى بدعة، والله المستعان[2].‏

 

وبناء على ذلك فإن الباحث سيحاول الوقوف مع أبرز المعوقات والموانع التي تقف وراء غياب الوسطية ‏أو إضعافها في المجتمع الإسلامي المعاصر.‏

 

المطلب الأول: الجهل: ‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والجهل والظلم هما أصل كل شر، كما قال سبحانه: ﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]"‏[3]، وقد استقصى الدكتور عبد الرحمن اللويحق مظاهر الجهل في الأمة ‏وهي متعددة، أبرزها: الجهل بالكتاب والسنة، والجهل بمنهج السلف، والجهل بمقاصد الشريعة[4]، والذي ‏يقف على النصوص الشرعية يجد مساحة واسعة فيها تحدثت عن قيمة العلم ومكانة العلماء، ويقابلها ذم ‏الجهل وأهله، وهي أشهر من أن تساق في هذا الموضع، ولكن يكفيك أن نسوق حديثاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -‏ يظهر كيفية ‏انتشار الجهل بين الناس وما يحدثه من آثار وخيمة في المجتمع المسلم، ومنها بطبيعة الحال غياب الوسطية ‏موضوع بحثنا، قال عليه الصلاة والسلام من حديث عبد الله بن عمرو ‏- رضي الله عنه -‏: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ‏ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، ‏فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا"[5]‏. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك: "قد يشكل على كثير من ‏الناس نصوص لا يفهمونها فتكون مشكلة بالنسبة إليهم لعجز فهمهم عن معانيها، ولا يجوز أن يكون في ‏القرآن ما يخالف صريح العقل والحس إلا وفي القرآن بيان معناه، فإن القرآن جعله الله شفاء لما في الصدور ‏وبيانا للناس، فلا يجوز أن يكون بخلاف ذلك، لكن قد تخفى آثار الرسالة في بعض الأمكنة والأزمنة حتى لا ‏يعرفون ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ إما أن لا يعرفوا اللفظ، وإما أن يعرفوا اللفظ ولا يعرفوا معناه فحينئذ ‏يصيرون في جاهلية بسبب عدم نور النبوة"‏[6]. وقال الشاطبي مبيناً سبب الانحراف والضلال والتفرق: " وهو الجهل بمقاصد الشريعة والتخرص على معانيها بالظن من غير تثبت أو الأخذ فيها بالنظر الأول ولا يكون ‏ذلك من راسخ في العلم. ألا ترى أن الخوارج كيف خرجوا من الدين كما يخرج السهم من الصيد المرمى؟ ‏لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏ وصفهم بأنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يعني - والله أعلم - أنهم لا يتفقهون به ‏حتى يصل إلى قلوبهم؛ لأن الفهم راجع إلى القلب، فإن لم يصل إلى القلب لم يحصل فيه فهم على حال، وإنما ‏يقف عند محل الأصوات والحروف فقط وهو الذي يشترك فيه من يفهم ومن لا يفهم، وما تقدم أيضاً من ‏قوله عليه السلام: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً..)"[7]‏.‏

 

‏ وصورة الانحراف عن الوسطية في هذا الباب يقول عنها شيخ الإسلام ابن تيمية: " كثير من أهل البدع ‏مثل: الخوارج، والروافض، والقدرية، والجهمية، والممثلة يعتقدون اعتقاداً هو ضلال يرونه هو الحق، ويرون ‏كفر من خالفهم في ذلك، فيصير فيهم شَوْب قوي من أهل الكتاب في كفرهم بالحق وظلمهم للخلق، ولعل ‏أكثر هؤلاء المكفرين يكفر بالمقالة التي لا تفهم حقيقتها، ولا تعرف حجتها‏.‏ وبإزاء هؤلاء المكفرين بالباطل ‏أقوام لا يعرفون اعتقاد أهل السنة والجماعة، كما يجب، أو يعرفون بعضه ويجهلون بعضه، وما عرفوه منه قد ‏لا يبينونه للناس بل يكتمونه، ولا ينهون عن البدع المخالفة للكتاب والسنة، ولا يذمون أهل البدع ‏ويعاقبونهم، بل لعلهم يذمون الكلام في السنة وأصول الدين ذمًا مطلقًا، لا يفرقون فيه بين ما دل عليه الكتاب ‏والسنة والإجماع، وما يقوله أهل البدعة والفرقة، أو يقرون الجميع على مذاهبهم المختلفة، كما يقر العلماء في ‏مواضع الاجتهاد التي يسوغ فيها النزاع، وهذه الطريقة قد تغلب على كثير من المرجئة، وبعض المتفقهة، ‏والمتصوفة، والمتفلسفة، كما تغلب الأولى على كثير من أهل الأهواء والكلام، وكلا هاتين الطريقتين منحرفة ‏خارجة عن الكتاب والسنة‏.‏ وإنما الواجب بيان ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، وتبليغ ما جاءت به ‏الرسل عن الله، والوفاء بميثاق الله الذي أخذه على العلماء، فيجب أن يعلم ما جاءت به الرسل، ويؤمن به، ‏ويبلغه، ويدعو إليه، ويجاهد عليه، ويزن جميع ما خاض الناس فيه من أقوال وأعمال في الأصول والفروع ‏الباطنة والظاهرة بكتاب الله وسنة رسوله، غير متبعين لهوى: من عادة أو مذهب أو طريقة أو رئاسة أو سلف، ‏ولا متبعين لظن: من حديث ضعيف أو قياس فاسد - سواء كان قياس شمول أو قياس تمثيل - أو تقليد لمن لا ‏يجب إتباع قوله وعمله، فإن الله ذم في كتابه الذين يتبعون الظن وما تهوى الأنفس ويتركون إتباع ما جاءهم ‏من ربهم من الهدى"[8]‏.‏

