معركة عين جالوت سقوط أسطورة الجيش الذي لا يقهر

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16

اقتباس

في الوقت الذي كان التتار يكتسحون بلاد الإسلام, ويحضرون للإستيلاء على بغداد, وإسقاط الخلافة الإسلامية, كانت الأوضاع في مصر والشام بالغة السوء والتردي من الناحية السياسية ، ففي مصر أصبح المماليك هم حكام البلاد بعد مقتل توران شاه آخر ملوك الأيوبيين على..

 

 

 

 

مقدمة : من هم التتار ؟

 

يعود أصل التتار إلى الشعوب التركية التي هي سكان القارة الأسيوية فيما وراء النهر والجبال بدءا ً من الهضبة الإيرانية حتى منتهى القارة في أقصى شرق الصين, والتتار فرع من هذه الشعوب التركية يسكنون صحراء جوبي بأطراف بلاد الصين الشمالية – منغوليا الآن – وهم قبائل رعوية تعيش على الرعي والسلب والنهب, أما ديانتها فهي قبائل وثنية تعبد الأوثان والكواكب, وتسجد للشمس عند شروقها وغروبها, وتنتشر بينها ديانة يطلق عليها الشامانية تقوم على تقديس أرواح الأجداد, وتقديم القرابين للحيوانات المفترسة.

 

ويطلق لفظ التتار على قبائل المغول والترك والأويجور وغيرهم, وسر هذا التقسيم يرجع إلى أيام سيطرة جنكيز خان على كل هذه القبائل, وجنكيز خان نفسه كان من عشيرة مغولية، ولكن ليست قوية, ولكنه كان ذا همه عالية وعزيمة لا تلين؛ جمع أفراد عشيرته ووحد صفهم, وخاض معارك طاحنة مع باقي القبائل التركية, وانتصر عليهم جميعا ً, وكون مملكة واسعة مسكونة بتلك القبائل والأمم الأخرى, وقهر ملك الصين وكوريا حتى دانوا له بالطاعة, وأصبح نهر جيحون هو الحد الفاصل بين مملكته الشاسعة وأرض الإسلام, وبالتحديد الدولة الخوارزمية وسلطانها علاء الدين خوارزم شاه.

 

استغل جنكيز خان خلافا ً بسيطا ً مع علاء الدين ليعلن بدء حملة تتارية رهيبة ومدمرة على بلاد الشام ابتداء من سنة 616 هـ استولوا فيها على مدن عظيمة وعريقة مثل بخارى, وسمرقند, ومازندان, والري, وهمذان, وقزوين, ثم يمم جنكيز خان وجهه ناحية الشمال فاستولوا على بلاد القوقاز والبلغار وأذربيجان وبلاد الروس والمجر, حتى شعر جنكيز خان بدنو أجله سنة 625 هـ فقام بتقسيم العالم بن أبنائه الأربعة من زوجته الأولى؛ كما تنص تعاليم التتار كما يلي:

 

[*]   الابن الأكبر جوجي : بلاد روسيا, وخوارزم, والقوقاز, والبلغار, الى غرب المعمورة.

 

[*]   الابن الثاني جغطاي : بلاد الأويجور, وتركستان الغربية, وبلاد ما وراء نهر جيحون.

 

 

[*]   الابن الثالث تولوي : بلاد خراسان, وفارس, وما يمكن ضمه من آسيا الصغرى وبلاد العرب.

 

[*]   الابن الرابع أوغطاي : بلاد المغول – منغوليا – الآن والصين وتركستان الشرقية.

 

ومن خلال هذا التقسيم نلاحظ أن معظم بلاد الإسلام كانت من نصيب أسرة تولوي الذي مات سريعا, وخلفه من بعده الطاغية الأسوأ تاريخيا ً هولاكو عليه لعائن الله - عز وجل -المتتابعة, وكان ذلك من سوء طالع الأمة الإسلامية في تلك الفترة.

 

 

تحالف التتار والصليبيين:

 

كان هولاكو بن تولوي بن جنكيز خان شديد الكره والبغض للأمة المسلمة, وكان ملكا ً جبارا ً كفارا ً عنيدا ً لا يطيق أن يرى أو يسمع عن المسلمين وكان هو الزعيم الفعلي لشعوب التتار كلها, رغم أن الخان الأعظم كان ابن عمه كيوك إلا أن هولاكو هو المحرك الفعلي لكل الحروب على المسلمين, وكان السر وراء هذه الكراهية العارمة للمسلمين أن نصارى أوروبا قد رأوا القوة الناشئة للتتار فخافوا أن يدخلوا فى الإسلام, كما سبق أن دخل إخوانهم السلاجقة في الإسلام فعملوا على اختراق التتار عن طريق النساء الغواني؛ فامتلأت التتار بالأوروبيات اللاتي سيطرن على رجال التتار, ومن هؤلاء هولاكو المجرم؛ فمخطوبته المقربة كانت نصرانية اسمها ظفر خاتون؛ فأذكت نار الحقد والكره للمسلمين بقلب المجرم هولاكو فقاد حملات مدمرة على بلاد الإسلام توجها سنة 656 هـ, بإسقاط الخلافة العباسية, واكتساح بغداد, وقتل سكانها المسلمين في أبشع مجزرة عرفها التاريخ, راح ضحيتها قرابة المليونين من المسلمين الأبرياء العزل, وأصبح العراق من أملاك الدولة التتارية.