 

المطلب الثاني: الابتداع: ‏

 

‏ من الأصول المقررة في كتاب الله تعالى أن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب لتقرير التوحيد ونبذ الشرك ‏وتصحيح مفاهيم العقيدة، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وكل دعوة لا ترتكز في غاياتها وأهدافها ومناهجها على هذين الأصلين فهي مخالفة لنهج المرسلين ‏وناقصة، ولا تؤتي ثمارها المرجوة فالقاعدة الأولى التي دلت عليها الآية: تعني تحقيق التوحيد والعقيدة ‏الصحيحة وطاعة الله تعالى واتباع شرعه، والقاعدة الثانية: تعني تجنب الأهواء والافتراق والبدع وما تؤول ‏إليه من الشرك، والكفر، والظلم، والفسق، والإعراض عن دين الله. ولذا تضمنت الدعوة إلى الله غايتين لا ‏تصح إلا بهما، وهما ركناها: الأول: تقرير الدين والعقيدة والشريعة، وتعلمها، وتعليمها، ونشرها، والعمل ‏بها. والثاني: حماية الدين والعقيدة والشريعة والدفاع عنها، وبيان ما يخالفها، وكل ذلك كان منهجاً قرآنياً، ‏وهدياً نبوياً سار عليه الأصحاب والأتباع[9]. ‏

 

وبناء على ذلك فإن من أصول الإسلام الكبرى أن كل بدعة ضلالة، وهذا الأصل هو مقتضى قوله عليه ‏الصلاة والسلام كما روته عائشة رضي الله عنها: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"‏[10]، وفي ‏رواية مسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"[11]، وحديث العرباض بن سارية ‏- رضي الله عنه -‏: "صلى بِنَا ‏رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ منها الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ منها ‏الْقُلُوبُ فقال قَائِلٌ يارَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هذه مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا، فقال: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ ‏وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فإنه من يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ ‏الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بها وَعَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فإن كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ ‏بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"[12]‏.‏

 

... قال شيخ الإسلام ابن تيمية تعليقاً على هذه الأحاديث: "وهذه قاعدة قد دلت عليها السنة والإجماع، مع ‏ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضاً، قال الله تعالى: ﴿ ‏‎أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21]، فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله، أو أوجبه بقوله أو بفعله، من غير أن يشرعه الله فقد ‏شرع من الدين ما لم يأذن به الله. ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذ شريكاً لله شرع من الدين ما لم يأذن به الله ... ‏وهذه المواسم المحدثة إنما نهى عنها لما حدث فيها من الدين الذي يتقرب به المتقربون"‏[13]، وانتهى رحمه الله ‏إلى تقرير مقتضى الحديث أن البدعة محرمة على عمومها بدلالة العموم الذي ورد في سياقه دون أن يكون ‏هناك ما يخصصه، وإذا أردنا أن نقرر ذلك وفقاً لمسلك المناطقة فإن الحديث جاء في إطار كلية موجبة، ‏والمعروف أن الكلية الموجبة موضوعها مستغرق ومحمولها غير مستغرق، بمعنى أن أفراد الموضوع داخلون ‏كلهم في حكم المحمول، وبهذا يتقرر أن البدع كلها ضلال، وإلا فإن الهدي النبوي كاف في بيان هذه القاعدة ‏العظيمة، وبهذا يتبين لنا أن صورة الانحراف عن الوسطية في هذا الباب ظاهرة في كونها على خلاف الهدي ‏النبوي في العلم والعمل، وكنا نبهنا على ذلك فيما مضى من النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية في تمييزه بين ‏الطريق الشرعي والطريقين المبتدعين، طريق أهل الكلام والرأي البدعي، وطريق أهل الرياضة والتصوف ‏والعبادة البدعية. ‏

 

المطلب الثالث: الغلو: ‏

 

‏ للتدين الحق مقياسان: مقياس الاستجابة لمطالب المنهج ومقتضياته، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]، ومقياس الطاقة والوسع، قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، والمقياسان مترابطان متكاملان، فالاستجابة للمنهج مشروطة بالقدرة في المجال ‏العملي، أما الغلو فهو من-زع مختلف، منزع شاذ لذينك المقياسين كليهما، مستدبر لهما جميعاً، إذ لايبرح ‏الغالي أن يند - في فهم الدين - عن القواعد العلمية المنهجية الهادية لطريقة التفكير، ولا يفتأ - عند الأخذ ‏العملي للدين - يحمل نفسه ما لا يطيق، فيسلك - من ثم - سبيلاً غير سبيل المؤمنين، وإن حسنت نيته فإن ‏حسن النية لا يغني عن سداد المنهج، ولا يصح أن يكون بديلاً له. إن قوام الإسلام وعماده حقائق ثلاث: ‏الأولى: حقيقة العلو والعصمة في مصدر التلقي كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن المقطوع به أنه لم يرد في ‏هذين المصدرين دعوة إلى الغلو، بل فيهما ما هو نقيض الغلو، أي الدعوة إلى التوسط، والنهي عن الغلو، قال ‏تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143] الثانية: حقيقة وضوح المنهج، قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]‏. والثالثة: حقيقة الاستقامة على ‏المنهج، قال تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ﴾ [هود: 112]، ومن المنهج أن نعلم: أن الغلو ‏شقوة وعنت، وأن الإسلام ما جاء لكي يشقي الناس، ولا يضيق عليهم بالعنت والشدة، بل جاء ليحقق ‏سعادتهم والتيسير عليهم[14]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في سياق ذم الغلو: "وأما في حديث أنس ‏- رضي الله عنه -‏ من ‏قول النبي - صلى الله عليه وسلم -‏: (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، ‏فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) ففيه نهي النبي - صلى الله عليه وسلم -‏ عن التشدد في ‏الدين بالزيادة عن المشروع. والتشديد: تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب ولا مستحب بمنزلة الواجب ‏والمستحب من العبادات، وتارة باتخاذ ما ليس بمحرم ولا مكروه منزلة المحرم والمكروه في الطيبات، وعلل ذلك ‏بأن الذين شددوا على أنفسهم من النصارى شدد الله عليهم لذلك، حتى آل الأمر إلى ما هم عليه من ‏الرهبانية المبتدعة. وفي هذا تنبيه على كراهة النبي - صلى الله عليه وسلم -‏ مثل ما عليه النصارى من الرهبانية المبتدعة، وإن كان ‏كثير من عبادنا قد وقعوا في بعض ذلك متأولين معذورين، أو غير متأولين. وفيه أيضاً تنبيه على أن التشدد ‏على النفس ابتداء يكون سبباً لتشديد آخر يفعله الله، إما بالشرع، وإما بالقدر: فأما بالشرع: فمثل ما كان ‏النبي - صلى الله عليه وسلم -‏ يخافه في زمانه من زيادة إيجاب أو تحريم: كنحو ما خافه لما اجتمعوا لصلاة التراويح معه، ولما كانوا ‏يسألون عن أشياء لم تحرم، ومثل أن من نذر شيئاً من الطاعات وجب عليه فعله وهو منهي عن نفس عقد ‏النذر، وكذلك الكفارات الواجبة بأسباب. وأما بالقدر: فكثيراً ما قد رأينا وسمعنا من كان يتنطع في أشياء ‏فيبتلى أيضاً بأسباب تشدد الأمور عليه في الإيجاب والتحريم، ومثل كثير من الموسوسين في الطهارة: إذا زادوا ‏على المشروع ابتلوا بأسباب توجب حقيقة عليهم أشياء مشقة مضرة. وهذا المعنى الذي دل عليه الحديث ‏موافق لما قدمناه في قوله تعالى: ﴿ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف: 157]، من أن ذلك ‏يقتضي كراهة موافقتهم في الآصار والأغلال. والآصار ترجع إلى الإيجابات الشديدة، والأغلال هي ‏التحريمات الشديدة، فإن الإصر هو الثقل والشدة، وهذا شأن ما وجب، والغل يمنع المغلول من الانطلاق، ‏وهذا شأن المحظور. وعلى هذا دل قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [المائدة: 87]، وسبب نزولها مشهور"‏[15].‏