 

ـ فرحت أوروبا النصرانية بانتصار التتار على المسلمين، فقد كانوا من أصدقاء النصارى وفيهم بعض النصارى، ولهولاكو نفسه زوجة نصرانية كما قلنا، فضلاً عن أن القائد الذي ولي أمر الشام عندما غادرها هولاكو كان نصرانيًا كما سنعرف ، كل هذا جعل الباباوات وحكام غرب أوروبا ينظرون إلى التتار وكأنهم حلفاؤهم في قتال المسلمين.

والواقع أن فكرة تكوين حلف من الأوروبيين والتتار لتدمير البلاد الإسلامية، كانت موضع تفكير الباباوات في عصور متتالية، وكانت سياسية هؤلاء تهدف إلى نشر الدين النصراني بين التتار، وقد تبادل التتار وحكام أوروبا البعوث، وعلى سبيل المثال: فقد دعا لويس التاسع قسمًا من رجال أمير التتار إلى فرنسا، حيث فاوضهم على عقد اتفاقية عسكرية، تنص على أن يقوم طرفاها بعمليات حربية على المسلمين، يكون فيها دور التتار غزو العراق وتدمير بغداد والقضاء على الخلافة الإسلامية، ويكون دور الصليبيين حماية هذا الغزو التتري من الجيوش المصرية, وتجريد جيوشهم لمنع نجدة القوات المصرية للمسلمين في آسيا، وبالأحرى تقوم بعزل مصر عزلاً تامًا عن سائر البلاد العربية.

ولم يكفّ لويس التاسع عن العمل لاستمالة التتار، وتسخير قوتهم المدمرة لضرب الإسلام، ففي السابع عشر من يناير سنة 1249م سنة 646هـ أرسل إلى أمير التتار هدايا ثمينة حملها إلى الأمير وفد على رأسه الراهب الدومنيكي "أندريه دي لونجيمو"، ومما يذكر أنه كان من بين هذه الهدايا قطعة من الصليب المقدس وصورة للسيدة العذراء، ومختلف النماذج الصغيرة لعديد من الكنائس.

ويقول الأسقف "دي مسنيل Du Masnil" -نائب مدير البعثات التبشيرية في روما- في كتابه عن الكنيسة والحملات الصليبية: "اشتهر هولاكو بميله إلى النصارى النسطوريين، وكانت حاشيته تضم عددًا كبيرًا منهم، من بينهم قائدهم الأكبر "كتبغا" وهو تركي الجنس نصراني نسطوري، كما كانت الأميرة "ظفر خاتون" زوجة هولاكو نصرانية أيضًا.
ولقد لعب نفوذ هذه الأميرة على زوجها دورًا خطيرًا، تفخر به الكنيسة في تجنيب أوربا النصرانية أهوال الغزو التتري، وتوجيه غزوهم إلى العرب المسلمين في الشرق العربي، حيث ذبحت قوات التتار العرب المسلمين في مذابح بغداد، في الوقت الذي أبقت فيه على النصارى في تلك المدينة، فلم تمسهم في أرواحهم أو أموالهم بأذى، كما لعبت الأميرة دورًا في إغراء زوجها باحتلال سورية الإسلامية.

ويصف الأسقف حملة التتار فيقول: "لقد كانت الحملة التترية على الإسلام والعرب حملة صليبية بالمعنى الكامل لها، حملة نصرانية نسطورية، وقد هلل لها الغرب وارتقب الخلاص على يد "هولاكو" وقائده النصراني "كتبغا" الذي تعلق أمل الغرب في جيشهما، ليحقق له القضاء على المسلمين، وهو الهدف الذي أخفقت في تحقيقه الجيوش الصليبية، ولم يعد للغرب أمل في بلوغه إلا على أيدي التتار خصوم العرب والمسلمين.

 

وقد بادر "هاتون الأول" -ملك إرمينية - و"بوهومونت السادس" - أمير طرابلس -، وأمراء الإفرنج "صور" و"عكا" و"قبرص" بادر هؤلاء جميعًا إلى عقد حلف مع التتار، يقوم على أساس القضاء على المسلمين كافة في آسيا، وتسليم هؤلاء الأمراء بيت المقدس.