 

المطلب الرابع: ادعاء التيسير: ‏

 

‏ من المقاصد المرعية في الشريعة وقواعدها الكلية، مقصد وقاعدة التيسير ورفع الحرج، وقد دلت عليها ‏نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تمثل أصولاً لليسر في الإسلام، أما الكتاب ففي قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]، ‏وقوله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، وقوله: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وأما الأحاديث فكثيرة، منها حديث أبي هريرة ‏- رضي الله عنه -‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -‏ قال: "إن الدين يسر وليس يشاد ‏الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا"‏[16]، وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏ ‏بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً"[17]، فهذه نصوص ظاهرة المعنى جلية المقصد في تقرير قاعدة ‏التيسير ورفع الحرج في الشرع، قال الشاطبي: "اعلم أن الحرج مرفوع عن المكلف لوجهين: أحدهما: الخوف ‏من الانقطاع من الطريق، وبغض العبادة، وكراهة التكليف، وينتظم تحت هذا المعنى الخوف من إدخال الفساد ‏عليه في جسمه أو عقله أو ماله أو حاله. والثاني: خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد المختلفة ‏الأنواع، مثل قيامه على أهله وولده، إلى تكاليف أخر تأتي في الطريق، فربما كان التوغل في بعض الأعمال ‏شاغلاً عنها، وقاطعاً بالمكلف دونها، وربما أراد الحمل للطرفين على المبالغة في الاستقصاء فانقطع عنهما. فأما ‏الأول: فإن الله وضع هذه الشريعة المباركة سمحة سهلة، حفظ فيها على الخلق قلوبهم، وحببها لهم بذلك، فلو ‏عملوا على خلاف السماح والسهولة، لدخل عليهم فيما كلفوا به ما لا تخلص به أعمالهم، ألا ترى إلى قوله ‏تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ﴾ [الحجرات: 7] ‏إلى آخرها. فقد أخبرت ‏الآية أن الله حبب إلينا الإيمان بتيسيره وتسهيله، وزينه في قلوبنا بذلك، وبالوعد الصادق بالجزاء عليه... ‏والضرب الثاني شأنه أن لا يدخل عليه ذلك الملل ولا الكسل، لوازع هو أشد من المشقة، أو حاد يسهل به ‏الصعب، أو لما له في العمل من المحبة، ولما حصل له فيه من اللذة، حتى خف عليه ما ثقل على غيره، وصارت ‏تلك المشقة في حقه غير مشقة، بل يزيده كثرة العمل وكثرة العناء فيه نوراً وراحة، أو يحفظ عن تأثير ذلك ‏المشوش في العمل بالنسبة إليه أو إلى غيره ... وجاء هذا المعنى من احتمال المشقة في الأعمال والصبر عليها ‏دائماً كثير. ويكفيك من ذلك ما جاء عن الصحابة والتابعين ومن يليهم ‏- رضي الله عنهم-، ممن اشتهر بالعلم وحمل الحديث ‏والاقتداء بعد الاجتهاد: كعمر، وعثمان، وأبي موسى الأشعري، وسعيد بن عامر، وعبد الله بن الزبير، ومن ‏التابعين: كعامر بن عبد قيس، وأويس، ومسروق، وسعيد بن المسيب، والأسود بن يزيد، والربيع بن خثيم، ‏وعروة بن الزبير، وأبي بكر بن عبد الرحمن راهب قريش، وكمنصور بن زاذان، ويزيد بن هارون، وهشيم، ‏وزر بن حبيش، وأبي عبد الرحمن السلمي، ومن سواهم ممن يطول ذكرهم وهم في اتباع السنة والمحافظة عليها ‏ما هم"‏[18]. ‏

 

 

 

‏ إلا أن هناك من رام التيسير ورفع الحرج من غير بابه، يزعم العناية بمقاصد الشريعة وروح الدين، ويدعي ‏أن الدين جوهر لا شكل، وحقيقة لا صورة، لو واجهتهم بمحكمات النصوص لفوا وداروا، وردوا صحيح ‏الحديث، وهم في حقيقة أمرهم معطلة النصوص الجزئية للقرآن والسنة، لا يعرفون صحيحاً من ضعيف، ‏تأولوا القرآن فأسرفوا، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، وتمسكوا بالمتشابهات، وأعرضوا عن المحكمات، وهؤلاء ‏هم أدعياء التجديد، وهم في الواقع دعاة التغريب والتبديد[19]. ولو تأملنا مناط قولهم وحجته لما خرج عن ‏أمرين : الأول: النظر إلى المقاصد دون النصوص، الثاني: التوسع في فهم خاصية التيسير[20]. وهما أصلان ‏يستند عليهما هؤلاء في التأصيل والتقعيد، وقد أثمرا مظاهر متعددة عكسته أقوالهم، وتنظيراتهم، واجتهاداتهم ‏فيما يزعمون، ومنها[21]‏: ‏

 

أولاً: اقتصارهم على القطعيات في الاستدلال، ورد الظنيات وإن كانت راجحة. ‏

 

 

 

ثانياً: اعتماد الفهم المقاصدي للإسلام بدل الفهم النصي، فالنصوص يجب أن تفهم وتؤول على ضوء المقاصد. ‏

 

 

 

ثالثاً: الدعوة إلى الانسياق مع تطوير الشريعة بما يتلائم مع تطور الواقع، حتى وإن أفضى ذلك إلى تجاوز ‏النصوص القطعية تحقيقاً للمقاصد. ‏

 

 

 

رابعاً: تمسكهم بمقولة: حيث وجدت المصلحة فثم شرع الله. ‏

 

 

 

خامساً: دعوتهم إلى تغيير بعض القواعد الأصولية كي تبدو الشريعة مواكبة للعصر ومسايرة للتطور. ‏

 

 

 

وأبرز الأمثلة التي تتمخض عن هذه المنهجية المتحللة: نفي وجود نظام حكم في الإسلام، والدعوة إلى إطلاق ‏الحريات العامة دون ضابط شرعي، وتحرير المرأة، وجواز الإمامة العظمى للمرأة، وإلغاء بعض الحدود بحجة ‏كونها صالحة لزمان التشريع دون غيره مما ينفي إطلاقيتها، وإباحة بعض المحرمات كفوائد البنوك الربوية، ‏والغناء، والمصافحة ، والاختلاط، وزواج المسلمة بالكتابي. ‏

 

 

 