ويقول "دي مسنيل" في كتابه عن تاريخ التبشير: "إن النصارى هم الذين حرضوا "هولاكو" على الرحيل عن سورية إلى بلاده، ومحاربة أخيه هناك، بسبب موالاته للإسلام".
وأخيرًا انتهى أمل الصليبيين بدخول التتار في الإسلام، وفي ذلك يقول الأسقف "دي مسنيل" واصفًا هذه الخاتمة: "وهكذا نرى الإسلام الذي كان قد أشرفت قوته على الزوال، يسترد مكانته، ويستعيد قوته، ويصبح أشد خطرًا من ذي قبل".

 

العالم الإسلامي والفوضى العارمة:

 

 

لم يكن هدف هولاكو مجرد إسقاط الخلافة الإسلامية فقط؛ فقد كانت همته إفناء الأمة الإسلامية بأسرها حتى لا يبقى على وجه الأرض موحد يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ لذلك بعد أن انتهى من العراق قرر وبسرعة التوجه للشام لأخذها, ومنها إلي مصر, ثم بلاد المغرب, ثم يعبر الأندلس ليمحو الأمة الإسلامية من الوجود تماما.

 

في الوقت الذي كان التتار يكتسحون بلاد الإسلام, ويحضرون للإستيلاء على بغداد, وإسقاط الخلافة الإسلامية, كانت الأوضاع في مصر والشام بالغة السوء والتردي من الناحية السياسية ، ففي مصر أصبح المماليك هم حكام البلاد بعد مقتل توران شاه آخر ملوك الأيوبيين على مصر وذلك سنة 648هـ, وتولى مكانه عز الدين أيبك حتى سنة 655 هـ وهي السنة التي قتل فيها على يد زوجته شجرة الدر التي غارت من هيمنته على الأمور, ورغبته في التزوج من بنت صاحب الموصل, ولكنها ما لبثت أن قتلت جزاءا ً وفاقا ً, وتولى المنصور بن عز الدين أيبك الحكم وهو في الخامسة عشرة من العمر, أما حكام الشام فهم أبناء البيت الأيوبي العريق, وعلى رأسهم الناصر بن عبد العزيز ومعه المغيث بن العادل, وكلاهما يد واحدة على المماليك بمصر وقد أعدوا العدة لحرب وغزو مصر لأخذها من المماليك عنوة في نفس الوقت الذي سقطت فيه بغداد ومعها الخلافة الإسلامية, ومع ذلك فهم في غفلتهم راقدون, وفي غيهم سادرون, وعلى الدنيا والمناصب يقتتلون, فما أفاقوا إلا على جيوش الطاغية هولاكو وهي تطوق ديارهم فما الذي جرى وقتها ؟. ...

 

احتلال الشام والحقد الصليبي:

 

بدأ هولاكو التحضير لغزو الشام بعد أن فرغ من العراق والخلافة؛ فأرسل الطاغية هولاكو إلى الملك الناصر صاحب دمشق حتى يحضر عنده ببغداد ليخدمه كنوع من الخنوع, وإعلان تبعيته كما هو المعتاد؛ فأرسل الناصر ولده العزيز – وهو شاب صغير – بهدايا كثيرة وتحف, ولكن هولاكو غضب من هذا التصرف من قبل الناصر وأمر جيوشه الجرارة بغزو بلاد الشام, ووقع الرعب والفزع الشديد بين أهل الشام واستطاع التتار الإستيلاء على بلاد الجزيرة, وعبروا نهر الفرات, ثم أخذوا جلب وقتلوا كل أهلها في مذبحة مروعة؛ ذلك لأن أهلها أبدوا بعض المقاومة والإمتناع, ثم أخذوا بعدها حماة دون قتال, واقتربوا من دمشق حاضرة الشام, وقد فر منها صاحبها الناصر الأيوبي الذي هام على وجهه من مكان لآخر حتى قبض عليه التتار في النهاية وأرسلوا به إلى هولاكو الذي قتله شر قتله هو وابنه العزيز, ثم أناب هولاكو قائده كتبغانوين في قيادة الجيوش المتجهة لفتح الشام ومصر.

 

كان هذا القائد المجرم من أشهر وأجرأ القادة في القتال, وكان أذكاهم وأدهاهم في فنون الحصار والمناورة, وكان له حيل غير مسبوقة في القتال؛ فكان إذا فتح بلدا ً ساق مقاتلة هذا البلد إلى البلد الآخر الذي يليه, ويطلب من اهل هذا البلد أن يئووا هؤلاء المقاتلة عندهم, فإذا فعلوا حصل مقصودة من تضييق الأطعمة والأشربة عليهم فتقصر مدة الحصار, وإن امتنعوا من إيوائهم, فيضرب المسلمين بعضهم بعضا ً وهو ينظر, ومن حيله أنه كان يتظاهر بقياس مستوى مياه الآبار في المدن المحاصرة, ويضع فيها سما ً قاتلا ً ليهلك أهل المدينة من حيث لا يشعرون, وكان كتبغانوين يحب النصارى بدافع من المخطط النصراني الأوروبي والذي سبق أن ذكرناه من قبل.