والحق أن هذه المنهجية ليست إلا دعوى إلى التحلل من أحكام الشريعة باسم المقاصد والتيسير، وتفضي ‏إلى إبطال الشريعة ونصوصها بحجة أن غالب نصوصها ظنية، وجعل العقل حاكماً على الشرع لكونه قائماً ‏على أسس قطعية، والعجيب أنهم يستندون في منهجيتهم العرجاء هذه على كتابات ابن القيم والشاطبي بحجة ‏أنهم بحثوا المصلحة دون النظر إليها بمنظار الشريعة وضوابطها، وهي حجة عرية عن الدليل والبرهان، وقد ‏انبرى كثير من الباحثين إلى الرد على أرباب شريعة المقاصد والتحلل من الشريعة، فأتوا على قواعدهم ‏بالدحض والبطلان، ويكفينا اقتباساً ما قاله الشيخ مشهور حسن سلمان في مقدمة تحقيقه للموافقات؛ كونه ‏يمثل مستنداً يتكأ عليه هؤلاء في نشر باطلهم وانحرافهم، فيقول: "لابد من التنبيه على أن كثيراً من البعيدين ‏عن الجادة ، والمحاربين للدعوة السلفية يتعلقون بكلام للشاطبي في كتابه هذا، ويأتون به في معرض التجديد ‏والكلام على ما أصاب المسلمين من ركود وتخلف وجمود، ويخرجون بنتائج وأحكام عجيبة غريبة، ويمكن ‏تسمية صنيعهم هذا بالتلبيس المقلوب. فها هو مثلاً محمد عابد الجابري يذهب في مقالة له نشرت في مجلة ‏العربي بعنوان: (رشدية عربية أم لاتينية) إلى أن الشاطبي في كتابه الموافقات يعد عقلانياً، وها هو راشد ‏الغنوشي يحتج بكلام للشاطبي في كتابه الحريات العامة في الدولة الإسلامية في مواطن كثيرة، وكأني به يقرر أن ‏الشاطبي اعتبر المصلحة هي أساس الشرع، وهذا ما يلبس به حسن حنفي من خلال ذكره لهذا القاعدة ذات ‏البريق الجذاب ..."، ثم قال: "ولن أرد على مثل هذه الأقوال المخالفة للدين، وما أتيت بها إلا للدلالة على ‏وجود هذا المنهج الغريب في عصرنا؛ إلا أني ألفت نظر هذا الكاتب[22] ‏إلى أن اشتراط القطع لثبوت ‏الأحكام الشرعية يؤدي إلى التحلل من الإسلام، وإن قوله (فيما كان لفظه عاماً لا يعني أن حكمه عام ‏أيضاً) يؤدي إلى إلغاء كثير من القطعيات، وإلى رد الاستدلال بالنصوص القطعية الدالة عليها، وعلى سبيل ‏المثال فإنه يلغي كل العقوبات الإسلامية: كقطع السارق، وجلد الزاني أو رجمه، وقتل المرتد، وجلد شارب ‏الخمر وغيرها، والقاعدة الأصولية المعلومة عند الفقهاء بالضرورة تقول: (يبقى العام على عمومه ما لم يرد ‏دليل التخصيص)"‏[23]، وإذا كان ديدن هؤلاء التيسير والتخفيف على المكلفين، فلا شك أن التيسير ‏مقصد من مقاصد الشريعة كما دلت عليه نصوص الشريعة في غير موضع من مواضعها كتاباً وسنة، إلا أن ‏الإشكال يكمن في كيفية فهمنا للتيسير، ومدار هذا الفهم نصوص الشريعة ومقاصد الشارع منها وما دلت ‏عليه بظواهرها، ومن الخطأ البين أن يكون التيسير فيه مجاوزة لهذه النصوص؛ لأن الأخذ بالأيسر مع مصادمة ‏النصوص تحكيم للهوى على الأدلة فتكون الأدلة تابعة لا متبوعة، وهو ما يخالف الأصل القرآني: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1]، ثم ما وجه حصر التيسير بالتخفيف ورفع التكاليف ‏دون مراعاة مقتضيات النصوص ولوازمها، وكأن الشريعة بأوامرها ونواهيها جاءت مقيدة للمكلفين بالمشاق ‏غير المحتملة، ألا فليعلم دعاة التيسير والتخفيف، بل دعاة التحلل - جهلوا أم تجاهلوا - أن الشارع لم يقصد ‏في وضعه الشريعة المشقةَ بالناس، ولم يقصد كذلك رفع المشاق المعتادة عن الناس، وإنما قصد في التشريع ما ‏فيه مصلحة للعباد في الدنيا والآخرة، وهذه قد لا تحصل إلا بأعمال شاقة - محتملة قطعاً - كالحج والجهاد ‏وغيرهما، ذلك أن الشارع - كما ذكر ابن تيمية - إنما حرم الخبائث لما فيها من المضرة والفساد، وأمرنا ‏بالأعمال الصالحة لما فيها من المنفعة والصلاح لنا، وقد لا تحصل هذه الأعمال إلا بمشقة، فلا ينبغي النظر إلى ‏المقاصد والتيسير على أنها دائرة في إطار التخفيف ورفع التكاليف عن المكلف، وإنما المعيار تحقيق مصلحة ‏العباد في العاجل والآجل[24]. ‏

 

 

الخاتمة

 

‏ يقتضي المنهج العلمي من الباحث أن يقدم جملة ما توصل إليه من نتائج في ثنايا بحثه؛ لتكون خاتمة له ‏وخلاصة جهده في الموضوع المعني، وبناء على ذلك فإن أهم ما توصل إليه الباحث في هذه الدراسة ما يأتي: ‏

 

‏1- ‏تعريف الوسطية بأنها: سلوك محمود - مادي أو معنوي - يعصم صاحبه من الانزلاق إلى طرفين متقابلين ‏‏- غالبا ً - أو متفاوتين تتجاذبهما رذيلتا الإفراط والتفريط, سواء في ميدان ديني أم دنيوي.‏

 

 

 