 

نزل التتار يقودهم كتبغانوين على دمشق في آخر صفر سنة 658 هـ فأخذوها سريعا ً بلا مدافعة أو ممانعة؛ فلقد هرب أميرها الناصر وجعل التتار على دمشق رجلا ً اسمه إبل سيان, وكان معظمها لدين النصارى, وهكذا نرى أن معظم القادة والامراء التتر كانوا معظمين للنصارى؛ فاجتمع مع الأساقفة والقساوسة, وعظمهم, وزار كنائسهم, وأظهر النصارى – الذين طالما نعموا في ظل الدولة الإسلامية بالأمن والأمان والعدل والمساواة – مكنون صدورهم وأفرغوا شحنات الحقد الصليبي المكبوتة وأهانوا المسلمين وذموا الإسلام, وحملوا صليبا ً كبيرا ً وصاروا به في الشوارع وهو يقولون: ( ظهر الدين الصحيح : دين المسيح ), ومعهم أواني الخمر يرشون منها على وجوه الناس وملابسهم وأبواب المساجد, وجرت منهم أمور فظيعة تدل على مدى الحقد والكراهية للإسلام والمسلمين, وسوف يعلمون عاقبة ذلك سريعا.

 

( وفي أبلغ رد على هؤلاء الحمقى الغافلين الذين يتغنون ليل نهار بالوحدة الوطنية, وإخوة الوطن, ووحدة المصير, إلى غير ذلك من الشعارات الكاذبة التي أضاعت عقيدة الولاء والبراء من قلوب المسلمين, في حين أن غير المسلمين ولاؤهم لدينهم وإخوانهم في الصليب مهما نأت ديارهم وتعددت أوطانهم).

 

رجل الساعة وعنجهية التتار:

 

 

ونعني به بطل الإسلام وقاهر التتار سيف الدين قطز وأصله يرجع إلى الخوارزميين وقيل الأتراك القوقازيين, وذهب بعض المؤرخين إلى أنه الأمير محمود بن ممدود الخوارزمي ابن أخت جلال الدين خوارزم شاه آخر سلاطين الخوارزميين المقتول سنة 628 هـ, وكان قطز مملوكا ً من مماليك السلطان عز الدين أيبك : أول من تسلطن في الدولة المملوكية, وترقى في سلك الجندية حتى صار كبير مماليك عز الدين أيبك؛ لذلك لما قتل أيبك ثار قطز لمقتله, وانتقم من قاتلته شجرة الدر, وجعل ولد أستاذه الامير المنصور حاكما ً على البلاد؛ حتى لا تضطرب الأحوال, ويقتتل الناس على الحكم والملك, وذلك سنة 655 هـ, أي قبل سقوط بغداد ومعها الخلافة الإسلامية على يد الطاغية هولاكو وجيوشه الغاشمة.

 

قبل مغادرة "هولاكو" الشام أرسل رسولاً من رجاله وبرفقته أربعون رجلاً من الأتباع إلى قطز يحملون إليه رسالة منه جاء فيها:

"من ملك الملوك شرقًا وغربًا القائد الأعظم: باسمك اللهم، باسط الأرض، ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، إنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على مَن حَلَّ به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم. قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقّ لمن شكر، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا الطلب، فأي أرض تؤويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟! فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون عندنا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفُّون عند كلام، وخنتم العهود والأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا وأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم، فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذّر من أنذر. وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سَلَّطَنا عليكم من له الأمور المقدّرة، والأحكام المدبرة، فكبيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزًا، ولا كافيًا ولا حرزًا، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم، والسلام علينا وعليكم، وعلى من أطاع الهدى، وخشي عواقب الردى، وأطاع الملك الأعلى".

وكان ذلك في سنة ثمان وخمسين وستمائة هجرية "أوائل سنة 1260م". وكما هو ظاهر من لغة هذا الخطاب أن كتابه هو أحد المسلمين أو العرب الخونة الذين يعملون في خدمة التتار ، كما أن لغته تفيض بالكبر والجبروت والغرور المفضي للهلاك والبوار كما سيجري تماما.

فلما سمع قطز ما في هذا الكتاب جمع الأمراء، واتفقوا على قتل رُسُل هولاكو، فقبض عليهم، واعتقلوا، وأمر بإعدامهم فأعدموا توسيطًا-أي:ضربوا بالسيف في وسطهم ليشطروا نصفين -، كل مجموعة منهم أمام باب من أبواب القاهرة، وعُلقت رؤوسهم على باب "زويلة".

 

ولقد عقد قطز العزم على حرب التتار، وكان قراره نهائيًا لا رجعة عنه؛ وتواترت المعلومات الموثوق بها عن زحف التتار باتجاه مصر، كما علم المصريون باستيلاء التتار على سورية وفلسطين، كما وصل إلى القاهرة كمال الدين عمر بن العديم أحد العلماء الأعلام رسولاً من الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشام يطلب من قطز النجدة على قتال التتار.

وجمع قطز القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه من أمر التتار، وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم، وحضر أصحاب الرأي في دار السلطنة بقلعة الجبل، وحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام، والقاضي بدر الدين السنجاري -قاضي الديار المصرية-، وأفاضوا الحديث، فكان الاعتماد على ما يقوله ابن عبد السلام، وخلاصة ما قال: "إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من حوائص -أي:حزام الرجل وحزام الدابة- المذهبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة، مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا يجوز".

وانفض المجلس على ذلك، ولم يتكلم السلطان، وهو الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك، لعدم معرفته بالأمور ولصغر سنه، فلهج الناس بخلع السلطان وتولية قطز حتى يقوم بهذا الأمر المهم. فقد علم قطز أنه لا بد من خروجه من مصر على رأس قواته العسكرية لقتال التتار، ولكنه لا يستطيع أن يفعل ما يريد، لأن الآراء مغلولة لصغر سن السلطان، ولأن الكلمة مختلفة، فجمع قطز الأمراء والعلماء من أصحاب الرأي، وعرفهم أن الملك المنصور هذا صبي لا يحسن التدبير في مثل هذا الوقت الصعب، ولا بد من أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه كل أحد، وينتصب للجهاد في التتار، فأجابه الجميع: ليس لها غيرك.

 

لقد كان الجواب على رسالة هولاكو هو: القتال، ولا شيء غير القتال. وكان هذا القرار متفقًا عليه من الجميع قبل وصول وفد هولاكو، وقبل وصول رسالته إلى القاهرة.
ولم يكن إعدام الوفد إلا حافزًا جديدًا لقطز وقواته على القتال، دون أن يتركوا الباب مفتوحًا لحل آخر غير القتال.

وهذا موقف لقطز في مثل تلك الظروف التي كانت تحيط به، موقف يُحمد عليه، لأنه انتزع آخر أمل من نفوس المترددين والانهزاميين في احتمال رضوخ قطز إلى مطالب التتار، فقال قطز قولته الحاسمة: "إن الرأي عندي هو أن نتوجه جميعًا إلى القتال، فإذا ظفرنا فهو المراد، وإلا فلن نكون مسلمين أمام الخلق".

 

 

 

كان سيف الدين رجلا ً عابدا ً خيرا ً, يكثر من الصلاة وقراءة القرآن, وليس كمثله من المماليك الأتراك الذين يشربون المسكرات, ولا يختلط بلهوهم وعبثهم, وكان قد رأى رؤيا وهو صبي صغير رأى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول له : "أنت تملك الديار, وتكسر التتار ", ومن يومها وقطز يسعى لتحقيق هذه الرؤيا الحق, لأن الشيطان لا يتمثل بالرسول صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.

 

 

 

معركة عين جالوت:

 

أخذ قطز في الإعداد بسرعة لمواجهة التتار القادمين كالسيل الجارف, وقد اجتمع عنده معظم أمراء وملوك الشام الذين فروا منها بعد استيلاء التتار على الشام, وبعد مشاورة القادة والامراء والعلماء قرر قطز أن يخرج بجيوشه للقاء خارج الديار المصرية, ولا ينتظر لقدومهم عليه؛ فاجتمع عنده عشرات الآلاف من المتطوعين والمجاهدين المخلصين, الذين جاءوا للذب عن حياض الإسلام, والأنتقام لمصاب المسلمين على يد التتار في بغداد وغيرها, وسارت الجيوش المصرية حتى وصلت حدود الشام.

 

كان أمير التتار وقائدهم الكبير كتبغانوين رغم دهائه العسكري الفذ معجبا ً بنفسه مغرورا ً, وإنما تأصل ذلك عنده لأنه لم يلق حتى ذلك الوقت من أبطال المسلمين الصادقين من يضعه في حجمه الحقيقي, فكل من قابلهم كانوا ضعافا ً جبناء؛ فلما سمع بخروج سيف الدين قطز بجيوشه استشار من عنده من أسرى أمراء المسلمين مثل : الأشرف والمجير بن الزكي, فأشاروا عليه بأنه لا قبل له بقطز حتى يطلب إمدادات من هولاكو, وهم في نيتهم تخذيله عن لقاء المسلمين, ولكن دفعه غروره وإعجابه بنفسه لأن يسرع بالصدام مع المسلمين, كأنه يسعى لحتفه بظلفه.

 

لكن لماذا اختار قطز مبادرة التتار بالهجوم ؟

 

خرج قطز يوم الاثنين الخامس عشر من شعبان سنة 658 هـ - 1260م بجميع عسكر مصر ومن انضم إليهم من عساكر الشام ومن العرب والتركمان وغيرهم من قلعة الجبل في القاهرة، يريد معسكر الصالحية، معسكر مصر الكبير في شرق الدلتا.

 

وقبل ذلك، وفي اليوم نفسه، أحضر قطز رسل "هولاكو" وأعدمهم، ليضع قواته المسلحة أمام الأمر الواقع: لا مفر من القتال.

 

ونودي في القاهرة والفُسطاط وسائر أقاليم مصر بالخروج إلى الجهاد، وتقدم قطز إلى جميع الولاة يحث الأجناد للخروج إلى القتال، وسار حتى وصل إلى الصالحية، وتكامل حشد قواته، فجمع الأمراء وكلمهم بالرحيل، فأبوا كلهم عليه وامتنعوا عن الرحيل، فقال لهم: "يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين".

 

وتكلم الأمراء الذين اختارهم وحلّفهم مؤيدين له في المسير، فلم يسع البقية غير الموافقة. لقد جمع قطز قادته قبل المسير، وشرح لهم خطورة الموقف، وذكرهم بما وقع من التتار في البلاد التي غزوها من شنيع السفك والتخريب، وما ينتظر مصر وأهلها من مصير مروع إذا انتصر التتار، وحثهم وهو يبكي على بذل أرواحهم في سبيل إنقاذ الإسلام والمسلمين من هذا الخطر الداهم، فضج القادة بالبكاء، ووعدوا ألا يدخروا وسعًا في سبيل مقاتلة التتار، وإنقاذ مصر والإسلام من شرهم.

 

ولكن لماذا خاف قادة قطز التتار؟

 

كان هولاكو في خلق لا يحصيهم إلا الله، ولم يكونوا من حين قدومهم على بلاد المسلمين سنة 616 هـ - 1219م يلقاهم عسكر إلا فلّوه، وكانوا يقتلون الرجال ويسبون النساء ويأخذون الأسرى وينهبون الأموال، لذلك آثر قادة قطز بعد إكمال حشد قواتهم حماية مصر لا غير، لكثرة عدد التتار واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، لأن التتار لم يقصدوا إقليمًا إلا فتحوه، ولا عسكرًا إلا هزموه، ولم يبق خارج حكمهم إلا مصر والحجاز واليمن، وقد هرب جماعة من المغاربة الذين كانوا بمصر إلى المغرب، لقد كانت المعنويات منهارة، فلا عجب أن يبذل قطز كل جهده لرفع معنويات قادته ورجاله خاصة، والشعب المصري عامة، وأن يستحث القادرين على حمل السلاح للجهاد بأرواحهم، والقادرين على تقديم الأموال للجهاد بأموالهم، وأن يحشد كل طاقاته المادية والمعنوية للحرب، فلا يعلو صوت على صوت المعركة، ولا يُقبل عذر من أحد قادر على الجهاد بماله وروحه، وقد قدم قطز مثالاً شخصيًا رائعًا في الجهاد بماله وروحه في سبيل الله.

 

كما أن قطز صمّم على لقاء التتار خارج مصر، وألا ينتظرهم في مصر للدفاع عنها على الأرض المصرية، حتى يجنب مصر ويلات الحرب أولاً، ويرفع معنويات رجاله ومعنويات المصريين ثانيًا، ويوحي للتتار بأنه لا يخافهم فيؤثر ذلك على معنوياتهم ثالثًا، ولأن المدافع لا ينتصر مطلقًا إلا في نطاق ضيق محدود بعكس المهاجم الذي يؤدي انتصاره إلى كارثة تحيق بعدوه رابعًا، ولأن الهجوم أنجح وسائل الدفاع خامسًا وأخيرًا.

 

إن تصميم قطز على قبول المعركة خارج مصر، كان قرارًا عسكريًا فذًا.

 

وفي يوم كيوم بدر وفي ساعة كساعة الظفر العظيم؛ يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658 هـ كان الصدام الهائل, الذي كان بداية النهاية لأسطورة التتار الذين لا يهزمون, وقد استفاق كتبغانوين ومن معه على جيوش الإسلامية تملأ الوادي والسهل, وتحيط بهم من كل مكان, يتقدمهم سيف الدين قطز, وقد أمر جنوده ألا ينشبوا قتالا ً حتى نزول الشمس, وتفيء الظلال, وتهب الرياح ويدعو الخطباء والناس في صلاتهم للمجاهدين, وهذا يذكرنا بما فعله الصحابي الجليل النعمان ابن مقرن المزني في معركة نهاوند مع الفرس, وتهيأ المسلمون لقتال حتى الموت, قلوبهم مليئة بالإيمان والعزم اللأكيد, ونفوسهم تضطرم برغبة عارمة في الإنتقام لمصاب الأمة بأسرها على يد هؤلاء التتار البرابرة.

 

وبالفعل اصطدم الجيشان في معركة رهيبة من جنس المعارك الخالدة الأولى واقتتل الفريقان قتال من لا يرى الحياة, وكان القائد المظفر قطز في مقدمة الجيش يقاتل قتال الأسد الكاسر, وقد حدث في بداية المعركة أن كسرت ميمنة التتار ميسرة المسلمين, وأشرف المسلمون على الهزيمة, هناك خلع المظفر خوذته معلنا ً عن نفسه وصاح بأعلى صوته : وإسلاماه, وانطلق كالسهم مخترقا ً صفوف التتار حاملا ً لواء المسلمين, وكانت لتلك الصيحة فعل السحر في نفوس المسلمين الذين انقلبت هزيمتهم وفرارهم إلى نصر عظيم وإقبال كالسيل الجارف.