‏2-‏ تعريف المقاصد بأنها: المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية والمترتبة عليها, سواء أكانت تلك المعاني ‏حِكَما ًجزئية أم مصالح كلية أم سمات إجمالية, وهي التي تجتمع ضمن هدف واحد هو تقرير عبودية الله ‏ومصلحة الإنسان في الدارين.‏

 

 

 

‏3- ‏تعريف القاعدة المقاصدية بأنها ما يعبر به عن معنى عام مستفاد من أدلة الشريعة المختلفة، اتجهت إرادة ‏الشارع إلى إقامته من خلال ما يبنى عليه من أحكام.‏

 

 

 

‏4- ‏الاطلاع على النصوص القرآنية الكثيرة التي تتحدث عن الوسطية، بالتصريح أو التلميح، والتعرف ‏على معانيها من خلال كلام الأئمة علماء التفسير وغيرهم، وأن الوسطية تعني أكثر من معنى في تلك ‏النصوص، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بـ(العدل) واختار الطبري أن المراد بالوسطية هنا الجزء ‏الذي هو بين الطرفين مثل (وسط الدار) .‏

 

 

 

‏5-‏ الاطلاع على معنى الوسطية في نصوص السنة النبوية، وأنها تعني الاعتدال والتوسط بين الإفراط ‏والتفريط .‏

 

 

 

‏6- ‏الاستقراء لتاريخ ثلاث من الدعوات التي اشتهرت بوسطيتها واعتدالها علماً وعملا ًودعوة، وهي دعوة ‏‏: شيخ الإسلام بن تيمية، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، والأئمة المجتهدين في اليمن، وتم التعريف ‏بإيجاز بمناهج هذه الدعوات وإبراز مظاهر الوسطية لديها، وأنها كانت على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ‏وصحابته وأهل السنة والأثر من سلف هذه الأمة.‏

 

 

 

‏7- ‏انتشار أثر تلك الدعوات في العصر الحاضر، حيث سار عدد من العلماء في كثير من بقاع العالم ‏الإسلامي على نهجها، ونشروا مبادئها، وكوَّنوا مدارس في بلدانهم تقتفي أثرها، وتنهل من معينها.‏

 

 

 

‏8- ‏إن الدعوات المعاصرة من منظمات وجماعات وجمعيات كلها تدَّعي الوسطية والاعتدال، غير أن بعضها ‏قد جنح إلى طرف التفريط أو الإفراط في جوانب من دعوته، وبعضها قد يجمع بين الطرفين المتناقضين بحيث ‏يفرِّط في جهة ويفرُط في أخرى، وهناك من سلمه الله من ذلك فثبت على منهج الوسطية ولزمه في كل أو جل ‏جوانب دعوته.‏

 

 

 

‏9- ‏الوسطية مفتاح الصراط المستقيم، إذ حقيقة الصراط المستقيم أنه سبيل بين سبيلين منحرفين، فكانت ‏معرفة حقيقة الوسطية، والاستقامة عليها، ضمان للاستقامة عليه.‏

 

 

 

‏10- ‏إن تحقيق معنى الوسطية التي ترشد إليها القواعد الكلية والمقاصد الشرعية، ضمان الاعتدال والتوسط في ‏أبواب الاعتقاد وأبواب العلم والعمل, وفي الحكم على الرجال ونقد المخالف, وهذا ما كان عليه أهل السنة ‏أتباع السلف الصالح في تلك الأبواب وغيرها، فهم وسط في فرق الأمة كما أن الأمة وسط في سائر الأمم.‏

 

 

 

‏11-‏ هناك معوقات وموانع تحول بين المرء وبين لزوم المنهج الوسط المأمور به والمحمود أصحابه هي: الجهل - ‏والابتداع - والغلو - والإمعان في طلب التيسير, وإن من أشد موانع الوسطية محاولة تطويع نصوص الشرع ‏لمجاراة الواقع.‏

 

 

التوصيات

 

‏ وهناك جملة من التوصيات التي تجعل ما من شأنه الاهتمام بمفهوم الوسطية ومقتضياته، وهي تتمثل فيما يأتي: ‏

 

‏1-‏ ضرورة التواصل بين النخب العلمية والفكرية في إطار أمثال هذه المؤتمرات والاجتماعات في صورها ‏الدورية وليس الطارئة؛ بحيث تساعد في التوصل إلى قواعد عامة وأطر كلية تحكم المفاهيم وتؤصلها.‏

 

 

 