 

أعظم مشاهد المعركة:

 

وبينما القتال محتدم على أشده جرى مشهد هو الأعظم في هذه المعركة؛ حيث قتل جواد القائد قطز ولم يجد أحدا ً في وقتها من الوشايقة – وهم الذين معهم خيول إضافية – فترجل قطز وباشر القتال وهو واقف على رجليه بأرض المعركة, والقتال من حوله على أشده, فرآه بعض الأمراء فترجل على فرسه, وحلف على القائد قطز ليركبنها؛ فامتنع وقال لذلك الأمير: ما كنت لأحرم المسلمين من نفعك, وظل هكذا حتى جاءه بعضهم بفرس فركبها؛ فلامه أحد الأمراء وقال له : لم لم تركب فرس الأمير الذي حلف عليه ؟ فلو أن بعض الاعداء رآك لقتلك وهلك الإسلام بسببك, فقال القائد المؤمن بقلب مملوء بالإيمان واليقين والتواضع والإخلاص : أما أنا فكنت أروح الى الجنة, وأما الإسلام فله رب لا يضيعه, وقد قتل فلان وفلان وغيرهم من ملوك المسلمين فأقام الله للإسلام من يحفظه غيرهم ولم يضع الإسلام.

 

هذه هي العقيدة النقية, والإيمان الراسخ بحتمية نصر الإسلام, وأنه مهما أصاب الإسلام من هزائم وانكسارات بسبب ضعف وتفرق أبنائه وكيد أعدائه, فإنه أبدا ً لن يضيع وسينتصر لا محالة, فهذا أمر كوني قدري, وأيضا ً شرعي, قال تعالى : (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) [التوبة: 33 ]، وقال تعالى: ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) [المجادلة: 21 ].

 

ولم تغرب شمس يوم الجمعة 25 رمضان 658 هـ إلا والتتار قد هزموا هزيمة شنيعة, ولقد فروا من المعركة, وقتل قائدهم اللعين كتبغانوين, قتله الأمير شمس الدين آقوش, ولما وصلت أخبار مقتله لقطز خر ساجدا ً شكرا ً لله - عز وجل -, ثم قال : الآن أنام قرير العين لقد كان هذا الكلب حظ وسعد التتار, والآن ذهب سعدهم.

 

وقد كان في صحبة التتار أحد أمراء المسلمين بالشام من نسل الايوبيين اسمه السعيد قد خان الإسلام, وناصح التتار, ولبس زيهم, وقاتل معهم المسلمين حفاظا ً على ملكه وماله, فلما هزم التتار وقع السعيد الخائن أسيرا ً بيد المسلمين, وعندها أصدر قطز قرارا ً فوريا ً بإعدام هذا الأمير الخائن جزاءً وفاقا ً على خيانته للإسلام والمسلمين, وانتهت المعركة بأعظم انتصار للمسلمين في هذا العقد من الزمان.

 

 

انتصار العقيدة:

**********

إن كل الحسابات العسكرية تجعل النصر إلى جانب التتار بدون أدنى شك، ولكن الواقع يناقض كل تلك الحسابات، فقد انتصر قطز والمسلمون ، وانهزم التتار.

 

فقد كان لقادة التتار تجارب طويلة في الحروب، ولم يكن لقطز وقادته مثل تجارب قادة التتار ولا ما يقاربها، والقائد المجرب أفضل من القائد غير المجرب قطعًا، وكذلك الجيش المجرب أفضل من الجيش الذي لا تجربة له.

 

وكانت معنويات التتار قادة وجنودًا عالية جدًا، لأنهم تقدموا من نصر إلى نصر، ولم تهزم لهم راية من قبل أبدًا، وكانت معنويات قادة قطز وجنوده منهارة، وقد خرج أكثر القادة إلى القتال كرهًا.

 

وقد انتصر التتار في حرب الأعصاب، فكانوا ينتصرون بالرعب، مما يؤثر في معنويات أعدائهم أسوأ الأثر، والجيش الذي يتحلى بالمعنويات العالية ينتصر على الجيش الذي تكون معنوياته منهارة.

 

وكانت كفاية جيش التتار متفوقة على كفاية جيش قطز فواقًا كاسحًا، لأن جيش التتار خاض معارك كثيرة، لذلك كانت تجربته العملية على فنون القتال باهرة إلى أبعد الحدود، أما جيش قطز، فقليل التجربة العملية قليل التدريب.

 

والجيش الذي يتحلى بالكفاية -خاصة في ميدان التدريب العملي- ينتصر على الجيش الذي لا كفاية عملية لديه.

 

وكان جيش التتار متفوقًا على جيش قطز عَددًا وعُددًا، وقد ازداد تعداد جيش التتار بالذين التحقوا به من الموالين والمرتزقة والصليبيين، بعد احتلاله أرض الشام، والتفوق العَددي والعُددي من عوامل إحراز النصر.

 

وكان جيش التتار يتمتع بمزية فرسانه المتدربين، وكان تعداد فرسانه كبيرًا، مما ييسر له سرعة الحركة، ويؤدي إلى تطبيق حرب الصاعقة التي كانت من سمات حرب التتار، والجيش الذي يتحلى بسرعة الحركة يتغلب عل الجيش الذي لا يتحلى بهذه الميزة.

 

وكانت مواضع جيش التتار في عين جالوت أفضل من مواضع جيش قطز، لأن تلك المواضع كانت محتلة من التتار قبل وصول جيش قطز إلى المنطقة التي كانت تحت سيطرة التتار.

 

وللأرض أثر عظيم في إحراز النصر.

 

وكان جيش التتار متفوقًا على جيش قطز في قضاياه الإدارية؛ إذ كان يستند على قواعده القريبة في أرض الشام، وهي التي استولى عليها واستثمر خيراتها، بينما كانت قواعد جيش قطز بعيدة عنه، لأنه كان يعتمد على مصر وحدها في إعاشته، والمسافة بين مصر وعين جالوت طويلة؛ خاصة في تلك الأيام التي كانت القضايا الإدارية تنقل على الدواب والجمال مخترقة الصحاري والوديان والقفار.

 

هذا التفوق الساحق الذي بجانب التتار في سبع مزايا حيوية:

 

التجربة العملية، والمعنويات العالية، والكفاية القتالية، والعدد والعدة، وسرعة الحركة، والأرض، والقضايا الإدارية، هذا التفوق له نتيجة متوقعة واحدة، هي: إحراز النصر على قطز وجيشه أسوة بانتصاراتهم الباهرة على الروم والفرس والعرب والأمم الأخرى في زحفهم المظفر الطويل.

ولكن الواقع أن الجيش المصري انتصر على جيش التتار، فكيف حدث ذلك؟

 

أولاً: قدّم شيوخ مصر، وعلى رأسهم الشيخ العز بن عبد السلام إرشاداتهم الدينية لقطز، فأخذ بها ونفذها على نفسه وعلى رجاله بكل أمانة وإخلاص، وأمر رجاله بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فخرج الجيش من مصر تائبًا منيبًا طاهرًا من الذنوب.

وكان على رأس المجاهدين جميع القادرين من شيوخ مصر على السفر وحمل السلاح وتحمل أعباء الجهاد.

 

ثانيًا: قيادة قطز الذي كان يتحلى بإرادة القتال بأجل مظاهرها، فكان مصممًا على قتال التتار مهما تحمل من مشاق، وبذل من تضحيات، ولاقى من صعاب.

ولعل إصراره على مهاجمة التتار خارج مصر، وعدم بقائه في مصر، واختياره الهجوم دون الدفاع، واستبعاده خطة الدفاع المستكن، هو الذي جعل رجاله قادة وجنودًا في موقف لا يؤدي إلا إلى الموت أو النصر، مما جعلهم يستقتلون في الحرب، لأنه لم يكن أمامهم في حالة الهزيمة غير الإبادة والإفناء.

 

إن قطز لم يجاهد ليتولى السلطة، بل تولى السلطة من أجل الجهاد.

 

ثالثًا: إيمان قطز بالله واعتماده عليه، وإيمان المتطوعين في جيشه من المجاهدين الصادقين الذين خرجوا طلبًا للشهادة، كان له أثر عظيم في إحراز النصر.

 

إن أثر قطز والمجاهدين معه في معركة عين جالوت كان عظيمًا، وحين اطمأن قطز إلى نصر الله ترجل عن فرسه، ومرغ وجهه في التراب تواضعًا، وسجد لله شكرًا على نصره، وحمد الله كثيرًا وأثنى عليه ثناءً عاطرًا.

 

لقد كان انتصار المسلمين في "عين جالوت" على التتار انتصار عقيدة لا مراء.

 

 

المراجع:

 

  • البداية والنهاية.
  • النجوم الزاهرة.
  • التاريخ الإسلامي.
  • سلسلة المعارك الكبرى.
  • تاريخ الخلفاء.
  • موسوعة التاريخ الإسلامي.
  • أطلس تاريخ الإسلام.
  • وفيات الأعيان.
  • سير أعلام النبلاء.
  • معركة عين جالوت للواء محمود شيث خطاب

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
اناننا
17-02-2020

خطابك عبارة عن بغض وكراهية للبشر وتحاول اشيع البغظاء اكثر مما هية موجودة تشجيعك لسفك الدم ماهو الا ادلجة عمياء دخلت لكي اقرة عن المعركة مو عن التحريض على المسيحيين اخوتنة