‏2- ‏الإشراف على المناهج بشتى صورها سواء كانت مدرسية أو جامعية، أو مناهج مراكز علمية ودعوية ‏وما شابه ذلك، بغية توحيد الرؤى المفاهيمية ودفع الإشكاليات المتعلقة بمفهوم الوسطية وأمثاله سواء في ‏الجانب التنظيري والجانب الحركي. ‏

 

 

 

‏3- ‏الاهتمام بفئة الشباب؛ كونها الغالب عليها التأثر بمناهج الإرهاب والغلو، وهو ما يؤدي إلى إشكاليات ‏منهجية وحركية، ما من شأنها زعزعة المجتمع وخلخلة أركانه، والاهتمام يقتضي وضع برامج تعليمية وعملية ‏من أجل استغلال هذه الفئة فيما هو نافع على المستوى الفردي والمجتمعي، وحل مشاكل البطالة وغيرها. ‏

 

 

 

‏4- ‏الاهتمام بالجانب الإعلامي؛ كونه يمثل الوسيلة العظمي في التعبئة على الأفكار المنحرفة، وتساهم في ‏التلقي المخالف لمنهج السلف، وهذا يستدعي أن يساهم المؤتمرون في الدعوة إلى وضع برامج إعلامية توعوية ‏وإرشادية ذات بعد متواصل وليس مؤقتاً، يكون أثرها في المنظور البعيد.‏

 

[1] انظر: مشكلة الغو في الدين في العصر الحاضر، عبدالرحمن بن معلا اللويحق، طبعة خاصة بالمؤلف، ط1، 1419هـ/1998م، ج2، ص700.

 

[2] المرجع السابق، ج2، ص 701.

 

[3] اقتضاء الصراط المستقيم، شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق د. ناصر عبدالكريم العقل، طبعة خاصة بالمحقق، ط1، 1404هـ، ج1، ص128.

 

[4] مشكلة الغلو في الدين، مرجع سابق، ج1، ص69.

 

[5] أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، رقم 100.

 

[6] مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج 17، ص 307.

 

[7] الاعتصام، أبوإسحاق الشاطبي، المنامة، مكتبة التوحيد، ط1، 1421هـ/2000م، ج3، ص 145.

 

[8] مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج 12، ص 466-468.

 

[9] دراسات في الأهواء والفرق والبدع وموقف السلف منها، د. ناصر عبدالكريم العقل، الرياض، دار إشبيلية، ط1، 1418 هـ/1997م، ص 5.

 

[10] أخرجه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح فالصلح مردود، رقم 2550.

 

[11] أخرجه مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، رقم 1718.

 

[12] أخرجه أبوداود في باب لزوم السنة رقم 4607، وروى نحوه الترمذي وابن ماجه والدارمي وغيرهم بإسناد صحيح.

 

[13] اقتضاء الصراط المستقيم، مرجع سابق، ج2، ص 579.

 

[14] من مقدمة الدكتور زين العابدين الركابي على كتاب الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة لعبدالرحمن بن معلا اللويحق، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط 5، 1423 هـ/2002م، ص: أ.

 

[15] اقتضاء الصراط المستقيم، مرجع سابق، ج1، ص 283.

 

[16] أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، رقم 39.

 

[17] متفق عليه، أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، رقم 6404، ومسلم كتاب الفضائل باب مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام واختياره من النباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته، رقم 2327.

 

[18] الموافقات، مرجع سابق، ص 281-285.

 

[19] دراسة في فقه مقاصد اشلريعة بينالمقاصد الكلية والنصوص الجزئية، يوسف القرضاوي، القاهرة، دار الشروق، ط1، 1427هـ/2006م، ص 40.

 

[20] منهج التيسير المعاصر، عبدالله بن إبراهيم الطويل، دار الهدى النبوي، مصر، ط1، 1426هـ/2005م، ص105، وقد ذكر جملة من الأصول تؤول في جملتها إلى الأصلين المذكورين.

 

[21] المرجع السابق، ص 107.

 

[22] يقصد الغنوشي.

 

[23] من مقدمة مشهور حسن سلمان، الموافقات، الخبر، درا عفان، ط1، 1407هـ/1997م، ج1، ص 42-43.

 

[24] انظر المناقشة المستفيضة لقاعدة التيسير ومحترزاتها في: كيف نفهم التيسير؟ وقفات مع كتاب (افعل ولا حرج) فهد بن سعد أباحسين، الرياض، دار المحدث، ط1، 1428 ه،.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات